المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

العجز المالي سيرتفع الى 3،9% * رؤساء المالية والجهاز الامني الاسرائيلي يتفقون على ان يصل حجم ميزانية وزارة الدفاع الاسرائيلية لسنة 2003 الى 43،33 مليار شيكل، بزيادة 2 مليار شيكل عن الميزانية التي اقرتها الكنيست الخامسة عشرة في اواخر العام 2002 * بالمقابل: تقليص ميزانية 2003 بمبلغ 12 مليار شيكل

اتفق رؤساء المالية والجهاز الامني الاسرائيلي على ان يصل حجم ميزانية وزارة الدفاع الاسرائيلية لسنة 2003 الى 43،33 مليار شيكل، بزيادة 2 مليار شيكل عن الميزانية التي اقرتها الكنيست الخامسة عشرة في اواخر العام 2002.
هذا ما تقرر في ختام سلسلة مداولات باشتراك رئيس الوزراء ارئيل شارون ووزير الدفاع شاؤول موفاز ووزير المالية بنيامين نتنياهو والوزير في وزارة المالية مئير شطريت. وتأتي هذه الاتفاقات خلافا للخطط الاصلية للمالية في الحكومة السابقة بتقليصؤميزانية الامن وخفض الميزانية العامة (بواسطة التقليصات) بمبلغ 12 مليار شيكل وزيادة العجز الحكومب الى 3،9% للعام 2003.

وفي عام 2004 ستقل ميزانية الدفاع بمليار شيكل، لتصبح 42،33 مليار شيكل. وفي سنة 2005 ستقل الميزانية بمليار اضافي لتصبح 41،33 مليار شيكل.

ويعد القرار الذي تم التوصل اليه (الخميس 13 اذار) جسراص على الهوة بين مطلب وزارة الدفاع باضافة 3 مليار شيكل (الوزارة طالبت بزيادة خمسة مليارات في بداية المباحثات) ومطلب وزارة المالية التمسك بميزانية الامن التي اقرتها الكنيست مع علاوة بسيطة فقط. ويعني هذا الاتفاق رفع حجم التقليص في ميزانية 2003، الذي كان من المفروض ان يكون حوالي عشرة مليارات شيكل، الى 12 مليار.

ووافقت وزارة المالية على الزيادة بدافع من <تفهم المطالب المستعجلة لجهاز الامن> كما يقولون في الوزارة.

من ناحية اخرى التزم الجهاز الامني بتقليل ميزانيته بمليار شيكل في كل عام خلال السنتين القادمتين.

وبعد التوصل الى اتفاق بشأن ميزانية الامن سيعرض نتنياهو خطة التقليصات امام الجمهور والحكومة في الاسبوع القادم.

وتقول المصادر المطلعة في المالية ان خطة نتنياهو للتقليصات تشبه الخطة التي بلورها وزير المالية السابق سلفان شالوم واقرتها الكنيست الخامسة عشرة عشية الانتخابات التشريعية الاخيرة في اسرائيل.

وتقوم الخطة على تقليصات بحجم 12 مليار شيكل في ميزانية جميع الوزارات وزيادة العجز في الميزانية من 3،0% من الناتج القومي كما خطط سلفاً الى 3،9%، وعلى دمج المساعدة الامريكية لاسرائيل للعام 2002 بقيمة اكثر من 2 مليار شيكل في كتاب الميزانية للعام 2003 بجانب المساعدة المدنية للعام 2003 بقيمة اكثر من 2 مليار شيكل ايضاً، من المفترض ان تصل نهاية العام.

وتعتبر خطة التقليصات التي اتت بها المالية الاكبر في تاريخ الاقتصاد الاسرائيلي، وستكون بحاجة لتصديق الحكومة والكنيست عليها.

* تقليص في القشطة ام خطر على الأمن؟

ثمة في الجهاز الأمني من يدعي بأن وجود الدولة سيتعرض للخطر اذا ما نفذ تقليص آخر في ميزانية الأمن - كما طالبت وزارة المالية في هذه الأيام. وماذا يقولون في وزارة المالية؟ اذا لم نقلص في الأمن ستتعرض دولة اسرائيل الى خطر حقيقي - خطر مالي جسيم، لا يقل اطلاقا عن الخطر الأمني.

هذه اسطوانة تتكرر سنويا. وزارة المالية تبحث عن مجال للتقليص، فتكتشف - بشكل غير مفاجىء - ان بند الميزانية الأكبر هو في جهاز الأمن، فتقرر "القطع، عميقا، في الميزانية". ولا تمر أيام معدودة حتى يبدأ جنرالات الجيش، من مختلف الأذرع، باطلاق صيحات البكاء والادعاء بأن <<الأمن سيتأذى، وبأننا على ابواب حرب>> (<<متى لم نكن؟>> - يسألون في وزارة المالية) والويل الويل إن تم التقليص.

بعد ذلك، يعرف مسؤولو المالية تتمة الاسطوانة: تأتي التهديدات: <<سنقلص الأنشطة إذا قلصتم الميزانية>>. يهددون، اولا وقبل كل شيء، بالتوقف عن التزود بأي عتاد جديد، ويتابعون، لاحقا، بالتهديد المحبذ <<سنقلص ايام الخدمة الاحتياطية>>. ثم يأتي التهديد الأكبر: <<اذا لم يضيفوا لنا بضعة مليارات، لن تكون اسرائيل جاهزة للحرب القادمة>>.

بعد ذلك يتواصل الطقس الديني الثابت: رئيس الحكومة يخشى من المس بعظمة الجيش، يستدعي وزير المالية - اسحاق رابين استدعى ابراهام (بايغة) شوحط، وبنيامين نتنياهو استدعى دان مريدور ويعقوب نئمان، وارئيل شارون استدعى سيلفان شالوم - ويحاول اقناعه بالإكتفاء بـ "التعادل": لا زيادة اموال، ولا تقليص.

* <<وجبات سريعة في مقر وزارة الدفاع>>

يقول رؤساء وزارة المالية - وخاصة بنيامين نتنياهو الذي كان رئيساً للحكومة – انهم لم يعودوا يحتملون هذا الوضع. <<هل اذا سافر عدد اقل من الضباط الى استكمالات غير مفهومة في الخارج، وتغيبوا خلال ذلك عن البلاد، سيتضرر الأمن؟>>، تساءل مسؤول كبير في وزارة المالية، <<وهل اذا قلصنا مئات السيارات الفخمة التي يستخدمها بشكل ثابت الضباط برتبة رائد، سيتضرر الأمن؟>>.

هذه الاقتراحات صدرت عن شخصيات ومصادر مختلفة. التقليص في الكماليات، لا في عدد الدبابات او الطائرات. لكن شيئا لم ينفذ في هذه البنود طيلة سنوات عديدة. اوري دوري، الذي اشغل في الماضي منصب رئيس اتحاد المقاولين، قال بعيد خروجه من لقاء رؤساء الاقتصاد مع وزير المالية نتنياهو (الاربعاء 13 اذار): <<كان بالإمكان، مثلا، استبدال الاف السيارات الممنوحة للضباط بشكل ثابت، بسيارات مستأجرة. هكذا كان من الممكن ان يوفر الجيش ملايين الشواقل، وربما اكثر. بالامكان تحضير وجبات سريعة في القواعد العسكرية، مثل مقر وزارة الأمن في تل أبيب التي لا يتناول احد فيها، تقريبا، وجبات الافطار الصباحية وقليلون جدا يتناولون وجبات الغداء، بدلا من القاء كميات هائلة من الطعام الى النفايات وتشغيل طاقم مضخم من الطباخين>>. (يديعوت احرونوت 13 اذار).

التبذير في الجيش الاسرائيلي، كما يقول مسؤولو المالية، لا حدود له: سيارات عسكرية تسافر كل منها 200 كيلومتر لإحضار رزمة صحف للجنود في ايام السبت، رغم ان غالبيتهم الساحقة تكون قد غادرت الى البيوت؛ وطائرات ومروحيات عسكرية تحلق في سماء البلاد ساعات لنقل مختلف الضباط، غير الكبار بشكل خاص، الى اجتماعات هنا وهناك، بل والى حفلات واعراس في حيفا او عراد وغيرهما؛ والجيش يخفي في مخازنه سيارات معينة ويطالب بشراء سيارات جديدة بديلة، لأن تلك السيارات غير صالحة؛ وغيرها وغيرها.

ويشير مسؤولو المالية، مثلا، الى بعض البنود التي يمكن التقليص فيها. في هذه السنة، مثلا، يخرج 1،400 ضابط من الخدمة النظامية الى التقاعد بتكلفة اجمالية تبلغ 700 مليون شيكل. 1،400 آخرون يشتركون، هذه السنة، في دورات استكمال ويحصلون على رواتبهم بشكل اعتيادي. واضافة الى ذلك، يشير مسؤولو المالية بغضب الى ان معدل الراتب السنوي للجنود النظاميين من رتبة رائد وما فوق يصل الى 300 ألف شيكل في السنة - وهو مبلغ كبير جدا.

* <<اوقفوا خدمة الغسيل>>

ميزانية جهاز الأمن لسنة 2003، حسب كتاب الميزانية العامة، هي 43،97 مليار شيكل. جهاز الأمن طالب بزيادة نحو 3 ـ 5 مليارات شيكل للقيام بالمهام المنوطة به خلال السنة القريبة. وزارة المالية، بالمقابل، طالبت بتقليص 6،3 مليارات شيكل.

خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، عقد رؤساء وزارتي المالية والأمن الاسرائيليتين جلسات طويلة للبحث في الموضوع. وزير الدفاع شاؤول موفاز اوضح ان وزارته لا تستطيع القبول بتقليص 6،3 مليارات شيكل. وفي خطاب القاه في الكنيست قال موفاز انه اذا ما تقرر اجراء هذا التقليص، فان ذلك سيؤدي الى فصل الآلاف من العاملين في الصناعات العسكرية.

<<تقليص 6،3 مليارات شيكل من ميزانية جهاز الأمن، هو امر لا يستطيع الجهاز تحمله>>، يقول المصدر الأمني الاسرائيلي الكبير في حديث مع "يديعوت احرونوت" (13 اذار). <<لدينا مشكلة حادة وكبيرة في موضوع الارهاب الفلسطيني، وهي ستستمر هذه السنة ايضا. نحن في غمرة الاستعدادات للحرب في العراق، ولقيادة الجبهة الداخلية احتياجات كبيرة في هذا المجال. هنالك جاهزية في سلاح الجو، لكن ينبغي التهيؤ لكل ما يمكن ان يحدث على الحدود الشمالية. وينبغي التفكير ايضا بما يمكن ان يحدث بعد سنتين - ثلاث سنوات>>.

ولكن الجيش الاسرائيلي يواجه مشكلة فورية، اكبر بكثير. فحسب المصدر الأمني الكبير، لن يستطيع الجيش تجنيد جنود الاحتياط ابتداء من مطلع نيسان، اذا نفذت التقليصات. << لن يكون هذا ممكنا>>، يوضح المصدر. <<هنالك ايضا مشاكل تتعلق بقطع الغيار للمركبات المدرعة، وبساعات التحليق المخصصة للطائرات الحربية. كل الحديث عن هذه التقليصات هو غير واقعي>>.

خلال الأيام الأخيرة اوقفت في الوحدات النظامية خدمات الغسيل للجنود. وتجري الآن اعادة النظر في بعض االاكراميات والامتيازات - ومنها، العطل في الفنادق، ايام النقاهة للوحدات، الجولات في مواقع مختلفة، وحتى دورات "البسيخومتري" (امتحانات خاصة للالتحاق بمعاهد التعليم العالي في اسرائيل) ودورات تعليمية اخرى مختلفة.

* حرب واحدة تكفي

في الأيام الأخيرة طلب وزير المالية بنيامين نتنياهو من الوزير بلا حقيبة في وزارة المالية مئير شطريت تولي الاتصالات مع رؤساء وزارة الدفاع. وزارة المالية تعكف على وضع برنامج متعدد المراحل: بعد بضع سنوات سيريدون جيشا أصغر، واكثر نجاعة، يخرج ضباطه النظاميون الى التقاعد في سن الـ65 ، وليس الـ 40 كما هو الحال اليوم.

<<لماذا يكون سن التقاعد لأمين مستودع في مصنع للنسيج، مثلا، 65 عاما بينما امين المستودع في الخدمة العسكرية النظامية يخرج الى التقعد قبل ذلك بـ 20 عاما؟>>، يتساءل موظف كبير في وزارة المالية ولا ينتظر الجواب: <<ليس ثمة أي تفسير او مبرر لهذا، ولن نسمح به اكثر>>. في الجيش يدركون ان ساعة التقليصات الحادة قد حانت، ولا مفر منها. وهذا في الوقت الذي يستغرب فيه مسؤولو المالية كيف استطاعت وزارة الدفاع، خلال الشهرين الأولين من هذه السنة، <تبذير> 8،433 مليارات شيكل من مجمل ميزانية الأمن لسنة 2003 والبالغة 43،798 مليار شيكل.

هكذا يلخص الأمر مسؤول رفيع جدا في وزارة المالية: <<لن نسمح فقط لهم بصرف مبالغ اكثر في هذه السنة، بل سيضطرون ايضا الى الإكتفاء بالقليل، بـ1،5 مليار شيكل على الأقل، اقل مما خصص لهم في بداية السنة المالية>>.

لكن في الجيش يقولون شيئا آخر. فقد اوضحوا هذا الأسبوع، انه في سنة مثل هذه - حيث يتواصل احتلال الجيش للمناطق الفلسطينية، ويزداد خطر التعرض لهجوم عراقي، وربما يقع هجوم في الحدود الشمالية ايضا - لن يستطيعوا الاستمرار في هذه التقليصات.

مصدر امني رفيع جدا قال هذا الأسبوع، ان الجيش الاسرائيلي موجود الآن في فترة حرجة ومتوترة جدا ولا يمكن مجرد التفكير باجراء تقليصات. <<لا اذكر حالة توتر كهذه في الجيش. هكذا لا يمكن اجراء أي تقليص>>، قال المصدر. <<نحن نستعد للحرب في العراق، ونعرف ان علينا المحافظة على درجة عالية من الجاهزية لمواصلة الحرب مع الفلسطينيين>>.

نهاية الاسبوع ايضا تواصلت المداولات بين الطرفين سعيا الى التوصل الى التسوية المطلوبة. الوزير مئير شطريت مثل وزارة المالية في هذه المداولات، بينما مثل وزارة المالية كل من مديرها العام عاموس يارون، ونائب رئيس اركان الجيش غابي اشكنازي.

المصدر الأمني اتهم موظفي وزارة المالية الذين عملوا على اقرار التقليصات في الحكومة، رغم علمهم المسبق بأنها غير ممكنة التنفيذ. <<لقد استغل هؤلاء، مسبقا، التغيير الوزاري في وزارة الدفاع، حين استقال بنيامين بن اليعيزر، ومرروا القرار بتقليص 6،3 مليارات شيكل.

<<لو تصرفت انا كما تصرف موظفو المالية - ان اعرض على الحكومة عملية عسكرية اعرف مسبقا انها ستفشل واختبىء وراء تكهنات غير صحيحة - لكنت طرت من منصبي>>. واضاف المصدر الأمني الكبير ايضا، ان الطريقة التي يبحثون بها اجراء تقليصات في ميزانية الأمن تذكره بـ <<البازار التركي>>.

وعلى الرغم من التصريحات الاحتفالية التي يطلقها الطرفان، يمكن القول ، استنادا الى تجربة الماضي، ان كل شيء سينتهي بتسوية.

وهذا ما كان. فالتقليص، سيكون ضئيلا نسبيًا، ويكفي لنشاط حربي واحد غير متوقع - <<تصاعد الارهاب في البلاد وفي المناطق، او تهديد حربي جديد من الخارج>> (سوري؟ ايراني؟) - لكي تعود ميزانية الأمن وتقفز الى ارقام قياسية جديدة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات