المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الأسرى الفلسطينيون من غزة: تنكيل يخترق كل المعايير الدولية. (عن: هآرتس)

نشرت وزارة العدل الإسرائيلية -موقع التشريعات القانونية- على صفحتها  في يوم 13.03.2024 مقترح "قانون اعتقال مقاتلين غير شرعيين" (تعديل رقم 4 في تعليمات الساعة- سيوف حديدية) (تعديل)- 2023. 

وأرفق النشر برسالة موقعة من قبل المستشار القانوني لوزارة الدفاع، إيتاي أوفير، يتيح فيها للجمهور والمؤسسات إمكان الرد وتقديم المقترحات والتعليقات على هذا التعديل الجديد (الثاني) لغاية يوم 18.03.2024 ظهراً. وفي العادة تحاول المؤسسات الحقوقية الاستفادة من هذا الأمر لأجل الضغط والتأثير على تعديلات أو إلغاء قوانين صارمة وقاسية تمس بحقوق الإنسان والمعتقل بشكل واضح، كما فعلت مع التعديل السابق الفظ والقاسي بدوره. وكانت اللجنة لمناهضة التعذيب ومؤسسات حقوقية إضافية التمست للمحكمة العليا ضد التعديل الأول وطالبت بإلغائه. 

جاء اقتراح التعديل الثاني على "قانون المقاتلين غير الشرعيين" مع اقتراب انتهاء مدة صلاحية ونفاد التعديل الأول الذي كان قد أقر يوم 18.12.2023 لمدة أربعة أشهر تنتهي يوم 18 نيسان القريب. ويقترح التعديل الثاني تغييرات في ثلاثة بنود: 1. موعد بدء سريانه؛ 2. مدة سريانه وموعد انتهائه؛ 2. طول المدة القصوى لمنع لقاء معتقلٍ بمحامٍ.

جاء في مقترح التعديل المطروح أن سريانه سيبدأ يوم 19.04.2024 أي مباشرة مع انتهاء نفاد التعديل السابق، وعمليا يبغي هذا التعديل منح استمرارية لنفاد التعديل القانوني الأول وضمان عدم وجود أي فجوة زمنية بينهما. 

يقترح التعديل الجديد تمديد مدة سريان هذه التعليمات ثلاثة أشهر ونصف الشهر إضافية تنتهي يوم 31 تموز 2024، ولم يحدد عدم إمكانية تمديدها من جديد مما يتيح عمليا للحكومة إمكانية تمديدها مجددا.الحديث هو عن تمديد سريان التعديل الأول (تعليمات الساعة) التي أُدمجت ليس كقانون جديد منفصل وانما كبند إضافي – بند 10أ تمت إضافته على "قانون المقاتلين غير الشرعيين" القائم منذ 2002، ويتم تفعيل هذا البند عند إعلان حالة حرب ومن صلاحية الحكومة تفعيله.  

إضافة إلى إشكالية القانون الأصلي الساري المفعول منذ 2002، الذي اخترع تسمية "المقاتل غير الشرعي" ليعفي الدولة من التعامل مع المقاتلين باعتبارهم محاربين ويتيح لها اعتقال مدنيين تحت هذا الغطاء ليتبين لاحقا أنهم ليسوا مقاتلين بالمرة كما يحدث في قطاع غزة منذ بداية الحرب،  جاء التعديل الأول ليمحو ما تبقى من حقوق أساسية للمعتقلين وقام بإطالة الفترات الزمنية المذكورة في القانون الأصلي في ما يتعلق بضرورة إصدار امر اعتقال وإحضار المعتقل أمام قاض وإمكانية لقاء محام- ومددها بشكل ينتهك حقوق المعتقلين ويضعهم في دائرة الخطر والاختفاء القسري من دون أي رقيب ومن دون أي مساءلة لمن يعتقلهم الجيش، فقد أتاح إمكانية اعتقال شخص تعتبره السلطات الإسرائيلية مقاتلاً غير شرعي مدة 45 يوما من دون إصدار أمر اعتقال، وتمديد واجب السلطات إحضاره أمام قاض إلى 75 يوما، وأتاح بشكل فظ إمكانية منع لقائه بمحام فترة تصل إلى 180 يوماً.

هذه المخاوف وجدت انعكاسها على أرض الواقع حيث حُرم المعتقلين من زيارة المحامين ورفضت السلطات التصريح بأي معلومات عنهم أو عن ظروف اعتقالهم السيئة.  وكانت هآرتس قد نشرت مؤخرا خبرا عن وفاة 27 معتقلا فلسطينيا من غزة من الذين اعتقلهم الجيش وزج بهم في سجن سيديه تيمان وآخرين في سجن عناتوت قرب القدس وكليهما يتبع لإدارة الجيش مباشرة هذا ما صرح به الجيش ومن الوارد الاعتقاد أن العدد أكبر بكثير. وكانت وسائل اعلام مختلفة وهيئة شؤون الأسرى قد نشرت حول ظروف الاعتقال في هذه المعتقلات التي لا يمكن فقط اعتبارها سيئة بل تصب في تعريف التعذيب وافادات شهادات من اطلق سراحهم وعادوا لقطاع غزة عن التعذيب والتنكيل الذي كانوا قد تعرضوا له في هذه المعتقلات. 

جاء في تفسيرات التعديل الأول والثاني أن هذه التعديلات جاءت لضرورات أمنيّة لإتاحة إمكانية استيفاء التحقيقات التي اعتبرتها صعبة ومركبة مع من تعتقلهم تحت هذا المسمى "مقاتلين غير شرعيين" الا أن السلطات الإسرائيلية تعترف كما جاء في تفسير تعديل القانون الحالي أن الحديث عن أعداد هائلة من المعتقلين مما اعتقلوا ليس فقط يوم السابع من أكتوبر وإنما من غزة نفسها خلال الاجتياح وكجزء من العمليات العسكرية الجارية هناك، وكانت تقارير منشورة قد أكدت حجم الاعتقالات الهائل ومضاعفتها من شهر لآخر. 

وجاء هناك أيضا أنه يتم فحص التعديلات تبعا للظروف والمتغيرات في مجريات الحرب. وعليه تقترح السلطات في البند 2 منها- تعديلات في المدة الزمنية القصوى لمنع لقاء المعتقل بمحام وتقصيرها من 180 يوما بالحد الأقصى إلى 90 يوما وأيضا الغاء إمكانية تمديد القضاة للمنع  مدة 45 يوما كل مرة لتصل 180.

في نظرة عامة للمقترح، يمكن القول من جهة إنّه يُقصّر مدة منع اللقاء القصوى من 180 إلى 90 أي نصف المدة،  لكن من الجهة الأخرى ينص التعديل على أنه خلال فترة نشره للجمهور ممكن أن يتم تعديل المدة وإطالتها مجددا وفقا لتطور وضع الحرب والظروف الأمنية. أي أن المقترح غير نهائي وقابل للتغير للأسوأ مجددا ويعطي للدولة إمكانية التراجع في هذه النقطة. 

من المهم الحذر في إبداء اللهفة من هذا التعديل، جراء كثرة وصرامة هذه القوانين والتعديلات القانونية وفظاظة انتهاكها لحقوق الإنسان بتنا نفرح لأي تعديل إيجابي كتقصير المدة القصوى لمنع لقاء محام من 180 يوماً إلى 90 يوما، لكن علينا ألا نغفل أن التعديل الأساس والتعديل الحالي والقانون القائم بحد ذاته فيه انتهاكات فظة لحقوق المعتقلين الأساسية. إنّ حق التشاور مع محام هو من الحقوق الأساسية البديهية التي تضمنها الإجراءات والمحاكمة العادلة، غيابها أو التلاعب فيها ضد مصلحة المعتقل كما يحدث اليوم وتحت مسمى "حاجات أمنية وضرورات الحرب" مقلق ومخيف كونه يشرع انتهاك حقوق المعتقل برعاية القانون وباسمه.  

منع لقاء محام عدا عن أنه يمنع عن المعتقل الإمكانية والحاجة إلى التشاور والمشاركة في ظروف اعتقاله والتهم الموجهة له، فانه يمهد لوضع فيه يتم فبركة اعترافات أو ابتزاز اعترافات تحت التعذيب دون أي رقيب ودون أي محاسبة أو مساءلة قانونية. فالمحامي إضافة لدوره في إعطاء المشورة ومنها حق التزام الصمت الكامل، بإمكانه أخذ انطباع عن وضع المعتقل والانتهاكات التي يتعرض لها وبإمكانه ملاحظة علامات العنف أو الضعف والوهن الجسدي للمعتقل أو مدى يقظته والتنبه إذا كان يعاني من قلة النوم والتعذيب في فترة الاعتقال والتحقيق عدا عن أنه بالغالب يكون أول إنسان من خارج السجن يلتقيه المعتقل غير محققيه وسجانيه بعد فترة طويلة من التحقيق، وهو أمر لا يجب الاستهانة بأهميته كونه يعزز ثقة المعتقل بنفسه ويقويه. وعليه، ليس صدفة أن يشمل التعديل القانوني في تفسيره أن منع اللقاء يأتي لضرورات أمنية، مما يعزز فكرة أن هذه الضرورات ليست إلا محاولات لإخفاء ما يتعرض له المعتقل من تهديد وابتزاز وتعذيب والحاجة لأن تختفي العلامات ليكون بالإمكان إنكارها وكسر معنوياته.  

  هذا التعديل تعسفيّ ينتهك حقوق المعتقل ومفهوم العدالة والإجراءات العادلة المُقوّضة أصلا في حالة الحرب والاحتلال.

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات