المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
ميناء مرسين الدولي على ساحل البحر المتوسط في تركيا. (صحف)

تراوحت التقديرات الإسرائيلية بشأن قرار تركيا حظر تصدير 54 منتجا إلى إسرائيل -في الأساس ما يخدم قطاع البناء- وأيضا بعض المنتوجات الزراعية، بين اعتباره ضربة مؤلمة لقطاع البناء، تقود لرفع أسعار البيوت، وأن هذا مجرّد إجراء مؤقت لن يدوم طويلا، بين دولتين يرتفع التبادل التجاري بينهما باستمرار. لكن التخوف الإسرائيلي هو أن يشجع القرار التركي دولا أخرى، على فرض عقوبات على إسرائيل، بسبب الحرب المستمرة على قطاع غزة. وبحسب التقارير فإن قطاع البناء يسارع حاليا لضمان بدائل للبضائع المستوردة من تركيا، التي ستكون أسعارها وكلفة نقلها أعلى مما هما عليه من هذا البلد.

وكانت وزارة التجارة التركية قد أعلنت حظر صادرات، أو تقييد صادرات أخرى، لـ 54 منتجا، بغالبيتها العظمى تخدم قطاع البناء، إضافة إلى منتجات مهمة أخرى، ومن أبرزها وقود الطائرات. وقالت الوزارة في بيانها الصادر يوم 9 نيسان، إن القيود على الصادرات إلى إسرائيل ستظل سارية حتى تعلن إسرائيل وقفا فوريا لإطلاق النار في غزة وتسمح بتقديم مساعدات كافية ومتواصلة. في حين قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن القرار التركي ناجم عن غضب الرئيس طيب رجب أردوغان، في أعقاب رفض إسرائيل قيام تركيا بعمليات إنزال إغاثة إنسانية على قطاع غزة.

إلا أن بيان الوزارة قال إن تركيا تساعد غزة وسكانها، إذ أوصلت عشرات الآلاف من الأطنان من المساعدات عبر السفن والطائرات، خاصة المساعدات الغذائية والصحية والطبية، وأجلت آلاف المرضى.

وجاء في البيان نفسه، أن "تركيا لم تقم منذ فترة طويلة ببيع إسرائيل أي منتج يمكن استخدامه لأغراض عسكرية". وشدد البيان على أن "الشعب الفلسطيني، الذي يحاول التمسك بالحياة في القطاع، يعاني من الجوع والفقر، ويمنع وصوله إلى أبسط المواد الغذائية والمساعدات والإمدادات الطبية من قبل إسرائيل".

بحسب تقارير المعهد الاسرائيلي للصادرات والاستيراد، بلغ حجم التبادل التجاري بين إسرائيل وتركيا في العام الماضي 2023 نحو 7.5 مليار دولار، من بينها 5.3 مليار دولار استيراد من تركيا، بنسبة 71% من حجم التبادل التجاري. وفي العام 2022 وصل حجم التبادل التجاري إلى نحو 9.15 مليار دولار، منها نحو 6.8 مليار دولار استيراد من تركيا، نحو 75% من حجم التبادل التجاري.

وقالت تقارير اقتصادية إنه حتى شن الحرب على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، كان من المتوقع أن يصل التبادل التجاري بين الجانبين التركي والإسرائيلي في العام 2023 إلى نحو 10 مليارات دولار، إلا أنه طرأ تراجع كبير في هذا التبادل، يتضمن توقف السياحة إلى تركيا، في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام، وهي أشهر الحرب.

وحسب تقرير المعهد، فإن 22% من الاستيراد الإسرائيلي من تركيا هو حديد أساسي للبناء، و14% أنواع مختلفة من الحديد، و9% مواد معدنية ووقود، وهنا يدخل وقود الطائرات، و9% مواد غذائية ومنتوجات زراعية، و9% مواد وبضائع تتعلق بالمواصلات، و8% مواد مطاطية وبضائع بلاستيكية، و4% مواد كيماوية، و4% أنواع معادن ثمينة وأحجار كريمة، و22% متفرقات، وهنا يدخل أيضا قطاع السياحة.

أما الصادرات الإسرائيلية لتركيا فهي موزعة كالتالي: 41% مواد كيماوية، و14% معادن، و14% مواد غذائية ومنتوجات زراعية، و13% مواد مطاطية وبلاستيكية، و3% بضائع تتعلق بالبصر ومواد طبية، و15% متفرقات.

وشملت البضائع التركية التي تم حظر تصديرها لإسرائيل: الحديد للبناء، ومعدات تتعلق بحديد البناء، ومواد تستخدم للإلصاق والإغلاق تستخدم في البناء، وأجهزة للبناء، وزجاج للبناء، وأنابيب بلاستيكية، وحجارة الرخام، ووقود للطائرات، والكبريت، وزيوت للصناعة، ومواد تعقيم، وأسمدة للمزروعات وغيرها.

ردّ الاقتصاد الإسرائيلي

وقالت المحللة الاقتصادية سيمي سبولطر، في مقال لها في صحيفة "ذي ماركر": "إن الخطوة التي اتخذتها تركيا، حينما أعلنت مقاطعة واسعة نسبيا للبضائع على إسرائيل، هي بالفعل خطوة ذات أهمية، بدأت تكتسب أهمية أكبر، وستكون ضارة بلا شك. لكن هذه مقاطعة جزئية، وسيكون الاقتصاد الإسرائيلي قادرا على الصمود أمامها. الحكومة (الإسرائيلية)، بالطبع لا تقلل من شأن التهديد بتوسيع المقاطعة على إسرائيل، فالجميع يتذكر العقوبات التي فرضت على جنوب أفريقيا، وساهمت بشكل كبير في إنهاء نظام الفصل العنصري هناك. غير أن إسرائيل لم تصل بعد إلى هذا الحد، وحركات المقاطعة المفروضة عليها حتى الآن، لم تتراكم بكثافة".

وأضافت: وبالفعل، في محادثات مع المستوردين في الصناعة، يظهر أنهم على قناعة بأن هذه الأزمة لن تدوم طويلا، وبالتالي يعتقدون أنها لن تؤثر على الأسعار في الوقت الحالي. وقال أحد المستوردين: "على حد علمي، هناك مخزون كاف في مستودعات إسرائيل". وأضاف: "تركيا أيضا ليست لديها مصلحة في وقف التجارة مع إسرائيل، فنحن نجلب لهم الكثير من الأموال كل عام. ولن تتخلى تركيا عن مثل هذه الإيرادات بهذه السرعة".

ومن ناحية أخرى يخشى كثيرون، بمن في ذلك كبار المسؤولين التنفيذيين في قطاع الصناعة، من أن تكون هذه مجرد البداية؛ إذ يعتقد الدكتور رون تومر، رئيس اتحاد الصناعيين، أن رد وزير الخارجية يسرائيل كاتس ليس جيدا بما فيه الكفاية (وقد عبر فيه عن غضبه من تركيا وهدد باتخاذ قرارات مثيلة).

ومضت تقول: "هناك حديث عن الحد من الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا، لكن صادراتنا إلى تركيا انهارت بالفعل في العام الماضي، وبالفعل، تكشف بيانات المكتب المركزي للإحصاء أن الصادرات إلى تركيا في العام 2023 بلغت 1.5 مليار دولار، بانخفاض نحو 35% مقارنة بالعام 2022".

ويقول تومر في حديثه لـ "ذي ماركر": "يجب أن يكون هذا الحدث بمثابة اختبار بالنسبة لنا، فمن المستحيل التعامل مع أولئك الذين يشاركون في السياسة. إذا لم نتخذ خطوات متطرفة فسوف تأتي دول أخرى. فالأردن يحتاج إلينا بما لا يقل عن تركيا، لذلك إذا أدرك الأردن وغيره أن خطوة مماثلة ستؤدي إلى تجميد التجارة مدة ثلاث سنوات سيكونون خائفين من القيام بمثل هذه الخطوات".

ويقول المحلل الاقتصادي غاد ليئور في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن "العلاقات بين تركيا وإسرائيل شهدت صعودا وهبوطا مرارا وتكرارا، خاصة في العقدين الأخيرين. وعلاقة الحب والكراهية بين الإسرائيليين وتركيا تجلت في جميع المجالات تقريباً في السنوات الأخيرة، خاصة بتوقف السياحة وتجددها والعياذ بالله. ومع ذلك، من المثير للدهشة أن التجارة بين البلدين لم تتأثر إلا نادرا على مر السنين، ولا حتى في أوقات الكساد، كما حدث أثناء أزمة سفينة مرمرة. وواصلت إسرائيل استيراد مواد خام ومنتجات من تركيا بقيمة مليارات الدولارات، ولم يتخل الأتراك أيضا عن استيراد المنتجات الإسرائيلية الأساسية".

وتابع: "لفهم مدى أهمية التجارة بين البلدين، اللذين كان لهما أيضا تعاون عسكري مثمر حتى سنوات قليلة مضت، وتحسن العلاقات بين البلدين وإعادة تعيين السفراء والمشاركة الاقتصادية في العامين الماضيين كانت بمثابة بصيص أمل في زيادة التجارة بين البلدين قريبا لتتجاوز 10 مليارات دولار سنويا، ينبغي أن يقال على الفور: إن انقطاع العلاقات التجارية بين البلدين سيضر بكليهما، وبالتالي من المتوقع ألا يستمر ذلك فترة طويلة في نهاية المطاف. تحتاج تركيا إلى منتجات كيماوية وصناعية كيماوية من إسرائيل لا تقل عن حاجة هذه الأخيرة إلى المواد الخام للبناء، مثل منتجات الإسمنت والصلب والألومينيوم والمنتجات الزراعية والمعادن من تركيا. وهذا يعني أن البلدين القريبين جغرافيا لن يتضررا من الحصار التركي، الذي يُعرّف الآن على الأقل بأنه مؤقت، حتى انتهاء القتال في غزة".

ويقول ليئور: "ستكون إسرائيل قادرة على تدبر أمرها بدون الخضار والأدوات البصرية والأحجار الكريمة، التي يتم استيرادها من تركيا، لكن في قطاع البناء هناك الكثير من القلق، لأن المواد الخام والمعدات من تركيا أرخص من الخيارات الأخرى، كما سيستغرق الأمر وقتا لإيجاد دول بديلة لاستيراد المواد ومعدات البناء، ولا يقل القلق في هذه الصناعة، حيث سبق أن اقترحوا في الماضي عدم الاعتماد على مثل هذه المعدلات المرتفعة على الأتراك المحمومين في موقفهم من إسرائيل".

وتتوقع الصحافة الاقتصادية ارتفاع أسعار بعض المنتجات، التي سيلزم استيرادها من دول أخرى، مما قد يجعل البناء والشقق أكثر تكلفة، بسبب ارتفاع الأسعار المدفوعة للحديد والرافعات والزجاج والإسمنت ومنتجات الختام الخاصة بالبناء والرخام وزيت الماكينات والبلاط والمواد اللاصقة.

العقوبات المفروضة حالياً على إسرائيل وعلى الأفراد

وقالت المحللة سيمي سبولطر، السابق ذكرها هنا، في مقالها، إن الحكومة الإسرائيلية "تراقب تراكم تهديدات المقاطعة ضد إسرائيل، إذ تطول قائمة المقاطعين أكثر فأكثر، وتشمل شركاء إسرائيل التجاريين المهمين في أوروبا. لكن معظم الخطوات التي تم اتخاذها حتى الآن كانت رمزية: حظر تجارة الأسلحة بشكل أساس، وسحب الاستثمارات الصغيرة".

واستعرضت الكاتبة في سياق مقالها العقوبات التي فرضت على إسرائيل، أو على أفراد (مستوطنين) فيها، في الأشهر الستة الأخيرة، بمعنى منذ شن الحرب على قطاع غزة. وكان في مقدمة هذا الاستعراض العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على بؤرتين استيطانيتين في الضفة الغربية المحتلة، وعلى ممتلكات مستوطنين قائمة في الولايات المتحدة، وشملت العقوبات حظر تقديم تبرعات، وتحويل أموال وبضائع، أو تقديم خدمات لمستوطنين تم إدراجهم على قائمة العقوبات، وإلى جانب كل هذا حظر دخول هؤلاء المستوطنين عينيا إلى الولايات المتحدة.

وهناك عقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي على مستوطنين عنيفين، كما أن هناك عقوبات أخرى، إلا أن هذه العقوبات لا تزال في إطار بيان سياسي ولم تدخل إلى حيز التنفيذ، وتشمل العقوبات، كما في الولايات المتحدة، تجميد أملاك، وحظر دخول هؤلاء المستوطنين إلى دول الاتحاد الأوروبي، كما يُحظر على مواطني دول الاتحاد الأوروبي إقامة علاقات اقتصادية مع الذين فرضت عليهم عقوبات.

وفي مجال فرض عقوبات اقتصادية، مثل حظر بيع السلاح والتجارة بشكل عام، فقد جمّدت كولومبيا شراء أسلحة من إسرائيل، إذ كانت قد اشترت طائرات مُسيّرة (من دون طيّار)، لاستخدامها في مطاردة عصابات المخدرات، ومجموعات متمردة، كما أن كولومبيا وقعت على اتفاقية تجارة حرّة مع إسرائيل في العام 2020.

وجمّدت حكومة إقليم والونيا في بلجيكا تراخيص تصدير أسلحة إلى إسرائيل.

وفي اليابان أعلنت عدة شركات كبرى وقف التعامل مع شركة "إلبيت" الإسرائيلية لصناعات التقنية العالية أيضا في مجال العسكرة، وهذه الشركات وقعت في العام الماضي على اتفاقيات عمل مع "إلبيت".

وأبلغت أكبر نقابة في بريطانيا للعاملين في القطاع العام الحكومة البريطانية أنها تفكّر في رفع دعوى على الحكومة لمنع تصدير أسلحة بريطانية إلى إسرائيل، وكان وزير الخارجية البريطانية ديفيد كاميرون قد صرّح بالتوجه نفسه، وحذر إسرائيل من حظر واسع لبيع الأسلحة لها.

وفي مجال العقوبات لسحب ومنع الاستثمارات في الاقتصاد الإسرائيلي، فقد أعلنت ايرلندا أنها قررت سحب استثماراتها من ست شركات إسرائيلية، تشمل 5 بنوك، وشبكة التسوق الضخمة "رامي ليفي"، بما يلامس 3 ملايين يورو.

وأعلن صندوق التقاعد الدانماركي "فيليف"، الذي لديه 420 ألف عضو، سحب استثماراته في 11 بنكا إسرائيليا. وأعلنت مدينة هايوارد في كاليفورنيا سحب استثماراتها في شركات على علاقة بإسرائيل، بقيمة 1.6 مليون دولار.

وحظرت ماليزيا على سفن شحن إسرائيلية الرسو في موانئها منذ 20 كانون الأول 2023، إذ إن شركة النقل البحري الإسرائيلية الأضخم، "تسيم"، سمحت لها ماليزيا بالرسو في موانئها منذ العام 2002، وتم تحديد اسم "تسيم" عينيا في قرار الحكومة الماليزية، وتضاف لها كل سفينة ترفع العلم الإسرائيلي محظور عليها دخول الموانئ الماليزية.

وقامت نقابات عمال الموانئ والشحن في كل من الهند وإيطاليا وجنوب أفريقيا وتركيا وكاليفورنيا، بالاحتجاج أو بالتشويش أو بمنع تفريغ حمولات أسلحة ومعدات عسكرية مرتبطة بإسرائيل.

المصطلحات المستخدمة:

يسرائيل كاتس, يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات