تقدير موقف

تقرأ وتحلل قضايا مستجدة وتستشرف آثارها وتداعياتها سواء على المشهد الإسرائيلي او على القضية الفلسطينية.
  • تقدير موقف
  • 2157

ملخص

تهدف هذه الورقة إلى تحليل ردود الفعل الإسرائيلية على الأحداث التي وقعت خلال وفي أعقاب الاحتجاج الفلسطيني الكبير في القدس في إثر قرار إسرائيل وضع بوابات إلكترونية على أبواب الحرم القدسي ردا منها على عملية المسجد الأقصى التي قام بها ثلاثة شبان من فلسطينيي 48. وتحلل الورقة ردود الفعل على مستوى التعامل مع الفلسطينيين داخل الخط الأخضر وخاصة بعد مشاركتهم الكبيرة في نجاح الاحتجاج الشعبي في القدس، وردود الفعل الإسرائيلية على موضوع القدس، وتقييم شخصية زعيم اليمين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خلال هذه الأزمة.

 

وقد أدى الفلسطينيون في إسرائيل دورا كبيرا في هذا الاحتجاج، عبر المشاركة، التنظيم والتجنيد. وكان ذلك بمثابة ضربة أخرى لسياسات إسرائيل، فحالة التحريض غير المسبوقة عليهم لم تثنهم عن المشاركة في هذا الاحتجاج وهو أمر غير مفهوم ضمنا، لا سيّما في ظل مظاهر الأسرلة في أعقاب الأحداث المأساوية في العالم العربي، بعد حالة الأمل التي أصابتهم في العامين الأوليين من الربيع العربي وعبّرت عن نفسها في الاحتجاج والحراك الشبابي الرائع ضد مخطط برافر في النقب. ومن وجهة نظرنا تشكل هذه المشاركة أوسع مشاركة فعلية خاضها الفلسطينيون في إسرائيل في نضال يندلع في مناطق 67. وهنا تكمن أهمية الحدث، فميدان تحرير القدس مزج بين الفلسطينيين في إسرائيل والفلسطينيين في مناطق 67، حيث أن الأدوات كانت مشتركة (احتجاج شعبي سلمي) والهدف كان واضحا (إفشال مخطط إسرائيل باتخاذ خطوة أخرى نحو السيطرة على المسجد الأقصى). وبناء على ذلك فانتصار الاحتجاج في الأقصى في هذه القضية العينية كان انتصارا مضاعفا للفلسطينيين في إسرائيل: انتصار على سياسة التخويف التي أعقبت عملية الأقصى، وانتصار على سياسات إسرائيل في الحرم القدسي.

وقد أظهرت الاحداث أن الحكومة الإسرائيلية تفاجآت من حجم الاحتجاج الكبير في القدس، ولم تتوقع هذه المثابرة من الفلسطينيين في الاحتجاج في القدس. ولم تشفع الدعاية الإعلامية الإسرائيلية حول البوابات الإلكترونية في إنقاذ الموقف أو تقليص حجم المشاركة الشعبية في القدس. وقام نتنياهو بالسفر إلى أوروبا خلال الأزمة اعتقادا منه أنها سوف تنتهي قبل عودته، ولكن أثبتت الأحداث أن الحكومة الإسرائيلية تدير شؤونها ضمن منافسات حزبية داخل الائتلاف الحكومي، ومن منطلق تصورات خاطئة لديها حيال رد فعل الفلسطينيين وتعويل على صمت عربي وإقليمي ودولي إزاء قضية فلسطين. وبرغم أن جهاز الأمن العام والجيش الإسرائيلي أوصيا بإزالة البوابات لأن الضرر الاستراتيجي والأمني لها أكبر من منفعتها، فإن الحكومة قررت إبقاء البوابات بسبب صراعات شخصية وحزبية داخل الائتلاف الحكومي، وبسبب الضغط الذي يعيشه نتنياهو من جراء تآكل مكانته السياسية بسبب التحقيقات ضده في قضايا فساد ورشوة، فأوكل اتخاذ القرار الذي يعتبره الخبراء والأجهزة الامنية قرارا استراتيجيا إلى الشرطة ووزير الأمن الداخلي غلعاد إردان الذي أثبت فشلا بعد فشل في إدارة جهاز الشرطة، وهذا الأخير قادته النزعة الانتقامية من الفلسطينيين إلى اتخاذ القرار ببقاء البوابات. وفقط بعد الاحتجاج الفلسطيني الكبير والذي شارك فيه الفلسطينيون في إسرائيل بشكل كبير جدا وساهموا في إنجاحه، والتعاطف العربي والإسلامي الذي خلقه هذا الاحتجاج ووضع قضية القدس والمسجد الأقصى مرة أخرى في الأجندة العربية والإسلامية، تراجع نتنياهو عن قراره وأزال البوابات الإلكترونية، مستغلا حادثة قيام حارس إسرائيلي في السفارة الإسرائيلية بقتل مواطنين أردنيين. ورغم أنه صرح أن لا علاقة بين إزالة البوابات وبين حادثة الأردن، الا أن نتنياهو معني بهذا الربط ليظهر أنه لم يتراجع أمام احتجاج الفلسطينيين بل لدوافع تتعلق بالعلاقة مع الأردن وإنقاذ عمال السفارة، لذلك قام نتنياهو بتضخيم أزمة السفارة الإسرائيلية في عمان، معتبرا أن السفارة وعمالها يعيشون حالة من الحصار والتهديد على أمنهم الشخصي، وهي دراما مفتعلة ولم تكن صحيحة وكان هدفها أن تسرّب إلى الوعي الإسرائيلي الربط بين إنقاذه لعمال السفارة وبين إزالة البوابات، غير أن المجتمع اليهودي اعتبر إزالة البوابات الإلكترونية ضعفا من نتنياهو وعبر عن عدم رضاه من إدارته للأزمة. مزال معلم، أسلوب نتنباهو لتجاوز أضرار تراجعه في أزمة الحرم القدسي، موقع al-monitor، أنظر الرابط: http://www.al-monitor.com/pulse/iw/originals/2017/07/israel-temple-mount-metal-detectors-benjamin-netanyahu.html.

ردود فعل إسرائيل على عملية الأقصى فيما يتعلق بالمواطنين الفلسطينيين

كما ذكرنا فقد شارك الفلسطينيون في إسرائيل في الاحتجاج الجماهيري الكبير في القدس ضد البوابات الإلكترونية.
وجاء رد فعل إسرائيل على مشاركة الفلسطينيين في إسرائيل على النحو التالي:

أولا: تسريب خبر للإعلام الإسرائيلي حول اقتراح نتنياهو إجراء تبادل جغرافي وسكاني بين سكان منطقة وادي عارة، وبين الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية في إطار الحل النهائي.  . موقع واينت، بعد ليبرمان: نتنياهو أيضا يؤيد تبادل أراضي، موقع ynet، 27\7\2017، أنظر الرابط: https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4995397,00.html- وعلى ما يبدو فإن مكتب نتنياهو هو المسؤول عن تسريب هذا الخبر، وهو يأتي في سياق محاولة نتنياهو صد الانطباع حول هزيمته أمام المقدسيين والفلسطينيين في الداخل، فوجد في هذا التسريب ما يرضي قواعده الانتخابية التي ترى في المواطنين الفلسطينيين ناكرين للجميل ويجب التخلص منهم بإرسالهم تارة إلى قطاع غزة وتارة أخرى إلى سورية، وفي أفضل الأحوال نقلهم إلى الدولة الفلسطينية، رغم أن هذه القواعد لا تؤيد إقامة دولة فلسطينية! وهو يؤكد أن هذا الطرح لا يهدف في المرحلة الحالية إلى كشف تصورات نتنياهو عن الحل الدائم واجراء نقاش حولها، بل لزجّ الفلسطينيين في إسرائيل في ثنائية مرفوضة بالنسبة لهم بين ولائهم للدولة وبين تضامنهم مع الشعب الفلسطيني. والحقيقة أن تأييد نتنياهو لفكرة تبادل الأراضي والسكان ليست جديدة، فقد نشر موقع ويكليكس في العام 2010 وثائق تشير إلى أن نتنياهو يؤيّد ويدعم هذا المشروع الذي حوّله أفيغدور ليبرمان (وزير خارجيته آنذاك) إلى رافعة سياسية وانتخابية لحزبه. . أطيلا شومفالبي، نتنياهو ينكشف ويوضح: تبادل أراض فقط ضمن اتفاق، موقع ynet، 30\11\2010، أنظر الرابط: http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-3992033,00.html.   وليس صدفة أن يأتي هذا التسريب هذه الفترة في أعقاب المحاولات الإسرائيلية الربط بين مكان سكن الشبان الثلاثة (أم الفحم) وبين العملية التي قاموا بها في المسجد الأقصى، ويتسابق نتنياهو مع اليمين في التحريض على هذه المنطقة، وفي هذا السياق جاء خبر التسريب، وهو بلا شك يلقي ضوءا ويؤكد صدقية ما جاء في وثائق ويكليكس عام 2010 بأن نتنياهو من مؤيدي هذا المشروع ولكنه لم يطرحه أبدا علانية وبهذا الشكل، حتى جاء هذا التسريب والذي يؤكد أن نتنياهو طرح فكرة التبادل مع جيسون غرينبلات مبعوث الرئيس دونالد ترامب للمفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

ثانيا، إصدار أوامر اعتقال إدارية لمواطنين فلسطينيين في إسرائيل: في خطوة غير مسبوقة أصدر ليبرمان أمرا اداريا بموجب صلاحياته كوزير للدفاع بتنفيذ اعتقال إداري ضد ثلاثة مواطنين فلسطينيين من منطقة وادي عارة. . جاكي خوري، ثلاثة إسرائيليين سكان وادي عارة اعتقلوا لمدة ستة شهور بدون محاكمة، هآرتس، 3\8\2017، أنظر الرابط: https://www.haaretz.co.il/news/politics/.premium-1.4320652.   ونرى مرة أخرى محاولة إسرائيل الربط بين تضامن الفلسطينيين مع قضية المسجد الأقصى والقدس وبين مكان سكناهم، وهو جزء من حالة إنتاج شرخ وفصل على أساس جغرافي كما فعلت في إنتاج نزعة طائفية بعد عملية القدس. واعتبر المحامي عمر خمايسي الذي يتولى الدفاع عن اثنين من المعتقلين "أن هذه الحالة تعد سابقة إذ لم تقدم السلطات الإسرائيلية في السابق على اعتقال 3 أشخاص إداريًا دفعة واحدة، رغم أنها تنتهج هذه السياسة في الضفة الغربية والقدس المحتلة". وأضاف خمايسي أن أوامر الاعتقال الإداري في أراضي 48 كانت محدودة وفردية، وأكد أن هذا الإجراء "تعسفيّ يتنافى مع قيم الديمقراطية والحرية". . موقع عرب 48، وادي عارة- اصدار أوامر اعتقال بحق ثلاثة شبان، موقع عرب 48، 2\8\2017.   وتعتبر هذه الخطوة اختراقا جديدا تقوم به الدولة لقواعد اللعبة السياسية بين الفلسطينيين في إسرائيل وبين الدولة، حيث اعتبر الاعتقال الإداري أداة خرجت عن قوانين اللعبة منذ الثمانينيات، رغم أن إسرائيل استعملتها مؤخرا مع الشاب محمد إبراهيم من قرية كابول في أعقاب "بوست" نشره على عنوانه في شبكة التواصل الاجتماعي، إلا أن المحكمة أطلقت سراحه بعد عدة أشهر.

ثالثا، التحريض على القيادات العربية: شهد الأسبوع الذي أعقب عملية المسجد الأقصى تحريضا غير مسبوق على القيادات العربية، لا سيّما الشيخ رائد صلاح. فقد شنّت القيادات الإسرائيلية حملة تحريض واسعة على القيادات العربية وصلت لحد الجنون، وطالب البعض بطرد الشيخ صلاح خارج البلاد وطالب ليبرمان باعتقاله إداريا، واتهم البعض الآخر القيادات العربية بدعم الإرهاب. محمد محسن وتد، تحذير من توظيف عملية الأقصى للانتقام من فلسطينيي 48، موقع الجزيرة، 15\7\2017.   فمثلا، وقف وزير الداخلية أرييه درعي في بيت عزاء أحد الشرطيين اللذين قتلا في العملية معبرا للحضور عن غضبه الشديد من رؤساء السلطات المحلية العربية الذين رفضوا التوقيع على بيان يشجب العملية ويستنكرها أعدته الوزارة وبعثت به للرؤساء (وكأنهم رعايا لها). وفي مقال لأليكس فيشمان المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" اتهم "جهات متطرفة في الحركة الإسلامية في الداخل بأنها نجحت في دفع إسرائيل إلى الزاوية وإجبارها على اتخاذ قرارات متهورة قد تأتي بشباب ينفذون ذات العملية ويضحون بأنفسهم من أجل اندلاع حرب دينية". وبرأيه "كان من المفروض ألا تتخذ إسرائيل خطوات أمنية في المسجد الأقصى، إنما ضد الإسلاميين المتطرفين في الداخل". . عرب 48، إسرائيل بحاجة لمن ينزلها عن الشجرة، موقع عرب 48، 21\7\2017.

رابعا: كان التعامل مع جثامين الشبان الثلاثة وأسرهم مثل التعامل مع جثامين الشباب الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث احتجزت الشرطة جثامين الشبان الثلاثة لمدة أسبوعين تقريبا، وفقط من خلال التوجه للمحكمة العليا تم تحرير جثامينهم، وهو سلوك إسرائيلي ظهر أيضا في قضية جثمان الشهيد يعقوب أبو القيعان في النقب، حيث رفضت الشرطة تسليم جثمانه إلا بعد التوجه للمحكمة العليا، كما طالب بعض السياسيين بهدم بيوت أسر الشبان الثلاثة. ويُظهر هذا السلوك أن إسرائيل باتت لا تفرق بين المواطنين الفلسطينيين داخل إسرائيل والضفة الغربية، مما يؤكد بداية بلورة مرحلة جديدة من التعامل معهم. علاوة على ذلك طالبت عائلة الجندي هدار غولدن المحتجزة جثته في قطاع غزة بعدم الإفراج عن جثامين الشهداء إلا إذا سلمت حركة "حماس" جثمانيّ الجنديين الإسرائيليين لديها. وأشارت العائلة في رسالة نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية إلى أنه "وعلى الرغم من أن منفذي الهجوم هم إرهابيون مع بطاقة هوية زرقاء، على الحكومة أن تنظر بجدية في مسألة الافراج عن الجثامين وإلا سيبدو ذلك بمثابة جائزة تُقدم إلى حماس"، على حد تعبيرها. وجاء في الرسالة، بحسب التقارير الإسرائيلية، أن حماس "هي المنظمة الأولى التي سارعت إلى التفاخر بالهجوم ونتائجه، ونشطاء الحركة في الضفة والقطاع سوف يتعاملون مع الإفراج عن الجثامين على أنه دليل آخر على عدم وجود سياسة إسرائيلية واضحة فيما يتعلق بتسليم جثامين الإرهابيين"، بحسب ما جاء في الرسالة. . عرب 48، عائلة غولدن تطالب باحتجاز جثامين الشهداء الثلاثة، موقع عرب 48، 14\7\2017.

الإجراءات الإسرائيلية في القدس بعد العملية

في محاولة منها للخروج من حالة الهزيمة التي أصابتها، قامت الحكومة الإسرائيلية باتخاذ خطوات من شأنها برأيها أن تعيد الاعتبار لها، ومن هذه الخطوات:

أولا، تمرير قوانين حول القدس في الكنيست بقراءات مختلفة: قامت الحكومة الإسرائيلية بتقديم اقتراحيّ قانوني يتعلقان بمدينة القدس. صحيح أن هذين القانونين وغيرهما كانت مختمرة قبل العملية، لكن سارعت الحكومة إلى نقاشهما والتصويت عليهما بالقراءة التمهيدية بعد العملية. القانون الأول هو تعديل قانون أساس القدس، والذي يتعلق بمنع التنازل عن مناطق في القدس إلا بموافقة 80 عضو كنيست على الأقل، الأمر الذي يُصعب مسألة التفاوض على مستقبل المدينة. أما القانون الثاني فهو إعطاء الإمكانية لإخراج أحياء فلسطينية من نفوذ بلدية القدس وإبقائها تحت السيطرة الإسرائيلية ضمن سلطة محلية خاصة بهم، وذلك ليتصارع السكان فيما بينهم في السياسة المحلية، وهو نفس المنطق الاستعماري الذي دفع إسرائيل في الستينيات لإجراء انتخابات محلية في البلدات العربية، ليس لكي تنظم نفسها بل لإحكام السيطرة عليها، وحول ذلك كتبت الكثير من الأبحاث. وهذا علاوة على إعفاء قانوني لبلدية القدس التي لا توفر أدنى الخدمات لهذه الأحياء وإبقاء حالة التهميش والإقصاء لأحياء القدس الفلسطينية وتحميلها مسؤولية الإهمال عندما يتم إعطائها سلطة محلية خاصة بها.

ثانيا، وضع حجر أساس لحي جديد في مستوطنة بيتار عيليت: بعد أن منعت إدارة باراك أوباما إسرائيل من توسيع البناء الاستيطاني وصعبت عليها القيام ببناء أحياء استيطانية جديدة حتى في المستوطنات الكبيرة على الخط الأخضر مثل بيتار عيليت وموديعين، قام نتنياهو شخصيا بعد أسبوعين من العملية بوضع حجر الأساس لحي استيطاني جديد في مستوطنة بيتار عيليت، وهي مستوطنة لليهود المتدينين الحريديم، وتُعدّ من المستوطنات الكبيرة من حيث عدد السكان ويصل عدد سكانها إلى حوالي 40 ألفا، وقد قام نتنياهو بوضع حجر الأساس متفاخرا أن حكومته سوف تستمر في البناء في المستوطنات وفي القدس، والخطورة في هذا الحي أنه يُقرب المستوطنة من القدس ويربطها معها خاصة وأن التخطيط الاستيطاني لهذه المستوطنة سيكون التمدد نحو القدس وقطع الطريق أمام تواصل جغرافي للفلسطينيين في هذه المنطقة. وقد اعترف رئيس مستوطنة بيتار عيليت بأن هذا البناء كان قد تم تجميده في فترة أوباما، وسمحت الحكومة بوضع حجر الأساس له بعد دخول ترامب للبيت الأبيض، الا أن توقيت الإعلان والاحتفال بهذا الحدث جاء بالنسبة لنتنياهو كجزء من محاولته احتواء الفشل الذي أصابه في قضية المسجد الأقصى المبارك.

ثالثا، حملة اعتقالات واسعة في القدس: قامت إسرائيل بعد نجاح الاحتجاج الجماعي الكبير في القدس، بشنّ حملة اعتقالات سياسية لعشرات النشطاء الفلسطينيين في القدس، بهدف الانتقام منهم أولا، وردعهم من المشاركة أو تنظيم أعمال احتجاجية سلمية كبيرة في المستقبل ثانيا. وتدل هذه الحملة على أن إسرائيل تقوم بملاحقة سياسية لكل النشطاء الفلسطينيين حتى أولئك الذين يمارسون العمل السياسي الاحتجاجي السلمي، وينسجم هذا الاجراء مع قيام وزير الدفاع بإصدار أمر اعتقال إداري بحق ثلاثة شبان عرب من منطقة وادي عارة.

"نتنياهو تحول إلى سياسي صغير"!

شكلت الأحداث التي أعقبت عملية القدس صدمة كبيرة لإسرائيل، فمن جهة أكد الاحتجاج الجماهيري الواسع في القدس الدور الكبير الذي لعبه وما زال يلعبه الفلسطينيون في إسرائيل في إنجاح هذا الاحتجاج، وشكل ذلك صدمة لإسرائيل لأن حملات التحريض والتخويف التي مارستها بعد العملية لم تثن عشرات الآلاف من الفلسطينيين في الداخل عن المشاركة اليومية في أعمال الاحتجاج السلمي، وهذا كان مخالفا لكل التصورات الإسرائيلية بأن تخويفهم سوف يؤدي إلى ردعهم عن ممارسة العمل السياسي النضالي كما حدث بعد قتل 13 شابا في أحداث انتفاضة القدس والأقصى في أكتوبر 2000. في المقابل أكد الاحتجاج في القدس بؤس مقولة إسرائيل حول كون القدس مدينة موحدة، حيث انتفض السكان المقدسيون من خلال الاحتجاج في المسجد الأقصى على هذه المقولة، وأكدوا أنهم بالذات من يشكلون رأس الحربة لمقاومة الاحتلال في القدس، وأن كل ممارسات إسرائيل في القدس من تخويف وتهديد وملاحقات سياسية وحواجز لم تثن سكان القدس عن الخروج إلى احتجاج شارك فيه عشرات الآلاف، حيث شكل ذلك ضربة لكل الرواية الإسرائيلية حول القدس، ولهذا السبب ربما جاء اقتراح القانون بفصل الأحياء الفلسطينية عن مناطق نفوذ بلدية القدس الاحتلالية لإنقاذ ما تبقى من ماء وجه هذه السردية الإسرائيلية.

كما ساهمت الأحداث في تآكل مكانة نتنياهو السياسية والأمنية، وبرغم بقائه متربعا على قمة السياسيين المفضلين لدى الجمهور اليهودي لشغل منصب رئيس الحكومة، الا أن شعبيته تراجعت، وبدا أنه بات يتبنى بشكل علني المقولات السياسية لليمين المتطرف في إسرائيل، ولم يعد يخفي شيئا من هذه المقولات، مما حوله إلى سياسي يتنافس على مقولات شعبوية مع أصغر عضو كنيست في الليكود. ففي خضم الأزمة أيد إصدار حكم بالإعدام بحق الفلسطيني الذي قام بعملية مستوطنة حلميش، وأيد مرة أخرى منح إعفاء للجندي إليئور أزاريا قاتل الشهيد عبد الفتاح الشريف في الخليل، وأشهر تأييده بالعلن لمشروع التبادل في منطقة وادي عارة، واستمر في تحريضه الشعبوي على النواب والقيادات العربية، ونظم مراسم احتفالية للحارس الإسرائيلي قاتل المواطنين الأردنيين. وبذلك تحول نتنياهو في الفترة الأخيرة، في قراءة الكثير من المحللين والسياسيين المنافسين، إلى سياسي حزبي يميني صغير، لا يتصرف كرئيس حكومة. وحتى في الأزمة نفسها خاف من اتخاذ قرار بإزالة البوابات الإلكترونية في الأسبوع الأول ونقل صلاحية اتخاذ القرار للشرطة، وفقط بعد الاحتجاج الكبير لأهالي القدس والداخل الفلسطيني قرر أن يزيل البوابات مستغلا حادثة السفارة الإسرائيلية في عمان.