المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في ديوان رئاسة الوزراء الاسرائيلية يتواصل العمل على إعداد الرد الأسرائيلي على <خريطة الطرق>. بوش عاد وكرر في خطابه التزامه بالخطة المشتركة للولايات المتحدة وشركائها في "المجموعة الرباعية" ( الإتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة)، لكنهم في القدس الغربية يشيرون الى ان الرئيس الأمريكي <أبقى ثغرة للتغيير>، بقوله إن الخطة لا تزال قيد الإعداد. الجدول الزمني لإنهاء <خريطة الطرق> ليس معروفا، ولا شك انه سيتأجل الى ما بعد الحرب.

استحوذ <خطاب الصورة الكبرى>، وهو الوصف الذي اطلقه مسؤولو البيت الابيض الامريكي على خطاب رئيسهم جورج بوش (26 شباط) أمام <المعهد الامريكي للمبادرة> (AEI)، على اهتمامات صانعي القرار في اسرائيل، التي كانت تعد لتتويج الحكومة الثلاثين فيها – حكومة ارئيل شارون الثانية - وسط تأكيدات متزايدة في اسبوعَي المفاوضات الائتلافية التي سبقت تشكيلها، وحتى في أثناء معركة الإنتخابات الأخيرة، على <مسار بوش> وضرورة اعتماده <ملهماً> في رسم السياسة الاسرائيلية الرسمية حيال المسألة الفلسطينية وحل الصراع في الشرق الأوسط.

ويترك هذا الخطاب ارتياحاً كبيراً لدى اسرائيل الرسمية، ممثلة برئيس حكومتها ارئيل شارون، كونه تجاوز الاشتغال الزائد عن الحاجة والمتواصل بالتفاصيل الصغيرة لما يقوم به الرئيس العراقي صدام حسين وبـ <خروقاته المنهجية لقرارات الاسرة الدولية>، ولامَسَ <الرؤيا الشاملة للشرق الاوسط الجديد بعد صدام حسين>: <عراق ديموقراطي وحر، ووقف المساعدات المالية المقدمة لـ "منظمات الارهاب"، وتجديد المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين>، وصولا الى اقامة <الدولة الفلسطينية> في نهاية المطاف.

ويرى المسؤولون في اسرائيل ان الخطاب يتضمن، علاوة على الخطوات العملية التي فصلها بوش، توضيحاً لحقيقتين أساسيتين <بشكل نهائي>: الاولى ان اسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين ونزع التسلح العراقي ليس الهدف الوحيد للحرب، والثانية ان بوش تخلى نهائياً عن معارضته استخدام القوة العسكرية الامريكية في سبيل <بناء الامم> وتسييد الديموقراطية والسلام في العام.

في تصريحاته ربط بوش بين العمل العسكري الامريكي المتوقع في الخليج العربي وبين مستقبل الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني، من خلال العودة الى التزامه في خطابه من الرابع والعشرين في حزيران الماضي باقامة دولة فلسطينية مستقلة خلال اطار زمني مدته ثلاث سنوات.

لم يقدم بوش تفاصيل جديدة عن خطة السلام التي يؤسس لها بعد الحرب على العراق، واكتفى بالعودة الى اسس المسار المسمى باسمه وكذلك الاسس الواردة في <خريطة الطرق>. لم يجدد بوش شيئاً فيما يتعلق بخططه العملية لحل الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني، لكنه - وكما يكتب نتان غوطمن مراسل "هآرتس" في الولايات المتحدة (28 شباط) - <ارسل الى الاطراف رسالة تقول ان الاعتناء بالامر يقع في رأس سلّم اولوياته، مباشرة بعد الانتهاء من العراق>.

بوش وشارون متفقان، كما اكدا في خطابيهما كل على حدة – حول ضرورة السير فوق <مسار بوش>، والبدء بتطبيق خطة الرباعية للحل المسماة <خريطة الطرق>. وهناك من بين المحللين السياسيين الاسرائيليين من يجد أن <القاسم المشترك لخطاب جورج بوش عن الحرب وخطاب أرئيل شارون في حفل التنصيب هو الأهمية القليلة جدًا التي اولاها كلاهما للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. فالرئيس الأمريكي مشغول الآن بالتحضيرات لاحتلال العراق، بينما رئيس الحكومة مهتم الآن باشفاء الأقتصاد وبقضايا الدين والدولة. وبالنسبة لكليهما، بامكان العملية السياسية ـ بل يجب عليها ـ الانتظار حتى يفرغ جدول اعمالهما من شؤونهما الملحة>. (الوف بن، "هآرتس" 28 شباط).

في مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية في القدس الغربية استقبلوا خطاب بوش، برضى واكتفاء كبيرين، حيث عرض خططه لحرب العراق ولـ <اليوم التالي> على نظام الرئيس العراقي صدام حسين.

وكان شارون قد اجرى محادثة هاتفية مع الرئيس الأمريكي قبل الخطاب ببضع ساعات، ولذلك لم يفاجأ بما ورد فيه: بوش ملتزم بمسار المراحل الذي اتفق عليه مع رئيس الحكومة الاسرائيلية: يتوقف الفلسطينيون عن <الأرهاب>، اولاً، ثم ينفذون <اصلاحات عميقة ويستبدلون الرئيس ياسر عرفات>، وفقط بعد ذلك يأتي دور اسرائيل لتقديم تنازلات من جانبها.

في خطابه المذكور، الذي أثار انتقادات فلسطينية وعربية شديدة، ربط بوش، ربطاً واضحاً، بين <النجاح في العراق> واستئناف العملية السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين، وتكلم بتعابير مقبولة على القيادة الإسرائيلية حين وعد بـ <كبح جماح الأنظمة التي تدعم "الإرهاب" في المنطقة>.

بالمقابل، ستكون طلباته من اسرائيل صعبة على حكومة اليمين الجديدة. بوش يتحدث عن تقدم نحو اتفاق نهائي، بينما الخطوط العريضة لحكومة شارون تكتفي بتسوية مرحلية. الرئيس الامريكي يريد من اسرائيل ان تدعم انشاء دولة فلسطينية <ممكنة الوجود> ـ وهو تعبير يرمز الى ضرورة تنفيذ انسحاب اسرائيلي واسع من المناطق المحتلة، يوفر للفلسطينيين تواصلا اقليميا ـ جغرافيا. لكن انسحابًا كهذا بالنسبة لحكومة شارون الجيدة سيكون مطلوبًا فقط بعد <ازالة خطر الإرهاب وتحسن الوضع الأمني>. كذلك هو الحال مع الأستيطان، الذي يجب أن يتوقف ايضًا، ولكن فقط <بعد تحقيق تقدم نحو السلام>.

مع مثل هذه الإشتراطات، ليس لدى شارون ما يستدعي القلق او الإسراع. ويرى مساعدوه انه حتى بعد الحرب في العراق ايضًا، سيتم توجيه الضغط الأمريكي الى الفلسطينيين اولاً، وليس لأسرائيل.

.. وهكذا اقنعوا أفيغدور ليبرمان بالأنضمام الى الأئتلاف الحكومي: <ما همُّك"، قالوا له، <الخلافات بيننا ستثور فقط بعد الإصلاحات وتغيير القيادة لدى الفلسطينيين، وهذا سيستغرق وقتا طويلا جدا>.

عمرام متسناع، الذي سمع الوعود المطمئنة ذاتها، لم يقتنع ولم ينضم الى <قافلة شارون>. شمعون بيرس، الذي عاد من رحلة قصيرة الى الولايات المتحدة، يرى ان إدارة بوش لن تضغط على شارون، لكن موقفها قد يتغير سعيًا منها الى ترميم علاقاتها مع الأوروبيين بعد الحرب على العراق.

في مكتب شارون سيستمر العمل في إعداد الرد الأسرائيلي على <خريطة الطرق> الدولية للتسوية مع الفلسطينيين. بوش عاد وكرر التزامه بالخطة المشتركة للولايات المتحدة وشركائها في "المجموعة الرباعية" ( الإتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة)، لكنهم في القدس الغربية يشيرون الى ان الرئيس الأمريكي <أبقى ثغرة للتغيير>، بقوله إن الخطة لا تزال قيد الإعداد. الجدول الزمني لإنهاء <خريطة الطرق> ليس معروفا، ولا شك انه سيتأجل الى ما بعد الحرب.

شارون سيزور الولايات المتحدة فقط بعد ان تتضح الصورة في العراق، ويتحول اهتمام الإدارة الى مواضيع اخرى. حينذاك سيحاول الإتفاق مع بوش على خطة للتسوية ثم البدء بتنفيذها الفوري.

الزيارة الأولى التي سيقوم بها شارون خارج إسرائيل ستكون، كما يبدو، الى شرم الشيخ لكي يلتقي، للمرة الأولى، الرئيس المصري حسني مبارك. الموعد لم يتقرر بعد، ولن يكون في الأسبوع القريب. حالياً، مصر تنفي، وتستنكر الإعلان عن اللقاء المزمع في أوج التحضيرات العربية قمة عربية اخرى، تفرضها الأحداث على القادة والزعماء العرب، الذين يدورون هم أيضاً في <فلك الأحداث>.

شارون فصّل، في خطابه في الكنيست (27 شباط)، مطالبه للتسوية مع الفلسطينيين، وفي مقدمتها التنازل الفلسطيني عن <حق عودة> اللاجئين الفلسطينيين الى داخل اسرائيل، وإقامة <مناطق أمنية وعازلة> والمحافظة على <القدس كاملة وموحدة>.

ليس هنالك اليوم قائد فلسطيني واحد يوافق على التفاوض على هذه المطالب. على رغم ذلك، يأملون في القيادة الإسرائيلية أن <ينبت النصر الأمريكي في العراق شريكاً فلسطينياً كهذا>.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات