المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من قطاع غزة، بدأت الصورة تتضح أكثر فأكثر، فضمن خطة تهويد النقب والجليل أعطيت الأفضلية الأولى لكل مستوطن أخلي من مستوطنات قطاع غزة للسكن في النقب أو الجليل. كما منحت تسهيلات كثيرة منها قروض على شكل هبة بقيمة 135000 شاقل، وان إجمالي التعويض والمنح والقروض التي يمكن لكل مستوطن كان يسكن في بيت بمساحة 175 مترًا مربعًا ولديه 7 أفراد، وسكن مدة 3 سنوات في مستوطنات قطاع غزة، ويعتزم السكن في النقب، يصل إلى مليون وثلاث مائة ألف شاقل، وهذا لا يشمل التعويض عن الأراضي الزراعية، علما أن ما يقترح من تعويض للعربي مقابل انتقاله من أرضه الأصلية إلى قرية معترف بها في النقب، لا يمكن مقارنته بالمبلغ الذي حصل عليه مستوطن أخرج من ارض مغتصبة.

وللتسهيل على المستوطنين تم الإعلان عن توسيع 117 موقعا قائما في المجالس الإقليمية اليهودية في أرجاء النقب، والإعلان عن 8 مدن كمواقع أفضلية "أ" لتوطينهم فيها، كما ستبنى عدد من المستوطنات لتوطين المستوطنين في أرجاء النقب المختلفة، وفق اتفاق لنسخ مستوطنات من القطاع إلى النقب. وكل هذا بقرار وزاري صادقت عليه الحكومة، إلا أن سكانًا من المتعاونين مع إسرائيل من قرية الدهنية في جنوب القطاع لم يدرجوا ضمن هذه التعويضات والاقتراحات، علما أن قرية الدهنية تعد مأوى للمتعاونين امنيا مع إسرائيل، ومنهم من يحمل الهوية الإسرائيلية.

تسكن قرية الدهنية 350 عائلة، غالبيتهم ليست لهم علاقة مع إسرائيل، إلا أن قسمًا منهم من المتعاونين امنيا، ومطاردين من قبل الفصائل الفلسطينية.

عدد من سكان القرية هم من قبيلة الترابين من شبه جزيرة سيناء الذين اخلوا أراضيهم من خلال اتفاق تبادل أراض لصالح إسرائيل عام 1976 من اجل بناء مستوطنات إسرائيلية، وبالمقابل منحوا أراض دائمة في قرية الدهنية للسكن، كما أدخلت إسرائيل إلى القرية المحصنة المتعاونين معها امنيا، لحمايتهم من "بطش" الفصائل.

وقد رحل عدد من سكان الدهنية، التي ستهدم بيوتها لصالح توسيع مطار الدهنية المدني، ممن ليست لهم علاقة بالتعاون مع إسرائيل إلى قطاع غزة، والعدد الآخر من المتعاونين رحلوا فعلا إلى إسرائيل، وتم بناء قرية لهم في تل عراد. إلا أن حوالي 74 شخصا من قبيلة الرميلات التي قدمت من شبه جزيرة سيناء، قدموا التماسا إلى محكمة العدل العليا، ضد رئيس الوزراء ووزير الداخلية والكنيست والمستشار القضائي للحكومة ووزيرة العدل ولجنة المساعدات لإخلاء قطاع غزة من المستوطنين، مطالبين بإجبار الدولة على استقطاب 67 عائلة بدوية من سكان الدهنية للعيش داخل إسرائيل، وغالبيتهم من حملة الهوية الزرقاء، علما أن إسرائيل لم تناقش معهم قضية إخلائهم، وان الشاباك هو الذي يقرر من يدخل إلى إسرائيل من هؤلاء. وادعوا في التماسهم أنهم قلقون على حياتهم وأنهم قدموا خدمات أمنية كبيرة لدولة إسرائيل.

تجدر الإشارة إلى أن الوضع القانوني في قرية الدهنية معقد، ففي حالات كثيرة يحمل الأب الهوية الإسرائيلية، والأم هوية من الضفة، وقسم من الأبناء يحمل هوية إسرائيلية وقسم آخر يحمل هوية الضفة، الصادرة عن الإدارة المدنية الإسرائيلية.

قرية جديدة بالقرب من تل عراد جميع سكانها من المتعاونين

جل القرارات الوزارية ذكرت وبوضوح أن جميع التسهيلات ستمنح للمستوطنين اليهود ضمن خطة الانفصال الأحادي الجانب من القطاع وشمال الضفة الغربية، إلا أنه من المفاجىء شروع جرافات تابعة لسلاح الهندسة الإسرائيلي الأسبوع قبل الماضي بالعمل بالقرب من مدرسة قرية تل عراد غير المعترف بها، لتحضير البنية التحتية لقرية جديدة لإيواء المتعاونين مع الجهات الأمنية الإسرائيلية في قطاع غزة، الذين "هربوا" من قرية الدهنية لتخوفهم من غضب الشارع والفصائل عليهم، وهم من قطاع غزة ومن سيناء، وقد كانت قريتهم محصنة مثل أي معسكر للجيش، من حيث الحراسة وغيرها، وكانت شبه محصورة طيلة الوقت بين منطقة رفح وبين معسكر للجيش قرب مثلث الحدود الإسرائيلية- الفلسطينية- المصرية، وهي قريبة من المطار الدولي في قطاع غزة، وقريبة من كيرم شالوم الإسرائيلية القريبة من الحدود مع قطاع غزة.

وقد تم مد خط للمياه لموقع القرية الجديد بطول 5 كلم، وشق طريق ترابية حاليا من الشارع الرئيس بالقرب من الموقع الأثري في تل عراد إلى موقع القرية الجديد، فيما واصل الجيش نصب الخيام، لاحتواء حوالي 40 عائلة من المتعاونين، وقد يصل عدد سكان القرية الجديدة من هذا الصنف إلى حوالي 200 شخص.

وتبين لاحقا أن بناء هذه القرية الجديدة جاء بقرار مباشر من مكتب رئيس الوزراء اريئيل شارون، دون بحث الأمر في الحكومة وذلك، كما أفاد مكتب رئيس الحكومة، لكون الأمر سريًا وامنيًا من الدرجة الأولى.

لكن الناطق باسم لجنة تنسيق عمل الحكومة في المناطق الفلسطينية، سكومو درور، قال إن المكان باعتقاده مؤقت حتى يتم إيجاد مكان دائم خلال الأشهر المقبلة، وأضاف: "هؤلاء من مواطني إسرائيل وعلينا خدمتهم".

منطقة تل عراد منطقة عسكرية محرمة على سكانها الأصليين

تجدر الإشارة إلى أن سكان المنطقة العرب في قرية تل عراد غير المعترف بها حكوميا، قد تسلموا قبل حوالي 4 أشهر أوامر هدم لكل بيوت القرية، بحجة أن المنطقة عسكرية، وبحجة البناء غير المرخص، علما أن سكان قرية تل عراد المهددين بالترحيل حاليا يطالبون السلطات الإسرائيلية منذ عشرات السنوات بالاعتراف بقرية تل عراد على أرضهم التي جلبتهم إليها إسرائيل في الستينيات، عندما هجّروا من أرضهم الأصلية إليها، ومن الجدير بالذكر أن عائلة الجهالين التي تسكن بادية الضفة وشرقي القدس، هجرت من قبل إسرائيل في الستينيات من الأراضي التي ستقام عليها القرية الجديدة في تل عراد، ويظهر أن توطين العملاء في أراضي الجهالين، خطوة من أجل فرض الأمر الواقع، ومنع عودة عرب الجهالين إلى أراضيهم الأصلية في تل عراد، في حال التوصل لأي حل مع الجانب الفلسطيني.

وهنا يثور السؤال: لماذا أراضي تل عراد عسكرية ومحرمة على سكانها، بينما هي حلال على العملاء؟ هذا السؤال وجه إلى الناطق باسم لجنة تنسيق عمل الحكومة في المناطق الفلسطينية سكومو درور، وقال:" أنا لست على دراية بمشاكل أهل المنطقة، ولكن قرار إقامة قرية لعائلات من الدهنية جاء وفق قرار وتأشيرة وزارة الداخلية، ودائرة أراضي إسرائيل، ومكتب رئيس الوزراء".

ومن المعلوم أن نفس الجهات التي أعطت التصريح لإقامة قرية للعملاء، هي التي تطالب السكان العرب الأصليين بإخلاء المنطقة، وبهذا يتضح أن دائرة أراضي إسرائيل ووزارة الداخلية، تخرّج الأسباب لترحيل البدو، فقط من أجل تبرير موقفها من إخلائهم، وفي هذه الحادثة يتضح زيفهم، كما اتضح عندما تم تهجير سكان بير هداج، بحجة أن المنطقة عسكرية، واتضح فيما بعد أن الإخلاء جاء لتوسيع الأراضي الزراعية للموشافات في المنطقة، مما حدا بالسكان إلى الرجوع إلى أراضيهم، وعدم الاكتراث بالتهديدات الإسرائيلية، حتى تم إجبار الدولة على الاعتراف بقرية لهم في المنطقة.

معارضة شعبية لإقامة القرية والمطالبة بالاعتراف بقرية تل عراد لأهل المنطقة فقط

توالت ردود الفعل المعارضة لإقامة القرية من جهات مختلفة عربية ويهودية.

ومن بين اليهود المعارضين لإسكان العملاء في النقب بيني بداش، رئيس مجلس عومر المحلي، المعروف بآرائه اليمينية حيث اتصل بمكتب رئيس الحكومة أريئيل شارون، وتبيّن أن قرار الإسكان تم من قبل رئيس الحكومة. وتأتي معارضته من منطلق أنه لا يعقل أن يتم إسكان أناس لديهم مشاكل، في مناطق في النقب. وتساءل بداش: "لماذا لا يذهب بهم رئيس الحكومة إلى تل أبيب مثلاً؟!"

كما يعارض توطين العملاء رئيس بلدية عراد، د. موطي بريل، حيث ستبنى القرية المذكورة على بعد ثمانية كيلومترات غربي مدينة عراد. وقال د. بريل بهذا الخصوص: "وددت لو تم نقلهم إلى تل أبيب"، في إشارة منه إلى عدم رغبته بسكن متعاونين إلى جانب مدينته.

كما يرفض التوطين البرلماني طلب الصانع، حيث قال بهذا الخصوص: "توطين الغرباء مرفوض بشكل قاطع، تل عراد لسكانها الأصليين، كما نرفض إسكان العملاء في قرانا، وعلى أرضنا، وكان الأجدر بالحكومة أن تعترف بقرية تل عراد غير المعترف بها، من اجل إنهاء معاناة الأهل".

وأضاف الصانع: "إن توطين العملاء يشكل خطرًا اجتماعيًا كبيرًا على مستقبل المجتمع العربي نظرا لأخلاقهم وسلوكياتهم".

وفي حديث مع حسين الرفايعة، رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها حكوميا، قال حول الموضوع: "توطين العملاء مرفوض من كل الجوانب. من الأجدر بالحكومة أن تعترف الآن بقرية تل عراد لأهلها بعد أن اتضح زيف الأسباب التي سلمت بموجبها أوامر هدم للسكان قبل أشهر، بحجة أن المنطقة منطقة عسكرية، وهنا علينا تعقب أي سبب تقدمه المؤسسة الإسرائيلية لترحيل العرب عن أراضيهم، وخاصة في القرى غير المعترف بها، لأن أغلب الأسباب كاذبة، والهدف تهويد النقب لا غير، وسننسق المواقف مع أهل المنطقة بخصوص توطين العملاء".

الشيخ حماد أبو دعابس، رئيس الحركة الإسلامية في النقب، يعارض هو أيضًا بشدة إسكان العملاء في النقب أو في أية مناطق عربية، حيث قال:" إن النقب بلد الشرفاء، بلد أهل البادية الذين يغارون على بعضهم البعض، وأهل الخير للجميع، إلا أن مثل هؤلاء عليهم الارتماء في بطون مشغليهم، وليس عندنا، عليهم التوبة الصادقة مما اقترفوه، وعليهم أن لا يسكنوا على أرضنا، أو بمقربة منا، نحن نرفضهم، فمن لا خير فيه لأهله لا خير فيه لغيرهم، العار لمثل هؤلاء الخونة".

وبخصوص إمكانية دراسة أبناء العملاء في مدرسة كسيفة الثانوية، تحدثنا إلى رئيس المجلس المحلي في كسيف، الأستاذ سالم أبو ربيعة، الذي قال:" لم أبلغ من أي جهة بأنهم سيدرسون عندنا، ومن جهتنا سنستوعب من خارج كسيفة الطلاب الذين نستوعبهم من قبل دون أي زيادة".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات