المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تستقطب أنشطة "وحدة الاستيطان" العاملة في إطار الهستدروت الصهيونية العالمية اهتماما متزايدا، وانتقادات متصاعدة، في الفترة الأخيرة، سواء على المستوى الشعبي أو على المستوى السياسي.

وفي هذه الأيام التي يبدي فيها الجمهور الإسرائيلي أكثر من أي وقت مضى، اهتماما كبيرا بالسؤال "أين تذهب الأموال؟!" يتضح أن هذه "الوحدة" تشكل مثالا سافرا على الطريقة التي تخفي فيها الجهات الحكومية بشكل متعمد ومنهجي عن المواطنين الإسرائيليين أوجه التصرف بأموال الضرائب التي يدفعونها، بل وتستغل لأغراض واستخدامات تحوم شكوك كبيرة حول قانونيتها. فعلى الرغم من أن ميزانية "وحدة الاستيطان" تعتمد أساسا على أموال عامة، إلا أنها ("وحدة الاستيطان") ترفض الإعلان عن ميزانيتها الحقيقية الكاملة، ومصير وأوجه إنفاق مئات ملايين الشواكل التي تحول إليها سنويا من خزينة الدولة، ومن هنا فإن أنشطة "الوحدة" لا تخضع لأي نوع من الرقابة، البرلمانية والعامة أو حتى الإعلامية. وفي ضوء الانتقادات الشديدة التي وجهت إلى إدارة وأنشطة "الوحدة"، ادعى وزير المالية (في حكومة بنيامين نتنياهو الثالثة) يائير لبيد أن معظم ميزانيتها مستثمر في منطقتي الجليل والنقب، غير أن المعطيات المتوفرة لدى "مركز مولاد" تتناقض مع هذا الإدعاء، إذ يتضح منها أن 74 بالمئة من مجمل المساعدات المباشرة التي تقدمها "وحدة الاستيطان" للسلطات المحلية، تحول لصالح الاستثمار في المستوطنات اليهودية في مناطق الضفة الغربية.

وتبين المعطيات والاستنتاجات التي توصل إليها هذا التحقيق الذي أجراه "مولاد - المركز لتجديد الديمقراطية في إسرائيل"، بصورة جلية، أن "وحدة الاستيطان" أضحت بمثابة "الخزينة الخاصة والسرية لليمين الاستيطاني"، والتي تستخدمها الأحزاب المتماثلة مع المشروع الاستيطاني، وفي مقدمها حزبا "البيت اليهودي" و"يسرائيل بيتينو (إسرائيل بيتنا)" بهدف دفع وتعزيز مشاريع الاستيطان والتوسع في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية، وتوطيد القاعدة السياسية والأيديولوجية لهذا اليمين الاستيطاني في سائر أنحاء الدولة. ويكشف التحقيق في هذا السياق النقاب عن أن "وحدة الاستيطان" تقوم سرا بتحويل مبالغ (مساعدات) مالية ضخمة لحساب شبكة واسعة من الجمعيات اليمينية – الدينية التوراتية، والتي لا توجد لأنشطتها أية علاقة بالأهداف والمهام الموكلة إلى وحدة الاستيطان ذاتها. ويثير تمويل هذه الجمعيات الدينية – اليمينية شبهات خطيرة بوجود إدارة غير قانونية وذلك لأن رئيس الهستدروت الصهيونية العالمية التي تعمل "الوحدة" في إطارها، أبراهام دوفدفاني (رجل حزب "البيت اليهودي")، يشغل عضوية مجلس إدارة اثنتين من الجمعيات التي تتلقى دعما ماليا سخيا من "وحدة الاستيطان". بالإضافة إلى ذلك تقدم "الوحدة" دعما ماليا يقدر بمئات آلاف الشواكل (سنويا) لمركز ديني – توراتي يترأسه رجل حزب "البيت اليهودي"، ورئيس مديرية "الأنوية التوراتية" في وزارة البناء والإسكان، الحاخام أريئيل دورفمان. وبعبارة أخرى فإن إحدى الشخصيات المركزية في عملية تخصيص الأموال الحكومية للجمعيات التوراتية – اليمينية، يشغّل بنفسه في الوقت ذاته إحدى هذه الجمعيات الممولة مباشرة من ميزانية الوحدة ذاتها. ويتضح من تفحص دقيق لميزانية المساعدات أن 40 جمعية من أصل 52 جمعية (نواة) توراتية - أي 76 بالمئة - تتلقى مساعدات مالية من "وحدة الاستيطان"، ترتبط بعلاقة سياسة جلية مع حزب "البيت اليهودي"، إذ يترأس الكثير من هذه الجمعيات المدعومة مسؤولون وناشطون بارزون في هذا الحزب. وإحدى هذه الجمعيات يترأسها الحاخام دانيئيل تروفر، أحد المقربين من زعيم الحزب، الوزير نفتالي بينيت، بالإضافة إلى سلسلة طويلة من المؤسسات والجمعيات الدينية التي يديرها حاخامون مقربون من الحزب، أو ممن أوعزوا لأتباعهم بالتصويت لصالحه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. ويبين التحقيق أن العديد من رؤساء هذه الجمعيات اليمينية – الدينية يشجعون علنا أنشطة عناصر المجموعة اليمينية السرية "جباية الثمن" ومن ضمنها تلك الهادفة إلى منع إخلاء مواقع استيطانية غير قانونية، ويمارسون التحريض ضد السكان العرب في إسرائيل، وينادون بإخضاع الدولة إلى قوانين وأحكام الشريعة الدينية اليهودية، ويعملون من أجل دفع مخططات إعادة بناء الهيكل.

خلفية

تأسست "وحدة الاستيطان" في أواسط ستينيات القرن الماضي بقرار من رئيس الحكومة الإسرائيلية ليفي أشكول، وذلك كهيئة تعمل في إطار الهستدروت الصهيونية العالمية. وقد عملت "الوحدة" لغاية العام 1992 في موازاة شعبة الاستيطان التابعة للوكالة اليهودية، تحت إدارة مشتركة، غير أنه تقرر في العام 1993 فصل الهيئتين، لتباشر "وحدة الاستيطان" العمل كوحدة مستقلة، وكذراع تنفيذية للحكومة في مجال البناء، سواء داخل "الخط الأخضر" أو في الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967، وتتلقى "الوحدة" ميزانيتها الأساسية من خزينة الدولة.

وقد كان الهدف الرئيس المحدّد للوحدة "دعم وتعزيز مناطق الهامش في دولة إسرائيل عن طريق إقامة تجمعات قروية وتوطيدها في سائر مجالات الحياة، والعمل على تطوير عوامل جغرافية تساعد في إقامة مناطق استيطانية ذات أساس اقتصادي واجتماعي متين".

ونظرا لأن "الوحدة" تعمل أساساً في إطار الهستدروت الصهيونية العالمية، التي تعتبر هيئة غير حكومية، فإن قانون حرية المعلومات لا يسري عليها. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن رئيس الهستدروت الصهيونية العالمية الحالي هو أبراهام دوفدفاني، المتماثل مع حزب "البيت اليهودي" كما أنه أحد ممثلي الصهيونية الدينية في الهستدروت الصهيونية العالمية، وقد أشغل دوفدفاني في الماضي منصب السكرتير العام لحركة "بني عكيفا" العالمية التابعة لحزب المتدينين الوطنيين (المفدال) ومنصب رئيس وحدة الاستيطان ذاتها.

ويترأس "الوحدة" منذ العام 2010 - الذي انتقلت فيه رئاستها إلى الكتلة اليمينية في الهستدروت الصهيونية العالمية، والمكونة من ممثلي حزبي "إسرائيل بيتنا" و"البيت اليهودي" - داني كريتسمان، المقرب من أفيغدور ليبرمان، والذي انتسب في العام 2012 إلى حزب هذا الأخير ("إسرائيل بيتنا") وأيده علنا. كذلك فإن مدير عام "الوحدة" المحامي يارون بن عزرا، ، تولى هذا المنصب في إطار تعيين سياسي من جانب ليبرمان، وقد مثل بن عزرا حزب "إسرائيل بيتنا" في لجنة الانتخابات المركزية. وكانت المحامية تاليا ساسون، قد كشفت في تقرير موسع حول المواقع الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية، نشر في العام 2005، عن التجاوزات والثغرات القانونية الخطيرة في عمل "وحدة الاستيطان"، مشيرة إلى ضلوع "الوحدة" في تمويل إقامة عدد كبير من هذه المواقع الاستيطانية من دون الحصول على موافقة المستوى السياسي المخول. وأكدت الحكومة في قرار اتخذته في تموز 2009، أنه يتعين على "وحدة الاستيطان" الحصول على موافقة من المستوى السياسي لخطة عملها السنوية المتعلقة بالبناء في "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية)، غير أن الوحدة لم تقم نهائيا بعرض مثل هذه الموافقة الضرورية أمام أعضاء لجنة المالية الذين يصادقون على التحويلات المالية لأغراض البناء في "المناطق".

وقد جرت في الأعوام الأخيرة محاولات عديدة ومتكررة للكشف عن الميزانية الحقيقية لـ "وحدة الاستيطان" وإخضاعها للرقابة والشفافية، إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل، وذلك على الرغم من أن المسؤولية المباشرة عن عملها انتقلت قبل عدة سنوات إلى ديوان رئيس الحكومة. ووفقا للتقديرات فإن هذه الخطوة (نقل المسؤولية) استهدفت تقليص عدد المطلعين على طابع وحجم نشاط "الوحدة"، إلى أدنى حد ممكن. ففي نيسان 2014 حاولت وزيرة العدل تسيبي ليفني دفع المصادقة على أمر بإخضاع ميزانية "وحدة الاستيطان" للرقابة والشفافية، غير أن رئيس لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست، دافيد روتيم، أحبط هذا التحرك. وتجدر الإشارة إلى أن عضو الكنيست روتيم، وهو محام في مهنته، سبق أن مثل "الوحدة" فيما مضى. ويقر أعضاء الكنيست الذين يعارضون كشف ميزانية "الوحدة" بأنهم يفعلون ذلك بهدف إحباط أي تشويش أو عرقلة لأنشطة البناء الاستيطاني التوسعي.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات