تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

ذكرت تقارير إعلامية عبرية، أمس الأحد، أن وزارة العدل الإسرائيلية توقعت إعلان المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، فاتو بنسودا، عن بدء دراسة أولية حول وجود شبهات ضد إسرائيل بارتكاب جرائم حرب بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنها فوجئت من توقيت الإعلان. فقد كان واضحاً أنه منذ انضمام الفلسطينيين إلى معاهدة روما، التي تشكل مصدر صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية، ستحين اللحظة التي يُفتح فيها إجراء ضد إسرائيل، لكن هذه الأخيرة لم تتوقع ذلك بمثل هذه السرعة.

 

 

وتوالت ردود الفعل الإسرائيلية على إعلان بنسودا، وتراوحت بين إظهار الغضب والاحتجاج. وكان رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، قد بعث برسالة إلى زعماء في العالم طالبهم فيها بمنع قرار كهذا. وتضمنت هذه الرسالة خطوات، تعتبر إسرائيل أنه في حال تنفيذها أو البدء أو الإعلان عن تنفيذها، سيبعد التحقيق في الانتهاكات التي تنفذها ضد الفلسطينيين وتصل إلى اتهامات بارتكاب جرائم حرب.

 

وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل تعتبر أنه في حال قيامها بإجراء تحقيقات في أحداث خلال العدوان على قطاع غزة، في الصيف الماضي، مثل مجزرة رفح في الأول من آب الماضي، فإنها ستنجو من المحاكمة، علما أن الاتهامات بارتكاب جرائم حرب وانتهاك قوانين الحرب وإدارة مناطق تقع تحت الاحتلال تشمل انتهاكات إسرائيل في الضفة الغربية والقدس الشرقية أيضا، وفي مقدمتها الاستيطان.

 

نتنياهو يلوح بالمحرقة

 بعث نتنياهو، الأسبوع الماضي، برسالة إلى عدد من الزعماء في العالم، بينهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الأسترالي توني أبوت.

 وكتب نتنياهو في الرسالة أنه "بعد مرور سبعة عقود على المحرقة، يوجه الفلسطينيون بوقاحة إصبع الاتهام إلى إسرائيل، الدولة الديمقراطية الأكثر تهديدا في العالم".

 وأضاف نتنياهو في رسالته أنه "بدلا من التنديد بالأنظمة المستبدة التي تنفذ مجازر جماعية بحق مئات آلاف المدنيين الأبرياء، فإنهم يتهموننا، نحن الدولة التي تصارع على وجودها منذ يومها الأول، بجرائم حرب. كما أن المطلب الفلسطيني بمحاكمة إسرائيل في محكمة دولية، يستند إلى التلميح للكذب بأنه لا يوجد في إسرائيل جهاز قضائي نشط ويستحق التقدير. وإذا وقعت إسرائيل ضحية لمحاولة استغلال المحكمة الجنائية الدولية، فإن جميع الدول الديمقراطية في العالم قد تواجه خطرا مشابها".

 

وتطرق نتنياهو إلى الموضوع في مستهل جلسة حكومته، أمس، وهاجم المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية، معتبرا أن "قرار المدعية في المحكمة الدولية ببدء فحص ضد دولة إسرائيل يعتبر ذروة النفاق وقلب العدالة رأسًا على عقب. ولقد واجهت مثل هذه الظواهر خلال السنوات التي قضيتها في خدمة دولة إسرائيل، عندما خدمت سفيرًا لإسرائيل لدى الأمم المتحدة وأيضًا كرئيس حكومة، لكن القرار الذي اتخذته المدعية يشكل مثالا غير مسبوق من النفاق".

 

وادعى نتنياهو أن "هذا القرار يمنح الشرعية للإرهاب الدولي الذي يحظى الآن برعاية دولية. وسنحارب هذا بكل الوسائل وسنجند أطرافا أخرى لتكافح هذه السخافة، وها هي تتجند لمكافحة هذه الظاهرة. وسندافع عن حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها. ولن نسمح بمثول جنود الجيش الإسرائيلي أمام المحكمة الدولية. وأود أن أقول أيضًا إن هذه الخطوات لن تردعنا عن اتخاذ كل ما يتطلب من أجل الدفاع عن دولة إسرائيل ومواطنيها".

 

وعقب نتنياهو على إعلان المدعية في محكمة لاهاي، يوم السبت الماضي، بالقول إن "إسرائيل ترفض رفضا قاطعا القرار الفاضح"، وأضاف متهكما "لن أستغرب إذا ما قام كل من حزب الله وداعش والقاعدة بمثل هذه الخطوة أيضا. إلى أي درجة من السخافة تدهورت المحكمة الدولية؟".

 

وأضاف أنه "بعد أيام قليلة فقط من ارتكاب الإرهاب الإسلامي المتطرف مجزرة في فرنسا، قررت المدعية العامة للمحكمة الدولية الشروع في فحص ضد دولة إسرائيل التي تدافع عن مواطنيها من حماس، تلك المنظمة الإرهابية التي يدعو ميثاقها إلى ارتكاب مجزرة بحق اليهود أينما كانوا. هذه هي حماس ذاتها التي تحالفت مع السلطة الفلسطينية، إذ أطلق أفرادها، مجرمو الحرب، آلاف الصواريخ على المواطنين الإسرائيليين أثناء الصيف المنصرم".

 

التحقيق سيطال القيادة السياسية

 حذر خبراء إسرائيليون في القانون الدولي من أن الدراسة التي أعلنت عنها المدعية في المحكمة الجنائية الدولية ستطال القيادة السياسية الإسرائيلية. وتأتي هذه التحذيرات في أعقاب ضغوط يمارسها سياسيون، مثل وزير الدفاع موشيه يعلون، بهدف منع الجيش الإسرائيلي من التحقيق في جرائم بينها مجزرة رفح في أعقاب أسر جندي إسرائيلي.

 

ونقل موقع "واللا" الالكتروني، أمس الأحد، عن خبراء إسرائيليين في القانون الدولي قولهم إن الدراسة التي ستنفذها المحكمة الجنائية الدولية في المرحلة الأولى "لا تشمل عمليات الجيش الإسرائيلي في المناطق (المحتلة) فقط، وإنما نشاط المستوى السياسي أيضا، الذي لا يخضع لصلاحيات ومسؤولية المدعي العام العسكري" الإسرائيلي داني عيفروني.

 

ولفت أحد هؤلاء الخبراء إلى أنه "بمقدورهم التحقيق في السياسات الثابتة لدولة إسرائيل وليس بعمليات عسكرية كلاسيكية بالضرورة، مثل القرارات التي اتخذت في الكابينيت (الحكومة السياسية – الأمنية المصغرة) بشأن خطوات عسكرية ضد حماس".

 

وعقد عيفروني، أمس، اجتماعا خصص للبحث في إعلان المحكمة الجنائية في لاهاي بمشاركة ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي الذين سيبحثون في عواقب إعلان المحكمة. وكان عيفروني قد عقد اجتماعا مشابها، قبل أسبوعين، بمشاركة مسؤولين في وزارتي العدل والخارجية.

 

وقال موقع "واللا" إن المدعي العام العسكري الإسرائيلي يتعرض في الأسابيع الأخيرة لهجمة من جانب سياسيين وجهات لديها مصالح، في محاولة لتقويض مكانته على خلفية نيته التحقيق في أحداث وقعت خلال العدوان على غزة في الصيف الماضي. وكان يعلون قد عبر عن معارضة شديدة لإمكانية أن يحقق المدعي العسكري في مجزرة رفح، التي نفذها لواء "غفعاتي" وراح ضحيتها نحو 150 فلسطينيا غالبيتهم العظمى من المدنيين، لدى استخدام "نظام هنيبعل" بعد أسر الجندي هدار غولدين، وأطلقت خلاله كمية هائلة من النيران المدفعية والجوية.

 

وقالت مصادر في النيابة العامة العسكرية إن "المدعي العسكري العام لا يعتزم الانحراف عن الطريق. ومن لا يريده هو وطريقه سيواجه المحكمة في لاهاي".

 

وتطرق عيفروني في محاضرة ألقاها في كلية نتانيا الأكاديمية، يوم الجمعة الماضي، إلى العدوان على غزة من وجهة نظر القانون الدولي. وقال إنه "ينبغي أن نتذكر أننا موجودون في ميدان قتال من نوع آخر، وهو ليس شبيها بميادين القتال أثناء حرب يوم الغفران (1973) أو حرب الأيام الستة (1967). توجد تطورات طوال الوقت، والبيئة الدولية متفاعلة جدا ووزن القانون الدولي يتزايد وتم التعبير عنه طوال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، ووصل ذروته بعد عملية الرصاص المصبوب العسكرية (ضد قطاع غزة في نهاية العام 2008 وبداية 2009) ومنذئذ ازداد الوضع سوءا".

 

وأضاف عيفروني، حول التحقيقات العسكرية ضد ضباط في الجيش الإسرائيلي، أن "قدرتنا على محاكمة ضباط كبار في الجيش موجودة وبالإمكان فتح تحقيقات ضدهم. وقائد لواء غفعاتي (عوفر فينتر) ليس الوحيد الذي يخضع لتحقيق". وأوضح أن "تحقيقا من هذا النوع غايته تحذير الضابط بأن يستعد ويستشير وتذكر أن ما تقوله قد يستخدم ضدك. وهناك العشرات الذين تم التحقيق معهم بهذا الشكل، وضباط أرفع من قادة ألوية وتم إغلاق الملف في النهاية من دون إدانة. وقدرة المدعي العسكري العام موجودة، وحتى ضد ضابط برتبة لواء ورئيس أركان الجيش، ولسعادتي أننا لم نصل إلى هناك لكن لدينا الإمكانية لتنفيذ ذلك".

 

واعتبر عيفروني أن "الإحباط المركز (اغتيال نشطاء) لم يكن مقبولا في العالم في البداية، وقُدمت التماسات إلى المحكمة العليا ضده، واليوم بات أسلوبا قتاليا مقبولا في جميع أنحاء العالم".

 

وتابع أن "الأمور أصبحت معقدة أكثر خلال عملية الجرف الصامد العسكرية لأن العدو غرس كل أنشطته بين السكان واستخدمهم كدرع واق وحربة. وهو يعلم أنه إذا شن الجيش الإسرائيلي هجوما، فإنه سيقتل أناسا وتخرج صرخة كبيرة في الناحية الشرعية وستؤثر على حرية عملنا الحرفي، وهذه حلبة أخرى ترافق حلبتنا القتالية إلى جانب وسائل الإعلام".

 

التوجه الفلسطيني الحالي والسابق إلى المحكمة الجنائية

 أشار الخبيران القانونيان البروفسور عميحاي كوهين وطال ميمران، في مقال نشره "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" على موقعه الإلكتروني في 11 كانون الثاني الحالي وقبل صدور إعلان المدعية في محكمة لاهاي، إلى الفرق بين التوجه الفلسطيني إلى محكمة لاهاي في العام 2009 وتوجههم في مطلع العام الحالي.

 

وكان المدعي العام السابق في المحكمة الجنائية الدولية قد رفض، في العام 2012، الطلب الفلسطيني الأول استنادا إلى البند 12(3) من دستور المحكمة، وأنه "ليس واضحا ما إذا كانت السلطة الفلسطينية تعتبر دولة بموجب القانون الدولي". وكتب كوهين وميمران أن قرار المدعي جاء في أعقاب سلسلة من الاعتراضات الإسرائيلية على التوجه الفلسطيني، وجاء فيها أن السلطة ليست دولة.

 

ورأى الباحثان أن التوجه الفلسطيني الأخير إلى محكمة لاهاي تم بعد حدوث عدة تطورات، بينها ارتقاء مكانة السلطة الفلسطينية إلى دولة غير عضو في الأمم المتحدة. والتطور الثاني، هو أن السلطة الفلسطينية انضمت إلى عدد كبير من المعاهدات الدولية، وبينها معاهدة جنيف. ولذلك فإن هناك تأثيرا لهذا الأمر على قبول التوجه الفلسطيني بالانضمام إلى معاهدة روما أيضا. والتطور الثالث، هو تطور شخصي بحسب الباحثين، ويتعلق بتغير المدعي العام السابق منذ شهر حزيران 2012.  

 

وأضافا أن "ثمة شكوكا ليست قليلة تجاه ادعاء دولة إسرائيل بأنها تحترم وتطبق قوانين الحرب خلال عملياتها العسكرية وأنها تجري تحقيقات بصورة لائقة بالانتهاكات المزعومة التي تُنفذ خلال العمليات".

 

وشدد الباحثان على أن "التحقيقات التي ستنفذ من جانب النيابة العامة العسكرية (الإسرائيلية) من شأنها أن تشكل حاجزا أمام تدخل دولي، طالما أنها تحقيقات ستنفذ بموجب المعايير الدولية، ويكون هدفها فعلا البحث عن الحقيقة، وألا تكون مجرد حماية من تحقيق دولي".

 

ولفت الباحثان إلى أن "المفهوم الإسرائيلي للقانون الدولي يتناقض مع الموقف المقبول على أجزاء واسعة جدا في المجتمع الدولي، تعتقد أن المشروع الاستيطاني يشكل انتهاكا للقانون، ويفرض مسؤولية جنائية شخصية على مرتكبي هذا الانتهاك".

 

قوانين اللعبة تغيرت

 عقب وزير خارجية إسرائيل، أفيغدور ليبرمان، على إعلان المدعية العامة في محكمة لاهاي بإجراء دراسة حول الوضع في الضفة والقطاع، بالادعاء أن "المحكمة نفسها التي رغم سقوط أكثر من 200 ألف قتيل في سورية لم تجد مناسبا التدخل هناك وفي ليبيا أو أماكن أخرى، وجدت أن من المناسب ’دراسة’ (ممارسات) الجيش الأكثر أخلاقية في العالم" في إشارة إلى الجيش الإسرائيلي.

 

وردا على ذلك، كتب الخبير في القانون الدولي والمحاضر في جامعة تل أبيب، البروفسور إيال غروس، في صحيفة "هآرتس" أمس، أن "وزير خارجية دولة إسرائيل يظهر جهلا مقلقا، أو أنه لا يقول الحقيقة"، مشيرا إلى أن محكمة لاهاي أصدرت أمري اعتقال ضد سيف القذافي، وضد رئيس المخابرات الليبية عبد الله السنوسي، في حزيران 2011.

 

وأضاف غروس أنه "فيما يتعلق بسورية، فإنه يجدر بوزير الخارجية أن يدرس القواعد بشأن الصلاحيات القضائية للمحكمة الدولية، التي يمكن أن تنبع من أحد ثلاثة أمور: الانضمام إلى المحكمة أو الموافقة على اختصاص دولة تم تنفيذ جرائم محتملة في أراضيها؛ الانضمام إلى المحكمة أو الموافقة على اختصاص دولة نفذ مواطنون فيها جرائم محتملة؛ توجه مجلس الأمن الدولي إلى المحكمة". وفيما توجه مجلس الأمن إلى محكمة لاهاي بشأن ليبيا، فإنه لم يفعل ذلك بشأن سورية "ولذلك ليست لديها صلاحيات للبحث في الموضوع".

 

وأوضح غروس أنه "في الحالة الإسرائيلية - الفلسطينية، تنبع صلاحيات المحكمة من موافقة الدولة التي تم تنفيذ جرائم محتملة في أراضيها، وهي فلسطين. ورغم عدم اعتراف إسرائيل بها، إلا أن هذه الدولة معترف بها بهذا الاسم في المؤسسات الدولية".

 

وأردف أنه "من هنا أهمية القرار حول الدراسة الأولية: قرار المدعية بشأن مكانة فلسطين الآن مختلف بصورة كبيرة عن القرار الذي صدر سابقا في نيسان 2012"، وذلك للأسباب التي أوضحها كوهين وميمران أعلاه.

 وأضاف غروس أن "الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مجموعة الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، ومأمور المحكمة اعترفوا جميعا بالانضمام الفلسطيني، وهكذا فعلت المدعية. وهكذا أخذت تتضح الفجوة بين الموقفين الإسرائيلي والدولي. وفلسطين ليس بإمكانها أن تُقبل كدولة عضو في الأمم المتحدة، لأن هذا الأمر يتطلب توصية من مجلس الأمن، الذي يتوقع استخدام الفيتو الأميركي فيه. لكن في الجمعية العامة لا يوجد فيتو كهذا، والمحكمة الجنائية الدولية ليست هيئة تابعة للأمم المتحدة، ولا تخضع لمجلس الأمن".

 

وأشار غروس إلى أنه في حال قررت المدعية، بعد الدراسة الأولية وعمليات استيضاح أخرى، إجراء تحقيق، فإن "تحقيقا كهذا يمكن إجراؤه ضد إسرائيليين بخصوص المس بمدنيين وبخصوص المستوطنات، وكذلك ضد فلسطينيين مسؤولين عن المس بمدنيين إسرائيليين".

 

لكن حتى لو تم تقديم دعوى ضد إسرائيليين، فإن محاكمتهم لا يمكن أن تخرج إلى حيز التنفيذ من دون تسليمهم إلى المحكمة، وهذا أمر يبدو أنه يستحيل أن تنفذه إسرائيل.

 

ورأى غروس أنه "لا شك في أنه منذ نهاية الأسبوع الماضي تغيرت قوانين اللعبة. فقد بات الإسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء ولأول مرة تحت صلاحية المحكمة الجنائية الدولية. وإذا كانت هذه الحال مفاجئة لوزير الخارجية (ليبرمان)، فإن السبب على ما يبدو هو أنه لم يستوعب بعد أن الموقف القانوني الإسرائيلي حيال عدد من المواضيع، بدءا من سياسة الهجوم في غزة وحتى المستوطنات، بعيدة من جوانب عديدة بُعد الشرق عن الغرب من المواقف القانونية السائدة في العالم".