المشهد الإسرائيلي: لا تزال بعض النتائج العينية للانشغال بالسؤال حول سيناريوهات اليوم التالي لخطة الانفصال الشارونية عن قطاع غزة وأجزاء من شمال الضفة الغربية، في إسرائيل، من نصيب النخب الأكاديمية فقط. ومن آخر هذه الانشغالات، حسبما أشرنا في سياق سابق، مقالة كتبها شلومو بروم، أحد كبار الباحثين في "مركز يافه للدراسات الإستراتيجية" في جامعة تل أبيب، وظهرت في النشرة الإستراتيجية الأخيرة الصادرة عن هذا المركز (عدد أيار 2005) تحت العنوان "خطة الانفصال- اليوم التالي". وتوقع فيها استمرار الأزمة بين الجانبين حتى في حالة كتابة النجاح للخطة في التطبيق العملي، نظرًا لتباعد المواقف بينهما بشأن المرحلة التالية، والأهم من ذلك نظرًا لانعدام رؤيا إسرائيلية للتسوية.
"الفلسطينيون لا يهدرون فرصة لإهدار الفرص أبدا"- هذا ما قاله آبا إيبان (وزير خارجية إسرائيل الأسبق). ولقد تحولت هذه الكلمات إلى قول مأثور، وهي تشكل أيضا مثالا جيدا لبيت الشعر القائل: "وإذا أتتك مذمتي من ناقص، فهي الشهادة لي بأني كامل".
لا شك في أن الفلسطينيين قد أهدروا الكثير من الفرص منذ بدء النزاع، لكن هذا يتقزم أمام الفرص التي أهدرتها دولة إسرائيل خلال 58 سنة منذ إقامتها.
مستمعو الراديو سمعوا يوم السبت قبل المنصرم خبرا مثيرا، جاء فيه أن محمد أبو طير وأوري أفنيري قد اعتكفا معا في أحد منازل الرام.
مجرد حقيقة تواجد هذين الشخصين، رجل حماس واليساري الإسرائيلي المعروف بكراهية الناس له، معا لتثير الاشمئزاز جدا. لكن حقيقة كونهما قد استوليا على بيت لعائلة فلسطينية وديعة واعتكفا فيه، كما يفعل المجرمون الهاربون من وجه الشرطة، لهي حقيقة أكثر إثارة.
يقول موشيه عميراف إن "الحدود هي مكون أساسي في الدولة القومية العصرية. أهميتها تفوق قيمتها الأمنية المحضة. فهي تحول الأرض إلى وطن… وتبلور العلاقة بين الشعب والبلد" ("هآرتس"- 26/3/2006).
لكن عميراف لم يكن دقيقا: فليست الحدود هي التي تبلور العلاقة، وإنما الأرض التي تحددها هذه الحدود.
في هذا الشأن نحن نواجه مشكلة حقيقية. ففي المرة الأولى في تاريخ الصهيونية يعتزم الممثلون الرسميون لدولة إسرائيل السيادية التنازل رسميا عن سيادة الدولة على جزء من أرض إسرائيل.
الصفحة 698 من 848