المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ضمن بنيامين نتنياهو في نهاية الشهر الماضي كانون الأول، ودون أية صعوبة، فوزه في انتخابات رئاسة حزبه الليكود التي قبل الحزب بإجرائها سريعا في 23 شباط المقبل، بعد أن اتبع الأسلوب ذاته، الذي ينتهجه منذ أن عاد إلى رئاسة الحزب في العام 2005. وبذلك سيضمن نتنياهو لنفسه رئاسة الحزب أيضا في الانتخابات البرلمانية المقبلة. واستنادا لاستطلاعات الرأي التي تظهر تباعا، فإنه أيضا سيشكل حكومته الخامسة بعد الانتخابات أيضا.

ويستفيد نتنياهو من عدة متغيرات حصلت في الحزب، بما فيه عمله الدؤوب لإبقاء كل شخصية يتوقع أن تنافسه مستقبلا، في ظل العمل الحكومي والحزبي. فحتى المنافس الافتراضي الجديد، الذي يلقى رواجا في وسائل الإعلام، الوزير السابق غدعون ساعر، قرر عدم المنافسة في الانتخابات المقبلة، لمعرفته بالنتيجة مسبقا.

وقد عاد نتنياهو إلى رئاسة حزب "الليكود" في نهاية العام 2005، بعد الانشقاق الذي شهده الحزب وقاده الرئيس السابق أريئيل شارون، بتشكيله حزب "كديما" المنحل حديثا. وقاد نتنياهو حزب الليكود منذ العام 1993 وحتى منتصف العام 1999. وخلالها من العام 1996 إلى العام 1999، أعاد الليكود إلى الحكم، وشكّل حكومته في تلك السنوات. وخسر الحكم مجددا في انتخابات العام 1999، وأعلن يومها اعتزاله الحياة السياسية، إلا أنه سرعان ما عاد اليها في النصف الثاني من العام 2002، وخاض الانتخابات البرلمانية، ضمن قائمة حزبه برئاسة شارون، وحلّ في القائمة ثانيا. وكان حتى الانشقاق، في خريف 2005 ندّا لشارون. وكانت عودته لرئاسة الحزب خيار اللا مفر، في حزب متهاو، يبحث عن "نجم" ينقذ ما يمكن انقاذه في انتخابات 2006. يومها حصل الليكود على 12 مقعدا، وحلّ ثالثا بعد "كديما" و"العمل" وبفارق كبير.

متغيرات عملت لصالح نتنياهو

استفاد نتنياهو من عدة متغيرات طرأت على حزب "الليكود" في العقدين الأخيرين، غيّرت طابع الحزب، وجعلته لا يختلف عن أحزاب المستوطنين الأشد تطرفا. كما يغيب عن الحزب نجوم السياسة، القادرون على إحداث جرف شعبي خلفهم. وبرز التصاق نتنياهو بمصالح حيتان المال، وبهم شخصيا، وهم بسيطرتهم على الاقتصاد ووسائل الإعلام، يضمنون له سنوات حكم متواصلة، قد يسجل فيها نتنياهو رقما سياسيا، من بين كل رؤساء حكومات إسرائيل، من حيث عدد الحكومات التي شكلها، ومدة بقائه في الحكم بشكل متواصل.

من اليمين إلى اليمين الأشد تطرفا: منذ منتصف سنوات التسعين، بدأ حزب "الليكود" يشهد عملية تغيير في تركيبته الداخلية، بدأت بتسلل مجموعات يمينية استيطانية متطرفة إلى قواعد الحزب، ومن خلالها إلى المجلس المركزي، ولاحقا إلى الهيئات القيادية، وشكلت مركز قوة، بدأ يؤثر على كل انتخابات داخلية في الحزب، خاصة لتشكيل قائمة الحزب للانتخابات البرلمانية، حتى حينما كان حجم هذا التكتل صغيرا، وزاد تأثيره كلما تنامى حجمه وقوته.


وعمل هذا التغير على تصفية التيار اليميني الأيديولوجي، الذي كان يقود الحزب، في حركة حيروت، وأيضا حينما شكلت الحركة حزب الليكود في العام 1973، وكان حضوره واضحا حتى مطلع سنوات الالفين، وتلاشى كليا في الانتخابات الأخيرة.
واستفاد نتنياهو من هذا المتغير، الذي لاءم جوهر عقليته وخطه الفكري والسياسي. وهذا برز حينما وصل إلى الكنيست لأول مرة في العام 1988، واشغاله منصب نائب وزير الخارجية في العام 1990، وإبان مؤتمر مدريد للسلام في خريف العام 1991. وأيضا حينما رئس الحزب في العام 1993، وقيادته المعارضة اليمينية الميدانية ضد اتفاقيات أوسلو، ووصوله إلى الحكم لأول مرة في العام 1996.

غياب نجوم السياسة: بخلاف حزب "العمل"، فإن حركة "حيروت" ومن ثم "الليكود" لم يكن يعج بنجوم السياسة القادرين على جرف الشارع، فمنذ العام 1948 وحتى العام 1983 قاد الحزب مناحيم بيغن، وكانت رئاسة إسحق شمير، خيار اللا مفر أمام واقع اعتزال بيغن بشكل مفاجئ للسياسة في ذلك العام. وفي العام 1992 اعتزل شمير السياسة بعد خسارة انتخابات ذلك العام، وتم احضار نتنياهو في الصف الثاني لقيادة الحزب، فالشخص الأبرز فيه أريئيل شارون، كان ما يزال تأثير دوره في الحرب على لبنان ومجزرة صبرا وشاتيلا كبيرا عليه، وما كان بإمكانه تولي زعامة الحزب.

واختيار الحزب لأريئيل شارون في العام 1999، كان هو أيضا يندرج في اطار "خيار اللا مفر"، وكذا كان الحال بعودة نتنياهو الى الرئاسة في العام 2005. ولكن نتنياهو لم يكتف بواقع حال الحزب، وعمل كثيرا من أجل اقصاء كل من كان مرشحا لمنافسته، بدءا من سلفان شالوم، الذي اضطر لاعتزال السياسة في الشهر الأخير من العام المنصرم.

كذلك نجح نتنياهو، بالتصاقه بالجناح الأشد تطرفا، في اقصاء منافسه في السنوات الأخيرة، العنصري المتطرف موشيه فيغلين. وكان نتنياهو قد أعلن في العام 2011 ولاحقا، أنه يطمح إلى نسبة تأييد مطلقة في الحزب تتجاوز نسبة 80%، إلا أنه كان يحصل في كل الانتخابات الأخيرة لرئاسة الحزب على ما بين 75% إلى 77%.

وفي العام الأخير سطع اسم الوزير السابق غدعون ساعر، إعلاميا، كمنافس مفترض لنتنياهو، إذ تحدثت تقارير كثيرة عن أن اعتزال ساعر للسياسة قبل أكثر من عام، كان بسبب ضغوط نتنياهو عليه في الحزب، ووصلت هذه الضغوط، حسب التقارير في حينه، إلى حد مضايقة زوجته الجديدة الصحافية ومقدمة البرامج الاخبارية التلفزيونية غيئولا إيفن.

إلا أن حضور ساعر في الإعلام سياسيا، في الأشهر الأخيرة، لا يدل على أنه قادر على منافسة نتنياهو وتشكيل خطر عليه، أو على الاقل، الحصول على نسبة تجعل نتنياهو قلقا على مستقبله السياسي. ورغم هذا، فقد سارع نتنياهو إلى اجراء انتخابات مبكرة لرئاسة الحزب، كي يضمن مكانته، وعدم اعطاء ساعر فرصة للمنافسة الجدية. في حين أنه إذا جرت الانتخابات البرلمانية بعد أكثر من عام من الآن، فإن على الحزب اعادة انتخاب رئيس الحزب، وفي هذه الحالة لن يقبل الحزب بتغيير رئيسه في أوج حملة انتخابية، خاصة إذا كان كحالة نتنياهو رئيسا للحكومة.

العلاقة بحيتان المال: لم تكن حكومة إسرائيلية منذ العام 1948، إلا وكانت في الجوهر متبعة لسياسة اقتصادية رأسمالية، وخدمت كبار أصحاب رأس المال، وتطورت وتتطور هذه السياسة باستمرار مع تطور وتغير أسس النظام الرأسمالي، وصولا إلى الأسواق المفتوحة والعولمة، واتساع الاحتكارات. إلا أن نتنياهو تميز في حكمه بالالتصاق بالمدرسة الاقتصادية الصقرية الأميركية، وفي صلبها تصفية كل القطاع العام، بما فيه الخدمات الاجتماعية، وحتى بالتعليم والصحة، وغيرهما. وقد أطلق شمعون بيريس ذات يوم على هذه السياسة اسم "السياسة الخنازيرية"، نظرا لشراهتها لصالح حيتان المال.

وعدا ذلك فإن نتنياهو تميز بالتصاقه بكبار حيتان المال المحليين، وأيضا الأميركان الذين لهم تأثير أو على علاقة بالاقتصاد الإسرائيلي، وتميز هذا الالتصاق، في الحكومة الحالية، بسيطرة نتنياهو على عدة وزارات في آن واحد، في هد غير مسبوق في السياسة الإسرائيلية، وخاصة وزارة الاقتصاد، ووزارة الاتصالات، عدا وزارة الخارجية ووزارة التعاون الاقليمي.

وحيتان المال يسيطرون اليوم على وسائل الإعلام المركزية، التي لها الدور الابرز في صناعة الرأي العام، وهذا عدا عن صحيفة "يسرائيل هيوم" اليومية المجانية، واسعة الانتشار، المجندة كليا لدعم شخص نتنياهو، أكثر من حزب الليكود.

الاستطلاعات والواقع

عرض استطلاع جديد لصحيفة "يديعوت أحرونوت" وضعية الحلبة البرلمانية في ما لو جرت الانتخابات البرلمانية في هذه الأيام، أي بعد 10 أشهر على الانتخابات الأخيرة، وتبين أن القوة الاجمالية للأحزاب التي تشكل الحكومة الحالية، ولها 61 مقعدا من أصل 120 مقعدا ستخسر من قوتها بفعل خسارة حزب الليكود خمسة مقاعد، وسيكون المشهد كالتالي: حزب الليكود بزعامة نتنياهو يهبط من 30 مقعدا اليوم إلى 25 مقعدا، بينما سترتفع قوة حزب تحالف المستوطنين "البيت اليهودي" من 8 مقاعد إلى 12 مقعدا (بغياب قائمة منافسة)، كما سيسخر حزب "كلنا" 3 مقاعد، من 10 اليوم إلى 7 مقاعد في الاستطلاع، وتحافظ كتلتا المتدينين المتزمتين على قوتهما معا وهي 13 مقعدا. ما يعني أن القوة الاجمالية للائتلاف الحاكم ستهبط من 61 مقعدا اليوم إلى 57 مقعدا حسب الاستطلاع.

ورغم هذا، فإن اليمين المتطرف سيحافظ على الأغلبية المطلقة، بعد احتساب مقاعد حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان، الذي يجلس في المعارضة، إذ تتنبأ استطلاعات الرأي له أن ترتفع قوته من 6 مقاعد اليوم إلى 8 مقاعد، وهذا أقل من استطلاعات أخرى ظهرت في الشهرين الأخيرين، وقد ارتفعت أسهم ليبرمان على خلفية تصريحاته الدموية في أوج الهبّة الفلسطينية.

ويقول الاستطلاع إن تحالف "المعسكر الصهيوني" الذي يضم حزب "العمل" بزعامة إسحق هيرتسوغ، و"الحركة" بزعامة تسيبي ليفني، سيهبط من 24 مقعدا اليوم إلى 18 مقعدا في الاستطلاع، في حين سيستعيد حزب "يوجد مستقبل" قوته التي كانت قبل الانتخابات الأخيرة، إذ سترتفع قوته من 11 مقعدا اليوم إلى 18 في الاستطلاع. وستحافظ القائمة المشتركة لقوى فلسطينيي 48 على قوتها الحالية من 13 مقعدا، في حين سيرتفع حزب "ميرتس" اليساري الصهيوني من 5 مقاعد اليوم إلى 6 مقاعد في الاستطلاع.

كما تعامل الاستطلاع مع فرضية أن يتحالف الوزير السابق من حزب الليكود، غدعون ساعر، مع موشيه كحلون، زعيم حزب "كلنا"، فحصلت هذه القائمة على 12 مقعدا بدلا من 7 في الاستطلاع الأول، إذ "اقتنصت" القائمة أربعة مقاعد من حزب الليكود، الذي هبط في هذه الحالة إلى 21 مقعدا، كما "اقتنصت" مقعدا واحدا من تحالف المستوطنين "البيت اليهودي"، الذي بات له 11 مقعدا، ما يعني أن هذا الاصطفاف الافتراضي أعادة ترتيب المقاعد داخل المعسكر الواحد.

من الواضح أن هذا الاستطلاع لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعرض الواقع الانتخابي، فهو متأثر من عدة عوامل، أولها الأوضاع الأمنية، وادعاء اليمين المتطرف بأن حكومته "لا تضرب" بالقدر الكافي الفلسطينيين، وهذا ما عزز أسهم حزب "يسرائيل بيتينو" وزعيمه ليبرمان، وحزب تحالف المستوطنين "البيت اليهودي"، الذي استفاد في نتيجته الظاهرة من عدم ادراج اسم القائمة التي نافسته هو وحزب "شاس" في الانتخابات السابقة، "عوتسما" التي قادها المنشق عن حزب "شاس" إيلي يشاي وأنصار حركة "كاخ" الارهابية المحظورة بموجب القانون.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات