المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

عقدت "اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية" في إسرائيل، يوم السبت الأخير، اجتماعا خاصا للتباحث في القرار الحكومي الذي صدر مؤخراً ويستهدف عشرات آلاف البيوت العربية في مختلف القرى والمدن، من خلال خطة حكومية لهدم هذه البيوت بدعوى "البناء غير المرخص" بما يعني تشريد مئات آلاف من المواطنين العرب في إسرائيل.

وشارك في الاجتماع، الذي عقد في مدينة الناصرة، أعضاء الكنيست من "القائمة المشتركة" وممثلون عن مختلف الجمعيات والمراكز المهنية الفاعلة في إطار "طاقم اللجنة القطرية".

وبعد أن أكد الحضور على رفضهم الكليّ لهذا القرار الخطير، لما يعنيه من استهداف وجودي للجماهير العربية في البلاد، من خلال ما يرمي إليه من هدم عشرات آلاف البيوت العربية في مختلف أنحاء البلاد، ومحاولة تحويل السلطات المحلية العربية الى أدوات لهدم البيوت العربية تحت غطاء "نقل صلاحيات لجان التخطيط والبناء في المناطق الى السلطات المحلية العربية"، لغرض توليها هي (السلطات المحلية) إصدار أوامر الهدم وتنفيذها، اعتبروا أن "المرجعية الصحيحة لمواجهة ما يسمى "البناء غير المرخّص في المجتمع العربي" تكمن في اعتماد مبادرة اللجنة القطرية بهذا الخصوص، والتي تبنتها معظم الهيئات التمثيلية، وفي مقدمتها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، وعُرضت على جميع المسؤولين الحكوميين مُنذ عِدَّة سنوات ولم تجد أي تجاوب من قبل الحكومة ومؤسَّساتها". وفي ختام الاجتماع، خلص المجتمعون إلى التهديد باتخاذ سلسلة من الإجراءات الاحتجاجية على هذا القرار والمخطط الحكومي تشمل "إغلاق السلطات المحلية والاضراب المفتوح في جميع المدارس".

وأصدرت "جمعية حقوق المواطن" في إسرائيل بيانا خاصا أعلنت فيه رفضها الشديد للاشتراطات التي تضمنها القرار الحكومي والتي "تمس بحقوق المواطنين العرب في البلاد وعلى رأسها الحق في المساواة والحق في المأوى".

وأكدت "جمعية حقوق المواطن" أن سياسة هدم البيوت التي تمارسها الحكومة بحق المواطنين العرب تتجاهل الإهمال والاخفاق الحكوميين في تخطيط بلداتهم وقراهم، والتي هي السبب الأساسي وراء ظاهرة البناء غير المرخّص، وهو ما لا يتماشى مع أسس العدالة وقوانين حقوق الإنسان. وأضافت الجمعية، موضّحة، أن البناء غير المرخص في البلدات العربية لا يأتي من فراغ. فغالبًا ما يكون نتيجة حتمية لسياسة الحكومة التمييزيّة ضد القرى والمدن العربيّة وفشلها المستمرّ في حلّ أزمة السكن والتخطيط في المجتمع العربي وعدم تجاوبها مع احتياجات المواطنين العرب الأساسيّة، وعلى رأسها توسيع مسطّحات البلدات العربيّة وتجهيز خرائط هيكليّة تلائم احتياجاتها. وقالت إن قرار الحكومة بتغليب الهدم على البناء والتخطيط، وربط الميزانيات لتقليص الفجوات بين المجتمع اليهودي والعربي بالمزيد من الهدم يعاقب الضحيّة ويدل على النوايا الحقيقية للحكومة!

وناشدت "جمعية حقوق المواطن"، في ختام بيانها، الحكومة بالعدول عن قرارها هذا و"المباشرة في وضع برنامج إصلاحي يزيل العقبات والحواجز أمام المجتمع العربي وممثليه في تعاملهم مع مؤسسات ولجان التخطيط ويأخذ مطالبهم بعين الاعتبار من أجل دفع عجلة المساواة إلى الأمام".

"لجنة كيمينتس" وتوصياتها

كانت الحكومة الإسرائيلية قد اتخذت، في جلستها الأسبوعية يوم الأحد الماضي (19 حزيران الجاري)، قراراً تبنت فيه، بالكامل، توصيات "لجنة كيمينتس" بشأن ما يسمى "تطبيق أنظمة وقوانين البناء في المجتمع العربي" وهو ما يشكل صافرة إطلاق مخطط الهدم الحكومي، رسميا، بحقّ عشرات آلاف البيوت العربية.

ويهدف هذا المخطط إلى تغيير قوانين التخطيط والبناء في البلاد للتسريع في هدم البيوت غير المرخصة، وفرض أنواع جديدة من المخالفات والغرامات، وتخصيص ميزانيات طائلة لإقامة وحدة جديدة للهدم تعمل بتوجيه قـُطري من أعلى الهيئات الحكومية، تفرض قرارتها على السلطات المحلية العربية.

كما ينص برنامج الهدم الحكومي على استعمال القوة لفرض قانون التنظيم والبناء والتعديلات التي سيتم إجراؤها، ومنح وحدة الهدم القطرية صلاحيات واسعة لإصدار أوامر وقف العمل وأوامر هدم إدارية في كافة المناطق، واستبدال لجان التنظيم القائمة في حال عدم تنفيذها سياسة الهدم الحكومية أو عدم تجاوبها معها بالشكل الكافي. كما توكل الحكومة وزارتي العدل والمالية بمهمة فحص ضرورة وإمكانية إجراء تعديلات تشريعية لتسريع إجراء المحاكمات والمداولات القضائية في قضايا البناء غير المرخص وإجراء حملات دعائية بين الجمهور العربي في البلاد.

المخطط يرمي إلى السيطرة المطلقة على كل ما له علاقة بالأرض والبناء في المجتمع العربي، ومنع توسيع البلدات العربية والبناء والتطور الطبيعي، وتركيز العرب في بلدات ذات كثافة سكانية مرتفعة بهدف منع تطورها وتوسعها. ويأتي هذا في إطار النظرة الحكومية للعرب في البلاد باعتبارهم عدوّاً ينازع الدولة على ملكية الأرض. ولهذا، فبالإضافة إلى النية بشأن هدم نحو 80 ألف منزل عربي بحجة أنها غير مرخصة، ستفرض الحكومة مراقبة يومية على البناء في البلدات العربية حيث ستعتمد على جهاز بنك معلومات جغرافي محوسب، إذ يجري تصوير البلدات العربية مرات عديدة كل أسبوع بهدف كشف ومتابعة البناء والإضافات على المباني وتعيين البناء غير المرخّص بهدف الهدم. وفضلا عن هذا، ستتم إقامة وحدة بوليسية خاصَّة لتنفيذ أوامر/ أعمال الهدم وتخصيص الميزانيات اللازمة لها، كما سيتم منح الشرطة والوزارة المسؤولة حق "استخدام القوة الملائمة من أجل تنفيذ الهدم".

ولم تلتفت "لجنة كيمينتس" والحكومة من بعدها إلى حقيقة أن الغالبية الساحقة مما يسمى "البيوت العربية غير المرخَّصة" لم يتم بناؤها تجاوزاً وخرقاً لما يُسمى "قوانين البناء"، إنما كفعل اضطراري لا بديل آخر عنه حيال سياسات التضييق والخنق المنهجية التي تمارسها المؤسسة الإسرائيلية ضد المواطنين العرب وسلطاتهم المحلية، خصوصاً فيما يتعلق بالرفض المتواصل منذ سنوات عديدة لأي توسيع في مناطق النفوذ والبناء في القرى والمدن العربية، عدم تخصيص أراض للبناء والتطوير في البلدات العربية، إضافة إلى المماطلات المنهجية المتواصلة في إقرار الخرائط الهيكلية لهذه القرى والمدن والمخططات التفصيلية لإقامة مناطق سكنية جديدة، وهو ما يغلق الإمكانيات إغلاقا تاما أمام المواطنين، وخصوصا الأزواج الشابة الجديدة التي تبحث عن بيت يكون مأوى لها ولعائلاتها الجديدة.

وعلى سبيل المثال، فقط، فقد تمت المصادقة في لواء الشمال (الجليل والساحل) خلال العام 2013 على 22823 مخططاً لوحدات سكنية جديدة، كان بينها 1241 وحدة سكنية فقط في 8 بلدات عربية، فقط. هذا، مع العلم أن 52% من المواطنين في لواء الشمال هم من المواطنين العرب يسكنون في 83 بلدة!

وكانت "لجنة كيمينتس" هذه قد عُينت في أواسط شهر كانون الأول من العام 2015 للبحث في "مسألة البناء غير المرخص" وأنيطت رئاستها بالمحامي إيرز كيمينتس، نائب المستشار القانوني للحكومة، وبعضوية كل من نائب المدعي العام للقضايا الجزائية، ممثل عن "سلطة أراضي إسرائيل"، ممثل عن شرطة اسرائيل وممثل عن وزارة الداخلية. وأوكلت إلى اللجنة مهمة "مسح الوضع القائم للبناء غير المرخص وطرق معالجة هذه الظاهرة".

أهم ما ناقشته "لجنة كيمينتس" هذه كان قضية ضبط وتنفيذ أوامر الهدم، بعد استعراض المعطيات حول أوامر الهدم في السنوات الأخيرة، أعدادها ووتائر تنفيذها، فحص مدى حجم وجاهزية قوات الشرطة واستعداداتها وعتادها لتنفيذ هذه الأوامر، إضافة إلى فحص الآليات المختلفة لفرض وسائل وأنواع الترهيب لمنع البناء غير المرخص.

وقد وجدت هذه اللجنة أن "الشرطة تواجه صعوبات جمة لوجستية وأخرى في القيام بمهمة تنفيذ أوامر الهدم في الوسط العربي والدرزي" وأن "مندوبي الشرطة ادعوا، من ناحيتهم، بأن الصعوبات تكمن أيضا في مضاعفات تنفيذ أي قرار هدم وتأثيره على النظام العام، التوقيت وأعداد أفراد الشرطة والقوات الكبيرة التي يجب تجنيدها في حالة تنفيذ أوامر هدم في أماكن معينة"!

ومن التوصيات التي تضمنها تقريرها، أيضا: إقامة "لجنة تنفيذ دائمة"، بمشاركة جميع دوائر الإجراء والتنفيذ والشرطة، من أجل تدريج وتقويم الأوامر العالقة وسلم أولويات تنفيذها في ألوية الشرطة المختلفة في مختلف أنحاء البلاد وإقامة طاقم برئاسة نائب المستشار القانوني للحكومة للقضايا المدنية مهمته "مراقبة ومتابعة تنفيذ أوامر الهدم، تجميد أو إخلاء، حسب المعايير التي اتفق عليها"!

وشددت هذه اللجنة على أن "هنالك حاجة لإيجاد حلول عملية أخرى لتسهيل تنفيذ أوامر الهدم، بدون الحاجة إلى الشرطة، أو بمساعدة قليلة منها"!

الحكومة: إصرار "مبدئي" على مخطط الهدم!

الأمر الأكثر إثارة للقلق والغضب في كل ما يتعلق بقرار الحكومة الإسرائيلية تبني توصيات "لجنة كيمينتس" الآن هو أنه لم يكن قراراً فجائياً، إطلاقاً، بل كان المخطط نفسه معروفاً وواضحاً منذ أشهر عديدة، على الأقل، حسبما يثبت تسلسل الوقائع المدونة هنا:

فقبل أيام من إقرار الحكومة ما سمي بـ"خطة دعم الوسط العربي"، في نهاية كانون الأول من العام الماضي 2015، كان من الواضح تماماً أن إقرار هذه "الخطة" (التي تحدثت عن رصد مبلغ اختلفت المصادر حول قيمته: البعض قال إنه 10 مليارات شيكل والبعض الآخر قال إنه 15 مليار شيكل) لم يكن وليد صدفة، إطلاقا، وإنما كان جزءا عضويا من خطة أوسع وأشمل ترمي، بالأساس، إلى "معالجة مشكلة البناء غير القانوني" (!) في المجتمع العربي من منظور حكومي رسمي. أي، لشن حملة هدم رسمية منظمة، قانونيا وتنظيميا وإجرائيا، على البيوت العربية المبنية بدون تراخيص، والتي تشير التقديرات إلى أن عددها يفوق الخمسين ألف بيت!

في جلستها الأسبوعية التي عقدت يوم 27/12/2015 وعُرض فيها موضوع "خطة الدعم"، قررت الحكومة ـ حسبما جاء في بيانها الرسمي، كما نشر على موقعها الرسمي في اليوم نفسه ـ "تأجيل البحث في الخطة إلى جلسة خاصة تُعقد يوم الأربعاء القريب". وأضاف البيان الرسمي، بالحرف: "أصدر رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، تعليماته بتشديد وتعزيز ما في الخطة من مركّبات تتعلق بتطبيق القانون وبتشجيع البناء إلى أعلى (طوابق) في بلدات الأقليات"!

وفي ختام الجلسة اللاحقة، التي عقدتها يوم الأربعاء 30/12/2015 وأقرت فيها هذه "الخطة"، أكدت الحكومة في بيانها الرسمي (كما نشر على موقعها الرسمي، أيضا) أنه "في غضون 30 يوماً، سيقوم طاقم يترأسه نائب المستشار القانوني للحكومة بتقديم توصيات إلى الحكومة في موضوع فرض أحكام القانون، بحيث تتطرق هذه التوصيات إلى تعزيز فرض وتطبيق قوانين التخطيط والبناء وأحكامها"!

وبعد أربعة أيام من تلك الجلسة، في 4/1/2016، نشرت وسائل إعلام إسرائيلية خبراً "يكشف" عن أن رئيس الحكومة "عيّن الوزيرين ياريف ليفين وزئيف إلكين لصياغة جملة من الشروط والمبادئ التوجيهية لتقديم الدعم للوسط العربي. وستتركز توصيات الوزيرين في مسألة فرض القانون والالتزام بتطبيق أحكام قوانين التنظيم والبناء"!

وفي اليوم التالي، يوم 5/1/2016، أجرت إذاعة الجيش الإسرائيلي "غالي تساهل" (ضمن برنامج رازي بركائي الصباحي) مقابلة مع الوزير ياريف ليفين (سبقتها مقابلة مع عضو الكنيست أيمن عودة حول "أهمية الخطة") أوضح ليفين خلالها، بصريح الكلام وبدون أية مواربة، أن تقديم أي "دعم" مما أقرّ في "الخطة" سيكون مشروطاً بضمان ما يلي: 1. تطبيق القانون؛ 2. البناء إلى أعلى؛ 3. اجتثاث البناء غير القانوني؛ 4. تشجيع الخدمة المدنية والعسكرية! وأكد: "فقط السلطة المحلية (العربية) التي ستتعاون في تنفيذ هذه الشروط هي التي ستحصل على أموال الدعم التي أقرتها الخطة"!

وهذا جزء ضئيل فقط مما نشرته، بكثافة نسبية، وسائل إعلام إسرائيلية مختلفة، بما فيها عربية، طوال الأشهر الستة الماضية كلها، حول خطة الهدم هذه وشروط "التعاون" معها للحصول على "الدعم"! (نشير، هنا، إلى أن اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية بهذا الموضوع مبعثه أن "البناء غير القانوني في الوسط العربي" يؤرّق منذ سنوات عديدة أوساطاً غير قليلة في الحلبة السياسية الإسرائيلية، تشمل يمينها كلّه وبعض "وسطها" و"يسارها" أيضا!).

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات