علينا أن نأخذ في الحسبان تأثير أحداث بعيدة عن منطقتنا!

قال رئيس جهاز الموساد المنتهية ولايته تامير باردو إنه لا يوجد خطر وجودي على إسرائيل. وأضاف باردو في مقابله خاصة مع النشرة الدورية للشؤون الاستخباراتية والأمنية التي يصدرها "مركز تراث الاستخبارات" الإسرائيلي بمناسبة مرور 30 عاماً على تأسيسه: "إن الجميع يعرف أن إسرائيل دولة قوية جداً. لم نعد في الزمن الذي اضطرت إسرائيل خلاله كدولة صغيرة إلى مواجهة خطر وجودي".

وتابع باردو: "في بداية تولي منصبي كرئيس للموساد التقيت مسؤولاً كبيراً من دول الأطراف العربية (بالاستناد إلى تقارير غربية، يمكن افتراض أن باردو قصد السعودية أو إحدى دول الخليج)، سألني إذا كنا قررنا العيش في الشرق الأوسط، لأننا في رأيه لم نفعل ذلك. وعندما سألته لماذا يعتقد ذلك؟ سأل: كم عدد الإسرائيليين الذي ولدوا في البلاد يعرفون اللغة العربية؟ وما هو العدد الإجمالي للذين يريدون معرفتنا؟ وكيف تريد أن تفهمني وأن تسكن في الشرق الأوسط من دون معرفة اللغة التي يتحدث بها مئات الملايين؟ وكم عدد الأشخاص عندكم الذين فتحوا القرآن ليس للصلاة، بل لمحاولة فهم ما كتب فيه، وليفهموا الثقافة؟. نحن لسنا جميعاً متشابهين، يوجد فرق بين المصري والأردني والفلسطيني والسعودي أو اللبناني. أنتم لا تعرفون الجميع ولا تعرفون شيئاً. من الأسهل لكم أن تعيشوا في كندا. هناك ستشعرون أنكم في وطنكم أكثر مما تشعرون بذلك هنا من الناحية الثقافية. فلماذا لا تزالون هنا؟ أنتم لم تختاروا بعد أن تكونوا جزءاً من الشرق الأوسط؟".

وفي رأي رئيس الموساد المنتهية ولايته فإن أكبر تحدّ مطروح على رئيس الموساد هو التأقلم مع الواقع. إن هذا الواقع مختلف تماماً عن الواقع الذي كان قائماً عندما تجند في الجيش عام 1971. ومواجهة مسائل الردع تغيّرت تغيراً مطلقاً لأن المخاطر اختلفت. حزب الله مختلف تماماً عما نعرفه، كما تغيرت إيران بصورة كلية، وكذلك تركيا والسعودية لم يعودا كما كانا عليه.

وأشار باردو إلى أن مسألة الردع تشهد تغيراً "ويجب علينا أن نأخذ في الحسبان تأثير أحداث بعيدة عن منطقتنا. نحن نعيش في منطقة الزمن فيها واحد ولا أهمية للمسافات. لا تكفي السيطرة على المحيط المحاذي لنا، ويجب أن نفهم صعوبة توفير ردع لكل حادث يقع من حولنا، لكن يتعين علينا أن نعرف بوقوع الأحداث في زمنها الحقيقي، ويجب أن أعرف انعكاساتها على النطاق الأوسع. الاستخبارات أصبحت مختلفة".

يشدد باردو أيضاً على الثورة التي طرأت على كل ما له علاقة بالمعلومات وتأثير الإعلام في الاستخبارات، فيقول: "نحن نعيش في قرية عالمية في زمن واحد. وهذا يعني أن المسافة لم تعد شيئاً مهماً. على سبيل المثال جزء مما حدث في حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر 1973) ما يزال سرياً، لكن الحروب الحديثة تغطى إعلامياً من خلال الإنترنت وبالبث الحي. منذ بداية القرن الواحد والعشرين كل شيء أصبح شفافاً. والجميع يرى كل شيء طوال الوقت".

ووصف باردو وضع إسرائيل والوضع المتغير في الشرق الأوسط بأنه بمثابة جمع بين مصطلح يحوي كلمتي صديق وعدو. ووفقاً لباردو: "نحن نعيش اليوم في عالم كل شخص هو صديق وعدو في الوقت عينه. ففي لحظة هو عدو، وفي لحظة أخرى هو صديق. ومع كل قوة من القوى الفاعلة في الشرق الأوسط وفي العالم عامة، هناك أهداف مشتركة إلى جانب العداء والمنافسة. من الطبيعي أن تكون مؤسسة الموساد في المنطقة الرمادية، فبالنسبة إلينا كل شخص هو عدو وصديق في آن معاً".

من ناحية أخرى، قال الدبلوماسي الإسرائيلي السابق عوديد عيران الباحث حاليا في "معهد أبحاث الأمن القومي" إنه بالاستناد إلى معرفة ما سيحدث بصورة أكيدة، يمكن التقدير بأنه ستحدث تغييرات في النظام العالمي في السنتين المقبلتين.

وأضاف: نحن متأكدون مثلاً أنه بعد عام سيأتي رئيس جديد إلى البيت الأبيض. ولن يكون التغيير في جنس الرئيس أو لون بشرته أو انتمائه الحزبي فقط، بل سيكون أيضاً، من بين أمور أخرى، في النظرة إلى مكانة الولايات المتحدة كزعيمة للعالم. ففي كل ما يتعلق بمنطقتنا، مارس باراك أوباما القيادة من الخلف، وهاجم من فوق، وراقب من الجانب. يمكننا أن نفهم سبب خشية الرئيس المنتهية ولايته من رؤية توابيت جنود أميركيين تعود من القتال في الأزقة الترابية في مدن منسية وفي صحاري المنطقة. لكن قتالاً جوياً ضد ظاهرة تسمى داعش، يعكس عدم جدية أميركية في مواجهة زعماء يتحدون القليل الذي بقي من النظام الذي كان ما يزال قائماً في المنظومة الدولية من جهة، وفي مواجهة ظاهرة داعش التي تشكل خطراً على الولايات المتحدة نفسها وعلى حلفائها في أوروبا من جهة أخرى.

وبرأيه فإن عودة الزعامة الأميركية لا تعني فقط القتال العسكري. فملايين البشر الذين خرجوا إلى الشوارع للتظاهر ضد الأنظمة الاستبدادية، وملايين البشر الذين فروا من الفقر، والبطالة، ومن عدم وجود شروط صحية أساسية، أثبتوا فشل أطر النظام الدولي في تقديم حل شامل لضائقتهم. وبعد الحرب العالمية الثانية قامت الولايات المتحدة بمهمة قيادة إعادة إعمار أوروبا وشرق آسيا التي لم تقع في يد النظام الشيوعي. وفي الولايات المتحدة أُنشئت مؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة والوكالات المختلفة. وبقيادة صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ساهمت هذه المؤسسات في قيام نظام عالمي، لكنها اليوم تجد صعوبة في تقديم الحلول.

والرئيس أوباما، الذي بحث في ولايته الأولى عن رؤيا، بحث في ولايته الثانية عما يسبب أضراراً للولايات المتحدة واكتفى باحتوائها. وسيضطر الرئيس المقبل بحكم الظروف، إلى العودة إلى الصيغة التي وجّهت رؤساء الولايات المتحدة منذ نشوب الحرب العالمية الثانية، وهي ضرب أعداء الديمقراطية وإعادة بناء الشعوب بعد النصر. وهناك حاجة في عملية اعادة البناء إلى تعزيز المؤسسات القائمة وجعلها أكثر ملاءمة، مثل تغيير تركيبة مجلس الأمن بحيث يمثل أجزاء كبيرة من سكان العالم، وزيادة التدخل والمساهمة المالية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي جمعت في العقود الأخيرة فوائض مالية ضخمة.

وتساءل عيران: ماذا سيحدث للنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي؟ عندما تنشغل الولايات المتحدة بمعركة انتخابات رئاسية تكتسب أيضاً صورة صراع بشأن دورها على الساحة الدولية، وعندما تواجه أوروبا تحديات جدية لوجودها كاتحاد، وعندما يكون الجيل الجديد الذي لم يتعلم بعد تاريخ الشرق الأوسط ولا يعرف ما إذا كانت الجامعة العربية مصطلحاً في كرة القدم أو في التاريخ السياسي للمنطقة، فإن إسرائيل وجيرانها الفلسطينيين يستطيعان التهرب من حل النزاع. لا الانتفاضة الأولى ولا الثانية زعزعتا نظاماً عالمياً، ولا دفعتا حتى النظام الإسرائيلي لصنع السلام. فالخوف من تسوية أميركية- روسية مفروضة هو الذي أجبر من بين أمور أخرى، رئيس الحكومة بيغن على التوصل إلى تسوية مستقلة مع روسيا، وضغط أميركي سياسي معتدل هو الذي دفع رئيس الحكومة شامير إلى المشاركة في قمة مدريد التي عبدت الطريق أمام أوسلو. ولا شك في أن نظاماً عالمياً جديداً تتقدم في إطاره نزاعات أخرى في العالم نحو الحل، سيسرّع المفاوضات على تسوية النزاع عندنا.