المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

إعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن مرتفعات الجولان السورية المحتلة جزء مما أسماه "أرض إسرائيل" ومطالبته العالم بالاعتراف بالوضع القائم، وقرار إسرائيل منذ 35 عاما بفرض ما يسمى "السيادة الإسرائيلية" على هذه المنطقة السورية، كانا اعلانا سياسيا، بينما على أرض الواقع فإن كل حكومات إسرائيل لم "تنجح" في جذب المستوطنين للاستيطان في 33 مستوطنة؛ إذ بعد 49 عاما على الاحتلال ما زال عدد المستوطنين أقل من 21 ألفا، في حين أن جيل الشباب بغالبيته، تشكّل المستوطنات بالنسبة له "بيت العائلة"، بينما إقامته الدائمة في مركز البلاد، وبشكل خاص في منطقة تل أبيب الكبرى. كما أنه بعد 35 عاما على قرار الضم، فإن الغالبية الساحقة من السوريين الذين يقدّر عددهم بنحو 22 ألفا، يواصلون رفضهم للجنسية الإسرائيلية.

وقد بادر نتنياهو في منتصف نيسان الماضي إلى عقد جلسة حكومته الأسبوعية العادية، في مستوطنة "غاملا" جنوبي مرتفعات الجولان السورية المحتلة. وأعلن نتنياهو في ذلك اليوم: "إن الجولان كان جزءا لا يتجزأ من أرض إسرائيل في العصر القديم، والدليل على ذلك هو عشرات الكنس اليهودية العتيقة التي عثر عليها من حولنا. والجولان هو جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل في العصر الحديث بعد خضوعه للاحتلال السوري الذي استمر 19 عاما".

وتابع نتنياهو قائلا "لقد اخترت عقد الجلسة الاحتفالية للحكومة في مرتفعات الجولان كي أمرّر رسالة واضحة: مرتفعات الجولان ستبقى بيد إسرائيل إلى الأبد. إسرائيل لن تنسحب من مرتفعات الجولان".

وأعلن أنه يطالب قادة الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، بالاعتراف بالقرار الإسرائيلي بضم الجولان إلى ما يسمى "السيادة الإسرائيلية". ولكن واشنطن أصدرت بيانا لاحقا أعلنت فيه عدم تراجعها عن موقفها الرافض لضم الجولان.

وادعى نتنياهو أن في الجولان 50 ألف شخص، وحسب قول نتنياهو فإن عدد المستوطنين في الجولان يكون قد قارب 30 ألف مستوطن. بيد أن إحصائيات مكتب الإحصاء المركزي تشير إلى غير ذلك، إذ أن إحصائيات مجالس المستوطنات في الجولان تدعي وجود 5ر25 ألف مستوطن، بينما مكتب الإحصاء الإسرائيلي يؤكد وجود 5ر20 ألف مستوطن فقط. ويتعامل مكتب الإحصاء في التعداد السكاني بشكل عام مع المتواجدين فعليا في مناطق سكناهم واستيطانهم، ما يعني أن جزءا من المستوطنين المسجلين في الجولان، ليسوا مقيمين بشكل دائم، فإما أن يكونوا يقيمون في مناطق داخل إسرائيل، ليستفيدوا من التسهيلات الضريبية لمستوطني الجولان، أو أنهم من المهاجرين، ويمتلكون بيوتا في الجولان.

ومن الواضح أن نتنياهو يسعى إلى استثمار الوضع القائم في سورية في السنوات الخمس الأخيرة، فهذه الأوضاع أنهت الحوار الإسرائيلي - السوري حول الجولان. وفي العقد الأخير من القرن الماضي (سنوات التسعين)، كان الانسحاب من الجولان يحظى بتأييد واسع في الحلبة السياسية الإسرائيلية، وأيضا بين الجمهور. وحسب تقارير سابقة، فإن عددا من رؤساء الحكومات، وبينهم نتنياهو ذاته، كانوا قد مرروا رسائل إلى دمشق، مفادها أن إسرائيل مستعدة للاعتراف بالحق السوري، على أن يتم الانسحاب جزئيا، وتستأجر إسرائيل الأراضي الواقعة عليها المستوطنات لفترة طويلة الأمد، فالغالبية الساحقة من المستوطنات، والمستوطنين، أقرب إلى حدود الرابع من حزيران 1967.

ونقرأ في تقرير واسع في الملحق الأسبوعي لصحيفة "ذي ماركر" تفاصيل عديدة حول واقع الاستيطان في الجولان، ليتضح أن رصد مليارات الدولارات على مدى سنين الاحتلال، لم يحقق "الهدف" بإغراق الجولان بالمستوطنين، إذ أن هذه المنطقة بالنسبة للإسرائيليين نائية جدا، وتبعد عن تل أبيب بالمعدل 190 كيلومترا، وعن حيفا بالمعدل 110 كيلومترات، وهذا في جغرافية البلاد يعني سفر ساعات في الاتجاهين.

مرتفعات الجولان والسوريون

لدى احتلال مرتفعات الجولان في العام 1967، دمّر جيش الاحتلال الإسرائيلي 131 قرية سورية إضافة إلى مدينتي القنيطرة وفيق، وتمتد المنطقة على مساحة 1250 كيلومترا مربعا، وهجّر الاحتلال حوالي 131 ألف سوري، وحسب التقديرات يبلغ تعدادهم اليوم حوالي 500 ألف، وغالبيتهم الساحقة في عداد اللاجئين في وطنهم. ولم ينج من القتل والتهجير سوى سبعة آلاف مواطن، وباتوا اليوم حسب التقديرات في حدود 23 ألف نسمة، يعيشون في خمس قرى شمالي الجولان المحتل. وأكبرها قرية مجدل شمس، ويعيش فيها حوالي 10 آلاف سوري، والقرى الأخرى هي مسعدة وبقعاثا وعين قينيا، والقرية الخامسة "الغجر" الواقعة على الحدود مع لبنان، وباتت في مثلث "حدودي"، بين الجزء المحتل من مرتفعات الجولان والجزء المحرر ولبنان.

وفي العام 1981 أقر الكنيست قانون ضم مرتفعات الجولان إلى ما يسمى "السيادة الإسرائيلية"، إلا أن الغالبية الساحقة جدا من السوريين رفضت تسلم الهوية الإسرائيلية، وحسب تقديرات رسمية، فإن عدد الذين تجنّسوا يتراوح ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف نسمة، قسم كبير منهم هم من بضع مئات انتقلت للعيش في مرتفعات الجولان من قرى في إسرائيل.

وهم متمسكون حتى اليوم بالموقف الوطني الرافض للاحتلال، وبحوزة رافضي "الجنسية" بطاقات مقيم، ويرفضون المشاركة في انتخابات المجالس القروية، التي يجيزها القانون الإسرائيلي، ولهذا فإن المجالس القروية خاضعة للجان معينة من سلطات الاحتلال.

وحسب تقديرات محلية، فإن نسبة الأكاديميين بين السوريين في الجولان المحتل هي من الأعلى في العالم، ولم تظهر إحصائيات حول هذا الأمر، ولكن كما ورد في تقرير مجلة "ذي ماركر" الاقتصادية، فإن في الجولان 250 طبيب أسنان، وهذا عدد ضخم مقارنة بعدد المواطنين (22 ألفا)، وتعمل غالبيتهم الساحقة في انحاء مختلفة من إسرائيل. ويتلقى السوريون تعليمهم الجامعي في سورية وفي دول أجنبية عديدة، رغم أنه في السنوات الأربع الأخيرة تراجعت بشكل حاد أعداد الطلبة المتوجهين إلى دمشق نظرا للظروف القائمة في سورية.

ومصدر الرزق الأكبر للسوريين في الجولان المحتل، هو قطاع الزراعة، يليه قطاع السياحة المحلية، رغم ضعفها في القرى السورية المحتلة، ثم قطاع التجارة والمطاعم.

الاستيطان والمستوطنون

كما ذكر، تنتشر في الجولان 33 مستوطنة، وعدد المستوطنين الفعلي، بموجب تقرير مكتب الإحصاء المركزي، 5ر20 ألف مستوطن.

وأقدم هذه المستوطنات "مروم جولان"، التي أقيمت بعد شهر واحد من الاحتلال في العام 1967. وكانت هذه المستوطنة قد أقيمت يوم 14 تموز العام 1967، لغرض جمع الأبقار والمواشي، التي تركها السوريون المهجّرون من أراضيهم وبلداتهم. وشملت عمليات السلب والنهب للمواشي سائر منطقة الجولان المحتل، وصولا إلى مدينة القنيطرة، التي تحررت مع قرى أخرى في محيطها في حرب أكتوبر العام 1973.

وأكبر المستوطنات القائمة حاليا هي كتسرين، وبحسب مكتب الإحصاء المركزي فإن عدد المستوطنين فيها بالكاد يقفز عن 7 آلاف مستوطن بقليل، بينما يزعم مجلس المستوطنة أن عددهم 8500 مستوطن، ما يعني أن 13 إلى 14 ألف مستوطن ينتشرون في 32 مستوطنة، بغالبيتها الساحقة قائمة على نمطي "القرى التعاونية الإسرائيلية": "كيبوتس" و"موشاف".

وترى إسرائيل، حسب تقرير "ذي ماركر"، أن أعداد المستوطنين "مخيِّبة للآمال"، إذا ما تمت المقارنة مع أعداد المستوطنين في الضفة الفلسطينية المحتلة. ورغم ذلك، يجب الإشارة إلى أن عدد المستوطنين في الجولان ارتفع منذ مؤتمر مدريد للسلام في خريف العام 1991 وحتى اليوم (25 عاما) بثلاثة أضعاف، من 6500 مستوطن في ذلك الحين إلى 5ر20 ألف اليوم.

ووفق المقارنة مع الضفة، بحسب تقرير الصحيفة، فإن مساحة مرتفعات الجولان المحتلة تعادل 20% من مساحة الضفة، وبموجب وتيرة الاستيطان في الضفة، كان يجب أن ينتشر في الجولان 80 ألف مستوطن على الأقل. ولكن بطبيعة الحال لا يمكن المقارنة لعدة أسباب، أبرزها أن الاستيطان في الضفة هو استيطان ديني أيديولوجي، وهذا ما يّفسّر حقيقة أن أكثر من ثلثي المستوطنين في الضفة هم من المتدينين والمحافظين، إما من التيار الديني الصهيوني، أو التيار الديني المتزمت (الحريديم) الذي ينتشر بالذات في القدس والمستوطنات المحيطة.

كذلك يضاف إلى هذا السبب أن مركز الضفة يبعد مسافة قصيرة نسبيا عن مركز البلاد، وخاصة منطقة تل أبيب الكبرى، ما يشجع أفواجا كبيرة من الإسرائيليين على الانتقال للاستيطان في الأطراف الغربية للضفة، مثل مستوطنة "أريئيل"، الواقعة في منطقة نابلس المحتلة، مستفيدين من أسعار بيوت أقل، ومن تسهيلات ضريبية ومالية.

في المقابل، ورغم مزاعم نتنياهو بشأن علاقة هذه المنطقة بما أسماه "أرض إسرائيل القديمة"، وهذا بطبيعة الحال منسلخ كليا عن الحقائق، فإن التيار الديني وبالذات الصهيوني لا يجد هذه العلاقة الدينية مع الجولان، ونسبتهم من بين المستوطنين ضعيفة، وهذا ما يفسر أنه بعكس الاستيطان في الضفة، فإن غالبية المستوطنين هم من العلمانيين، وقد تجد غالبيتهم ما تزال تصوت للأحزاب المصنفة إسرائيليا ضمن ما يسمى "اليسار الصهيوني"، أو "الوسط"، ثم لليمين العلماني.

ولغرض هذه المقالة اطلعنا على نتائج الانتخابات في 33 مستوطنة. ووجدنا أن نسبة ما حصل عليه "اليسار الصهيوني" و"الوسط"، في الانتخابات البرلمانية في العام الماضي، كان في حدود 55%، ومن دون مستوطنة "كتسرين"، التي منحت أكثر من 55% من أصواتها لأحزاب اليمين المتشدد، خاصة الليكود و"يسرائيل بيتينو" بزعامة ليبرمان، ونسبة أصوات "اليسار والوسط" في المستوطنات الصغيرة، تصل إلى 65% بالمعدل، ووجدنا مستوطنات صغيرة ارتفعت فيها النسبة إلى أكثر من 90%.

ولكن هذه نتائج توحي بإمكان انقلاب في السنوات المقبلة مع وجود نواة تتضخم لليمين المتشدد، إذ حسب الفرز الذي أجريناه فإنه من أصل 32 مستوطنة، من دون كتسرين، صوتت الغالبية الساحقة في 21 مستوطنة لصالح "اليسار والوسط"، و9 مستوطنات لليمين، وأساسا لحزب الليكود، ومستوطنتان جاءت النتائج فيهما مناصفة تقريبا. وهذا مشهد شبيه نوعا ما بالاستيطان في غور الأردن في الضفة المحتلة، إذ أن المستوطنات هناك، كما في الجولان، أقيمت أساسا في سنوات حكم حزب "العمل" بتسمياته السابقة، وما زال التصويت لهذا الحزب تقليديا.

والاقتصاد الأساس في هذه المستوطنات هو الزراعة وتصنيع المنتوجات الزراعية، وأبرز المزروعات: الكرز وأصناف متنوعة من اللوزيات، والمانجا والأفوكادو، وكيوي، وغيرها. ويتضح من تقرير "ذي ماركر" أن 70% من المنتوجات الزراعية الطازجة والمصنعة، يتم تصديرها إلى دول العالم.

كذلك في قطاع الزراعة، نجد زراعة كروم العنب وتصنيع النبيذ الذي يُغرق السوق الإسرائيلية، وأيضا يتم تصدير كميات كبيرة منه. ويضاف إلى هذا، قطاع المواشي وتصنيع الألبان. وفي العقدين الأخيرين، على وجه الخصوص، ازدهر قطاع السياحة، وهي "سياحة داخلية"، تعتمد أساسا على نمط فنادق المناطق الثلجية في العالم.

هذا يعني أن الاقتصاد العصري، وخاصة التقنية العالية، شبه غائب عن اقتصاد المستوطنات، وهذا بحد ذاته دافع آخر للغالبية الكبيرة من الأجيال الشابة لعدم الاقامة الدائمة في مستوطنات الجولان. فقد نرى نسبة من الشبان والشابات ينخرطون في قطاع السياحة، أو حتى في الزراعة، ولكن هذه الأجيال تبحث في نهاية المطاف عن "حياة الشباب"، التي تجدها في منطقة تل أبيب الكبرى.

وفي النصف الأخير من العام الماضي، بدأت شركة إسرائيلية بمشروع التنقيب عن النفط في الأرض السورية المحتلة، برغم أن الأمر يتنافى مع القانون الدولي. وكانت الشركة التي تدعى "أفيك"، قد سعت منذ سنوات قليلة للحصول على ترخيص من الاحتلال الإسرائيلي لإجراء أعمال تنقيب في الجولان المحتل، ويرأس مجلس ادارة الشركة ضابط جيش الاحتلال في الاحتياط والوزير اليميني المتطرف الأسبق إيفي ايتام، الذي انتقل قبل عدة سنوات من حزب استيطاني كان عضوا فيه، إلى حزب "الليكود" داعما رئيسه بنيامين نتنياهو.

وكانت وزارة البنى التحتية الإسرائيلية قد أرست عطاء التنقيب على الشركة ذاتها للشروع في التنقيب عن النفط في نحو 14 مكانا في الجولان المحتل، وجاء هذا الإجراء بعد 20 عاما على اضطرار حكومة إسرائيل لوقف مبادرة كهذه، إذ حاولت الحكومة في مطلع سنوات التسعين، ومرة أخرى في العام 1996 إبان حكومة بنيامين نتنياهو الأولى، فتح مشاريع تنقيب، إلا أنها اضطرت للتراجع في أعقاب احتجاجات دولية، خاصة في مرحلة كان يجري الحديث فيها عن احتمال إجراء مفاوضات بين إسرائيل وسورية.

ويتوقع الخبراء أن تكون مهمة التنقيب صعبة، بسبب صلابة القشرة الأرضية في تلك المنطقة. ويقول بحث علمي إن التنقيب عن النفط، حتى في المرحلة التجريبية، سيتسبب في تلوث الوديان التي تصب في بحيرة طبريا.

وتضخ حكومات إسرائيل المتعاقبة عشرات ملايين الدولارات سنويا، وبقيمة إجمالية في سنوات الاحتلال تصل إلى مليارات الدولارات، إن كان لمشاريع البنى التحتية أو لغيرها. وعلى مدى السنين وضعت خطط لزيادة الاستيطان، وكان آخرها قرار حكومة بنيامين نتنياهو في مطلع الشهر الأخير من العام الماضي 2015. وقد وضع القرار هدفا برفع عدد المستوطنين في مستوطنة كتسرين إلى 20 ألفا في غضون خمس سنوات، بدلا من 7 آلاف اليوم. ولكن هدف الاحتلال هذا، وبناء على الوضع القائم، وجغرافية انتشار السكان، قد يكون مصيره كقرارات عديدة طرحت في الماضي ولم تتحقق.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات