المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

من بين مئات الكيبوتسات في إسرائيل برز كيبوتس "يد حانا" بكونه محسوبا على الحزب الشيوعي الإسرائيلي، لكن هذه الصبغة تلقت ضربة قاصمة، حين انضمت إلى هذا الكيبوتس مؤخرا، ثلاثون أسرة من المستوطنين، الذين تم إخلاؤهم من مستوطنات شمالي الضفة الغربية، وبالأساس من"حومش" وقلة من "سانور" ومن كاديم وچانيم. وجلب هذا "الغزو" أنماطا جديدة لم يعرفها الكيبوتس "الشيوعي" من قبل، مثل بناء كنيس، ناهيك عن مظاهر الخصخصة الأخرى

قبل أيام معدودة، وتحديدا في السابع من الشهر الجاري (تشرين الثاني) حلت الذكرى الثامنة والثمانون لثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا عام 1917 بقيادة ڤلاديمير ايليتش لينين، التي تشكل بعدها الاتحاد السوڤياتي، وكانت منعطفا تاريخيا بالغ الأثر في تاريخ الإنسانية، وأشبه بالهزة العنيفة للمنظومة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في كافة أرجاء المعمورة .

لكن الاتحاد السوڤياتي انهار، وتفتت إلى جمهوريات مستقلة، ابتعدت ابتعادا كليا عن "روح ثورة أكتوبر" وانخرطت في النظام العالمي الجديد، ونظام السوق، وفي مقدمتها روسيا، بزعامة ڤلاديمير پوتين، الذي قررت حكومته، فيما يشبه "الهزة"، إلغاء الاحتفالات التقليدية بثورة أكتوبر، ليس فقط هذا العام بل "إلى الأبد".

ومثلما أن الشيء بالشيء يذكر، فكذا "الهزة بالهزة تذكر"، ذلك أن "الفكر الاشتراكي" في إسرائيل، أو ما تبقى منه- إذا صح التوصيف- تعرض هو الآخر إلى "هزة" لم يكد يسمع عنها أحد، فعلى قدر أهل "الفكر" تأتي الهزات..

*****

من بين مئات الكيبوتسات في إسرائيل برز كيبوتس واحد، اسمه "يد حانا" (في المثلث الجنوبي قبالة طولكرم) بكونه محسوبا على الحزب الشيوعي الإسرائيلي، لأسباب ستعرفونها لاحقا في هذا التقرير، لكن هذه الصبغة تلقت ضربة قاصمة، حين انضمت إلى هذا الكيبوتس مؤخرا، ثلاثون أسرة من المستوطنين، الذين تم إخلاؤهم من مستوطنات شمالي الضفة الغربية، وبالأساس من"حومش"، وقلة من "سانور" (صانور الفلسطينية) ومن كاديم وچانيم، ومن بينهم- ويا لسخرية القدر- أسرة كولونيل (عقيد) سابق في الجيش السوڤياتي (الأحمر). وجلب هذا "الغزو" أنماطا جديدة لم يعرفها الكيبوتس "الشيوعي" من قبل، مثل بناء كنيس، ناهيك عن مظاهر الخصخصة الأخرى. والآن ينقسم سكان الكيبوتس مناصفة بين الأصليين والجدد- ثلاثون أسرة أصلية عريقة، وثلاثون جديدة، لكن الأسر العريقة شائخة بسبب هجرة الشباب من الكيبوتس.

"اشترونا بالمال"!

ومن البديهي أن يثير الواقع الجديد مشاعر وخواطر أعضاء الكيبوتس المخضرمين، وخاصة المؤدلجين (أصحاب الفكر الشيوعي في هذه الحالة)، لكن لا حول لهم ولا قوة أمام المستجدات.

"لقد اشترونا بالمال، وأنا متألمة وساخطة، لكن ما العمل، كنا مدينين بمبالغ طائلة، وأغرونا بإلغاء الديون، مقابل استيعاب المستوطنين الجدد"- هكذا لخصت الرفيقة پنينا فايلر (82 عاما) الواقع الجديد.

والرفيقة پنينا تفقه ما تقول، فهي من مؤسسي الكيبوتس (عام 1950) وهم من اليهود الهنغاريين الذين أنقذهم الجيش السوڤياتي من معسكرات الإبادة النازية. وكان معظمهم شيوعيين، ومن بينهم والدا مقدمة الأخبار السابقة في التلفزيون الإسرائيلي كرميت چاي (وقد توفيا) وما زالت كرميت على علاقة طيبة مع أعضاء الكيبوتس الذي ترعرعت فيه. وفي عام 1953 حصل الانشقاق التاريخي في "الحركة الكيبوتسية" (إيحود وأحدوت) وقرر أعضاء كيبوتس "يد حانا" عدم التدخل في الهوية الحزبية للأعضاء، فكان أن لجأ إليه عدد كبير من "المنبوذين" سياسيا وفكريا من كيبوتسات أخرى، وكان معظم هؤلاء من الشيوعيين، فتعززت "الصبغة الشيوعية" للكيبوتس.

وعندما تقول پنينا فايلر "اشترونا بالمال" فهي تقصد مديرية فك الارتباط (منهيلت ههتنتكوت) التي جاء مندوبون عنها وعاينوا الكيبوتس، ووجدوه مناسبا لاستيعاب المستوطنين الجدد، وبنيت لهم مساكن (كاراڤيلات)، وبما أن المديرية عرضت على سكرتارية الكيبوتس إغراءات هائلة لقبول" الضيوف" فقد صوت 59 % من الأعضاء لصالح "الصفقة" التي تتضمن إلغاء الديون الفاحشة للكيبوتس ومنحه امتيازات كبيرة، شريطة أن يحظى الأعضاء الجدد بحق التصويت أيضا، أي أن يكونوا شركاء متساوين في تقرير مصير الكيبوتس ونمط حياته، وربما وجهته الفكرية والتنظيمية والسياسية، وهذا هو مصدر سخط وقلق الرفيقة فايلر، التي كانت قلقة أصلا من حقيقة أن 51 % من أصوات أعضاء الكيبوتس في انتخابات الكنيست الأخيرة كانت لصالح الليكود(!) وهي النسبة الأعلى بين الكيبوتسات في التصويت لحزب الليكود بينما صوت 9 % فقط للجبهة (وهنا "تتمنى" الرفيقة فايلر لو أن الجبهة التي منحتها صوتها هي أيضا حصلت على هذه النسبة من الأصوات قطرياً!).

جيران طولكرم..

جاءت پنينا فايلر إلى فلسطين من بولندا عام 1938، ونشطت في الشبيبة الشيوعية ابتداء من العام التالي (1939) وأقامت في رمات جان ثم شاركت في تأسيس الكيبوتس عام 1950 وبقيت وفية لمعتقداتها حتى اليوم، رغم أنها هجرت النشاط الفكري والتنظيمي عام 1966.

وهي اليوم ناشطة في منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان" وتحرص على تقديم كل أشكال العون والإغاثة لجيرانها الفلسطينيين في طولكرم والقضاء، وكانت تربطها هي وقدامى الكيبوتس علاقات حميمة مع المرحوم حلمي حنون، رئيس بلدية طولكرم الأسبق. واشتغل في الكيبوتس عدد كبير من العمال من هذه المدينة و قراها ولقوا معاملة رفاقية طيبة . وتؤكد هذه السيدة أنها لا تكن أي عداء للعرب والفلسطينيين، حتى في هذه الظروف الحالكة، بل إنها تأسف- على حد تعبيرها- لأن دولة إسرائيل لم تحفظ الجميل للفلسطينيين الذين حموا اليهود في الخليل خلال أحداث عام 1929 "مثلما لم ننس نحن اليهود صنيع وجميل الجيش الأحمر الذي أنقذنا من براثن النازية". كما أنها تتحدث بألم ظاهر عن أنها سمعت أزيز الرصاص ليلة اغتال الجيش الناشط الفلسطيني لؤي السعدي في طولكرم.

وتستذكر الرفيقة فايلر بحزن وأسف كيف أن شابا (20 عاما) من الكيبوتس، اسمه أبراهام جوري، قتل برصاص الجيش الأردني عام 1964 وهو يقدم المساعدة لرفيقه سائق الجرار الذي أصيب بنيران الأردنيين من جهة طولكرم وهو يعمل في الحراثة، ويومها اهتزت أركان الكيبوتس بسبب هذا الحادث المأساوي، نظرا لعلاقات الثقة والمودة التي كانت تربط أعضاءه بالجيران، وحتى بأفراد الجيش الأردني الذين كانوا يبادلونهم الطعام والسجائر، وظن الكيبوتسيون أن هذا الحادث مفتعل من جهة الحكومة الإسرائيلية التي لم ترق لها علاقات الجيرة الحسنة بين الكيبوتس والفلسطينيين.

المصطلحات المستخدمة:

كيبوتس, المثلث, الكنيست, الليكود

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات