المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بعد مرور عام على الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية التي جرت يوم 17 آذار 2015، تُظهر استطلاعات الرأي العام التي باتت تظهر في الأيام الأخيرة بوتيرة أعلى، أن أي انتخابات مقبلة ستبقي على أزمة الحكم القائمة منذ ما بات يقارب ثلاثة عقود، بمعنى عدم ثبات الحكومات، واجراء انتخابات مبكرة. كذلك فإن نسبة الأصوات العائمة ما تزال مرتفعة، وهناك حالة تقلب كبيرة في جمهور المصوتين، خاصة بين الكتل الوسطية من حيث الحجم، وهذا أيضا انعكاس لحالة البلبلة القائمة في الشارع الإسرائيلي، وهي ناجمة عن عدم قناعة مترسخة في الأحزاب القائمة، حتى وإن دلّت استطلاعات أخرى على ترسخ مواقف اليمين المتشدد أكثر من ذي قبل في الشارع.

ولم يساعد رفع نسبة الحسم في الانتخابات الأخيرة من 2% إلى 25ر3% على تبلور كتل برلمانية كبيرة، قادرة على ضمان ادارة برلمان وحكومة لدورة كاملة. وهذا كان أحد الأهداف المعلنة لرفع نسبة الحسم، عدا هدف ضرب تمثيل الجمهور الفلسطيني، الذي عرف كيف يقلب السحر على الساحر، ويكسر رهانات المؤسسة الحاكمة، بأن الأطر السياسية الفاعلة في الشارع العربي غير قادرة على تشكيل قائمة تحالفية. فتشكلت القائمة المشتركة، التي هي الآن القوة البرلمانية الثالثة في الكنيست، ولها 13 مقعدا، بعد الليكود (30 مقعدا) وتحالف "المعسكر الصهيوني" (24 مقعدا).

ثم يلي القائمة المشتركة، حزب "يوجد مستقبل" وله 11 مقعدا، وحزب "كولانو (كلنا)" مع 10 مقاعد، ثم تحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي"، وله 8 مقاعد. وتأتي بعدهم كتلة "شاس" للمتدينين المتزمتين الشرقيين، ولها 7 مقاعد، وكتلة "يهدوت هتوراة" للمتدينين المتزمتين الأشكناز ولها 6 مقاعد، وذات العدد من المقاعد لحزب "يسرائيل بيتينو (إسرائيل بيتنا)"، بزعامة أفيغدور ليبرمان، ثم الكتلة الأصغر "ميرتس" ولها 5 مقاعد.

الاستطلاعات الأخيرة

من الواضح أن كل استطلاعات الرأي التي تظهر حاليا، لا تعكس الصورة الدقيقة للانتخابات المقبلة، حتى ولو جرت الانتخابات في هذه المرحلة، فلكل انتخابات حساباتها واصطفافاتها وظروفها، ولكن هذه الاستطلاعات تُظهر توجها معينا في الشارع، وهذا التوجه عادة يتبلور من أجواء سياسية، وأخرى تختلقها وسائل إعلام ذات أجندات متعددة.

وما من شك في أن ما يؤثر على استطلاعات الرأي في الأشهر الأخيرة، هي الهبّة الفلسطينية الجارية وسلسلة العمليات. ومن أبرز انعكاسات هذه التطورات، ارتفاع قوة حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان، الذي تستقبله مختلف وسائل الإعلام الالكترونية، تقريبا يوميا، وهو يهاجم ما يصفه بـ "قصر يد الحكومة" في مواجهة الهبّة الفلسطينية.

وفي ملخص استطلاعات الرأي، نرى أن حزب "الليكود" سيخسر من مقاعده الثلاثين ما بين 4 إلى 6 مقاعد، في حين أن تحالف أحزاب المستوطنين المسمى "البيت اليهودي"، سيستعيد مقاعده التي خسرها في الانتخابات الأخيرة، ليعود إلى 12 مقعدا، بدلا من 8 اليوم، فيما تحافظ كتلتا المتدينين المتزمتين (الحريديم)، "شاس" و"يهدوت هتوراة"، على قوتهما مجتمعتين المؤلفة من 13 مقعدا، مع تبادل في موقع القوة الأولى.

وكما ذكر، فإن استطلاعات الرأي "تُبشّر" ليبرمان بأنه في الانتخابات المقبلة سيعيد بعضا من قوته التي خسرها في الانتخابات الأخيرة، ليرتفع إلى مستوى 8 مقاعد بدلا من 6 اليوم.

ويخسر تحالف "المعسكر الصهيوني"، الذي يضم حزبي "العمل" و"الحركة"، 6 مقاعد ليرسو عند 18 مقعدا. كما أن حزب "كولانو" سيخسر ما بين 4 إلى 5 من مقاعده العشرة اليوم، وهذه المقاعد، وفق ادعاء هذه الاستطلاعات، "ستعود" إلى حزب "يوجد مستقبل" المعارض بزعامة يائير لبيد، الذي سيعود وفق هذه الاستطلاعات، إلى مستوى 19 مقعدا، كما كان له في انتخابات 2013.

في حين تقول استطلاعات الرأي إن "القائمة المشتركة" التي لها 13 مقعدا، و"ميرتس" التي لها 5 مقاعد، ستحافظان على قوتيهما.

وعلى كل هذه الاستطلاعات هناك علامات سؤال لم تقدم لها الاستطلاعات أجوبة. ومن بينها أنه في الانتخابات السابقة جرفت قائمة "ياحد" التي وحدّت أنصار حركة "كاخ" الارهابية، مع المنشقين عن حركة "شاس" بزعامة الوزير الأسبق إيلي يشاي، ما يقارب 4 مقاعد، ولكنها لم تعبر نسبة الحسم، ما يعني أن هذه أصوات عائمة. وفي حال لم تظهر في استطلاعات الرأي، فعلى الأقل قسم جدي من ناخبي هذه القائمة من المفترض أن يصب في صالح قائمتي "الحريديم"، ويزيد من قوتيهما، بينما استطلاعات الرأي أبقت هاتين القائمتين على حالهما، ما يعزز الانطباع بأن نتيجة قائمتي المتزمتين هي أقرب للتقدير، وليست نتيجة ظهرت في عملية الاستطلاع. وحينما نتكلم عن 120 مقعدا، فإن لأربعة مقاعد دورا شبه مصيري لترجيح كفة الحكم.

والنتيجة التي هي أقرب إلى الواقع، هي خسارة الليكود وزيادة قوة "البيت اليهودي"، لأن الليكود تضخم في الانتخابات الأخيرة على حساب أحزاب المستوطنين، أيضا في مستوطنات الضفة والقدس المحتلة. ولكن "البيت اليهودي" خسر أيضا في المدن الكبرى، على خلفية مواقفه من السياسة الاقتصادية في حكومة بنيامين نتنياهو السابقة.

لكن في المقابل، نرى أن القفزة الجديدة لحزب "يوجد مستقبل"، ليست مفهومة بالمطلق، لأن هذا الحزب ما يزال يتحرك في الحيز الرمادي، مع ميول أوضح نحو اليمين. ولكن بالإمكان القول إن هذا الحزب، على الأقل في هذه المرحلة، هو عنوان للأصوات العائمة، والأصوات التي يخيب أملها من أحزاب محسوبة على ما يسمى بـ "الوسط"، وخاصة حزب "العمل" المتحالف مع "الحركة" ضمن "المعسكر الصهيوني".

وهذا الأمر برز في الانتخابات الأخيرة، ففي استعراض للمدن الكبرى التي دعمت "يوجد مستقبل" بقوة في انتخابات 2013، رأيناها أنها عاقبت هذا الحزب على خلفية السياسة الاقتصادية التي انتهجها رئيس الحزب حينما كان وزيرا للمالية في حكومة نتنياهو، وبالإمكان القول إن حزب "كولانو" كان المستفيد الأكبر من خسارة "يوجد مستقبل" 8 مقاعد في الانتخابات الأخيرة، بينما قسم أقل من اصوات "يوجد مستقبل" اتجهت الى "المعسكر الصهيوني".

التوجه الحاصل

اللافت في هذه الاستطلاعات أن الائتلاف الحاكم حاليا، يهبط من 61 مقعدا اليوم إلى 57 وحتى 56 مقعدا. ولكن اليمين المتشدد يواصل الاحتفاظ بالأغلبية البرلمانية المطلقة، بإضافة حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة ليبرمان، الذي تمنحه استطلاعات الرأي 8 مقاعد بدلا من 6 اليوم، ما يعني أن الائتلاف اليميني المتشدد له 65 مقعدا، منذ الآن، وهذا هو الاستنتاج الأول.

أما الاستنتاج الثاني، فهو أن حركة المقاعد بين خسارة وربح تعكس، كما ذكر، حالة عدم استقرار في الحلبة الإسرائيلية. ونستطيع الاستنتاج أيضا أن الشارع الإسرائيلي ليس على ثقة تامة باليمين المتشدد، وما تزال لديه ملامح التردد من انتخابات إلى أخرى، رغم أن 65 مقعدا، بينها مقعدان من "الشارع العربي"، تعني أن 69% من اليهود الإسرائيليين يصوّتون لأحزاب اليمين المتشدد والحريديم. وبتفصيل أدق، نستطيع القول، وفق نتائج الاستطلاعات الجديدة، إن 49% من اليهود الإسرائيليين يمنحون أصواتهم لليمين الأكثر تشددا، و5ر6% لحزب "كولانو" الذي جرف أصواتا مما يسمى "جمهور الوسط"، وحوالي 5ر13% صوتوا للمتدينين المتزمتين (الحريديم).

لكن في نفس الوقت فإن ثقة الإسرائيليين أضعف بأحزاب ما يسمى "الوسط"، خاصة "العمل" و"يوجد مستقبل". وما يزيد من هذه الحالة، هو جنوح هذين الحزبين أكثر نحو اليمين في الآونة الأخيرة، إذ رأينا حزب "العمل" يتبنى برنامج الانفصال من جانب واحد عن التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة، ويحوّلها إلى كانتونات محاصرة مغلقة، وهذا من أبرز مشاريع اليمين المتشدد، التي ظهرت بعد اتفاقيات أوسلو.

وثالثا، أنه أيا تكن نتيجة الانتخابات، بمعنى حتى لو خسر الليكود مقاعد فعلا، فإن رئيس الحكومة المقبل، هو رئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو، فعلى الرغم من أنه يحظى بنسبة تتراوح ما بين 32% إلى 38% كرضى عن أدائه، إلا أنه يحصل على نسبة تفوق 51% في الرد على سؤال: من هو رئيس الحكومة الأفضل من بين الأسماء المطروحة، وهم عادة قادة الأحزاب الكبيرة.

متى ستجري الانتخابات؟

تبدو حكومة بنيامين نتنياهو، مع انتهاء الدورة البرلمانية الشتوية في نهاية الشهر الجاري، أكثر ثباتا مما كان متوقعا لها، بعد أن أقرت الموازنة العامة للعامين الماضي والجاري، في نهاية تشرين الثاني الماضي. وكان متوقعا أن يبدأ الائتلاف الحاكم في معالجة قوانين مختلف عليها بين مركبات الحكومة الحالية، إلا أن الائتلاف الحاكم لم يأت بأي من هذه القوانين، وهذا ما ساهم في عدم اثارة الخلافات الحادة المتوقعة.

ومن أبرز هذه القوانين هو ما تعهد به نتنياهو لأحزاب اليمين المتشدد، بسن قوانين لتقويض صلاحيات المحكمة العليا، وخاصة الغاء صلاحيتها لنقض قوانين يقرها الكنيست، فهذا ما يعترض عليه بشدة حزب "كولانو" برئاسة وزير المالية موشيه كحلون، ومن دون دعم هذا الحزب فإن الائتلاف الحاكم لن تكون له أغلبية، حتى وإن حصل على دعم كتلة "يسرائيل بيتينو".

والقانون التالي هو قانون "دولة القومية اليهودية"، فهذا القانون، كما يبدو حتى الآن، يواجه خلافات داخلية في الائتلاف الحاكم، من اتجاهين: الأول هو كتلتا المتدينين المتزمتين "الحريديم"، اللتان تتحفظان من هذا القانون لأسباب دينية؛ فمثلا، الاعتراف بأن الكيان القائم هو "دولة الشعب اليهودي"، سيعارض ما يؤمنون به وما جاء في التوراة، التي تقول إن مملكة إسرائيل ستقام حينما يأتي المسيح لأول مرة إلى العالم. واعتراف جزء من الحريديم في العالم بهذا الكيان، يأتي من باب "كيان عابر". كذلك لديهم تحفظات على مكانة الشريعة اليهودية في القوانين، فهم يريدون تشددا أكثر مما يرد في اقتراحات هذا القانون.

أما الاتجاه الثاني فهو يأتي من حزب "كولانو" الذي يتبنى موقف اليمين العقائدي، الذي يقول إن إسرائيل ليست بحاجة إلى قانون كهذا، وقادة الحزب ينصتون إلى اعتراضات اليهود في العالم، الذين يتخوفون من أن قانونا كهذا "سيحرجهم" في أوطانهم.

كذلك هناك سلسلة من القوانين المتعلقة بالدين والدولة، فحتى الآن أدرج على جدول أعمال الكنيست حوالي 70 قانونا، وهي مشاريع قوانين نديّة لبعضها.

وطالما أن الائتلاف الحاكم لم يدخل في مسار التشريع في هذه القوانين الخلافية، فإنه سيصمد لفترة أطول مما هو متوقع، على الرغم من أن مجموعات داخل الائتلاف تضغط في اتجاه القوانين المعنية بها، مثل قانون "الدولة القومية". وكما يبدو فإن إدارة الائتلاف الحاكم تعي هذه الحقيقة، ولهذا فهي تغري نوابها بتحقيق "إنجازات أخرى" ومن بينها القوانين العنصرية، بدلا من الولوج في مشاريع القوانين الخلافية.

ونشير هنا إلى أن الملف الآخر الذي كان متوقعا أن يكون خلافيا في المرحلة المقبلة هو الموازنة العامة، وكما يبدو لن يكون الأمر كهذا، إذ أن احدى نقاط الخلاف في الائتلاف، وهي ان تكون موازنة لعامين أو عام واحد، لن تؤدي إلى انهيار الائتلاف، بعد أن أعلن وزير المالية موشيه كحلون معارضته لميزانية مزدوجة، ولكنه قال: إذا وجدت أغلبية في الائتلاف فإنه لن يعارض طرحها.

لكن كما في كل مرحلة لحسم مسألة موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، فإن المسألة الأهم لأحزاب الائتلاف وحتى المعارضة، هي قضية الربح والخسارة الحزبية. وكما يبدو في استطلاعات الرأي، فإن جميع مركبات الائتلاف باستثناء تحالف "البيت اليهودي"، لن تكون معنية بالتوجه إلى انتخابات مبكرة، وسط نتائج استطلاعات كهذه. كذلك الأمر في صفوف المعارضة، فإن تحالف "المعسكر الصهيوني" لن يكون معنيا هو أيضا بالتوجه إلى انتخابات مبكرة، تتوقع له استطلاعات الرأي أن يخسر فيها عدة مقاعد.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات