تعتبر العلاقات الروسية- الإيرانية أحد الملفات التي تشغل اهتمام المجتمع الدولي، وبالأخص إسرائيل، التي تنظر إلى هذا التقارب بعين الحذر والقلق الكبيرين، خاصة مع التنامي السريع للتعاون العسكري- الأمني والاقتصادي، التنسيق الاستراتيجي في قضايا إقليمية مثل الأزمة السورية وبرامج التسلّح الصاروخي الهجومي والدفاعي لا سيّما بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية. هذه التطورات تثير مخاوف إسرائيل بشكلٍ كبير، إذ أنها تعتبر هذا التقارب من شأنه تعزيز نفوذ إيران في المنطقة وهو ما تعتبره تهديداً مباشراً "لأمنها القومي"، في ظل مساعي إسرائيل لتغيير موازين القوى وميزان "الردع" مقابل إيران منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وخصوصاً مع دخول المواجهة بينهما في مسار جديد وغير مسبوق.
لم يكن ثمة ما هو طبيعيّ، بالتأكيد، أكثر من توقع ردود الفعل الإسرائيلية، السياسية والقضائية والإعلامية، الرسمية منها وغير الرسمية على حد سواء، والتي أجمعت على استخدام شعار "معاداة السامية" الجاهز لوصف ومهاجمة قرار "محكمة الجنايات الدولية" إصدار مذكّرتي اعتقال دوليتين بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق، يوآف غالانت (من 29 كانون الأول 2022 حتى يوم 7 تشرين الثاني 2024)، بشبهة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة خلال حرب الإبادة الشاملة التي شنتها عليه ـ ولا تزال ـ تحت اسم "حرب السيوف الحديدية"، ابتداء من يوم 8 تشرين الأول 2023 حتى يومنا هذا، غداة الهجوم الذي شنته "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس، على القواعد العسكرية والبلدات الإسرائيلية في منطقة ما يسمى "غلاف غزة" في جنوب إسرائيل، والملاصقة للحدود مع قطاع غزة.
خلال جلسة أخيرة عقدتها لجنة رقابة الدولة في الكنيست تم الكشف عن صورة وُصفت بـ"المقلقة حول أوضاع مؤسسة التأمين الوطني" في إسرائيل ومستقبل قدراتها على الوفاء بمستحقاتها، وعن أن المؤسسة "ستنهي سنتها المالية هذا العام بعجز مالي جدي". وجاء في بروتوكول الجلسة أن "مؤسسة التأمين الوطني تواجه أحد أكبر التحديات منذ تأسيسها، ويحق لمواطني دولة إسرائيل الحصول على إجابات واضحة وعلى حلول عملية".
بتاريخ 29 أيلول 2024، وقع يوآف غالانت، وكان في حينها وزير الدفاع الإسرائيلي، أمرا يقضي بالاعتقال الإداري مدةَ أربعة أشهر ضد مستوطنيْن مشتبه بتورطهما في اعتداءات ضد فلسطينيين في قرى الضفة الغربية. المشتبه بهما، يديديا شموئيل شتاين من مستوطنة براخا وموشيه نشوشتان من مستوطنة يتسهار، متهمان بالمشاركة في هجمات على قريتي جيت ويتما الغربية، ومثل هذه الهجمات غالبا ما تستهدف المجتمعات الفلسطينية. ولكن في 20 تشرين الثاني الحالي، ومع تولي يسرائيل كاتس وزارة الدفاع بعد إقالة غالانت، أعلن عن التوقف عن استخدام الاعتقال الإداري ضد إرهاب المستوطنين.
تدل التقارير الاقتصادية الإسرائيلية الجديدة على أن اتساع الحرب على لبنان واستمرارها، زادا من غوص الاقتصاد الإسرائيلي في وحل، لربما سيكون الأعمق منذ عشرات السنين، ففاتورة الحرب المباشرة تتضخم، وهذا انعكس في الزيادة الثالثة لميزانية العام الجاري 2024، واستفحال العجز المالي، وزيادة المديونية الحكومية، وسط توقعات بخفض تدريج إسرائيل الائتماني في العالم، في حين أن الأزمة تستفحل في القطاع الاقتصادي، والخسائر المدنية الجديدة في الشمال توحي بأنها أقرب إلى شلل اقتصادي، وكل هذا يجعل التقديرات للعام المقبل، وحتى ما بعده، تنقلب إلى الأسوأ، ما يؤكد مجددا أن هذه الأزمة سترافق إسرائيل لسنوات، وبات من الصعب تحديد عددها منذ الآن.
ما زال فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية التي جرت يوم 5 تشرين الثاني الحالي، يمنح أبواق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حافزاً على التحليق بعيداً في كل ما يتعلّق بالتوقعات الإسرائيلية منه خلال ولايته الرئاسية الثانية التي سوف تبدأ يوم 20 كانون الثاني 2025.
ولعل الأمر المهم عند قراءة هذه التوقعات هو سبر الرغبات التي ينطوي عليها هذا التحليق حيال الواقع المرتبط بمصير الحرب على قطاع غزة ومستقبل القضية الفلسطينية وسائر القضايا الإقليمية وفي طليعتها الصراع مع إيران.
الصفحة 44 من 617