المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

*أسعار الوقود ارتفعت منذ مطلع العام الحالي بنسبة 9% *نتنياهو يتدخل في الساعات الأخيرة لخفض الزيادة بشكل طفيف بينما المطلوب شعبيا تخفيض حاد على ضرائب الوقود *53% من سعر الوقود ضرائب*

*أسعار الوقود ارتفعت منذ مطلع العام الحالي بنسبة 9% *نتنياهو يتدخل في الساعات الأخيرة لخفض الزيادة بشكل طفيف بينما المطلوب شعبيا تخفيض حاد على ضرائب الوقود *53% من سعر الوقود ضرائب*

اختار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، يوم الأربعاء الأخير، القيام بحركة استعراضية، في قاعة الهيئة العامة للكنيست، للتعبير عن "اعتراضه" على نسبة الضرائب الهائلة المفروضة على أسعار الوقود، التي سجلت في مطلع شهر آذار الحالي ذروة غير مسبوقة، إذ قام وغادر القاعة، قبل التصويت على مشروع قانون قدمه عدد من النواب يقضي بتخفيض الضرائب على الوقود، كي لا يصوت ضده، ولكن لشديد السخرية، فإن حكومة نتنياهو ذاته عارضت القانون، ولذا فقد سقط بأغلبية كبيرة.

نتنياهو يبقى نتنياهو المولع بالاستعراضات الإعلامية، وحركته لم تكن أكثر من استهلاك إعلامي، لأنه هو المقرر الأساس في السياسة الاقتصادية التي تتبعها حكومته، وليس وزير المالية يوفال شتاينيتس، الذي هو ليس أكثر من خاتم مطاطي لهذه السياسة، وهذا انطباع سائد في وسائل الإعلام والحلبة الاقتصادية والسياسية.

وحركة نتنياهو تلك لربما كانت محاولة بائسة لامتصاص الغضب المتزايد في الشارع الإسرائيلي في أعقاب موجات الغلاء التي بدأت تطل من جديد، فما تم تخفيضه في الصيف والخريف الماضيين في أعقاب حملة الاحتجاجات الشعبية، عاد ليرتفع من جديد، وبشكل خاص منتوجات الألبان والأجبان، وليس هذا فقط، بل إن خبراء اقتصاد يحذرون من ارتفاع أسعار حاد في الكثير من السلع والخدمات في أعقاب الارتفاع الحاد في أسعار الوقود.

ارتفاع أسعار الوقود

وكانت أسعار الوقود قد سجلت في مطلع الشهر الجاري ذروة غير مسبوقة، إذ سجل سعر لتر البنزين (95 أوكتان) وهو الأكثر استخداما، ارتفاعا بنسبة 5%، ليرسو بداية عند سعر رسمي 05ر8 شيكل، ثم تدخل نتنياهو في الساعات الأخيرة وقرر تخفيض الزيادة ليرسو السعر عند 95ر7 شيكل، وهو ما يعادل 12ر2 دولار، وفي التسويق الفعلي، فإن هذا السعر قد ينخفض ببضع سنتات في إطار المنافسة بين محطات الوقود، ويتراوح التخفيض ما بين 5 إلى 7 سنتات على الأكثر، وبهذا الارتفاع، يكون سعر البنزين قد ارتفع في الربع الأول من العام الجاري بنسبة 9%.

وجاء هذا الارتفاع في أعقاب ارتفاع أسعار النفط في العالم، وبشكل خاص في أعقاب التهديدات التي لا تتوقف عنها إسرائيل لإيران، والعقوبات الاقتصادية التي شرعت أوروبا والولايات المتحدة في تطبيقها وتصعيدها ضد إيران، وبموازاة ذلك، فإن سعر صرف الدولار أمام الشيكل، عاد إلى مجال تحركه الذي كان عنده في العام 2010، اي ما بين 7ر3 شيكل إلى 8ر3 شيكل، وهذا أعلى بنسبة 4% عن معدله الذي كان عليه في النصف الأول من العام الماضي 2011.

لكن الجدل في إسرائيل يتركز في نسبة الضريبة المفروضة على أسعار الوقود، ففي حين يدفع المستهلك 8 شيكلات مقابل لتر بنزين واحد، فإن السعر الأصلي لهذا اللتر هو في حدود 85ر3 شيكل، والباقي ضرائب، بمعنى أن الضرائب تشكل نسبة 53% من السعر الذي يدفعه المستهلك.

وقد نشرت صحيفة "ذي ماركر" لائحة بأسعار البنزين في عدد من الدول المتطورة في أوروبا، وإسرائيل لا تحتل المرتبة الأولى، ولكن حينما يكون السعر فيها قريبا من السعر في ألمانيا وبريطانيا، فإن هذه المقارنة لا تأخذ بعين الاعتبار الفارق الشاسع في مستوى المعيشة بين إسرائيل وتلك الدول.

وسعى نتنياهو "للتسريب" عبر مصادره لوسائل الإعلام أنه يحاول تخفيض الضريبة المفروضة على أسعار الوقود، وقالت الصحافة الاقتصادية إن اجتماعا عقد في ديوان نتنياهو في الأسبوع الماضي بمشاركة مسؤولين من وزارتي الطاقة والمالية وديوان نتنياهو، للبحث في إيجاد بدائل لقسم من الضرائب المفروضة على أسعار الوقود، إلا أن ممثلي وزارة المالية عارضوا كليا تخفيض الضرائب.

وبحسب التقديرات، فإن الضريبة الثابتة على سعر الوقود، هي في حدود 3 شيكلات لليتر الواحد، تحقق مداخيل سنوية بقيمة 5ر2 مليار شيكل، ما يعني 667 مليون دولار، وهذا لا يشمل ضريبة المشتريات على الوقود بنسبة 14%، وحسب التقديرات، فإنها تحقق هي الأخرى أكثر من 200 مليون دولار سنويا.

وقال الملحق الاقتصادي "مامون" الذي يوزع مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن رفع أسعار الوقود بهذه النسبة من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الكثير من السلع الأساسية، فمثلا أسعار الخبز، بسبب دور الوقود في هذه الصناعة، وتسويقها، وكذا الأمر بالنسبة لسعر المياه، الذي شهد أصلا ارتفاعا حادا في العامين الماضيين، ومن هناك ستكون الطريق قصيرة لموجة غلاء ستشهدها السوق الإسرائيلية في الأشهر القليلة المقبلة.

وكما ذكر هنا، فإن هذه القضية كانت أيضا مناسبة للكشف عن هوية وزير المالية الحقيقي، وهو بنيامين نتنياهو، ففي صبيحة اليوم التالي لقرار نتنياهو بتخفيض الزيادة بشكل طفيف، تبين من تقارير صحافية، أن نتنياهو اتخذ القرار لوحده، رغم معارضة يوفال شتاينيتس، المتواجد في الصين، لا بل تبين أكثر، أن قرار نتنياهو صدر في الوقت الذي كان فيه شتاينيتس يصرّح لصحيفة "يديعوت أحرونوت" برفضه اجراء أي تخفيض على سعر البنزين، لا بل وراح يقول إن سعر لتر البنزين قد يصل في فترة لاحقة إلى 10 شيكلات.

وقال شتاينيتس في مقابلة مع الصحيفة ذاتها إنه "ليس لطيفا، فهذا أمر يلقي بعبء على الجمهور، ولا أي واحد منا يحب هذا، ولكن علينا قول الحقيقة: إن غلاء الوقود نابع من تشديد العقوبات على إيران، ونحن ندفع بالجميع من أجل أن يشددوا العقوبات على إيران، من أجل منع التهديد النووي علينا وعلى العالم كله".

وتابع شتاينيتس قائلاً: "بناء على ذلك، وبمدى معين فنحن ندفع ثمن هذا، وبالتأكيد من الممكن ألا يتوقف ارتفاع السعر عند هذا الحد، وهدفنا هو ألا يكون بوسع إيران تصدير النفط إطلاقا، وحينها قد يرتفع سعر لتر البنزين لدينا إلى ما بين 9 وحتى 10 شيكلات، ولا مفر من التعامل مع هذا، فلدينا مصلحة في تشديد العقوبات".

وفي رد على سؤال حول امكانية تخفيض الضرائب على الوقود قال شتاينيتس: "إنني لا اعتقد أن على الدولة أن تغير سياسة الضرائب التي تسير بموجبها في كل شهر ترتفع أو تنخفض فيه أسعار البنزين".

اتساع الفجوات

بطبيعة الحال، فإنه لدى فتح اي ملف يتعلق بمستوى المعيشة والغلاء، يعود الحديث مجددا عن اتساع الفجوات الاقتصادية في إسرائيل، على الرغم من النمو الاقتصادي المعلن عنه سنويا، والذي كما أكد بنك إسرائيل أن الغالبية الساحقة جدا من النمو الاقتصادي بقيت من نصيب كبار أصحاب رأس المال.

وهذا الاستنتاج ظهر أيضا في تقرير أحد أضخم البنوك العالمية UBS، الذي تكلم من ناحية عن اتساع حجم الثراء في إسرائيل، ولكن في المقابل، فإن الفقر زاد عمقا، وحسب هذا التقرير فإنه منذ العام 1985 وحتى العام 2008، تراجع المدخول الفعلي للعائلات الفقيرة بنسبة 1ر1%، بينما ارتفعت لدى الشرائح الغنية بنسبة 4ر2%.

واختار المحلل الاقتصادي أمنون أتاد، في صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية، التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، نشر مقال أشبه بتوبيخ لوزير المالية يوفال شتاينيتس، يقول فيها إن فرحة قادة الاقتصاد بمعطيات النمو لا أساس لها على أرض الواقع.

ويقول أتاد في مقاله إن وزير المالية أعرب عن ابتهاجه بتقرير صندوق النقد الدولي، الذي امتدح جوانب عديدة في الاقتصاد الإسرائيلي، واعتبر أن هذا مرده إلى إتباع نمط إقرار ميزانيتي عامين في آن واحد، وسياسة الانضباط المالي، إلا أن شتاينيتس لم يذكر عن قصد نقاطا سلبية جاءت في التقرير، ومنها أنه على الرغم من النمو الاقتصادي في إسرائيل، إلا أن نسب الفقر في إسرائيل هي من بين الأعلى لدى الدول الأعضاء في منظمة OECD.

ويتابع أتاد كاتبا: فقط قبل أسبوعين نشرت منظمة OECD تقريرا أشار بشكل واضح إلى الفجوات الاقتصادية الاجتماعية في إسرائيل، وأنها تتقلص بنسبة هامشية جدا، إذ أن نسبة الفقر في إسرائيل ترتفع بشكل متواصل في السنوات العشر الأخيرة، وهي ضعفا معدل نسبة الفقر في دول منظمة OECD.

ويقول أتاد: في الحقيقة نحن لسنا بحاجة إلى الخبراء من الخارج كي يشرحوا لنا حقيقة الأوضاع الاقتصادية في إسرائيل، فحتى العام 2002 ساهمت الضرائب المباشرة والمخصصات الاجتماعية في تقليص عدد الفقراء في إسرائيل بنسبة 3ر34%، ولكن في ذلك العام بات بنيامين نتنياهو وزيرا للمالية في حكومة أريئيل شارون، ووضع سياسة اقتصادية لا تزال متبعة حتى اليوم، واليوم نحن نرى أن الضرائب المباشرة والمخصصات الاجتماعية تقلص الفقر بنسبة 4ر23% فقط.

ويختتم أتاد محذرا من استمرار سياسة عدم المساواة في الموارد لكونها تساهم في استمرار اتساع الفجوات الاقتصادية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات