المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قال المحلل العسكري الإسرائيلي البارز رون بن يشاي إن القدرة القتالية لتنظيم "الدولة الإسلامية" ("داعش") في سيناء تشكل تحدّياً جديداً للجيش الإسرائيلي.

وجاءت أقواله في سياق تحليل نشره في نهاية الأسبوع الفائت في الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، استهله بالقول: "إن الهدف من الهجوم الإرهابي الذي شنه تنظيم داعش في سيناء مؤخراً هو زعزعة الحكم المصري العلماني للرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر. لكن يبدو من التقارير الأولية وغير الواضحة الآتية من سيناء أن ليس السيسي وحده من يجب أن يقلق بل إسرائيل أيضاً".

ومضى قائلاً: "على المدى القصير يجب أن نستعد لاحتمال أن يتطوّر الهجوم على 15 موقعاً ومركزاً لقوات الأمن المصرية في شمال سيناء، ما أدى إلى مقتل عشرات الجنود المصريين، إلى هجوم في اتجاه الحدود الإسرائيلية. ففي السنوات الأخيرة قام رجال الجهاد العالمي في سيناء بمهاجمة مواقع للجيش المصري والقوات الدولية في شمال سيناء وسيطروا على آلياتهم المدرعة واقتحموا بواسطتها السياج الحدودي وتسللوا إلى أراضي إسرائيل، وقامت قوات مدرعة بمساعدة سلاح الجو بكبح تقدمهم. لهذا السبب، فإن الأخبار التي تحدثت عن سيطرة داعش على آليات مدرعة تتطلب استعداداً ويقظة خاصة، فقد يوجه الجهاديون هذه الآليات نحو معابر الحدود مع إسرائيل والسياج الحدودي ويخترقونها بواسطة الدبابات والمدرعات الثقيلة".

وبرأي بن يشاي فإن هذا هو السبب الذي دفع الجيش الإسرائيلي إلى إغلاق المعابر وإصدار تحذير إلى البلدات على طول الحدود مع مصر ولا سيما في الجزء الشمالي الغربي، يطلب منها إظهار اليقظة، كما كثف الجيش الإسرائيلي من وجوده المدرع على الأرض وتقوم طائرات من دون طيار بمتابعة ما يجري بالقرب من الحدود. ويمكن افتراض أن الجيش قد وضع على أهبة الاستعداد طوافات وطائرات حربية، لن تتردد إسرائيل في استخدامها إذا رأت أن هناك محاولة تسلل نحو أراضيها. كما أنه من المحتمل أن تتطوّر المعارك الدائرة الآن بين الجيش المصري وأتباع "داعش" إلى إطلاق للصواريخ والقذائف المدفعية نحو أراضي إسرائيل، وهذا ما تستعد القيادة الجنوبية لمواجهته. في هذه الأثناء يبدو أن رجال "داعش" مشغولون بالمعارك مع الجيش المصري الذي يهاجمهم من الجو والبر، لكن حالة التأهب في الجانب الإسرائيلي ستستمر عدة أيام أخرى لأن تجربة الماضي تدل على أن "داعش" سيحاول القيام باستفزازات على الحدود مع إسرائيل على أمل التسبب باحتكاك بين الجيش الإسرائيلي والجيش المصري وتوتير العلاقات بين مصر وإسرائيل.

وأضاف المحلل العسكري: صحيح أن العلاقات اليوم بين الجيشين الإسرائيلي والمصري جيدة ويوجد تعاون بينهما، لكن في الماضي وقعت حوادث أثارت استياء المصريين بسبب إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على جهات تنتمي إلى الجهاد العالمي تنشط في سيناء، هاجمت أو حاولت مهاجمة بلدات إسرائيلية ودوريات للجيش بالقرب من السياج الحدودي مع مصر. مع ذلك، فإن أكثر ما يثير القلق هو القدرات القتالية المثيرة للخشية التي راكمها تنظيم "أنصار بيت المقدس" الموالي لـ"داعش" منذ تشرين الثاني 2014 والذي أصبح اسمه الرسمي" الخلافة الإسلامية في ولاية سيناء". فإن الهجمات الإستراتيجية المعقدة من الناحية العسكرية التي شنّها التنظيم في كانون الثاني من هذه السنة واليوم في شمال سيناء، تدل على أن هذا التنظيم لم يعد مجرد عصابات تقوم بإطلاق الصواريخ قصيرة المدى بصورة عشوائية وغير دقيقة، أو تعد كميناً على الحدود المصرية - الإسرائيلية لباص ينقل مدنيين أو دورية من قواتنا. فما نراه اليوم هو تنظيم شبه عسكري يستخدم أسلوباً مختلطاَ هو مزيج من إرهاب وقتال عسكري نظامي مخطط ومنسق في أدق تفاصيله. ومثل مقاتلي "داعش" في شتى أنحاء الشرق الأوسط، فإن أتباع "الخلافة الإسلامية في ولاية سيناء" مجهزون جيداً بالسلاح ومزودون بأسلحة متطورة. وما يثير القلق أنهم يستطيعون تحديد عدد كبير من الأهداف الإستراتيجية وجمع المعلومات الاستخباراتية عنها (تمهيداً لعملية) ومهاجمتها في وقت واحد وبالتزامن وبصورة دقيقة.

وختم بن يشاي: يطبق "داعش" في سيناء بنجاح منقطع النظير مبدأ الحرب الكلاسيكية: فهو يهاجم في وقت واحد جميع الأهداف الـ15 التي حددها من أجل إحداث مفاجأة. ولو لم يحدث الهجوم بصورة منسقة وفي وقت واحد، لكانت القوات المصرية دخلت في حالة تأهب في الأماكن التي لم تهاجم بعد. كما نجح عناصر "داعش" في عزل المنطقة المستهدفة من خلال كمائن نصبوها على الطرق المؤدية إلى الأهداف التي هوجمت، وبذلك منعوا وصول الإمدادات واستطاع الجهاديون الدخول بسهولة إلى مركز الشرطة في الشيخ زويد واحتجاز عناصره رهائن. وفي ظل هذه الوقائع، يتعين الأخذ في الحسبان احتمال أن تتحول هذه القدرة العسكرية لداعش ضدنا، سواء في حال تخفيف الجيش المصري الضغط الذي يمارسه على الإرهابيين في سيناء، أو بسبب شعور الإرهابيين بالثقة بأنفسهم وبأن الوقت حان لفتح جبهة ضد إسرائيل. وهذا يمكن أن يحدث بأسرع مما كان يظن. كما يجب الاعتراف بأن السياج الحدودي لا يمكنه أن يكبح بفاعلية "جيشاً" متمرساً مدرّباً وخبيراً في استخدام وسائل قتالية معقدة.

في سياق متصل، قال البروفسور إيال زيسر، الباحث في "معهد دايان لدراسات الشرق الأوسط" في جامعة تل أبيب، إن الهجوم الإرهابي الذي شنه تنظيم "داعش" في شمال شبه جزيرة سيناء الأسبوع الماضي، يثير مخاوف محقة في إسرائيل حيال احتمال سعي التنظيم إلى القيام بهجمات كبيرة مشابهة ضد الجنود الإسرائيليين على طول الحدود الإسرائيلية - المصرية.

وأضاف زيسر: لم تمر بضعة أيام حتى أرسل "داعش" ما يذكّر إسرائيل بوجوده وما يشكل تحذيراً لما ستحمله الأيام المقبلة، وذلك عندما أطلق عليها عدة صواريخ بالقرب من الحدود في سيناء، بحجة أن إسرائيل تساعد الجيش المصري في الحرب ضده. لكن "داعش" لا يحتاج إلى ذرائع كي يهاجم إسرائيل، ورجاله (الذين كانوا سابقاً يحملون اسم "أنصار بيت المقدس") أطلقوا في السنوات الأخيرة صليات من الصواريخ في اتجاه مدينة إيلات، وفي العام 2011 قاموا بهجوم على طريق 12 بالقرب من الحدود المصرية - الإسرائيلية، قُتل من جرائه 8 جنود ومدنيين إسرائيليين.

ومع ذلك، أشار زيسر إلى أن شيئاً ما قد تغير في شبه جزيرة سيناء خلال السنوات الأخيرة، فالهجوم على مواقع الجيش المصري يثبت أن التنظيم ازداد قوة تحت الأعين الساهرة لإسرائيل ومصر، وهو لم يعد عبارة عن بضع خلايا إرهابية سرية تقوم بهجمات محدودة ثم تهرب بعد ذلك إلى مخابئها. إن هجوم 300 مخرب في وضح النهار بهدف السيطرة على بلدة مصرية (الشيخ زويد) والاحتفاظ بها، يدل على أن التنظيم تحول إلى ميليشيا عسكرية بكل معنى الكلمة، وأنه ينشط في أماكن واسعة من شبه جزيرة سيناء حيث يقيم قواعد ومعسكرات تدريب ويحكم سيطرته من دون أي عائق. كما يدل هذا الهجوم على القدرة العسكرية العملياتية لـ"داعش" سيناء الذي لا يعوزه السلاح والتدريب والمقاتلون، وعلى قدرته على القيادة والتحكم. كما يشير هذا كله للأسف الشديد إلى فشل الجيش المصري المستمر في استعادة السيطرة على أماكن انتشار "داعش" في شمال شبه جزيرة سيناء ووسطها.

وبرأي هذا الخبير فإن مثل هذا الواقع من الممكن أن ينشأ بسرعة أكثر من المتوقع على الحدود الشمالية لإسرائيل، حيث يقترب "داعش" بخطوات كبيرة من السياج الحدودي. وقبل نحو عام كان مقاتلو "داعش" في شرق سورية على بعد قرابة ألف كيلومتر من الحدود السورية - الإسرائيلية. أما اليوم فقد أصبحوا على بعد ساعة بالسيارة من الحدود، وثمة تخوف من إعلان عدد من تنظيمات المتمردين الناشطة في الجولان ولاءها لـ"داعش" كما حدث تماماً في سيناء. وحتى في الأردن قد ينشأ وضع مثل الذي نشأ في مصر، يحاول فيه التنظيم إقامة قواعد لعملياته ضد الجيش الأردني وكذلك ضد إسرائيل.

وفي شبه جزيرة سيناء كما في سورية، يمتلك التنظيم قاعدة برية تسمح له ببناء قوته من دون عائق. وأي هجوم جوي ضد هذه القاعدة هو أشبه بلدغة بعوضة، ووحدها عملية برية تستطيع القضاء على هذه الظاهرة. لكن هذه الخطوة غير عملية. وثمة شك في أن الجيش المصري مؤهل للقيام بها، أما في سورية فلم يبق هناك من يقدر أو يرغب في الدخول في مواجهة مع "داعش".

وقال زيسر: يجب على إسرائيل ألاّ تنتظر الهجوم الذي سيشنه "داعش" عليها، سواء من الشمال أو من الجنوب. لقد اتخذت إسرائيل خطوات وقائية تتمثل في تحصين الحدود وزيادة اليقظة والحذر، وجمع المعلومات الاستخباراتية عن "داعش"، لكن إلى جانب هذا كله يتعين قبل أي شيء آخر زيادة التعاون مع مصر والأردن اللذين هما في حرب ضد هذا التنظيم. كما يجب البحث في خطوات عملية ضد هذا التنظيم تشمل مهاجمة طرق التسلح والتمويل وتدفق المتطوعين، وبصورة خاصة العمل ضد أي محاولة من جانب التنظيم للسيطرة على مناطق بالقرب من الحدود مع إسرائيل. وثمة ملاحظة أخيرة، إن تصريحات كبار المسؤولين في إسرائيل بشأن تعاون "حماس" مع "داعش" في سيناء في الهجمات على الجيش المصري وإطلاق الصواريخ على إسرائيل تبعث على القلق. ففي النهاية، الذريعة الأساسية لعدم إسقاط سلطة "حماس" في غزة هي منع سيطرة "داعش" على القطاع. لكن يتضح أن إسرائيل قد تجد نفسها في المستقبل في مواجهة "حماس" و"داعش" معاً، مع توزيع واضح للعمل بينهما، بحيث تحافظ "حماس" على الهدوء على طول الحدود مع إسرائيل، في حين يقوم "داعش" بمساعدة من الحركة بالعمل بحرية ضد أهداف إسرائيلية ومصرية. ومثل هذا الوضع لا يمكن القبول به.

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت, جيشا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات