أقرت الحكومة الإسرائيلية قبل أيام زيادة أخرى لميزانيات معاهد المتدينين المتزمتين "الحريديم"، بـ 52 مليون شيكل، لتدخل إلى الميزانية الأساس، التي ارتفعت خلال أقل من عامين بنسبة 118%. وهذا الارتفاع الثالث الذي تحظى به هذه المعاهد الدينية، التي تضم عشرات آلاف رجال "الحريديم"، الذين يمضون أوقاتهم في دراسة التوراة، مقابل حصولهم على مخصصات اجتماعية. ومن خلف هذه الأرقام والاحصائيات، تكمن الأزمة الأكبر التي تتوقعها إسرائيل مستقبلا، وهي استمرار الارتفاع الحاد في أعداد "الحريديم"، الذين من وجهة نظر المؤسسة الحاكمة يشكلون عبئا اقتصاديا متشعبا، وأيضا عبئا اجتماعيا يقلق الجمهور العلماني، ثم عبئا أمنيا، كونهم يمتنعون عن الانخراط في الجيش، لأسباب دينية، رغم تطرفهم السياسي اليميني.
كان صوت كتلتي المعارضة البرلمانية "المعسكر الصهيوني" و"يوجد مستقبل" عاليا جدا في معارضتهما لقانون إسكات الآذان، الذي أقره الكنيست بالقراءة التمهيدية قبل أقل من أسبوعين. وتجندت الكتلتان بنسبة عالية جدا للتصويت ضده في الهيئة العامة للكنيست. ولكن الكتلتين لا تستطيعان التبرؤ من ماكنة انتاج القوانين الأشد عنصرية ودعما للاحتلال والاستيطان، التي تسارع "انتاجها" بشكل غير مسبوق في الولاية البرلمانية الـ 20، وفق رصد دقيق لهذه الفئة من القوانين، نقوم به في مركز "مدار".
تستند السياسة الإسرائيلية في مجال الأمن القومي إلى أسس وضعها رئيس الحكومة الإسرائيلية الأول ووزير دفاعها، دافيد بن غوريون، في خمسينيات القرن الماضي. وتشكل هذه الأسس أساسا لأية محاولة لوضع مفهوم أمن قومي جديد. واستعرضت الدراسة الجديدة التي صدرت عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، في شباط الماضي، هذه الأسس التقليدية، التي ما زالت إسرائيل تسير بموجبها.
يستند مفهوم "الأمن القومي الإسرائيلي" إلى مبادئ بلورها رئيس الحكومة الإسرائيلية الأول ووزير الدفاع، دافيد بن غوريون، في خمسينيات القرن الماضي، بعد سنوات قليلة من تأسيس هذه الدولة. وجرى لاحقا تعديل هذا المفهوم وملاءمته للأوضاع الأمنية المستجدة. وامتنعت حكومات إسرائيل دائما عن بلورة مفهوم مكتوب ورسمي ومتفق عليه وملزم. لكن في العقدين الأخيرين جرت محاولات لبلورة مفهوم أمن قومي إسرائيلي جديد، كان آخرها تشكيل لجنة خاصة، في العام 2006، برئاسة الوزير دان مريدور، وعملت على بلورة مفهوم كهذا، إلا أنها لم تختتم عملها ولم تضع مفهوما جديدا. وفي السنوات الأخيرة، تجري دراسة مفهوم أمني في مجلس الأمن القومي التابع لمكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية.
في مطلع العام 2016 طرأ تحول مفاجئ في الخطاب السياسي في إسرائيل. فقد وجد حزبا الليكود والعمل نفسيهما في إحدى الحالات النادرة في التاريخ، يقفان في نفس الجانب من المتراس، وذلك عندما أقر الحزبان علنا أنه وفي اللحظة الزمنية الراهنة بات الهدف المتمثل في التوصل إلى حل عبر المفاوضات مع الفلسطينيين استنادا إلى صيغة " دولتين لشعبين"، بمثابة سراب غير قابل للتحقيق.
تصاعد مؤخرا التوتر بين جمهور الحريديم (اليهود المتزمتين دينيا) والجيش الإسرائيلي، وانعكس هذا التوتر على الحلبة السياسية، وذلك في أعقاب تعديل قانون التجنيد الإلزامي، خلال ولاية حكومة بنيامين نتنياهو السابقة، التي استبعدت الأحزاب الحريدية من المشاركة فيها. وأصبح الشبان الحريديم، بموجب هذا التعديل القانوني، ملزمين بالخدمة العسكرية، بعد أن كانوا معفيين من هذه الخدمة بموجب نظام "توراته حرفته"، الذي مكنهم من الدراسة في الييشيفاه (المعهد الديني) والاعتكاف على دراسة التوراة والتعاليم الدينية اليهودية.
الصفحة 279 من 351