تقدير موقف

تقرأ وتحلل قضايا مستجدة وتستشرف آثارها وتداعياتها سواء على المشهد الإسرائيلي او على القضية الفلسطينية.
  • تقدير موقف
  • 16
  • ياسر مناع
  • تصفح الملف

صوّت مجلس الأمن الدولي، مساء الاثنين 17 تشرين الثاني 2025، على مشروع قرار قدّمته الولايات المتحدة الأميركية، يدعو لإنشاء قوّة دولية مؤقتة لغاية تحقيق الاستقرار في قطاع غزة، وتأسيس هيئة انتقالية باسم مجلس السلام لإدارة الإعمار. مر القرار بعد حصوله على تأييد 13 دولة، مقابل امتناع كلٍّ من روسيا والصين عن التصويت.[1] يعني القرار تحويل خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المكوّنة من 20 بندًا لإنهاء الحرب في غزة، والتي أعلن عنها بحضور بنيامين نتنياهو في 29 أيلول 2025، الى إطار ملزم عمليًا مع إضفاء شرعية أممية عليها.

تتناول ورقة تقدير الموقف هذه إنشاء مجلس السلام والقوة الدولية المؤقتة لتحقيق الاستقرار، ثم طبيعة العلاقة مع الأطراف المختلفة في القضية، وتعرض المسار السياسي نحو إقامة دولة فلسطينية، كما تتوقف عند الموقف الإسرائيلي من القرار الأممي، لتنتهي بخاتمة توضح أهم النتائج.

أولا: إنشاء مجلس السلام (Board of Peace – BoP)

يقضي القرار 2803 بإنشاء مجلس السلام (Board of Peace – BoP) باعتباره هيئة انتقالية دولية تتمتع بشخصية قانونية مستقلة، بدون أن يشمل تفويضها قضايا الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي الأوسع، بما في ذلك الضفة الغربية والقدس وملفات الوضع النهائي.[2]

ويُمنح المجلس تفويضًا يمتد حتى 31 كانون الأول 2027، مع إمكانية التمديد عبر قرار جديد من مجلس الأمن، ليُشكّل المرجعية العليا ذات السلطة الانتقالية في غزة، والمسؤولة عن توجيه وتنسيق جهود الدول المانحة، والمؤسسات الأممية، والدول المساهمة في القوة الدولية، إضافة إلى التنسيق مع السلطة الفلسطينية عقب استكمال برنامج الإصلاح. ومن المهم الإشارة إلى أنّ معهد أبحاث توني بلير قد أصدر وثيقة بعنوان: الهيئة الدولية الانتقالية لقطاع غزة (GITA) البنية المؤسسية، عرض فيها رؤيته الكاملة للمجلس وتفاصيله المختلفة بشكل موسّع.[3]

ولا يحدّد القرار تركيبة المجلس أو عدد أعضائه أو موعد الإعلان عنهم، مكتفيًا بإرساء الإطار القانوني لإنشائه وإلزامه بتقديم تقارير نصف سنوية، في حين أعلن دونالد ترامب أنّه سيكشف قريبًا عن تشكيلته.[4] 

وقد حدّد القرار مجموعة من الخطوط العامة التي تنظّم صلاحيات المجلس ومسؤولياته خلال المرحلة الانتقالية. وهي على النحو التالي:

  • صلاحيات سياسية وإدارية: تشمل وضع الإطار العام للحكم الانتقالي في غزة، والإشراف على اللجنة الفلسطينية التكنوقراطية، وتمثيل غزة الانتقالية بصفة قانونية دولية، وإعداد تقارير دورية لمجلس الأمن (كل 6 أشهر).
  • صلاحيات اقتصادية ومالية: تشمل تنسيق التمويل الدولي لإعادة الإعمار، وإنشاء آليات مالية وصناديق تمويل (بالتعاون مع البنك الدولي)، وإدارة الأموال المخصصة للإعمار عبر آليات يحكمها المانحون.
  • صلاحيات إنسانية وخدمية: وتشمل تأمين دخول المساعدات ومنع تحويلها لأغراض عسكرية، الإشراف على الخدمات العامة والبلديات والصحة والتعليم.
  • صلاحيات أمنية مشتركة: وتشمل القيادة الاستراتيجية للقوة الدولية لتحقيق الاستقرار (ISF)، وتحديد معايير الاستقرار المطلوبة لانسحاب الجيش الإسرائيلي، والإشراف على برامج تدريب الشرطة الفلسطينية.
  • صلاحيات خاصة بالحركة والمعابر: وتشمل تنظيم حركة الأشخاص والبضائع بما ينسجم مع الخطة الشاملة، والتنسيق مع مصر وإسرائيل بشأن المعابر الحدودية.

 

ثانيا: القوة الدولية المؤقتة لتحقيق الاستقرار  (ISF)

تُشكَّل قوة متعددة الجنسيات ذات قيادة موحّدة يُصادِق عليها مجلس السلام، وتباشر مهامها بالتنسيق مع كلٍّ من مصر وإسرائيل والشرطة الفلسطينية المُدرَّبة والمُنتقاة. ويأتي ذلك انسجامًا مع البند الخامس عشر من خطة ترامب، الذي ينصّ على إنشاء قوة استقرار دولية (ISF) تُكلَّف بالانتشار في غزة خلال المرحلة الثانية من اتفاق الهدنة.[5]

وتتحدد مهام القوة في الآتي:

  1. مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار.
  2. تأمين الحدود والمعابر وتنسيق الممرات الإنسانية.
  3. تحقيق نزع السلاح في غزة بما يشمل تدمير البنى التحتية العسكرية، ومنع إعادة بنائها، ونزع الأسلحة من الجماعات المسلحة.
  4. تدريب الشرطة الفلسطينية وتطويرها.
  5. تمهيد انسحاب الجيش الإسرائيلي وفق معايير وجدول مرتبط بعملية نزع السلاح، مع السماح لإسرائيل بالحفاظ على "حزام أمني" مؤقت.

ثالثا: العلاقات مع الأطراف المعنية

تقوم العلاقات بين مجلس السلام والجهات المعنية على توزيع واضح للأدوار والمسؤوليات خلال المرحلة الانتقالية، على النحو التالي:

  1. السلطة الفلسطينية: يُفترض أن تستعيد الحكم في غزة بعد استكمال برنامج إصلاحات شامل، ويعمل مجلس السلام بوصفه مرحلة مؤقتة تمهّد لعودة السلطة إلى الإدارة الفعلية للقطاع.
  2. إسرائيل ومصر: شريكان أساسيان في ترتيبات التنسيق الأمني وتنظيم المعابر، على أن يتم انسحاب الجيش الإسرائيلي تدريجيًا وفق معايير محددة مرتبطة بعملية نزع السلاح.
  3. الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تحتل موقعًا محوريًا في ضمان تدفق المساعدات الإنسانية وتقديم الخدمات المدنية.
  4. الدول المانحة: توفير التمويل الطوعي اللازم لتشغيل الكيانات الإدارية والاقتصادية، إضافة إلى دعم القوة الدولية المكلّفة بتحقيق الاستقرار.

رابعًا: المسار السياسي نحو الدولة الفلسطينية

يقدّم القرار الأميركي- الأممي إطارًا مشروطًا لإعادة إحياء دور السلطة الفلسطينية في غزة، وربطه بمسار محتمل نحو الدولة الفلسطينية. يقوم هذا الإحياء على تنفيذ برنامج إصلاحات مؤسسية وأمنية "بصورة مُرضية"، وهو برنامج يستند إلى مرجعيتين أساسيتين لتحديد طبيعة الإصلاح وشروطه: أولا، خطة ترامب للسلام للعام 2020 (أو ما يسمى "صفقة القرن")؛ وثانيًا، المبادرة السعودية - الفرنسية التي أطلقت في تموز 2025 في نيويورك.[6]

ووفق القرار، لن تستعيد السلطة سيطرتها على غزة إلا بعد إثبات جاهزيتها الإدارية والأمنية، وعقب إحراز تقدّم ملموس في إعادة الإعمار التي تُدار عبر "مجلس السلام" والقوة الدولية للاستقرار المكلّفة بنزع السلاح وتثبيت الأمن.

وعند تحقق هذه الشروط، يرى القرار أن البيئة "قد تصبح" مهيّأة لـ "مسار موثوق نحو تقرير المصير والدولة"، إذ أن القرار استخدم صيغة غير تأكدية (قد تصبح)، وفوض الولايات المتحدة بموجب هذه الصيغة بإطلاق حوار سياسي بين إسرائيل والفلسطينيين لبلورة أفق للتسوية. وهكذا يصبح الطريق إلى الدولة مرتبطًا بثلاثة عناصر: نجاح إصلاح السلطة وفق المرجعيات المذكورة، استقرار غزة أمنيًا، وتقدّم عملية إعادة الإعمار تحت الإشراف الدولي.

خامسًا: الموقف الإسرائيلي من القرار الأممي

يبدو الموقف الإسرائيلي من القرار الأممي، في مستواه العام، موقفًا ضبابيًا يتأرجح بين الحكومة والمعارضة؛ إذ لم تُبدِ إسرائيل ترحيبًا صريحًا بالقرار، ولم تُعلن رفضًا قاطعًا له. غير أنّ التعمّق في تفاصيل كلّ قضية على حدة يكشف أن الموقف الإسرائيلي أكثر وضوحًا وحسمًا مما يوحي به الموقف العام.

  1. الموقف العام من قرار مجلس الأمن 2803
  • المستوى الرسمي

في أعقاب قرار مجلس الأمن، أبدت الحكومة الإسرائيلية تقديرها للجهود التي بذلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريقه، ووصفت الخطة الأميركية بأنها خطوة تنسجم مع المصالح الأمنية لإسرائيل، ولا سيما في ما يتعلق بتجريد قطاع غزة من السلاح وتفكيك البنية العسكرية واجتثاث مظاهر التطرف فيه. وقد عبّر مكتب رئيس الحكومة عن هذا الموقف عبر تغريدة باللغة الإنكليزية على صفحته الرسمية عبر منصة إكس، وليس عبر الحساب الشخصي لنتنياهو، مشيرًا إلى أن هذه المبادرة قد تسهم في توسيع اتفاقات السلام، في صيغة تعكس استعدادًا لمدّ اليد نحو السلام.[7]

ورغم هذا الترحيب بالجهد الأميركي، لم تُبدِ الحكومة الإسرائيلية قبولًا أو تحفظًا علنيًا على صيغة القرار الأممي ذاته. وقد التزم وزراء الحكومة باستثناء نتنياهو الصمت ولم يعلّقوا عبر منصّاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، في مؤشر على وجود حالة تحفظ واضحة تجاه مضمون القرار، رغم الإشادة بالجهود الأميركية التي رافقته.

وفي موقف موازٍ، رأى الوزير زئيف إلكين أنّ القرار ينطوي على قدر من التقدّم لصالح إسرائيل، لكنه حذّر من منح السلطة الفلسطينية أي مكاسب سياسية بسببه، مؤكّدًا أنه لا يعلّق آمالًا كبيرة على القوة متعددة الجنسيات المقترحة.[8]

وفي الساحة الدبلوماسية الدولية، شدّد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون على أنّه لن يكون هناك مستقبل في قطاع غزة طالما تمتلك حماس أسلحة، معتبرًا أنّ نزع السلاح هو الشرط الأساس الذي جاءت به الصيغة المقدَّمة إلى مجلس الأمن.

  • المعارضة الإسرائيلية

تتعامل المعارضة الإسرائيلية مع القرار الأممي بصفته دليلًا على فشل الحكومة في إدارة الملف الدولي. ويرى أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، أنّ ما جرى في الأمم المتحدة هو نتاج مباشر لسياسات حكومية فاشلة. ويشير إلى أنّ القرار فتح المجال أمام ثلاث تحولات خطرة: تعزيز الاعتراف الفعلي بإمكانية قيام دولة فلسطينية، ومنح كلٍّ من السعودية وتركيا إمكانية الحصول على طائرات F-35، وتغيّر البيئة الإقليمية بطريقة لا تصب في مصلحة إسرائيل.[9]

في المقابل، ينظر البعض في إسرائيل إلى قرار مجلس الأمن باعتباره تطورا دراماتيكيا يكمن في أنّ مجلس الأمن للمرة الأولى يأمر بإدخال قوة مسلّحة إلى منطقة احتُلّت العام 1967 لتعمل كحاجز بين الفلسطينيين وإسرائيل، بما يؤسس لسلطة سيادية ليست إسرائيلية ولا فلسطينية، وهو ما تراه الصحيفة تحولًا جذريًا نحو تدويل الصراع. [10]

  1. استعراض المواقف على مستوى كل قضية
  • نزع سلاح حماس

تتعامل إسرائيل مع مسألة نزع سلاح حماس بوصفها الركن المركزي والأولوية في أي ترتيبات مستقبلية تخص قطاع غزة. وقد أعاد بنيامين نتنياهو التأكيد على أنّ تجريد غزة من السلاح هو شرط لا يمكن تجاوزه، وأنّ تفكيك القدرات العسكرية لحماس يجب أن يتحقق بصورة كاملة وحاسمة، ملوّحًا بأن ذلك سيتم بالطريقة السهلة أو بالطريقة الصعبة.[11] في دلالة واضحة على استعداد إسرائيل لاستخدام القوة العسكرية إذا لم تُضمن ترتيبات أمنية تنسجم مع شروطها.

ويعكس هذا إصرار إسرائيل على أن نزع السلاح هو المعيار الأول لنجاح أي خطة، لكنه يأتي من دون أي تحديد لآليات التنفيذ ولا للجهة التي ستشرف على العملية أو للاشتراطات المعيارية التي سيُقاس وفقها مدى تحقق هذا الهدف.

 وفي السياق نفسه، أكّد وزير الدفاع يسرائيل كاتس أنّ قطاع غزة سيُجرّد من السلاح حتى آخر نفق، مشيرًا إلى أنّه المتوقع أن تتولى القوة متعددة الجنسيات، بقيادة الولايات المتحدة، مهمّة نزع السلاح وتفكيك قدرات حماس العسكرية في غزة.[12]

مضافًا إلى ذلك يرى سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون على أنّه لن يكون هناك مستقبل في قطاع غزة طالما أن حماس تمتلك أسلحة، معتبرًا أن القرار الأممي ذاته يستند إلى شرط نزع السلاح كقاعدة لأي مسار مقبل.

  • قيام دولة فلسطينية

تتبنى إسرائيل، رسميًا وعلى مستوى الحكومة الحالية، موقفًا رافضًا بصورة قاطعة لقيام دولة فلسطينية مستقلة. وقد شدد نتنياهو في اجتماع حكومته يوم 16 تشرين الثاني 2025 على أنّ إسرائيل لن تسمح بقيام دولة فلسطينية، مؤكدًا أنّ أي صيغة سياسية تُطرح على الطاولة ستُواجَه برفض صريح ما دامت تتضمن فكرة الدولة. ويُعيد نتنياهو صياغة هذا الموقف في سياق رفض الضغوط الدولية، قائلًا إنّ إسرائيل ليست بحاجة إلى تأكيدات أو تغريدات أو محاضرات من أحد لتغيير موقفها.

كما عبر أفيغدور ليبرمان، عن رفضه من قيام دولة فلسطينية لكنه في الوقت نفسه يحمّل الحكومة المسؤولية عن فتح الباب أمام تكريس دولة فلسطينية نتيجة سياسات حكومة نتنياهو.

وهكذا تلتقي الحكومة والمعارضة اليمينية في رفض قيام دولة فلسطينية، لكنها تختلف في تفسير أسباب الطروحات الدولية بشأن إمكانية قيام دولة فلسطينية.

على خلاف ذلك، فقد رأت منظمة "السلام الآن" أنّ التصويت الدولي يشكل خطوة تاريخية تحظى بدعم غالبية الجمهور الإسرائيلي وكل أصدقائنا في العالم، وأنّ على الحكومة عدم تفويت فرصة إعادة صياغة العلاقة مع الفلسطينيين. [13]

ومن المهم الإشارة إلى أنّ الهيئة العامة للكنيست اتخذت في 17 تموز 2024 قرارًا يرفض بصورة قاطعة قيام دولة فلسطينية في أي جزء من فلسطين التاريخية، أو وفق نص القرار: في أرض إسرائيل وغربي نهر الأردن.[14]

ج . القوة الدولية متعددة الجنسيات

يتّسم الموقف الإسرائيلي من القوة الدولية متعددة الجنسيات، المزمع عملها تحت إشراف أميركي ومن خلال مقرّ التنسيق في كريات غات، بتباينات واضحة على المستويين السياسي والأمني، وباختلاف ملحوظ بين رؤى المراكز البحثية الإسرائيلية.

في البداية يضع بنيامين نتنياهو شرطًا واضحًا إزاء أي قوة دولية يُناقش انتشارها في قطاع غزة، ويتمثل في أنّ إسرائيل لن تقبل إلا بقوات تحظى بموافقتها الكاملة من حيث التركيبة والهوية. فبحسب تصريحات نتنياهو، فإنّ أي انتشار عسكري دولي في القطاع يجب أن ينسجم مع المصالح الإسرائيلية.[15]

على المستوى الأمني، يتقدم اللواء في الاحتياط والقائد السابق للجيش الإسرائيلي غادي آيزنكوت معارضة فكرة القوة الدولية، مؤكدًا أن وجود قوات دولية في غزة أمر سيئ من شأنه تقويض حرية عمل الجيش الإسرائيلي ومنع تنفيذ عمليات ضرورية في بيئة معقدة. ويشدد آيزنكوت على ضرورة منع دخول قوات تركية أو عربية، معتبرًا أن أي انتشار من هذا النوع سوف يضر بإسرائيل.[16]

أما داخل المجلس الوزاري المصغر فقد برزت انتقادات تعكس خشية سياسية من فقدان السيطرة على تفاصيل الخطة الدولية. إذ أن الوزيرة أوريت ستروك طالبت نتنياهو خلال النقاشات بالكشف عن خطة القوة الدولية وتفاصيل تركيبتها وصلاحياتها وآليات الرقابة عليها.

كذلك، تعكس مواقف مراكز الأبحاث الإسرائيلية انقسامًا إضافيًا حول جدوى القوة الدولية وإمكان نجاحها. إذ يرى معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب أن البيئة الإقليمية غير مهيأة لانخراط سعودي أو إماراتي عسكري مباشر في غزة، وأنّ غياب خطة إسرائيلية واضحة يدفع نحو ضرورة بلورة تصور متدرج للعمل الدولي يتضمن أربع مراحل: الاستقرار الأولي، الإنفاذ الفعلي لجمع السلاح وتدمير القدرات، فترة السيطرة المشتركة بين القوة الدولية والشرطة الفلسطينية، ثم مرحلة السيادة الفلسطينية الكاملة مع بقاء القوة الدولية كجهة رقابية. ويؤكد المعهد أن نجاح هذا النموذج مشروط بـتدخل أميركي ملزم وطويل المدى وإصلاحات فلسطينية تعزز مبدأ سلطة واحدة وسلاح واحد. [17]

 بينما يقدّم معهد مسغاف طرحًا أكثر شكًا، معتبرًا أنّ الشرط المبدئي لنجاح الخطة المتمثل بتخلّي حماس عن سلاحها غير واقعي في الظروف الحالية، وأنّ تركيبة القوة الدولية مليئة بالخلافات، ولا سيما الرفض الإسرائيلي الحاد لأي مشاركة تركية. كما يشير إلى فجوات زمنية خطيرة بين التفويض الدولي المحدود حتى نهاية 2027 وقدرة السلطة الفلسطينية على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، محذرًا من فراغ أمني قد يسمح لحماس بإعادة التموضع والسيطرة مجددًا.[18]

على خلاف ما قد سبق، يرى معهد "ميتفيم" في القوة الدولية حلًا انتقاليًا محتملًا لمرحلة ما بعد الحرب، في ظل غياب خطة إسرائيلية ورفض دولي لإعادة احتلال غزة. ويؤكد ضرورة منح القوة تفويضًا صريحًا وصلاحيات واسعة وقواعد اشتباك فعّالة، بخلاف نموذج اليونيفيل، مع التأكيد على ثلاث وظائف مركزية: فرض الأمن، منع الفراغ المؤسسي، وإطلاق إعادة الإعمار.[19]

ويرى معهد القدس للاستراتيجيا والأمن أن مصادقة مجلس الأمن على قرار 2803 تمثل فرصة استراتيجية نادرة لإسرائيل، إذ توفر لأول مرة شرعية دولية لمشروع يهدف إلى تفكيك القدرات العسكرية لحماس وإعادة تأهيل القطاع تحت رقابة دولية، مع مسار مشروط نحو تقرير المصير الفلسطيني، إلا أن القرار يحمل أيضًا مخاطر سياسية وأمنية، أبرزها ترسيخ مسار يؤدي لاحقًا إلى دولة فلسطينية وتوسّع محتمل لصلاحيات الهيئة الدولية التي ستدير غزة، ولذلك يوصي المعهد بأن تتمسك إسرائيل بشرط تفكيك حماس قبل أي خطوة سياسية، وأن تضمن تنسيقًا عملياتيًا كاملًا مع قوة الاستقرار، وأن تربط أي تقدّم سياسي بمؤشرات قابلة للقياس، وأن تعمل مع واشنطن على مواءمة المسارين: إعادة ترتيب غزة والتطبيع مع السعودية، بما يحافظ على التفوق الأمني الإسرائيلي ويمنع نشوء نقاط ضعف جديدة. [20]

من المهم الإشارة إلى وجود فارق جوهري بين القوة المقترحة لغزة وقوة اليونيفيل؛ فالأولى ليست قوة أممية خاضعة لتجاذبات مجلس الأمن، بل هي قوة تشكّلها دول ذات سيادة، الأمر الذي يمنح التزاماتها قدرًا أكبر من الاستقرار والوضوح. ومع ذلك، يشدّد البعض في إسرائيل على ضرورة استخلاص العبر من تجربة اليونيفيل لضمان فاعلية القوة الجديدة ومنع تكرار الإخفاق في ضبط سلاح الفصائل.[21] وتشير i24NEWS إلى أنّ تفويض هذه القوة لا يستند إلى المادة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة، ما يعني أنها لن تتمتع بصلاحية ملزمة لاستخدام القوة، وهو عامل إضافي يفاقم التحفّظ الإسرائيلي حيالها.[22]

خاتمة

يمثّل قرار الأمم المتحدة رقم 2803 تطورًا غير مسبوق في مسار القضية الفلسطينية، إذ يضع قطاع غزة ضمن إطار إدارة دولية بقيادة الولايات المتحدة، مع الإشارة بصياغة مشروطة إلى احتمال التوجّه نحو دولة فلسطينية عند تحقيق أهداف محدّدة. هذا التطوّر لا يغيّر فقط شكل التدخل الدولي، بل يعيد صياغة البيئة السياسية والإقليمية المحيطة بالقضية.

وبالرغم من أهمية هذا التحوّل، يبقى المسار المستقبلي غامضًا، إذ لا تتوافر حتى الآن تفاصيل واضحة حول آليات التنفيذ، أو طبيعة الأهداف التي يجب تحقيقها، أو المدى الزمني لنقل الصلاحيات. كما أنّ اختلاف الغايات بين الأطراف الدولية والفلسطينية يجعل مسار التطبيق مفتوحًا على احتمالات متعددة. وفي ضوء ذلك، قد يتحوّل الغموض إلى أداة لإعادة تشكيل الوضع بما لا ينسجم مع الطموحات الفلسطينية.

ويبرز في هذا السياق التباين الملحوظ في المواقف الدولية والفلسطينية تجاه القرار؛ فبينما رحّبت الولايات المتحدة وحلفاؤها به بوصفه خطوة جوهرية نحو إعادة هندسة الوضع في قطاع غزة، أبدت روسيا والصين تحفظات عميقة تتعلق بغياب الضمانات السياسية والسيادية. وعلى المستوى الفلسطيني، رحبت السلطة الفلسطينية بالقرار، وأعلنت عن استعدادها لتحمّل مسؤولياتها في القطاع، في حين رفضت الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي الصيغة المطروحة، معتبرة أنها تمهّد الأجواء لفرض وصاية دولية وتكريس فصل غزة.

ويبقى الجانب الأكثر حساسية في هذا القرار كامنًا في تفاصيله الدقيقة التي قد تُعيد توجيه المسار برمّته، فنجاح المرحلة الانتقالية سيعتمد على طبيعة توزيع الصلاحيات، وآليات الإشراف الدولي، وضمانات الانسحاب، وشكل العلاقة مع المؤسسات الفلسطينية.

 

[1] كارين دي يونغ، "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوافق على خطة ترامب المكوّنة من 20 بندًا للسلام في غزة"، واشنطن بوست، 17 تشرين الثاني 2025، https://www.washingtonpost.com/national-security/2025/11/17/un-vote-gaza-trump-plan/?utm.com

[2] الأمم المتحدة. "مجلس الأمن يجيز قوة الاستقرار الدولية في غزة، ويتبنّى القرار 2803"، مجلس الأمن، جلسة رقم 10046، 17 تشرين الثاني 2025. https://press.un.org/en/2025/sc16225.doc.htm

[3]للاستزادة أنظر/ي. معهد أبحاث توني بلير، "البنية المؤسسية للهيئة الدولية الانتقالية لقطاع غز (GITA)"، https://2h.ae/HWGav

[4]دونالد ترامب. الحساب الرسمي على منصة "تروث سوشيال". تم الدخول في تاريخ 18 تشرين الثاني 2025.    https://truthsocial.com/@realDonaldTrump/115567457865630938

[5] للاستزادة أنظر/ي. ياسر مناع، غزة بين الحرب والتهدئة: عن الجدل حول تشكيل القوة الدولية و"حدود دورها"، مدار، 10 تشرين الثاني 2025، https://2h.ae/GOIrz

[6] ميدل إيست آي. "النص الكامل لمشروع القرار الأميركي بشأن غزة الذي أقرّه مجلس الأمن: القرار 2803 يضع دونالد ترامب فعليًا في موقع السيطرة على غزة". 17 تشرين الثاني 2025. https://www.middleeasteye.net/news/full-text-us-resolution-gaza-approved-un-security-council

[7] موقع مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلي باللغة الإنكليزية، عبر منصة أكس.  تاريخ الدخول 18 تشرين الثاني 2025. https://x.com/IsraeliPM/status/1990687988821447068?s=20

[8] زئيف إلكين مقابلة مع إذاعة غال يسرائيل، 18 تشرين الثاني 2025. https://x.com/IsraelGaley/status/1990668311378403637?s=20

[9] الصفحة الرسمية لـ أفيغدور ليبرمان على منصة إكس، تاريخ الزيارة 18 تشرين الثاني 2025. https://x.com/avigdorliberman/status/1990552903447450080?s=46

[10] نداف إيال، "ضربة قاسية لليمين الإسرائيلي، ليست دولة فلسطينية – لكنها خطوة دراماتيكية"، يديعوت أحرونوت، 30 تموز 2024. https://www.ynet.co.il/news/article/sjhsjktlzg

[11] لازار بيرمان، "نتنياهو يتعهّد بتجريد حماس من السلاح، ويجدّد معارضته لإقامة دولة فلسطينية"، تايمز أوف إسرائيل، 16 تشرين الثاني 2025. https://www.timesofisrael.com/netanyahu-vows-to-disarm-hamas-as-us-said-to-wobble-on-gaza-demilitarization/

[12] الصفحة الرسمية لوزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس على منصة إكس، تاريخ الزيارة 18 تشرين الثاني 2025. https://x.com/Israel_katz/status/1990085115901337813?s=20

[13] ليزا روزوفسكي، بن سامويلس، وجاكي خوري، "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة صادق على المقترح الأميركي لإنشاء قوة الاستقرار في غزة، والمتعلق بإقامة دولة فلسطينية"، هآرتس، 17 تشرين الثاني 2025. https://www.haaretz.co.il/news/politics/2025-11-17/ty-article/.premium/0000019a-928d-d0a6-a3fe-f28d5c7c0000

[14] للاستزادة أنظر/ي. برهوم جرايسي، "الكنيست الإسرائيلي يختتم دورته الصيفية ووحدة مصالح أطراف الائتلاف تُخمد عواصف هدّدت الحكومة"، مركز مدار، 29 تموز 2024. https://2u.pw/R43sbs

[15] أمير أتينغر، "خطة ترامب عالقة، وغزة تنقسم إلى قسمين - والغرب يحذّر: حماس عادت للسيطرة"، يديعوت أحرونوت، 11 تشرين الثاني 2025، https://www.ynet.co.il/news/article/rjsv4dgx11x

[16] إذاعة الجيش على منصة إكس، تاريخ الزيارة 18 تشرين الثاني 2025. https://x.com/glzradio/status/1978341564997935164?s=46

[17] أودي ديكل، نوي شيلو. "على إسرائيل أن تعرض خطة منتظمة، متعددة المراحل ومفصّلة لنزع سلاح قطاع غزة، تتضمّن إنشاء قوّة استقرار دولية"، مباط عال، العدد 2057، 4 تشرين الثاني 2025، معهد دراسات الأمن القومي. https://www.inss.org.il/he/publication/isf/

[18] إيلي كلوتشتاين، "مجرد أحلام: خطة نشر القوة الدولية في غزة مليئة بالثغرات"، معهد مسغاف، 5 تشرين الثاني   2025. . https://www.misgavins.org/klutstein-gaza-plan-dreams/

[19] نير أريئيلي وآخرون. "الفرص، التحدّيات، وشروط النجاح: نشر قوة متعددة الجنسيات في غزة"، معهد مِيتفيم، تشرين الثاني 2023. . https://2u.pw/OTENPa

[20] عمّانوئيل نبون. 2025. "المخاطر والفرص في قرار مجلس الأمن 2803"، معهد القدس للاستراتيجيا والأمن، 19 تشرين الثاني 2025. https://jiss.org.il/navon-un-resolution-2803/

[21] غدي عزرا، وسريت زهافي. "نموذج اليونيفيل في غزة: هكذا يمكن تنفيذ ذلك"، يديعوت أحرونوت، 17 تشرين الأول 2025. . https://www.ynet.co.il/news/article/sknk9n1rxl

[22] عميحاي شتاين. "الإدارة الأميركية ترسل إلى أعضاء مجلس الأمن مسوّدة قرار بشأن قوة الاستقرار الدولية (ISF) في غزة I24 NEWS "، 4 تشرين الثاني 2025. .   https://www.i24news.tv/en/news/international/artc-us-administration-sends-unsc-members-draft-resolution-for-isf-in-gaza