المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

حذرت محافظة بنك إسرائيل المركزي كارنيت فلوغ من أنه من دون خطة استراتيجية، فإن الفجوات بين إسرائيل وسائر الدول المتطورة ستتسع أكثر لاحقا، في إشارة إلى معطيات الاقتصاد الإسرائيلي، التي باتت تقلق المسؤولين، ولكن الأهم المؤسسات الدولية، وكبار المستثمرين. والجانب الأكبر في القلق، هو استمرار تراجع الصادرات الإسرائيلية، التي شهدت في الأشهر الثلاثة، من شباط وحتى نيسان في العام الجاري، تراجعا بنسبة 22%.

وقالت فلوغ في مؤتمر اقتصادي عقد في تل أبيب في الأيام الأخيرة، إن معدل الناتج للفرد في إسرائيل أقل بنسبة 40%، مما هو قائم في الولايات المتحدة الأميركية، وحسب بحث أجرته منظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD، وعلى أساس النشاط الاقتصادي القائم حاليا، فإن هذه الفجوة لن تتقلص في العقود الزمنية القريبة.

وتابعت فلوغ قائلة إن هذه نقطة غير مشجعة، ولهذا مطلوب من الدولة التي لا ترضى بمعطيات كهذه أن تطرح خططا استراتيجية، وأن تعمل على تطبيقها. وفي أساس خطط كهذه، يجب أن يكون تقييم دقيق للواقع اليوم، إلى جانب وضع معالم التحديات المستقبلية، ومن بينها التحديات الديمغرافية، والأوضاع الجيو سياسية، والبيئة العالمية، وعلى أساس هذه الوقائع من الممكن طرح تحديد أدق للتحديات المستقبلية.

وقالت فلوغ إنه خلال أربعين عاما سترتفع نسبة المسنين (بمعنى خارج جيل العمل) من 10% اليوم إلى 17%، ما سيقلل نسبة الجمهور في جيل العمل، إلى جانب ارتفاع نسبة الجمهور الذي لا يشارك بنسب كافية في سوق العمل. وتقصد فلوغ بذلك خاصة جمهور رجال المتدينين المتزمتين "الحريديم"، الذين يمتنعون عن الانخراط في سوق العمل بقدر كاف لدوافع دينية، ومن بينها الانقطاع عن العالم المفتوح، إذ حسب آخر الاحصائيات، فإن نسبة انخراط هؤلاء الرجال تتراوح ما بين 39% إلى 43%، في حين أن نسبة انخراط الرجال من باقي الشرائح تتراوح ما بين 78% إلى 81%.

وترى إسرائيل بارتفاع نسبة المسنين ارتفاعا في مخصصات الشيخوخة التي تدفعها مؤسسة الضمان الاجتماعي، اضافة إلى ارتفاع ميزانيات الصرف الصحي على شريحة المسنين، ما سيثقل على كاهل الميزانية العامة بحجمها اليوم.

انهيار الصادرات

وقد سجلت صادرات البضائع في الأشهر الثلاثة من شباط وحتى نيسان من العام الجاري، انهيارا بنسبة 22%، فيما كان الانهيار في صادرات التقنية العالية وحدها بنسبة 32%، وهذا استمرار لتراجعات مستمرة منذ النصف الثاني من العام 2014. في حين أن ما يلجم اجمالي الصادرات، في العامين الماضي وحاليا، وهو الارتفاع في صادرات الخدمات.

وتبين من تقرير مكتب الاحصاء المركزي، أن انخفاض الصادرات في الأشهر الثلاثة المذكورة، بنسبة 7ر21%، هو بمعدل سنوي، وهذا استمرار لانخفاض بنسبة 7ر13% في الأشهر الثلاثة التي سبقت الأشهر الثلاثة، موضوع التقرير. ورغم هذا، فإن الصادرات الصناعية سجلت في شهري شباط وآذار ارتفاعا بنسبة 5%.

كما يقول التقرير إن صادرات التقنية العالية تراجعت في الأشهر الثلاثة بنسبة 32%، بينما البضائع التي تتداخل فيها أجهزة التقنية العالية، تراجعت في الفترة ذاتها بنسبة 17%.

ويقول نائب مدير عام معهد الصادرات الإسرائيلية شاؤولي كتسنلسون، إن هذا التراجع يعكس حالة الاحتكارات الكبرى في الاقتصاد الإسرائيلي، لأن ثلاثة قطاعات اقتصادية، تشهد احتكارات كبرى، كانت مسؤولة عن تراجع بنسبة 25% في اجمالي الصادرات، وهي قطاعات: الكيماويات التي تسيطر عليها شركة "كيل"؛ والأدوية التي تسيطر عليها شركة "طيفع"، والشرائح الالكترونية الواقعة تحت سيطرة شركة "إنتل".

ويقول كتسنلسون إن الحديث يجري عن شركات كبيرة، وصادراتها في وتيرة متأرجحة، ولهذا فإنها قادرة على الانعكاس بقوة كبيرة على اجمالي الصادرات. ورغم هذا يرى كتسنلسون أن هناك بوادر تحسن في هذه القطاعات الثلاثة، وإذا ما تم تعزيز هذا التوجه، فإن الصادرات الإسرائيلية قد تدخل إلى وتيرة أخرى افضل حتى نهاية العام الجاري.

وكان بنك إسرائيل قد حذر في تقريره الدوري، الصادر في مطلع الشهر الجاري، من أن الخطر الأساس على النمو الاقتصادي، القائم حاليا، هو الانخفاض الحاد في الصادرات. وقال البنك إن النمو الذي تم تسجيله في الربع الأول من العام الجاري، 8ر0% فقط، نابع من التراجع المستمر في الصادرات الاجمالية. ويؤكد البنك أيضا، على ما جاء هنا على لسان كتسنلسون، بشأن مواطن ضعف الصادرات الأبرز، القطاعات الثلاثة السابق ذكرها.

توقعات OECD

وعلى أثر معطيات الاقتصاد الإسرائيلي، قررت منظمة التعاون للدول المتطورة OECD تخفيض توقعاتها للنمو الاقتصادي الإسرائيلي في العام الجاري، من 2ر3% حسب توقعاتها في مطلع العام الجاري، إلى 4ر2% بموجب آخر تقدير أصدرته خلال الشهر الحالي. وتقول OECD في تقريرها الدوري، إن انخفاض أسعار الوقود، اضافة إلى سعر الفائدة الاساسية الأقرب إلى الصفر، تسمح بنمو الاستهلاك الفردي في إسرائيل، وهذا بحد ذاته يسمح باستمرار النمو الاقتصادي، رغم أن نسب النمو المتوقعة ليست كافية، كي تبقى فوق نسبة 3%، حتى تكون أبعد عن الركود الاقتصادي، نظرا لكون نسبة تكاثر السكان باتت في العامين الماضيين تلامس نسبة 2%

وتتوقع OECD أن ينمو الاقتصاد الإسرائيلي في العام المقبل 2017، بنسبة 1ر3%، وهي أيضا نسبة قريبة لتوقعات وزارة المالية الإسرائيلية، وبنك إسرائيل المركزي، اللذين كانا قد خفضا توقعاتهما للنمو في العام الجاري إلى 9ر2% و8ر2% على التوالي.

ويقول المحلل الاقتصادي البارز في صحيفة "يديعوت أحرونوت" سيفر بلوتسكر، في مقال له، إنه حينما قرر القسم الاقتصادي في بنك "هبوعليم"، أكبر البنوك الإسرائيلية، تخفيض توقعاته للنمو الاقتصادي في العام الجاري، إلى أعلى بقليل من 2%، ما يعني ركودا اقتصاديا، قالوا في وزارة المالية إن بنك "هبوعليم" ينتقم من الحكومة، بسبب القانون الذي سيحد من حجم رواتب كبار المسؤولين في البنوك التجارية، "ولكن هذا تفسير (من الوزارة) يحتاج إلى تحليل نفسي، لأنه لا يرتكز على المعطيات الاقتصادية القائمة، التي عليها أن تقلق المسؤولين، وتغيّب النوم من جفونهم".

ويتابع بلوتسكر كاتبا: إن معطيات الاقتصاد الإسرائيلي تجعل إسرائيل أقرب إلى "الأزمة التقليدية"، كما هي حال الولايات المتحدة الأميركية، التي بدأت مع الأزمة المالية في العام 2007. وقال إن ما يثير القلق الكبير، هو استمرار تراجع الصادرات الإسرائيلية، فالصادرات هي أكسيد الحياة للاقتصاد الإسرائيلي، وما نراه هو استمرار تراجعه، بموجب التقارير الفصلية التي تظهر تباعا، ونسب التراجع كبيرة جدا.

ويقول بلوتسكر إن التراجع في الصادرات ليس ناجما عن عوامل خارجية ليس للحكومة سيطرة عليها، بل هذا ناجم عن أمراض اقتصادية داخلية، والحكومة تنتظر دواء لها. وأشار إلى أن الحكومة لا تعمل بشكل حقيقي لمواجهة الظرف القائم، بل تشغل نفسها في قوانين واجراءات جانبية، مثل تحديد مستوى رواتب كبار المسؤولين.

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات