مع بداية هذا العام بدأ المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار عقده الثالث وقد أصبح في جعبته إرث من الصعب استحصال ملامحه في عجالة، وذلك في طيف واسع من المجالات التي يمكن الإشارة إلى تميزه فيها على نحو ليس مبالغة القول إنه شديد الخصوصية.
ولعلّ ما يستلزم التذكير بهذا الأمر هو ضرورة الاستفادة من التجربة والإنتاج اللذين راكمهما المركز خلال هذه الفترة، ولا سيما من طرف الباحثين وجميع الذين يكتبون في الشأن الإسرائيلي، في سبيل مزيدٍ من هذه المراكمة التي تعتبر أهم تعضيد لعملية البحث ذاتها الآن وفي المستقبل.
ومن الحق أن يُشار في هذا الصدد إلى أن مركز مدار تميّز من ضمن أمور أخرى بقدر كبير من استشراف سيرورات نحا نحوها المشهد الإسرائيلي، وبرز هذا الأمر بشكل ملفت في تقاريره الاستراتيجية السنوية. وإحدى أهم تلك السيرورات تمثلت في محاولة اليمين الإسرائيلي الجديد إحكام قبضته على مفاصل الحكم، والتي نشهد في هذه الأيام نتائجها على أكثر من صعيد، وذلك في ضوء أنه هو من بات يقرّر جدول الأعمال الداخلي في إسرائيل وخطابها السياسي.
لم تكف إسرائيل، وكعادتها، عن الاهتمام بصورتها أمام المجتمع الدولي؛ والظهور كواحة وحيدة للديمقراطية في الشرق؛ تلك الصورة التي شيّدتها على مدار العقود الطويلة الماضية استناداً إلى دور "الضحية"، وجنباً إلى جنب مع شعار "معاداة السامية"؛ كمفهوم وكإطار عملت على تمديده وتوسيعه ليشمل كل مُنتقديها، أو منتقدي جرائمها بحقّ الشعب الفلسطيني، كلّ ذلك من خلال ما يُسمّى بـ"الرواية الوطنية" أو "الرواية القومية" التي تتجنّد كافة أطياف النظام السياسي الإسرائيلي في نقلها- بعد أن تتم بلورتها وفقاً لمعايير صهيونية- أمنية بالدرجة الأولى؛ سياسية بالدرجة الثانية، كون إسرائيل تنفرد بكونها تُمثّل حالة "المجتمع المجنّد" على كافة الصعد حينما يتطلّب الأمر ذلك؛ في أوقات الحرب والسلم على حدٍّ سواء.
تسعى الحكومة الإسرائيلية الجديدة، مع بدء أسبوع عملها الثالث، إلى تثبيت حكمها على المستوى البرلماني، من خلال سلسلة تعديلات قانونية تلائم وضعية الائتلاف الهش، الذي يرتكز على 61 نائبا من أصل 120 نائبا، ما يخفف العبء البرلماني على كتل الائتلاف، من حيث ضرورة التواجد في الكنيست، لمنع أي خسارة في التصويت؛ وهذا بموازاة سعيها لتمرير تمديد سريان مفعول القانون المؤقت الذي يقضي بحرمان العائلات الفلسطينية من لم الشمل. ومن جهة أخرى، فإن مؤشرات التململ من بنيامين نتنياهو في حزب الليكود تتكاثر، ما يعزز الاستنتاج بأنه في حال صمدت الحكومة الجديدة لأكثر من عام، فإن فرص نتنياهو للعودة إلى رئاسة الحكومة من شأنها أن تتضاءل.
في ليلة 9 حزيران الحالي، اقتحمت قوة عسكرية إسرائيلية منطقة مدينة البيرة، وتوجهت مباشرة إلى مبنى السرطاوي حيث مقر لجان العمل الصحي الفلسطيني. مع ساعات الفجر اكتملت "المهمة العسكرية" وانسحبت القوة بعد أن عاثت خرابا داخل المقر المكون من طابقين، صادرت الملفات والأقراص الصلبة، وعلقت أمرا عسكريا بإغلاق المقر لمدة 6 أشهر.
الصفحة 252 من 912