المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أعلن عضو الكنيست الجديد بتسلئيل سموتريتش، من حزب "البيت اليهودي"، أن "أحد الأهداف المركزية التي أسعى إلى تحقيقها في دورة الكنيست الحالية هو سن قانون خاص يقضي بمصادرة أراض فلسطينية خاصة من أيدي اصحابها مقابل تعويضات"!! وأعلن سموتريتش أيضاً أن "عملية تشريع هذا القانون يجب أن تتم وتُستكمل قبل نهاية كانون الأول 2015"!!
وعضو الكنيست المذكور أشغل في السابق وحتى الانتخابات الأخيرة للكنيست (في 17 آذار 2015)، منصب مدير في "جمعية" استيطانية تدعى "رجفيم" هدفها الأساس هو "المحافظة على الأراضي القومية".

وفي الإعداد والتحضير لسن القانون المذكور، أجرت هذه الجمعية "مسحاً" قدمته مؤخرا إلى رئيس حزب "البيت اليهودي"، وزير التربية والتعليم نفتالي بينيت، وإلى رئيس الكنيست يولي إدلشتاين (الليكود ـ وهو بنفسه مستوطن يقيم في مستوطنة "نافيه دانيئيل" في "غوش عتصيون"). وبيّنت نتائج هذا المسح، كما أعلنتها هذه الجمعية، أن هناك 2026 مبنى استيطانيا، في مستوطنات وبؤر استيطانية مختلفة، مقامة على أراض فلسطينية خاصة وهذه (الأراضي) هي التي "يجب مصادرتها، مقابل التعويضات"!

أما الموعد الأقصى الذي حدده سموتريتش لإتمام سن هذا القانون وضمه إلى سفر القوانين الإسرائيلي (قبل نهاية كانون الأول القادم)، كما ذكر، فمردّه تزامنه (الموعد) مع موعد آخر، هو الذي حددته "محكمة العدل العليا" الإسرائيلية لدولة إسرائيل (الحكومة الإسرائيلية) حداً أقصى لتنفيذ قرارها / أمرها بشأن إخلاء البؤرة الاستيطانية "عمونا"، ثم هدم تسعة مبان في مستوطنة "عوفرا".

وذهب سموتريتش إلى أبعد من ذلك حين أعلن، مهدّدا، بأن "تنفيذ أوامر الهدم في عمونا هو سبب كاف لحل الائتلاف الحكومي وإسقاط الحكومة"!!

ولم يأت تهديد سموتريتش هذا من فراغ. ففي حزيران العام 2012، جرت محاولات برلمانية (استيطانية ـ يمينية) لدفع هذا القانون المسمى "قانون التسوية" قدما نحو إنجاز تشريعه، غير أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، اضطر مرغما إلى لجم تلك المحاولات وإحباط مسعاها، وذلك خشية أن تشكل حجة ودافعا لتقديم دعوى قضائية إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
وتدعي "جمعية رجفيم" الآن، في معرض شرح "مبررات هذا القانون والحاجة الماسة إليه"، بأن "هدم بيت أو اثنين لن تحل المشكلة، التي هي أوسع وأعمق بكثير"! وتشرح هذه الجمعية أبعاد "المشكلة" فتقول، في تقريرها الذي نشرت تفاصيله للمرة الأولى في إذاعة المستوطنين (قنال 7)، إن نتائج المسح الذي أجرته بيّنت أن عدد المباني الاستيطانية المقامة على أراض فلسطينية خاصة في الضفة الغربية يبلغ 2026 مبنى من بينها 1232 "منزلا ثابتا" و794 "مبنى متنقلا"! وتسكن في هذه المباني، طبقا لنتائج هذا المسح، 1500 عائلة.

أما المستوطنات والبؤر الاستيطانية التي تشمل هذه المباني فهي، كما وردت في تقرير هذه الجمعية: عوفرا ـ 530؛ بيت إيل ـ 289؛ عيلي - 166؛ مخماش - 113؛ ألون موريه - 128؛ بساجوت - 98؛ كوخاف يعقوب - 83؛ كدوميم - 71؛ كوخاف هشاحر - 65؛ نافيه تسوف - 52؛ عتنيئيل - 47؛ شافي شومرون - 45؛ متسبيه يريحو - 45؛ يتسهار - 43؛ ماعون - 34؛ تبواح - 27؛ آدام - 25؛ بيت حجاي - 25؛ سوسيا - 23؛ نافيه دانيئيل - 19؛ تكواع - 17؛ هار براخا - 15؛ نوكديم - 14؛ بني حيفر - 13؛ كيدار - 7؛ معاليه عاموس - 5.

المحكمة تصدر قرارها بعد
ست سنوات من المماطلة!

بعد ست سنوات من المداولات القضائية المتواصلة والتسويفات الحكومية المتتالية، أصدرت "محكمة العدل العليا" الإسرائيلية، يوم 25/12/2014، قرارها في الالتماس الذي تقدم به إليها عدد من المواطنين الفلسطينيين أصحاب الأراضي التي أقيمت عليها البؤرة الاستيطانية "عمونا" في العام 1997، بالقرب من مستوطنة "عوفرا"، على الطريق بين رام الله وأريحا في الضفة الغربية.

وطالب المواطنون الفلسطينيون، في التماسهم الذي قدموه في العام 2008 بواسطة منظمة "يش دين" (يوجد قانون) الحقوقية الإسرائيلية، بإصدار أمر قضائي بهدم بؤرة "عمونا" الاستيطانية التي أقامتها خمسون عائلة من المستوطنين على أراضيهم الخاصة، بعد الاستيلاء عليها عنوة وبالقوة.

وكانت الدولة (الحكومة الإسرائيلية) قد تعهدت أمام المحكمة، في إطار النظر في الالتماس، بهدم جميع الأبنية في هذه البؤرة الاستيطانية حتى نهاية العام 2012، لكنها عادت وادعت، بعد سلسلة من المماطلات والتسويفات، بأنها ستقوم بهدم "قسائم محددة فقط، هي تلك التي يشارك أصحابها في الالتماس"! بينما زعم مستوطنو "عمونا" بأنهم "اشتروا جزءا من تلك القسائم بصورة قانونية"، ثم قدموا إلى المحكمة وثائق مزيفة لإثبات زعمهم المذكور!!

وفي قرارها، بعد ست سنوات من المداولات والمماطلات، أصدرت المحكمة أمرا يلزم الحكومة بهدم جميع الأبنية في هذه البؤرة الاستيطانية في غضون سنة واحدة، كحد أقصى ـ أي، حتى نهاية كانون الأول 2015.

ورأت المحكمة "حاجة" إلى التنويه، في قرارها، إلى أنه "ليس سهلاً علينا إصدار أمر بإخلاء بيوت المستوطنة التي يسكن فيها سكانها منذ سنوات غير قليلة... لا شك في أن لتنفيذ أوامر الهدم إسقاطات وتبعات قاسية ومؤلمة، على السكان وأبناء عائلاتهم الذين توطنوا في المستوطنة وأقاموا لهم مجتمعا مشتركا"!! ثم أضافت: "ومع ذلك، ليس من شأن هذه الصعوبة أن تتيح شرعنة البناء غير القانوني على أرض خاصة وليس من شأنها تبرير عدم تطبيق القانون.... إن عدم إخلاء الأبنية يشكل نكثا للتعهدات المتكررة التي قطعتها الدولة أمام المحكمة بشأن تنفيذ أوامر الهدم، من خلال المس بحقوق السكان المحميين في المنطقة ومنعهم من الوصول إلى ممتلكاتهم الخاصة. وعليه، فإن هذا المس بسلطة القانون وبحقوق السكان المحميين هو الذي يستوجب إخلاء هذه المباني، على الرغم مما في هذا من مس بسكان المستوطنة"!

وفي حينه، وفور صدور قرار المحكمة، عقبت منظمة "يش دين" عليه بالقول، على لسان مستشارها القانوني المحامي ميخائيل سفاراد، إنه (القرار) يمثل "انتصارا كبيرا"، لكنها أكدت، في المقابل وفي الوقت ذاته، أن "الفرحة لن تكتمل قبل ضمان عودة أصحاب الأراضي الحقيقيين إلى أراضيهم، فعليا"، معتبرة أن "الطريق ما زالت طويلة حتى تطبيق قرار المحكمة هذا فعليا وعلى أرض الواقع"! كما "تمنى" سفاراد "أن لا تحاول سلطات تطبيق القانون، كما في المرات السابقة، التذاكي والتحايل على هذا القرار فتبقيه حبرا على ورق"!!

أما "رئيس قيادة عمونا"، أفيحاي بوارون، فقد عقب على قرار المحكمة العليا بالقول: "نُقسم بأننا سنواصل معركتنا بكل القوة التي بحوزتنا من أجل إرغام حكومة إسرائيل على تحمل مسؤوليتها عن حياة مئات آلاف المواطنين والمستوطنين اليهود وأن لا تسمح لحكومة اليسار في المحكمة العليا بإدارة شؤون الدولة"!!

"قانون التسوية"

هذان التعقيبان، المسجلان آنفا، يكشفان حقيقة التطورات في هذه القضية وحقيقة أن قرار المحكمة، بما يتضمنه من أمر واضح للحكومة بإخلاء "عمونا"، ليس القول الفصل فيها ولا يشكل ضمانة أكيدة لوضع حد لحالة النهب الاستيطانية في "عمونا" وإعادة الأراضي إلى أصحابها الأصليين والحقيقيين من المواطنين الفلسطينيين.

وليس افتئاتا على الحقيقة القول إن سلوك المحكمة في النظر في هذا الالتماس، من حيث المماطلة والتأجيل المتكرر في إصدار قرارها، كما صدر أخيرا، رغم وضوح كافة الملابسات والحيثيات في القضية، لم يكن إلا بهدف إتاحة المجال والوقت الكافيين للحكومة والكنيست من أجل "إنهاء" الموضوع بطريقة مغايرة ـ أي، بواسطة سن "قانون التسوية" الذي يمكّن الدولة الإسرائيلية من مصادرة تلك الأراضي من أيدي أصحابها الفلسطينيين "مقابل التعويضات"!

أما وقد وصلت المحكمة، في نهجها هذا، إلى طريق مسدود حيال عدم استكمال سن هذا القانون، فقد وجدت نفسها في وضع حرج أصبحت فيه مضطرة إلى البت في الالتماس وإصدار قرار. وهو ما حصل، أخيرا.

ويبدو جليا أن "تريث" المحكمة في إصدار قرارها النهائي، رغم مرور سنوات طويلة ورغم تعهدات الحكومة المتكررة أمامها، ثم نكث هذه التعهدات، لم يكن إلا من قبيل مسايرة المساعي التشريعية وانتظار تحقيقها الغاية المرجوة.

وكما ذكرنا، فقد اضطر رئيس الحكومة، نتنياهو، إلى إفشال مشروع القانون المذكور في حزيران 2012، خشية استخدامه حجة لدعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد دولة إسرائيل. وهو ما أثار ردود فعل غاضبة وعنيفة بين المستوطنين وأحزابهم السياسية آنذاك إذ نظموا مظاهرات صاخبة أمام مقرات الكنيست والحكومة في مدينة القدس تخللتها مواجهات عنيفة مع قوات الشرطة.

ويأتي استئناف محاولات سن هذا القانون الآن، في دورة الكنيست الحالية، وسط التهديد بحل الائتلاف الحكومي وإسقاط الحكومة إذا لم يتحقق ذلك، استمرارا "طبيعيا" لمساعي المستوطنين وممثليهم السياسيين والبرلمانيين الذين يعلن بعضهم، صراحة، أن تشريع هذا القانون هو هدفهم المركزي وغايتهم الأولى من وراء انضمامهم إلى الحكومة الحالية!

ولا يجتهد المستوطنون في "جمعية رجفيم"، إطلاقا، لإخفاء مساعيهم أو التستر على أهدافهم الحقيقية (مصادرة الأراضي الفلسطينية للإبقاء على المستوطنات، بل تعزيزها وتوسيعها)، على الرغم من أن البعض من بينهم يرى أن "أي حديث عن هذه المسألة ينبغي أن يجري في الدوائر المختصة والمعنية وبالسرية المناسبة، بعيدا عن أعين وسائل الإعلام والجمهور"!

ويمثل عضو الكنيست الجديد سموتريتش "رأس الحربة" في هذه المساعي والمشاريع، إذ ثمة من يعتبره "الزعيم الجديد للحركة الاستيطانية" في الضفة الغربية. وكان قد صرح لإحدى وسائل الإعلام في إسرائيل بأن "رسالته المركزية" هي أن "المستوطنات يجب أن تخرج من الغرف المظلمة إلى نور الشمس"! والمعنى، كما يوضحه، أن "نهج الصفقات والمساومات خلف الأبواب كان جيدا ومناسبا في بدايات الطريق (بدايات المشروع الاستيطاني في المناطق الفلسطينية) وبالفعل فقد أثمر تسجيل إنجازات كبيرة ورائعة على المدى القصير، لكنه سبب ضررا كبيرا على المدى الطويل"!

ويرى سموتريتش أنه "من الضروري جدا استغلال الأجواء الشعبية العامة في إسرائيل، المؤيدة للمستوطنين والمستوطنات... وإذا لم يكن ثمة قانون مناسب ومُجدٍ، فالحل الأمثل هو إيجاد مثل هذا القانون وسنّه، انطلاقا من حقيقة واقعية تتمثل في أن في الكنيست الحالي أغلبية كبيرة مؤيدة للمستوطنين وللمستوطنات"!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات