المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

واحد من أسرار سحر شارون السياسي هو التأثير الكبير المنسوب له على رئيس الولايات المتحدة، جورج بوش. فشارون نجح في تسجيل بوش عضوًا في مركز "الليكود"، وامتطى صهوة صداقتهما صوب النجاح الجارف في الانتخابات. ومعًا، أبطل الاثنان كل خطة لحل سياسي، هددت بدفع إسرائيل نحو تنازلات وشكلت خطرًا على مجهودها لتركيع الفلسطينيين. واتضح هذا الأسبوع، أن "خارطة الطرق" أيضًا وُضعت على الرف، إلى ما بعد الحرب في العراق، ومن المرجح أنها قُبرت للأبد، مثلما قُبرت كل المبادرات السابقة التي خرجت من وزارة الخارجية الأمريكة وشركائها الأوروبيين.وبدا هذا التزاوج بين القدس وواشنطن متكاملا، إلى حين بدء المداولات المستمرة حول رزمة المساعدات الاسرائيلية، وأوضحت أن لهذه الصداقة المزدهرة حدودًا أيضًا. واتضح فجأةً، أن نظام بوش كريم على حساب الفلسطينيين، ومسرور بتزويد شارون بلفتات سياسية. فأصلاً، هو لا يريد أن يكون الوساطة في النزاع الأزلي حول تقسيم البلاد. ولكن عندما طلبت إسرائيل حصتها من حقيبة الأموال الأمريكية تبدّلت تصريحات المحبين بأسئلة صعبة، وشَغّل النظام الأمريكي طواحينه البيروقراطية، بغيار واطئ.

نهاية القصة غير معروفة بعد. رزمة المساعدات لم تُستكمل بعد، وحتى أنها لم تُناقش في المستوى الرفيع في النظام الأمريكي بعد، وإسرائيل أيضًا لم تُشغّل كل رافعات التأثير التي لديها في واشنطن. وفي القدس الآراء منقسمة. ففي مكتب رئيس الحكومة مقتنعون بأن النتيجة ستكون أيجابية، وبأن إسرائيل ستحصل على كل الضمانات التي طلبتها، بقيمة ثمانية مليارات دولار، وعلى نصف مطلب المنحة الأمنية، حوالي ملياري دولار. وتهُبّ تقديرات متشابهة من السفارة في واشنطن. ولكن عناصر أخرى تبدي تفاؤلاً أقل. فقد انطبع وزير المالية، بنيامين نتنياهو، من محادثته مع كوندوليسا رايس، هذا الأسبوع، بأن الصعوبات التي في الطريق ما زالت كثيرة. وفي أروقة أخرى يتحدثون عن إدارة فاشلة للمفاوضات مع الولايات المتحدة، وعن سلسلة من الفشل، بدأت في صفقة "الفالكون" الفاشلة مع الصين واستمرت برزمتي المساعدات الخاصة التي وُعدت بهما إسرائيل في السنتين الأخيرتين، ولم تصلا بالمرة.

في كل هذه الحالات دخلت إسرائيل في محادثات مع الولايات المتحدة، من خلال تقدير تفاؤلي وتفاجأت حين اكتشفت أن للأمريكيين أيضًا مصالح، وهم يفضلونها حتى على إهتمامهم بإسرائيل. وفي واشنطن لا يبدون حماسًا لتمويل حرب الجيش الاسرائيلي ضد الفلسطينيين، ويرفضون رؤية هذه الحرب جزءًا من الحرب الكونية ضد "الارهاب". ورُدّ مدير عام وزارة "الأمن"، عاموس يارون، لكي يحضر طلب المساعدة الأمنية من جديد، لحصره في تكاليف الاستعداد للحرب في العراق، وليس في تغطية مصاريف الانتفاضة. التفسير من وراء هذه الخطوة كان، أنه سيكون من السهل عندها تمرير الرزمة في الكونغرس.

وأبدى النظام الأمريكي توددَه لشارون، عشية البرايميرز والانتخابات، في موافقته على لقاء مدير مكتب الأخير، دوف فايسغلاس، لاجراء محادثات حول الدعم. وأظهر رئيس الحكومة للجمهور أنه يملك الحل السحري للأزمة في المرافق الاقتصادية، بمساعدة العمّ الأمريكي. وهكذا قوّى من الجانب الاقتصادي في حملته الانتخابية المهزوزة. وبعد الانتخابات تبدّل مجرى الريح. فايسغلاس سافر ثانيةً إلى واشنطن مع كبار وزارتي المالية والأمن، بتقدير أنهم ذاهبون لـ "إغلاق الصفقة". وبدلا من ذلك، مرّ الاسرائيليون بتحقيق "تقاطعي" وبُعث بهم ليحضّروا واجباتهم البيتية. وتدير إسرائيل الآن معركة حول المساعدة الأمنية وحول الحفاظ على مطلب الضمانات بأكمله.

من الصعب القول ما إذا كان شارون يتزود بتقديرات وردية زيادة عن اللزوم، من المحيطين به، أم أن الموظفين صدّقوا أن لمسة شارون السحرية، وعدة محادثات بين "دبدوب" و"كوندي"، ستكفي لفتح حنفية المساعدات. لكن شارون فهم البلاغ وسارع إلى توكيل نتنياهو بمسألة الضمانات. وفي حالة نجاح الأخير، فإن شارون سيدّعي لنفسه الفضل في ذلك، في أعقاب طرح الموضوع في محادثاته الأخيرة مع بوش؛ وفي حالة فشله ستقع المسؤولية على وزير المالية. وسيتضح بعد الحرب في العراق فقط، ما إذا كانت المماحكة على المساعدة نزاعًا ماليًا عاديًا بين زوجين، أو أنها ترمز لاستعداد بوش لمواجهة شارون، في المسائل الأكثر حساسية.

(هآرتس، 13 اذار 2003، الترجمة العربية: "مـدار)

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات