من الوجهة الإسرائيلية البحتة على الأقل، يمكن القول دون تحفظ أن هذا الثنائي الكهل (أريئيل شارون وشمعون بيريس) الممسك بل والمتشبث حتى الآن بقوة ولفترة مقبلة أخرى على الأرجح، "لا يعرف إلاّ الله" كم ستطول وتمتد، يمثل آخر حلقة في "سلالة" ما يوصف بالزعماء التاريخيين أو "جيل المؤسسين" للدولة العبرية، وإن كانا يحسبان بشكل عام على "الرعيل الثاني" في جيل الزعامة الصهيونية المؤسسة. إقترن إسم شارون وبيريس للمرة الأولى بهذه "الثنائية" السياسية الفريدة والعجيبة في الظاهر، بتشكيل حكومة "الوحدة الوطنية" الأولى في تاريخ السياسة الإسرائيلية، والتي يعزى إليهما، كلٌ من موقعه القيادي، لعب الدور الأساسي والمركزي في الدفع إلى تشكيلها عام 1984 بمشاركة القطبين الرئيسيين في الحلبة الحزبية والبرلمانية في إسرائيل.
"مدار" في الصحافة العربية: "الراية" القطرية عن ورقة "مؤشر الديمقراطية الاسرائيلية"
ننشر هنا مقالاً ظهر يوم الأربعاء، 11/8/2004، في صحيفة "الراية" القطرية حول ورقة "مؤشر الديمقراطية الاسرائيلية 2003" التي صدرت عن "مدار" (المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية") ضمن سلسلة "أوراق إسرائيلية"، وذلك لإشراك القراء في جانب من الاهتمام الإعلامي بعمل "مدار" الذي يتواصل بزخم منذ إطلاق هذا المشروع في سنة 2000.
(المحرر)
كانت دولة اسرائيل, باعتبارها دولة يهودية من جهة, ومن خلال النفوذ السياسي للأحزاب الدينية (ذات القدرة الترجيحية) من الثانية, فرضت الحاخامية العليا على الاسرائيليين في ما يخص الأحوال الشخصية واعتناق الديانة, وأيضاً التقييد الشديد للعمل وسبل الترفيه والمواصلات خلال السبت والعطل الدينية الأخرى. كما فرضت اقتصار الطعام في كل المؤسسات العامة (من بينها الجيش) على الأطعمة "الكاشير", أي المحللة دينياً. وقد صدرت غالبية القوانين الأساسية والمراسيم والنظم المحلية المختصة بهذه القضايا في الخمسينات, تنفيذاً لـ"اتفاق الأمر الواقع" الشهير بين بن غوريون والقادة الدينيين - السياسيين في 1947.
"على مر الأجيال والعصور يسعون إلى محقنا وإبادتنا"- هذه العبارة التي اعتدنا على ترديدها عند سرد "حكاية عيد الفصح" [أو "قصة خروج بني إسرائيل من مصر الفرعونية] في كل سنة، أضحت جزءاً ومكوناً أساسياً في عبادة الذاكرة الجماعية لدى الأمة اليهودية، وليس عبثاً، فمعظم كتب التاريخ (وخاصة تلك المكرسة للمدارس) تروي لنا تاريخ الشعب اليهودي كما لو كان كتلة أو مجموعة من الكوارث والمصائب، فيخيل لنا أحياناً أن هذا التاريخ أشبه بحملة لا نهائية لأعداء يسعون إلى محق وإبادة الشعب اليهودي الذي نجح في التغلب على كل هؤلاء المتربصين بعون الله! هذه العبارة لم تَبْقَ كصيرورة مركزية مكونة في التاريخ اليهودي وحسب، وإنما تحولت أيضاً إلى حجر زاوية في التفكير والممارسة اليهوديين خلال القرن العشرين. ولكن وبغية مواءمتها مع الواقع المتغير – أرض إسرائيل بدلاً من الشتات الأوروبي أو البلدان الإسلامية – أُلبس ثوب العدو (الأسطوري القديم) للعدو (الجديد) الحالي المتمثل بـ "العرب". وأصبح العربي هو الغوي (غوييم-أغيار) المعروف، أو المستبد الذي بدا مشابهاً للنخبة الأرستقراطية (الأفندية) العربية ولم يبق سوى إيجاد الشخصية العربية المقابلة لـ "هامان" الشرير، أو هتلر أو موسوليني.
يسود شبه إجماع بين المعلقين الاسرائيليين على أن تصريح رئيس الوزراء الاسرائيلي، أريئيل شارون، الأكثر جدة، أول من أمس الأحد، ومؤداه أنه عاكف على إعداد خطة جديدة بشأن "فك الارتباط"، سيميط اللثام عنها بعد ثلاثة أسابيع، هذا التصريح الذي جاء في اليوم الذي أعلن فيه أيضًا عن إلغاء زيارته المقررة إلى الولايات المتحدة، هو بمثابة "هروب إلى الأمام" من "الواقع الاسرائيلي الجديد" الذي نشأ، في قراءة هؤلاء، وحقًا وفعلاً كذلك، عقب نتائج الاستفتاء في "الليكود" على الخطة الأصلية.
توجّه مركز عدالة، قبل شهور عدّة، إلى المحكمة العليا، بالتماس باسم ما يقرب من الـ 300 طفل بدويّ، تراوحت أعمارهم بين 3 و 4 سنوات، والذين حُرموا من إمكانية ارتياد روضات الأطفال نتيجةً لرفض وزارة المعارف إقامة روضات للأطفال في البلدات "غير المعترف بها" التي يقطنونها. وخلال المداولة، أعلنت الدولة اعترافها بحقّ كلّ الأطفال البدو الذين "يبدون الرغبة" في ارتياد روضات الأطفال، ولكنّها نفتْ واجبَها توفير هذه الروضات لهم في البلدات التي يقطنونها بالذات. وقالت إنّ بإمكانهم ممارسة حقهم المذكور في الروضات التي ستُبنى في البلدات الثابتة ("المعترف بها") فقط، أو في مراكز خدماتية مختلفة، تقع على مبعدة كبيرة من البلدات "غير المعترف بها" التي يقطنها الأطفال. وقد ردّت المحكمة الالتماس.
الصفحة 525 من 611