المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بالرغم من أن المعارضة تملك عددًا كبيرًا نسبياً من المقاعد في الكنيست إلا أنه ما زال من المبكر الحديث بأنها قادرة على تشكيل أي خطر يذكر على حكومة شارون، بل ان الأخطار الداخلية على حكومة شارون أكبر بكثير من الأخطار التي قد تشكلها المعارضة عليه في الأشهر المقبلة.

بقلم: وديع أبونصار

دعا عمرام متسناع، زعيم حزب العمل الإسرائيلي الذي يعد أيضا زعيم المعارضة الإسرائيلية، السفراء المعتمدين لدى إسرائيل إلى اجتماع خاص صباح يوم الخميس الماضي (27 شباط) شرح فيه الأسباب التي دفعته إلى رفض الانضمام إلى حكومة أرئيل شارون، حيث شدد بأن شارون رفض التوقيع على ما تحدث عنها شفهيًا بصدد الانسحاب من بعض المناطق الفلسطينية والموافقة على قيام دولة فلسطينية في هذه المناطق.

ويأتي اجتماع متسناع بالسفراء الأجانب بهدف شرح موقف حزب العمل بعد أن اعتقد البعض بأن متسناع على وشك الانضمام إلى حكومة شارون بالرغم من وعوده الانتخابية التي تحدثت بعكس ذلك. كما هدف هذا الاجتماع إلى تقديم متسناع للرأي العام الدولي كزعيم نشط للمعارضة الإسرائيلية، إذ أسهب متسناع بالحديث عن خططه في تنظيم معارضة فعالة لحكومة شارون، بالأساس داخل أروقة الكنيست الإسرائيلي.

بالرغم من حديث متسناع هذا إلا أن الكثير من المراقبين يشككون في قدرته على تنظيم معارضة فعالة ضد حكومة شارون. ويمكننا الحديث عن عدة عوامل يمكن اعتبارها عراقيل أمام عمرام متسناع لقيادة معارضة قوية وفاعلة ضد حكومة شارون. العامل الأول يكمن في أن الرأي العام في إسرائيل يرى بعمرام متسناع شخصية تفتقد للكاريزما القيادية. ويتحدث البعض بأن ضعف متسناع أصبح واضحًا بحيث أنه فشل في توحيد حزب العمل تحت قيادته ضمن أي موقف. فكلما اتخذ متسناع موقفاً في موضوع ما كلما برزت مقابله معارضة صارخة من قبل بعض رموز الحزب.

العامل الثاني يعود أيضًا إلى متسناع شخصيا، حيث اتهم في العديد من الاستطلاعات التي نشرت مؤخرًا بأنه هو، وليس شارون، من يتحمل فشل تشكيل حكومة وحدة وطنية في إسرائيل، وهو أمر طالما طالب به الكثير من الإسرائيليين اليهود. فمجرد موافقة متسناع على التفاوض مع شارون حول تشكيل مثل هذه الحكومة جعلته يظهر في نظر بعض مؤيديه كمن تنازل عن وعده الانتخابي بعد الدخول إلى حكومة شارون. وعند رفضه الانضمام لهذه الحكومة ظهر بنظر مؤيدي حكومة الوحدة الوطنية كمن يضرب وحدة الشارع الإسرائيلي من أجل مصالح حزبه.

بالإضافة إلى الجوانب المتعلقة بشخصية عمرام متسناع مباشرة، فإن أمامه عراقيل أخرى تعترض طريق قيادته لمعارضة فعالة في الكنيست الإسرائيلي. فبالرغم من أن أحزاب المعارضة تملك مجتمعة 52 مقعد في الكنيست، مما يجعلها معارضة كبيرة نسبيًا، إلا أن هذه المعارضة مقسومة بين حزب العمل المحسوب على التيار الوسطي أكثر منه اليساري، وحزبي يهدوت هتوراه وشاس الدينيين المحسوبين على التيار اليميني سياسياً، بالإضافة إلى ميرتس والأحزاب العربية المحسوبة على التيار اليساري. إن هذه الفروقات الجوهرية، بالأساس بين أحزاب اليسار وأحزاب اليمين الموجودة في المعارضة تجعل مهمة متسناع في توحيد صفوف المعارضة أمرًا شبه مستحيل.

من جهة أخرى، وبالرغم من الأوضاع الاقتصادية والأمنية المتردية إلا أن أرئيل شارون ما زال يتمتع بشعبية كبيرة في صفوف الإسرائيليين اليهود، مما يصعب مهمة متسناع في تشكيل معارضة لشخص شارون الذي يحظى بدعم قطاعات شعبية واسعة. إلا أن السياسة التي ينتهجها شارون حاليًا تشكل العائق الأكبر أمام قدرة متسناع على قيادة وتنظيم معارضة فاعلة ضد رئيس الحكومة. فشارون يرى بالتطورات المحلية والإقليمية، بالرغم من كل تعقيداتها، عاملا مساعدًا له، بالذات كون الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جورج بوش الابن مؤيدة له. فشارون يرى بلأزمة العراقية الراهنة والتطورات الإقليمية التي قد تتلوها بالأساس على الجبهة الفلسطينية عوامل التي من شأنها أن تزيد من التفاف الرأي العام الإسرائيلي حوله مما قد يجعل المعارضة الإسرائيلية أكثر تشتتاً وضعفاً.

لذلك، وبالرغم من أن المعارضة تملك عددًا كبيرًا نسبياً من المقاعد في الكنيست إلا أنه ما زال من المبكر الحديث بأنها قادرة على تشكيل أي خطر يذكر على حكومة شارون، بل ان الأخطار الداخلية على حكومة شارون أكبر بكثير من الأخطار التي قد تشكلها المعارضة عليه في الأشهر المقبلة. فالصراعات التي قد يتعرض لها حزب الليكود جراء عدم رضى بعض رموزه من المناصب التي حصلوا أو قد يحصلوا عليها في التركيبة الحالية للحكومة، والخلافات بين رئيس الحكومة وشركائه من الأحزاب الأخرى المشاركة في الائتلاف حول مواقف الحكومة إزاء قضايا سياسية واقتصادية وأمنية، من شأنها أن تزعزع أركان الحكومة أكثر من فرص متسناع بفعل ذلك.

غير أن الفرصة قد تكون متاحة أمام متسناع لقيادة معارضة قوية في حال قررت الإدارة الأمريكية استرضاء العرب وإعادة تفعيل عملية السلام المجمدة على غرار ما حدث في مؤتمر مدريد الذي عقد في العام 1991، بعد بضعة أشهر من انتهاء حرب الخليج الثانية التي قادتها الولايات المتحدة ضد العراق. في مثل هذه الحالة، ستكون أمام متسناع فرصة لتشكيل معارضة ضد حكومة شارون وربما استقطاب بعض المشاركين في حكومة شارون الحالية للانضمام اليه، إلا أن احتمالات حدوث مثل هذا السيناريو ما زالت غامضة، نظرًا لأنه يعتمد بالأساس على ما قد يحدث من تطورات خلال الأسابيع المقبلة في الشرق الأوسط عامة وعلى الجبهتين العراقية والفلسطينية خاصة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات