المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

نشرت القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، في الأيام الأخيرة الماضية، أشرطة تسجيل بصوت رئيس حكومة إسرائيل ووزير الدفاع السابق ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، هي عبارة عن مقابلات أجراها معه الكاتبان إيلان كفير ودانيئيل دور، في إطار تأليفهما كتابا حول سيرة حياة باراك، بعنوان "حروب حياتي"، الذي نزل إلى الأسواق يوم الجمعة الماضي.

وأثارت أقوال باراك ضجة في إسرائيل، إذ اتهم خلالها رئيس حكومة إسرائيل الحالي، بنيامين نتنياهو، بأنه "ضعيف" وكشف عن أن الوزيرين موشيه يعلون ويوفال شتاينيتس، إلى جانب رئيسي أركان الجيش السابقين غابي أشكنازي وبيني غانتس، منعا قرارا بمهاجمة إيران اتخذه نتنياهو وباراك.

وقال باراك في تسجيل تم بثه أول من أمس، الأحد، إن "بيبي (أي نتنياهو) ضعيف، وهو لا يريد تنفيذ خطوات صعبة إذا لم يرغموه عليها". وأضاف أن نتنياهو "يكتنفه نوع من التشاؤم العميق. وفي الميزان بين الهلع والأمل هو يفضل دائما أن يكون هلعا بعض الشيء. وهو وصف ذلك ذات مرة بأنه ’قلق’".

وتطرق باراك في هذه المقابلة المسجلة إلى "قضية هارباز" التي اشتبه في إطارها أشكنازي بالاحتفاظ بوثيقة، زورها الضابط بوعز هارباز، بهدف تشويه سمعة الجنرال يوءاف غالانت ومنع تعيينه رئيسا لأركان الجيش خلفا لأشكنازي، رغم إقرار نتنياهو وباراك لهذا التعيين. وتطرق باراك إلى هذه القضية لدى تعيين المدعي العام العسكري السابق أفيحاي مندلبليت سكرتيرا للحكومة. وبحسب باراك، فإنه "قلت لنتنياهو إنك لا تدرك مدى مسؤولية مندلبليت، إذ أن هذا الأخير ليس فقط سمح له (لأشكنازي) بإبقاء الوثيقة لديه، وإنما ألمح له طوال التحقيق كيف يتعين عليه التصرف".

وفي رده على سؤال حول كيف أبقى نتنياهو مندلبليت سكرتيرا للحكومة، قال باراك إن "بيبي ضعيف، وهو لا يريد تنفيذ خطوات صعبة إذا لم يرغموه على ذلك. وقد زرع (وزير العدل الأسبق) يعقوب نئمان مندلبليت هناك. وقد حذرت بيبي قبل ذلك وقلت له ’اسمع، سيكون مخلصا لك مثل الكلب، ولكن في ساعة الحقيقة لن تعرف ماذا سيكون وفي النهاية هو يخدم نفسه وهو يريد أن يكون المستشار القانوني للحكومة المقبلة’. لقد قلت لبيبي مسبقا إن ضلوعه في قضية هارباز لن تسمح له بأن يتولى المنصب، وستجد نفسك مع شخص ليس جديرا بأن يكون في المنصب".
وحول المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، قال باراك إنه ليس لدى نتنياهو "الشجاعة للمضي بذلك حتى النهاية".

وكانت القناة الثانية قد نشرت تسجيلا صوتيا لمقابلة أجراها مؤلفا الكتاب مع باراك حول البرنامج النووي الإيراني وخطط إسرائيلية لمهاجمة إيران.

ووفقا لباراك فإنه سوية مع نتنياهو تبنيا خلال العامين 2009 و2010 مصطلح "حيز المناعة"، الذي يعني أنه يتعين على إسرائيل الإسراع في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية قبل أن يدفن الإيرانيون هذه المنشآت عميقا في باطن الأرض أو ينشروها في مناطق عديدة ويصبح من الصعب على إسرائيل مهاجمتها كلها.

وأضاف باراك أنه "عندما وصلنا إلى اللحظة التي أردنا فيها أن ننقل القرار خارج ثلاثتنا، بيبي وأنا وليبرمان، كان يمكن نقل المداولات إلى هيئة الثمانية أو الحكومة الأمنية المصغرة. وعندها في اللحظة الحاسمة كان رد الجيش الإسرائيلي أن القدرة التي تراكمت لا تتجاوز العتبة التي بإمكان رئيس أركان الجيش (أشكنازي) القول عندها إن الجيش جاهز لشن الهجوم".
وتابع أنه "في نهاية المطاف هذا الأمر بحاجة إلى رئيس أركان الجيش. واجتمعنا مجموعة صغيرة في غرفة جانبية، بحضور رئيس الحكومة ووزير الدفاع ووزير الخارجية ورئيس أركان الجيش ورئيس الموساد ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ورئيس الشاباك. وأردنا في هذه الهيئة أن نعرف ما هو الوضع. الإجابة لم تكن إيجابية. لكن هو (أشكنازي) قال ذلك فقط عندما حُشر في الزاوية. وليس بإمكانك طرح هذا الاقتراح في الحكومة الأمنية المصغرة عندما يأتي رئيس أركان الجيش ويقول إنه قلت لكم لا".

وقال باراك إنه عقد اجتماع موسع في العام 2011 في مقر الموساد. وكان شعور باراك ونتنياهو أن لديهما أغلبية مؤيدة لمهاجمة إيران، تسمح بطرح الخطة على الحكومة لاحقا. وتبين أن الوزراء بيني بيغن ودان مريدور وايلي يشاي يعارضون الهجوم، وإلى جانبهم وقف رئيس أركان الجيش ورئيسا الموساد والشاباك وكذلك شعبة الاستخبارات العسكرية. وكان يخيل لهما أن يعلون وشتاينيتس سيؤيدان الهجوم لكن تبين أنهما يعارضانه.

وتابع باراك أن "غانتس قال إنه توجد قدرة، وأنتم تعرفون كل القيود، كل الأمور وكل المخاطر. بيبي وأنا وليبرمان أيدنا العملية العسكرية وأنه بالإمكان التوجه إلى هيئة الثمانية، التي تضم الأشخاص الذين فهمهم للموضوع هو الأعمق. وأجرى بيبي محادثات مطولة مع يعلون وشتاينيتس، وفي مرحلة معينة من المشاورات بيننا قال بيبي إنهما يؤيدان".

ومضى أنه "عقدنا اجتماعا لهيئة الثمانية... ورئيس أركان الجيش (غانتس) استعرض كل الأمور، كل الصعوبات، كل التعقيدات والمشاكل بما في ذلك إمكانية وجود خسائر بشرية، وأنت ترى أمام عينيك كيف أن يعلون وشتاينيتس يذوبان (يتراجعان). فإما أن بيبي لم يستعد لذلك أو أنه لم يقدر بشكل صحيح".

وفي المرة الثالثة التي قرر فيها باراك ونتنياهو مهاجمة إيران كانت العام 2012، لكن في حينه جرى التخطيط لمناورة مشتركة للجيشين الإسرائيلي والأميركي. وقال باراك إنه "اعتزمنا أن ننفذ الهجوم، وتوجهت إلى (وزير الدفاع الأميركي ليون) بانيتا وقلت إني أطلب تأجيل المناورة. وقد أجلوها إلى أبعد موعد، وكان قبل أيام من الانتخابات" وهذه المناورة منعت الهجوم بسبب معارضة الولايات المتحدة له.

وشككت المحللة السياسية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيما كدمون، في مقال نشرته أول من أمس الأحد، برواية باراك، وكتبت أنه "بالإمكان الافتراض أن كل من يعرف باراك منذ سنين، تلقى هذه القصة بصورة محدودة الضمان. ليس لأن شتاينيتس ’ذاب’، فهذا أمر يمكن تخيله. وإنما لأن كل من يتابع خطوات نتنياهو وباراك يعرف أن احتمال شن هجوم ضد إيران كان قريبا من الصفر".

وأردفت أن "كليهما، وكل واحد منهما على انفراد، أثبتا أنهما لا يبتهجان بالذهاب إلى القتال، وقد توفرت لديهما فرص عديدة لإثبات ذلك. أو مثلما قال (أفيغدور) ليبرمان قبل شهر عن نتنياهو: كيف يمكن لمن هو غير قادر على معالجة أمر حماس أن يواجه إيران؟".

وأضافت كدمون "هل سيصدق أحد في البلاد بأنه لو أراد نتنياهو وباراك وليبرمان مهاجمة إيران لتمكن أحد من منعهم من ذلك؟ ومن يفعل ذلك، شتاينيتس؟ حقا؟ ثمة حدود لما يمكن أن نصدقه. ويبدو لي أن أي ولد يدرك أنه إذا اعتقد رئيس الحكومة ووزير الدفاع أنه يجب مهاجمة إيران، وحتى لو بعد ذلك بحسب رواية باراك، قال رئيس أركان الجيش بيني غانتس إن لدينا القدرة لتنفيذ ذلك، فإنه ليس يعلون، الذي لم يكن وزيرا هاما حينذاك، وبالتأكيد ليس دكتور الفلسفة شتاينيتس، كان بإمكانهما إحباط ذلك".

ورأت كدمون أنه "أسهل بكثير أن نصدق أن أشكنازي، وفي أعقابه شتاينيتس ويعلون، صنعا جميلا كبيرا لنتنياهو وباراك. فهم استجابوا بكل بساطة لدعواتهما الصامتة بأن ’أمسكوا بنا’". كذلك أشار المراسل السياسي لصحيفة "هآرتس"، باراك رافيد، إلى هذا الأمر.

وأضافت كدمون أن يصعب فهم دوافع باراك بكشف هذه الأمور الآن، "ودوافع باراك ملتوية دائما، بحيث هو نفسه يضل الطريق داخلها. لكن الأمر المؤكد هو أنه يوجد دافع، نية معينة خفية"، ولفتت إلى عدة احتمالات في هذا السياق بينها إعادة كتابة التاريخ، أو تشويه صورة خصمه اللدود أشكنازي في ظل تردد أنباء عن نيته دخول الحلبة السياسية.

ولم تستبعد المحللة أن يكون باراك وراء تسريب التسجيل الصوتي إلى القناة الثانية، رغم أنه ادعى بأنه حاول منع نشره، أو على الأقل لم يأسف على النشر.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات