تغيرت مكانة تعليم التوراة بصورة جذرية في المجتمعات اليهودية عبر العصور. ففي عصر المشناه والتلمود تم التركيز على تعليم التوراة ومعرفة تفسيرها، بينما في مرحلة التعليم في الكُتّاب جرى التركيز على دراسة التلمود، وبقي هذا الامر ساري المفعول حتى القرن الثامن عشر في اوساط الجاليات اليهودية المنتشرة في انحاء مختلفة في العالم. ووفق مناهج تعليم التوراة التي كانت معتمدة، تتم قراءة اسفار موسى الخمسة وفق تفسير راشي.
اما بقية الكتب المقدسة فتم تدريسها في الكنس. ولكن التحول الاول والاساسي الذي جرى لتعليم التوراة كان في اعقاب انتشار مظاهر التنوير والثقافة في اوروبا في القرن الثامن عشر وبعده. وكان لزاما على المؤسسات اليهودية تبني اسس القيم العالمية والانسانية كجزء من مناهج التعليم في سبيل خلق انسان يهودي له علاقة بما يجري حوله في العالم. وبالرغم من كل رياح التغيير التي عصفت بعدد كبير من الجاليات اليهودية في العالم الا ان التوراة بقيت تمتلك مكانة مركزية في التربية اليهودية وتركت أثرا على تيارات قومية وسياسية يهودية بدأت تطفو على السطح منذ أواخر القرن التاسع عشر.
وقام بيريتس سمولنسكين بتطوير نظام التعليم من كُتّاب عادي إلى "كُتّاب متطور"، حيث جرى التركيز في هذا النوع الجديد من الكتاب على تدريس اللغة العبرية كعلامة قومية، والاستفادة من التوراة لتدعيم تعليم اللغة. وما زالت التوراة تشكل أساسا لتعليم أسس اللغة، خاصة بتوفير الأمثلة الضرورية لتوضيح القواعد العبرية.
واستحوذ تعليم التوراة على مكانة أفضل في أعقاب انطلاق الموجة الأولى للهجرة اليهودية في نهاية القرن التاسع عشر، حيث تعمقت الحاجة لدى المهاجرين الى ربط هجرتهم الى فلسطين باللغة العبرية كأحد مكونات الهجرة، وكذلك الى ربطها بدراسة التوراة ومعرفة خلفياتها وفصولها المتنوعة.
وتعليم التوراة تحول الى أداة مركزية ورئيسية لخدمة الحركة الصهيونية، وأداة لنقل التراث اليهودي والحفاظ عليه من الضياع وسط عالم متبدل، كما ساد الاعتقاد في اوساط تيارات يهودية في اوروبا على وجه الخصوص. وتمت عملية ترجمة تعليم التوراة الى جانب مواضيع اخرى من خلال زيادة عدد الساعات المخصصة لدراسة التوراة واللغة العبرية وتاريخ الشعب اليهودي عبر العصور. ولكن التغيير في مناهج تعليم التوراة وساعات التعليم بدأ يدخل الى مجال التنفيذ الفعلي منذ نهاية الستينيات من القرن الماضي. وجاء التغيير في منطلقين اساسيين، الاول من قبل التيارات الدينية التي دعت الى زيادة الساعات، خاصة بعد احتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان السورية، وتوطيد اسس الاستيطان الاسرائيلي. والهدف من وراء الزيادة في الساعات التعليمية للتوراة وما يتبع ذلك من دراسات تاريخية يهودية واسرائيلية هو لتقوية وتثبيت الاستيطان الاسرائيلي في الاراضي المحتلة باعتبارها جزءا من اسرائيل ومن حقوق الشعب الاسرائيلي في ارضه. اما التيار الثاني فهو في الاساس من العلمانيين الذين يطالبون بتخفيف وتحديد تعليم التوراة الى مجموعة قليلة من النصوص التوراتية وتوسيع تعليم النصوص الادبية العلمانية كجزء من الحضارة الاسرائيلية المعاصرة والتي ـ أي الحضارة الاسرائيلية ـ التي ترغب في تكوين علاقة بينها وبين القيم الانسانية والعالمية. وبلغ الامر ببعض التيارات العلمانية الى ابراز الضرر من تعليم التوراة بكون التوراة كتابا معارض للأسس الصهيونية السياسية وان قيم التوراة بعيدة كل البعد عن القيم المعاصرة التي تنادي بها الصهيونية. وكان واضحا ان الجدل العام في اسرائيل والذي بدا في السبعينيات واستمر حتى التسعينيات دفع بوزراء التربية والتعليم الى التقليل من النصوص التوراتية في المدارس العلمانية والاحتفاظ بما هو قائم في المدارس الدينية الرسمية. وتعزى ازمة تعليم التوراة في اسرائيل لعدة عوامل تتعلق بالمجتمع الاسرائيلي في الاساس، اذ ان هذا المجتمع بقطاعات واسعة منه يرغب في الاندماج في المنافسة العالمية العلمية والتقنية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية كبيرة. وجراء الصراع بين التيارات الدينية والتيارات العلمانية في اسرائيل، اخذت التيارات العلمانية تعتبر التوراة كتاب دين فقط ولا علاقة له باللغة او بالأدب وسواه. وهناك من يدعي ان تعليم التوراة بالطرق التقليدية التي تعتمد على النص وتفسيره وحفظه قد ولى عليها الزمن، واصبحت هناك حاجة الى استعمال الطرق الجديدة كالحاسوب والتلفزيون وغيرها من وسائل الايضاح.
وبالرغم من كل هذا النقاش والجدل، فإن تعليم التوراة معتمد في كل المدارس والمؤسسات التعليمية في إسرائيل، ولكن بصورة متفاوتة وفقا لنوع المدرسة والمحيط الذي تتكون منه هذه المدرسة.