المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أكد تقرير جديد صادر عن "جمعية حقوق المواطن في إسرائيل" الأسبوع الماضي أنه بعد مرور عقد على إقامة جدار الفصل العنصري في القدس تحولت الأحياء الفلسطينية في المدينة إلى منطقة عشوائية وعُزل ثلث السكان الفلسطينيين- ويقدر عددهم بـ120 ألفاً- عن مركز حياتهم في القدس، وباتوا يعانون من حياة قوامها الإهمال المخزي.

وأشار التقرير إلى أن جدار الفصل في القدس أقيم بعد أن التزمت الحكومة الإسرائيلية أمام المحكمة الإسرائيلية العليا ومن ثم أصدرت قرارات حكومية تعهدت من خلالها باستمرار سير الحياة السويّ لدى سكّان الأحياء المقدسيّة الذين ظلّوا وراء الجدار، إلى جانب الحفاظ على نسيج الحياة المشترك لمجمل السكان الفلسطينيّين عبر جهتي الجدار، ومن ضمن ذلك القرار الحكومي رقم 3783 الذي اتخذ في تموز 2005. وقد فرض هذا القرار مسؤوليّة تحضير الجاهزيّة الخاصّة على بلديّة القدس والوزارات المختلفة، مشدداً على أنّ إقامة الجدار لا تعني المسّ بحقوق سكّان الأحياء الذين يعيشون في المنطقة التي احتلتها إسرائيل العام 1967 ويحملون بطاقات هويّة إسرائيلية، مستنداً على الإدراك بأنّ من واجب إسرائيل، منذ لحظة فرض سيادتها على أحياء القدس الشرقيّة بعد احتلالها، الحفاظ أيضًا على مجمل الحقوق المكفولة لكلّ ساكن/ة وفقًا للقانونيْن الإسرائيليّ والدوليّ.

كما أشار إلى أن المحكمة العليا رفضت الالتماسات التي قدمت ضد الجدار بعد أن استندت إلى فرضية قائلة بأن انتهاك الحقوق الأساسيّة الناجم عن إقامة الجدار هو تناسبيّ ومعقول، بما يخضع لوجود التزامات الدولة. كما أكدت قرارات الحُكم وبشكل جليّ وواضح أنّ شرعيّة إقامة الجدار كانت مشروطة بتطبيق جاهزيّة البلدية والوزارات ذات الصلة، كما التزمت الدولة أمام المحكمة.

إلا أن سياسة الحكومة الإسرائيلية في العقد الأخير وظروف الحياة الصعبة في الأحياء تشكل انتهاكاً منهجياً ومتواصلاً لالتزاماتها وتُلحق انتهاكًا جسيمًا بسلسلة طويلة من الحقوق الأساسيّة الخاصة بآلاف السكّان، منها الحقّ في الكرامة والصّحة والتربية وحريّة الحركة وغيرها.

وقال التقرير إنه مع مرور عقد على اتخاذ قرار الحكومة ومصادقة المحكمة العليا على مسار الجدار، أرسلت "جمعية حقوق المواطن" رسالة مفصلة حمّلت الحكومة الإسرائيلية مسؤولية الوضع التي آلت إليه الأحياء المقدسية، وطالبتها بتنفيذ الوعود التي قطعت، وذلك عبر خطة طارئة يقوم بالإشراف على عملها طاقم وزاري، وتقوم بتنفيذها خلال فترة زمنية معقولة.

وفصّلت الرسالة، التي كتبتها المحامية نسرين علّيان ورونيت سيلع من قسم الأراضي المحتلة في الجمعية، تعهدات الحكومة في القرار 3783 مقابل صورة الوضع القائمة في الأحياء المقدسية، وذلك في كافة مناحي الحياة.

ومما جاء في الرسالة أن الجدار أدّى إلى فصل عشرات آلاف السكّان عن مركز حياتهم المدنيّ الذي ينتمون إليه. وأوجدت الحواجز في القدس قيودًا ثابتة على حريّة الحركة لدى السكّان، باسم الحفاظ على ما يسمى "أمن دولة إسرائيل"، وأصبحت أيّ مغادرة للأحياء تلزم السكان بفحص أمنيّ وساعات انتظار طويلة. وعلى الرغم من تعهدات إسرائيل بإقامة "آلية وصول معقولة للقدس" وبـ"انتقال للجهتيّن في وقت معقول"، وذلك عبر تشييد مسارات عبور للمشاة والسيارات والمواصلات العامة في منطقة حاجز قلنديا وحاجز شعفاط، إلا أنه في الواقع العديد من المسارات لم تشيّد حتى اللحظة والعديد من المسارات مغلق تماماً.

وذكرت الرسالة أن ممثلي الدولة وعدوا في إطار المداولات التي جرت في المحكمة العليا بأنّ أطول فترة انتظار على حاجز قلنديا ستكون 15 دقيقة للسيارة و25 دقيقة للمشاة. أمّا في الواقع فإنّ أوقات الانتظار طويلة أكثر ويمكن أن تستمرّ لساعة وأكثر في أوقات الذروة.

كما ذكرت أنه إضافة إلى الازدحامات، يحول وجود "نقطة اختناق" صوب الحواجز ومنها دون إمكانيّة الوصول بسرعة لتلقي خدمات الطوارئ، مثل سيّارات الإسعاف وسيّارات المطافئ، ما يُعرّض السكّان لخطر على الحياة. وقد توجهت "حقوق المواطن" في العاميْن الأخيريْن إلى الجيش الإسرائيلي مراتٍ عدّةً، وحذّرت من المخاطر وطالبت بإيجاد خطّة منظّمة للإخلاء والعناية في حالات وقوع حادثة مع إصابات كثيرة، مثل الحرائق أو الهزّات الأرضيّة، لكنّ التوجهات لم تلقَ الردّ بعد.

وتطرقت الرسالة بإسهاب إلى تعهدات الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بالتعليم، إذ فصّلت المادة ج من قرار الحكومة ثلاث خطوات مدمجة من أجل ضمان الحقّ في التعليم ما وراء الجدار: بناء مؤسّسات تربويّة جديدة، واستئجار غرف دراسيّة إضافيّة، وتشغيل منظومة سفريّات للطلّاب. إلّا أنّ غالبيّة هذه الالتزامات لم تُنفّذ في العقد المنصرم. ويعاني الطلاب نقصًا في المدارس وغرفًا دراسيّة مكتظّة وغير سويّة، وسفريات تستغرقهم الوقت الطويل.

وتطرّقت المادة د من قرار الحكومة إلى الواجبات الملقاة على كاهل وزارة الصحّة. وبرغم أنّ حياة الناس متعلّقة بتطبيق هذه الواجبات، إلّا أنّ غالبيّتها لم تُطبّق حتى اليوم. وتؤدّي منالية خدمات الصحّة السيئة جدَّا إلى تشكيل الخطر على حياة السكّان وهي تنتهك حقّهم في الصحّة وسلامة الجسد، كما جرى تعريفهما في قانون أساس: كرامة الإنسان وحريّته، وقانون التأمين الصحيّ الرسميّ- 1994، وقانون حقوق المرضى- 1996.

وتشير الرسالة إلى أن البنى التحتيّة في الأحياء الفلسطينية المقدسية خلف الجدار، مثل منظومات المياه والشوارع، كانت في وضع سيئ قبل إقامة الجدار، ومن وقتها بدأت هذه البُنى بالانهيار، فيما يزداد عدد السكّان الذي ينتفع بها يومًا بعد يوم. ويؤدّي غياب بنى تحتيّة وخدمات حيويّة في هذه الأحياء إلى إلحاق ضرر بيئيّ- صحّيّ جسيم ومتواصل، وإلى خلق حيّز عام يليق بدول العالم الثالث.

وعددت الرسالة أبرز ما جاء في قرار الحكومة الإسرائيلية وهو إقامة مناطق خدمات حكوميّة في منطقة حاجز قلنديا ومنطقة حاجز مخيّم شعفاط، يجري فيها توفير خدمات حكوميّة لسكّان الأحياء المقدسية خلف الجدار: خدمات تأمين وطنيّ، ووزارة الترخيص ووزارة الداخليّة والبريد وخدمات التشغيل. وأولت قرارات المحكمة التي صدّقت مسار الجدار وزنًا كبيرًا لهذه المناطق المخطّطة. إلّا أنّ الواقع يشير إلى أنّ السلطات الإسرائيلية أخفقت في تطبيق هذه التعليمات.

ففي محيط حاجز مخيم شعفاط لم تقم أيّ منطقة خدمات البتّة. أما في حاجز قلنديا فقد أقيمت منطقة خدماتيّة، إلّا أنّ كيفية إدراك الخدمات يجعلها عديمة الجدوى. وتتجسّد النتيجة على أرض الواقع في أنّ غالبيّة السكّان يجتازون الحاجزيْن المكتظيْن ويسافرون إلى مركز المدينة من أجل الحصول على الخدمات التي وُعدوا بها. فمثلاً المكتب الفرعي لخدمات التأمين الوطني لا يفتح إلّا ليوم واحد في الأسبوع لأربع ساعات فقط. وقد جدّد المكتب نشاطه في بداية حزيران الماضي بعد أن كان مغلقاً تماماً لمدة عام، منذ أحداث الشهيد أبو خضير. أما خدمات التشغيل فهي تفتح مرة واحدة في الشهر لأربع ساعات، وهي توفر خدمات "توقيع" فقط لطالبي العمل، في حين لا يوجد استقبال للجمهور ولا يمكن الحصول على خدمات أخرى توفرها خدمات التشغيل.

أما وكالة البريد، فهي لا تفتح أبوابها إلّا يومي الاثنين والخميس. ورُغم أنّ البريد لا يُوزّع في الأحياء الواقعة خلف الجدار، إلّا أنّ وكالة البريد في قلنديا لا تحوي حتى على صناديق بريد لخدمة السكّان. وخدمات الترخيص لا تتوفر بالمرة، رغم الوعد بتوفيرها.

إلّا أن الأمر لا ينحصر فقط في أنّ الخدمات الممنوحة في قلنديا مقلّصة جدًا، بل أنّ مناليّة منطقة الخدمات أمام سكّان الأحياء تُفرغ الغاية من وراء المنطقة من مضمونها وهو تقريب الخدمات الحكوميّة من سكّان الأحياء، إذ يُلزم دخول المنطقة السكّانَ بالانتظار في طوابير طويلة للمشاة في حاجز قلنديا. وهكذا يضطرّ السكّان القادمون لتلقّي الخدمات في المنطقة للخضوع للفحص الكامل أسوةً بكلّ من يسعى للعبور باتجاه القدس، وذلك رُغم أنّه ليس بالإمكان أبدًا العبور من المنطقة الخدماتيّة نحو القدس. وعليه فإنّ الشخص الذي يرغب بتلقّي الخدمات الممنوحة في المنطقة ومن ثمّ مواصلة طريقه إلى القدس، يضطرّ للخروج من المنطقة الخدماتيّة والخضوع ثانية لإجراءات الفحص المنهكة. ورُغم أنّ هذا الوضع الغريب معروف جيدًا للمسؤولين عن الحاجز، إلاّ أنّ أحدًا لم يبذل أيّ جهد لتغييره بغية التسهيل على السكّان.

المصطلحات المستخدمة:

التأمين الوطني

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات