المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أدى الانسحاب المفاجئ لرئيسة حزب ميرتس زهافا غالئون من المنافسة على رئاسة الحزب، وانسحاب من كان يعتبر المنافس القوي إيلان غيلئون، من المنافسة أيضا، إلى شبه ضمان فوز النائبة عن الحزب تمار زاندبرغ (42 عاما)، حسب الرأي السائد في ميرتس والأوساط الحزبية ووسائل الإعلام، إلا إذا نشأت مفاجأة حتى يوم الانتخابات العامة في الحزب، في نهاية آذار الجاري.

ويخوض ميرتس لأول مرّة الانتخابات المفتوحة، على الطريقة الأميركية، كما هو قائم في حزبي العمل والليكود، ولاحقا حزب المفدال، بمعنى فتح باب الانتساب أمام الجمهور الواسع، لغرض المشاركة في الانتخابات الداخلية. وبلغ عدد المنتسبين 31 ألف شخص.

وقد أعلن كل من غالئون وغيلؤون انسحابهما من المنافسة بشكل مفاجئ يوم 6 آذار الجاري. وقالت غالئون إنه بعد الاتصال المباشر مع جمهور المنتسبين توصلت إلى قناعة بأن الرغبة السائدة هي التجديد، لذا فإن فرصها ليست قوية. أما غيلئون فقد أعلن انسحابه لأسباب صحية في الأسابيع الأخيرة، وهو ما منعه من الحراك الانتخابي. إلا أن أيا منهما لم يعلن دعمه لأي من المنافسين الثلاثة الباقين.

فإلى جانب زاندبرغ، ينافس أيضا الناشطان الاجتماعيان آفي بوسكيلا وآفي دابوش، وهما ليسا من الأسماء المعروفة في الواجهة السياسية لحزب ميرتس، الذي تتنبأ له استطلاعات الرأي في العام الأخير تحسين قوته الانتخابية، من 5 مقاعد اليوم إلى ما بين 6 وحتى 8 مقاعد.

ميرتس- تاريخ وواقع

تشكل حزب ميرتس قبل انتخابات 1992، بتحالف حزبين أساسيين فيه: حزب مبام التاريخي الذي تشكل منذ العام 1948، وحركة راتس التي تشكلت في منتصف سنوات السبعين، بانشقاق المحامية شولاميت ألوني عن حزب العمل. والإطار الثالث هو حركة شينوي، التي تحالفت سياسيا مع هذين الاطارين، رغم توجهاتها الاقتصادية الصقرية. وحينها حقق ميرتس 12 مقعدا، بإضافة مقعدين لما كان للكتل الثلاث مجتمعة، قبل تلك الانتخابات.

لكن هذه النتيجة كانت الأكبر التي حققها الحزب، ثم ضعف قليلا في سنوات التسعين. وبعد العام ألفين، بدأ يتراجع بوتيرة أعلى، ووصل إلى أدنى نتيجة له، 3 مقاعد، في انتخابات 2009، حينما كان يرأس ميرتس الوزير الأسبق حاييم أورون، الذي اعتزل بعد عامين من تلك الانتخابات، ولتعود إلى الكنيست مكانه، زهافا غالئون، التي تولت لاحقا رئاسة الحزب، وهي من أبرز قادة الحزب الذين يتمسكون بالخطاب السياسي والاجتماعي، الأكثر جرأة في ميرتس.

ونجحت قيادة غالئون في انتخابات 2013 بمضاعفة عدد المقاعد لتقفز إلى 6 مقاعد، والمقعد الأخير تحقق باتفاقية فائض اصوات. لكن في انتخابات 2015، بدا وكأن ميرتس يواجه مأزقا، بالأساس بسبب تحالف "المعسكر الصهيوني"، الذي جمع حزب العمل وحزب "الحركة" بزعامة تسيبي ليفني، لكن ميرتس حصل في نهاية المطاف على خمسة مقاعد، بتراجع طفيف من حيث النسبة، وهذا انعكس بمقعد كامل.

ويتميز حزب ميرتس، وكتلته في الكنيست، بأنهما حاضران على الدوام ميدانيا وبرلمانيا، بمعنى أنهما ليسا حركة انتخابات، وهما على اتصال دائم بالشارع. بالإمكان القول إن نوابه رأس حربة في النشاط البرلماني المعارض. وهذا كان من المفروض أن يضمن قوة متزايدة للحزب في كل انتخابات، بين الجمهور الذي يعارض سياسات الحكومة.

غير أنه في منطق الساحة الإسرائيلية فإن النتيجة عكسية، بمعنى أن ميرتس لا يحقق الكثير في استطلاعات الرأي، وهذا بتأثير طغيان أجواء التطرف في الشارع الإسرائيلي، إذ أن ميرتس يتبنى أكثر المواقف "يسارية" في الحركة الصهيونية، على الصُعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب تأكيده على أنه جزء من الحركة الصهيونية تاريخيا، بكل ما تحمله الصهيونية من أسس فكرية.

فعلى المستوى السياسي، يؤيد ميرتس حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، واقامة دولته المستقلة على حدود 1967، مع تبادل أراض للحفاظ على الكتل الاستيطانية الكبرى، وأن تكون عاصمتان في القدس، كما أكدت هذا زاندبرغ في المقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوم 9 آذار الجاري، والتي سنستعرض أهم ما ورد فيها هنا.

لكن الحزب يعارض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، بمن فيهم اللاجئون في وطنهم. وكان قد أيد قبل سنوات "عودة رمزية" للاجئين، كما ظهر اعلاميا في مفاوضات كامب ديفيد في العام 2000، وأيضا إبان المحادثات في فترة حكومة إيهود أولمرت. ويعارض ميرتس المشاريع الاستيطانية، بما فيها القدس المحتلة، ويدعو إلى استئناف وانهاء المفاوضات.

في المقابل، فإن ميرتس يتلكأ في التعبير عن موقفه الرافض للحروب التي تشنها إسرائيل، مثل العدوان المتكرر على قطاع غزة، والحرب على لبنان، إذ جاءت مواقفه متأخرة بعض الشيء، ولاحقا كان يطالب بوقف كل واحدة من هذه الحروب، بموازاة كيل اتهامات للجانب الضحية، في الشعبين الفلسطيني واللبناني.

ورغم ما في هذا الخطاب من نواقص برؤية فلسطينية وعربية، ورغم تمسك ميرتس بأنه جزء من الحركة الصهيونية، إلا أن هذا الخطاب يُعد الأكثر جرأة من بين الأحزاب الصهيونية، ما يردع جمهورا من المؤيدين من حيث المبدأ لحل الدولتين عن تأييد ميرتس، خاصة في ظل تنامي الأجواء اليمينية المتطرفة والخطاب العنصري في الشارع الإسرائيلي.

كذلك الأمر في ما يتعلق بالخطاب الاجتماعي، فحزب ميرتس يُعد العنوان الأكبر لجمهور مثليي الجنس الإسرائيلي، الذي معقله الأكبر في منطقة تل أبيب الكبرى، وهذا جمهور واسع، إن كان ممن هم مثليو الجنس، أو من المؤيدين لمبدأ عدم اقصائهم عن المجتمع بسبب ميولهم الجنسية. وهذا ما جعل حتى أحزابا يمينية متطرفة تتقرب لهذا الجمهور، مثل حزب الليكود. وهذا الجانب من خطاب ميرتس الاجتماعي يردع جمهورا محافظا نوعا ما، ذا توجهات سياسية قريبة، عن دعم هذا الحزب في الانتخابات.

أما خطاب ميرتس الاقتصادي، فهو مقبول على جمهور واسع في الشارع الإسرائيلي، وهو الأكثر يسارية، نسبيا من جميع الأحزاب الصهيونية، ويتمسك إلى حد كبير بمواقف "الاشتراكية الديمقراطية". ولكن الجمهور المؤيد لهذه المواقف يحكم موقفه من ميرتس بناء على المواقف الأخرى، منها السابق ذكرها هنا.

ويضاف إلى هذا، أن ميرتس مؤيد ومدافع عن حقوق الانسان، وهو يعارض بثبات جميع القوانين العنصرية التي تطرح وتقر في الكنيست على مر السنين، إن كانت تلك الموجهة ضد فلسطينيي 48، أو ضد الجمهور الفلسطيني في الضفة والقدس والقطاع، وهذا يساهم في تضييق المساحة التي يتحرك فيها ميرتس في الشارع الإسرائيلي.

زاندبرغ وموقفها من القضية الفلسطينية

انخرطت زاندبرغ في الحياة السياسية منذ سنوات شبابها الأولى في ميرتس، وكانت مساعدة برلمانية للنائب الأسبق عن الحزب ذاته، ران كوهين، الذي بالإمكان اعتباره على يمين ميرتس، حتى اعتزل الحياة السياسية منذ ما يزيد عن عقد من الزمن.

وزاندبرغ لها ابنة من زوجها السابق، بينما زوجها الحالي، أوري زكي، هو رئيس مؤتمر ميرتس، وكان في السابق المدير العام لفرع مركز "بتسيلم" الحقوقي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأميركية.

ووصلت إلى عضوية البرلمان لأول مرّة في انتخابات 2013، حينما حصل ميرتس على 6 مقاعد، مضاعفا بذلك قوته البرلمانية التي حصل عليها في العام 2009، وكانت المقاعد الثلاثة تلك حضيضا بالنسبة للحزب، الذي حصد 12 مقعدا في العام 1992. وفي انتخابات 2015 فقد ميرتس مقعده السادس، وكاد أن يخسر مقعده الخامس، الذي تحتله زاندبرغ؛ وحينها أعلنت رئيسة الحزب أنه إذا لم تدخل زاندبرغ للكنيست فإنها ستستقيل، إلا أنه عند النتائج النهائية نجح ميرتس بالفوز بالمقعد الخامس باتفاقية فائض أصوات مع "المعسكر الصهيوني".

وهي بين النواب البارزين في النشاط البرلماني، وترأس في الولاية البرلمانية الحالية لجنة مكافحة المخدرات والإدمان على الكحول.

وقد فاجأت زاندبرغ بإعلان ترشيحها لرئاسة ميرتس، ولم تكن احتمالاتها واضحة، أمام منافسة رئيسة الحزب والنائب غيلئون.

وفي مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، نشرت يوم 9 آذار الجاري، تعرّف زاندبرغ ذاتها على أنها صهيونية، وتقول إن الحركة كذلك. وجاء هذا السؤال على خلفية ما أثارته وسيلة إعلام يمينية متشددة بأن ميرتس لا يعرف نفسه في دستوره بأنه صهيوني. وكان النائب عن ميرتس المدير العام الأسبق لحركة "السلام الآن" موسي راز قد أعلن يومها أن حركته ليست صهيونية.

وتقول زاندبرغ "من الواضح أن ميرتس حزب صهيوني، برغم كون الصهيونية اليوم مشوّهة، على يد مجموعة مسيانية على رؤوس التلال (تقصد عصابات المستوطنين في الضفة)، ما يدفع الصهيونية إلى الزاوية، لكننا نحن نمثل الصهيونية، فالوطنية الحقيقية هي أن تعارض الاحتلال".

وردا على سؤال كيف يتماشى تعريف ميرتس بأنه صهيوني مع سعي الحزب لتمثيل العرب في إسرائيل، قالت زاندبرغ "نحن لا نجري امتحانات بالإخلاص. دولة إسرائيل هي بيت لكل مواطنيها، وأقلية ليست قليلة هي عرب، وتحق لها المساواة الكاملة، وهذا ما تنص عليه وثيقة الاستقلال".

وبشأن موقفها من القضية الفلسطينية والحل، تبدأ "يديعوت أحرونوت" بسؤالها عما إذا فرحت بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة؟، فقالت "لم أفرح، أردت أن أرى كل سفارات العالم تنتقل إلى القدس، لكن ليس كهدية يمنحها دونالد ترامب لبنيامين نتنياهو، وإنما كسياسة معلنة في إطار اتفاق سلام. وهذا ما يمنع حاليا الاعتراف الدولي بالقدس عاصمة لإسرائيل".

وتقول زاندبرغ إنها ترى بالقدس عاصمة للدولتين ومنقسمة مع ترتيبات بشأن الأماكن المقدسة. وبشأن عودة المهجّرين الفلسطينيين إلى وطنهم، تبدي زاندبرغ معارضتها لحق العودة الكامل، وتقول إن العودة تكون إلى الدولة الفلسطينية فقط.

وعن احتلال العام 1967 تقول زاندبرغ "نحن الجيل الأول الذي الذي ولد ونشأ في ظل الاحتلال، وبالنسبة لأشخاص مثلي فهذا أمر شخصي، إننا نشعر بانعكاسات الاحتلال الرهيبة علينا شخصيا، أن نكون أسيادا لشعب آخر. يثير غضبي إلى درجة الغليان التنكيل بالجنود في منظمة "لنكسر الصمت"، الذين يتحدثون عما عايشوه في المناطق (الضفة)...". وتقول إن مِن الجنود مَن يؤدي بهم الأمر إلى استخدام ما تسميه "المخدرات الخفيفة"، كي يبتعدوا عما شاهدوه وعايشوه هناك.

فرص ميرتس

في سياق المقابلة مع "يديعوت أحرونوت"، تكرر زاندبرغ مجددا ما قالته خلال الشهر الماضي، بأن على ميرتس ألا يكون معارضة فورية، كما هو حاله منذ نهاية العام 2000، بل أن يشارك في حكومات "يسار وسط" كما أسمتها، وأنها لا ترى غضاضة بالجلوس في حكومة مع أفيغدور ليبرمان، ولا تستبعد حركة شاس الدينية المتزمتة، التي كانت شريكة في حكومات شارك بها ميرتس في العامين 1992 و1999.

لكن كما هو معروف فإن أحزاب اليمين، والدينية على نحو خاص، ترفض الجلوس في حكومات يشارك فيها ميرتس، بسبب مواقفه الاجتماعية الليبرالية، وأيضا فيما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة، عدا عن مواقفه السياسية. وكما ذكر من قبل، فإن استطلاعات العام الأخير باتت "أفضل" نسبيا مع ميرتس. ففي العام 2015، وبعد الانتخابات ببضعة أشهر، كان يبدو حزب ميرتس كمن يحارب على تجاوز نسبة الحسم- 25ر3%، لكن الامر شهد تحولات ابتداء من النصف الثاني من العام 2016، حينما بدأ تحالف "المعسكر الصهيوني"، الذي يضم حزب العمل وحزب "الحركة" بزعامة ليفني، بالانهيار في استطلاعات الرأي. وكل الاستطلاعات تمنح "ميرتس" زيادة من مقعد إلى ثلاثة مقاعد، على المقاعد الخمسة التي له الآن.

وخصوصية ميرتس الاجتماعية قبل السياسية تجعل ارتباطه مع الأحزاب الصهيونية القائمة ضمن تحالف انتخابي أمرا صعبا. ومن ناحية سياسية فإن تحالفه مع القوى الناشطة في أوساط فلسطينيي الداخل، القائمة المشتركة حاليا، هو أيضا أمر صعب، بسبب عمق الموقف من القضية الفلسطينية، ومسألة عودة المهجّرين، وتعريف الحزب لذاته بأنه صهيوني.

وكما يبدو، فإن ميرتس سيخوض الانتخابات المقبلة بقائمة مستقلة، كما هو حاله على مر العقود الثلاثة الأخيرة، إلا أنه خلافا لما ظهر قبل ثلاث سنوات، فإنه سيحقق قوة إضافية، ما يعني ابتعاده عن نسبة الحسم، وعن خطر الغياب عن الحلبة السياسية.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات