المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
بصمة المستوطنين في ترمسعيا:" الموت للعرب". (أ.ف.ب)

يتناول هذا المقال الموقف الأميركي المتغير من المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة عام 1967. خلال فترة ولاية باراك أوباما (2016)، اعتبرت الولايات المتحدة المستوطنات غير قانونية، وهي وجهة نظر عكسها دونالد ترامب، الذي رأى أنها لا تنتهك القانون الدولي بطبيعتها (وهو ما بات يعرف بـ"إعلان بومبيو" للعام 2019). في شباط 2024، عادت الولايات المتحدة في ظل إدارة جو بايدن إلى معارضة شرعية المستوطنات، لا سيما بعد موافقة إسرائيل على بناء وحدات استيطانية جديدة في الضفة الغربية. ويوضح هذا التحول في السياسة، المتأثر بالعوامل الانتخابية وعدم امتثال إسرائيل للمطالب الأميركية، العلاقة المعقدة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وعلى الرغم من دعم إسرائيل في الصراع في غزة، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مستوطنين إسرائيليين وانتقدت بنيامين نتنياهو، وألمحت إلى اعتراف محتمل بدولة فلسطينية في ترتيبات السلام المستقبلية.

ما هو مبدأ بومبيو الذي "ألغته" إدارة بايدن؟

مع نهاية إدارة أوباما (2009-2017)، صرح وزير الخارجية جون كيري أنه ملتزم باستخلاصات رئيس الولايات المتحدة السابق، جيمي كارتر، ويعتبر أن المستوطنات الإسرائيلية لا تتفق مع القانون الدولي. لكن، مع دخول ترامب إلى البيت الأبيض، قال وزير الخارجية الجديد، بومبيو، بأن الولايات المتحدة سوف تقلب رأساً على عقب سياسة أوباما (المستندة إلى نهج كارتر الديمقراطي، 1978)، وسوف تتبنى موقفاً مختلفا كلياً حول شرعية المستوطنات الإسرائيلية (استناداً إلى نهج رونالد ريغان الجمهوري، 1981).

وقد بات هذا الإعلان (18 تشرين الثاني 2019) يُعرف باسم "إعلان بومبيو". وبحسب بومبيو، فإن الإدارة الأميركية في ولاية ترامب ترى (النقاط أدناه اقتباس حرفي من إعلان بومبيو):

  1. "إن النشاط الاستيطاني غير المقيد يمكن أن يكون عقبة أمام السلام، لكن [إدارة ترامب تدرك] بحكمة أن الخوض في المواقف القانونية لا يعزز السلام... [و] بعد دراسة متأنية لجميع جوانب النقاش القانوني، تتفق هذه الإدارة مع الرئيس ريغان. إن إنشاء مستوطنات مدنية إسرائيلية في الضفة الغربية لا يتعارض في حدّ ذاته مع القانون الدولي.
  2. "القانون الدولي لن يؤول إلى نتيجة ما، ولا يخلق أي عقبة قانونية أمام التوصل إلى حل عن طريق التفاوض.... الحقيقة المرة هي أنه لن يكون هناك أبداً حل قضائي أو قانوني للصراع [بمعنى أن البت في مصير الأرض المحتلة لا يعتبر نقاشاً قانونياً وإنما هو نقاش تفاوضي بغض النظر عن قانونيته]... الحجج حول من هو على صواب ومن هو على خطأ كمسألة تتعلق بالقانون الدولي لن تجلب السلام. وهذه مشكلة سياسية معقدة لا يمكن حلها إلا بالمفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
  3. "لا تزال الولايات المتحدة ملتزمة التزاما عميقا بالمساعدة في تسهيل السلام... وتشجع الولايات المتحدة الإسرائيليين والفلسطينيين على حل وضع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية في أي مفاوضات بشأن الوضع النهائي. وعلاوة على ذلك، نشجع كلا الجانبين على إيجاد حل يعزز ويحمي أمن ورفاهية الفلسطينيين والإسرائيليين [في الضفة الغربية] على حد سواء".

 

كيف نفهم "إلغاء" إعلان بومبيو؟

في 24 شباط 2024، قامت إدارة بايدن بإلغاء "إعلان بومبيو" والتنكر له ردا على قيام إسرائيل بالمصادقة على بناء 3344 وحدة استيطانية في الضفة الغربية المحتلة. وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يوم الجمعة الماضي إن الولايات المتحدة "تشعر بخيبة أمل من جراء الإعلان الإسرائيلي"، وأضاف: "لقد كانت سياسة الولايات المتحدة طويلة الأمد في ظل الإدارات الجمهورية والديمقراطية على حد سواء أن المستوطنات الجديدة تؤدي إلى نتائج عكسية للتوصل إلى سلام دائم...  كما أنها لا تتفق مع القانون الدولي. تحافظ إدارتنا على معارضة قوية للتوسع الاستيطاني. وفي تقديرنا، هذا يضعف فقط – لا يعزز – أمن إسرائيل".

ولا بد من التشديد على ثلاث نقاط في إعلان بلينكن الجديد:

  1. هذه هي المرة الثانية في تاريخ الولايات المتحدة التي يخرج فيها وزير الخارجية الأميركي بإعلان صريح مفاده أن المستوطنات غير شرعية، ويقوم بإطلاق هذا التصريح في ظل توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل (المرة الأولى كانت في العام 2016 في فترة وزير الخارجية جون كيري).
  2. يرى البعض بأن هذه التصريحات تأتي أيضا لاعتبارات انتخابية. فقد اتهم السيناتور الأميركي توم كوتون بايدن بأنه يعمل فقط على تلبية احتياجات الناخبين المؤيدين للفلسطينيين في ولاية ميشيغن المتأرجحة كجزء من حملة إعادة انتخابه للبيت الأبيض.
  3. ومع ذلك، لا يمكن التقليل من شأن العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة وإسرائيل في الأسابيع القليلة السابقة. صحيح أن الولايات المتحدة قامت بدعم إسرائيل عسكريا وماليا ودبلوماسيا في حربها على قطاع غزة، بيد أن حكومة نتنياهو لا تعير هذه الرعاية الأميركية احتراما، ويبدو أن نتنياهو ماض في أجندته الحربية من دون أن يهتم بمطالب الولايات المتحدة، أو طلباتها السياسية، أو حتى التبعات التي قد تلحق بصورة الولايات المتحدة في حال لم توقف الجرائم الإسرائيلية أو على الأقل تقلل من وحشية الحرب ومصير سكان قطاع غزة. وقد شهدت الأسابيع الماضية عدة تصريحات أميركية يمكن أن توصف بأنها "قرصة أذن" لإسرائيل التي تستمر في حربها من دون أن تحترم رأي الولايات المتحدة. مثلا، قامت إدارة بايدن بفرض عقوبات اقتصادية على أربعة مستوطنين متطرفين. ثم قام بايدن بتوبيخ نتنياهو عدة مرات، أو حتى بشتمه في مؤتمرات صحافية. كما أن الولايات المتحدة أعلنت أنها قد تعترف بدولة فلسطينية كجزء من ترتيباتها التي تأملها لليوم التالي للحرب.

ولا بد من التنويه بأن إعلان إسرائيل بناء 3344 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات سيتوزع على النحو التالي: تحصل معاليه أدوميم على ترخيص لبناء 2350 وحدة سكنية إضافية، وتحصل مستوطنة إفرات على ترخيص لبناء 694 وحدة سكنية جديدة، وتحصل مستوطنة كيدار على 300 وحدة سكنية إضافية.

ولا بد من الإشارة إلى أن بومبيو الذي يعبر موقفه عن إدارة ترامب التي تعتزم الترشح مجددا في الانتخابات الأميركية القادمة عاد وكتب قبل أيام: "يهودا والسامرة هما جزءان شرعيان من الوطن اليهودي، وللإسرائيليين الحق في العيش هناك"!

المصطلحات المستخدمة:

باراك, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات