بأصوات ما زالت قليلة، كي لا نقول معدودة، لكن شديدة الصفاء وبالغة الدلالة، تتواتر في إسرائيل في الآونة الأخيرة دعوة إلى التحرّر من العقيدة الصهيونية، بوصف ذلك الطريق الأنسب لمعالجة أهم أسباب استمرار الصراع مع الفلسطينيين، كما سنوضّح في سياق لاحق.
وهي دعوة أتت، بادئ ذي بدء، في الأعوام القليلة الفائتة، على خلفية سنّ "قانون القومية" الإسرائيلي في العام 2018، وتنامت أكثر فأكثر في ظل الأزمة الحكومية التي شهدتها إسرائيل تحت تأثير محاولات وضع حدّ لعهد حُكم بنيامين نتنياهو، وأسفرت في نهاية المطاف عن تأليف حكومة جديدة ضم ائتلافها لأول مرة حزباً عربيا- إسلامياً، ما أجّج مواقف عنصرية.
ما زالت السلطة الإسرائيلية المسؤولة عن حيازة وإدارة الأراضي المسماة "أراضي دولة" تحتل مواقع متقدمة في عناوين التحقيقات الصحافيّة الاستقصائية وتقارير الرقابة والفحص الرسمية، بوصفها مؤسسة رسمية تتضمن عمليات احتيال واختلاس متعلقة بأراضٍ يفترض أنها المسؤولة عن حراستها وإدارتها. وقد كان عنوان هذا البند في التقرير السنوي الصادر عن مراقب الدولة واضحاً إذ جاء فيه حرفياً: "منع الاختلاسات وعمليات الاحتيال في سلطة أراضي إسرائيل".
استخدم روّاد السينما الأوائل في الحركة الصهيونية الأفلام الوثائقية والإخبارية بدءاً من عشرينيات وثلاثينيات القرن التاسع عشر، بغرض إثارة يهود الشتات للانضمام إلى جهود "البناء والإحياء" والهجرة إلى فلسطين. وشكّلت هذه الأفلام وسيلة لبناء الهوية الجديدة ونشرها، وعرض أشكال الحياة في الييشوف الزراعي. وكان ذلك قبل ظهور سينما "وطنية" حقيقية وممأسسة، وقبل أن تصبح الدولة الإسرائيلية المرجع الأول لإدارة البروباغندا السياسية والوطنية. لم يكن الفيلم وسيلة تقديم السرد التاريخي وتوثيقه فحسب وإنما أيضاً لبنائه، ولا يزال موضوع الإنتاج الفني الإسرائيلي يشغل صناّع القرار في إسرائيل، وتتخذ النقاشات المتعلقة بموضوعاته ومصادر تمويله وأهدافه حيّزاً كبيراً من النقاشات والقرارات الحكومية.
وسط حالة من الجدل الشديد حول رفع العلم الفلسطيني في القدس وفي أوساط الفلسطينيين العرب في إسرائيل، صادقت الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلي، في مطلع شهر حزيران الجاري، بالقراءة التمهيدية، على مشروع قانون يحظر رفع العلم الفلسطيني في المؤسسات التي تُموّلها الدولة، وقد صوّت إلى جانب هذا القانون الذي قدمه النائب الليكودي إيلي كوهين 63 عضواً من قوى المعارضة والائتلاف الحكومي على السواء، بينما عارضه 16 نائبا من النواب العرب وبعض ممثلي اليسار الصهيوني.
الصفحة 173 من 894