المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
نتنياهو يعيد صياغة الليكود على صورته.   (الصورة عن: فلاش 90)

بدأت الأحزاب التي تستعد لخوض الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، في الأول من تشرين الثاني المقبل، ترتيب قوائم مرشحيها. ونحن أمام فريقين من الأحزاب، تلك التي تعد قوائمها بناء على انتخابات داخلية، وأخرى تكون هذه مهمة زعيم الحزب والحلقة الضيقة من حوله. وحتى الآن، انتهت الانتخابات الداخلية في حزب العمل، التي أفرزت قائمة اختفى منها نجوم السياسة، وأسماء تقليدية في الحزب، وأيضا حزب الليكود، الذي كشفت انتخابات قائمته، مجددا، عن مدى سيطرة بنيامين نتنياهو على الحزب، الذي استبعد من مقدمة القائمة ثلاثة نواب تجرأوا قبل أقل من عام على الإعلان عن نيتهم المنافسة على رئاسة الحزب، ولم يشفع لهم انسحابهم من المنافسة.

حزب الرجل الواحد

انتخابات حزب الليكود التي جرت في الأسبوع الماضي، أزالت آخر ذرة شك، إذا كانت موجودة أصلا، في مسألة سيطرة بنيامين نتنياهو الكلية على حزب الليكود، والآن بات بالإمكان القول بشكل حازم إن حزب الليكود بات "حزب الرجل الواحد"، وهذه الانتخابات ستجعلنا نعيد التعريفات، مثل تعريف الوزير السابق يسرائيل كاتس، بأنه "رجل التنظيم القوي في الحزب". إذ إن الانتخابات أفرزت دحر كل واحد من النواب الثلاثة الذين أعلنوا في نهايات العام الماضي عزمهم التنافس على رئاسة الحزب، بعد أن بدا لهم أن الحكومة برئاسة نفتالي بينيت ستصمد لفترة طويلة، وأن نتنياهو يغرق أكثر في محاكمته في قضايا الفساد.

والثلاثة هم: يسرائيل كاتس السابق ذكره، الذي كان يتبوأ دائما واحدا من الأماكن الأربعة الأولى في القائمة، وحلّ في المكان الـ 12. ورئيس الكنيست الأسبق يولي إدلشتاين، الذي حلّ في المكان الأول بعد نتنياهو في الانتخابات السابقة، وحلّ الآن في المكان الـ 18. والثالث هو الرئيس السابق لبلدية القدس، نير بركات، الذي حلّ في المكان الثامن، وهنا بالإمكان القول إن لبركات قدرات مالية ضخمة جدا، وهو من أثرياء إسرائيل، وقادر على أن يجند أموالا في حملاته الانتخابية. 

قبل الانتخابات الداخلية في الليكود، وحسب تقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية، ظهرت لدى نتنياهو نظرية مؤامرة تقول إن الشخصيات التي أعلنت المنافسة على رئاسة الليكود، لديها مخطط لضمان 7 نواب في الكتلة البرلمانية التي ستكون بعد الانتخابات، كي يشكلوا تكتل داخل كتلة الليكود، لينشقوا عنها، في حال نشأ وضع لا يستطيع فيه نتنياهو تشكيل حكومة، إذ إن قانون الكنيست يجيز لسبعة نواب الانشقاق عن الكتلة، حتى لو لم يشكلوا نسبة 33% من أعضاء الكتلة الأساسية. وقد يكون نتنياهو اختلق هذه الفرضية ليحرّض على كل واحد فكّر في تولي رئاسة الليكود مستقبلا، وهذا ساهم أيضا في دحر النواب الثلاثة السابق ذكرهم، لينضموا الى قائمة لم تعد قليلة من أسماء الليكود البارزة التي عمل نتنياهو على تصفيتها تدريجيا منذ أن عاد إلى رئاسة الحكومة في العام 2009. 

وسيطر على المقاعد الأولى من هم الأكثر التصاقا بشخص نتنياهو، أولهم النائب ياريف ليفين، الرئيس السابق للكنيست، وبعده إيلي كوهين، حديث العهد في الليكود، ويليه يوآف غالانت، صاحب أعلى رتبة عسكرية (لواء) في كتلة الليكود، وكاد ذات يوم أن يكون رئيس هيئة أركان، وفي المرتبة الخامسة دافيد أمسالم، الشهير بفظاظته، وكل أسماء العشرة الأوائل في القائمة تؤكد زوال حتى الجيلين الثاني والثالث في حزب الليكود، وأن 9 من العشرة الأوائل في القائمة، هم من الأكثر قرباً لنتنياهو وعائلته.

ولفتت صحيفة "هآرتس" إلى أن غالبية متصدري القائمة، وعمليا المرشحين لتولي حقائب وزارية كبيرة، هم ممن لديهم صوت عال من أجل استكمال الانقلاب في جهاز القضاء، لصالح اليمين المتشدد، وبشكل خاص فيما يتعلق بهيئة القضاة في المحكمة العليا، التي قد يلجأ لها نتنياهو في المستقبل القريب ليستأنف على الحكم الذي سيصدر ضده، في حال صدر، في المحكمة المركزية (الجنايات).

المحلل السياسي، ذو التوجهات اليمينية الواضحة، عميت سيغل، كتب في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنه كان يسأل نفسه إذا ما سيكون بعد الانتخابات الداخلية لليكود، حزب ليكود جديد، وأنه من صدور النتائج اتضح له أن الحزب بين جديد من حيث وجوه المقدمة وليس جديدا من حيث ما أنجزه نتنياهو لنفسه. ولفت الى أنه في هذه الانتخابات، وبقوة نتنياهو، تم إضعاف شخصيات التنظيم الحزبي، وأولهم وأبرزهم يسرائيل كاتس، الذي تم دحره الى مكان متأخر (12) بدلا من صدارة القائمة في السنوات الأخيرة، كما خسر الانتخابات أقدم نواب الليكود، تساحي هنغبي، الذي دخل الى الكنيست سوية مع نتنياهو في العام 1988، وحصل على موقع ما بعد الـ 50. أما النائبان اللذان شجعهما نتنياهو في الماضي على الانشقاق عن حزبيهما وضمن لهما مقعدين، أورلي ليفي- أبكسيس، وغادي يبركان، فقد خسرا المنافسة، مع انتهاء فترة ضمانات نتنياهو، وسيكونان خارج الكنيست. 

ورأت محللة الشؤون الحزبية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" سيما كدموند في انتخابات الليكود "تحولا دراميا إلى أقصى الحدود". وكتبت:"إنه حدث درامي ضخم لتغيير الحمض النووي (دي إن إيه) لحزب الليكود، ليس عن طريق الانقسام، ولكن عن طريق استبدال قمة الليكود بأكملها في أقل من ثلاث سنوات، من الانتخابات التمهيدية إلى الانتخابات التمهيدية".

وأضافت:"اعتدنا على رؤية الأشخاص أنفسهم في القمة. يكفي إلقاء نظرة على واجهة عرض القائمة لفهم القصة كاملة. في الانتخابات التمهيدية قبل الأخيرة لليكود، كان يولي إدلشتاين وجلعاد إردان وجدعون ساعر ويسرائيل كاتس وميري ريغف على رأس القائمة. والآن لا يظهر أي من هؤلاء في الخمسة الأوائل. إدلشتاين، مأساة بحد ذاته، هبط من المركز الأول مباشرة إلى المركز الثامن عشر. لا يُذكر شيء من هذا القبيل في تاريخ الانتخابات التمهيدية. إن أولئك الذين أرادوا الليكود القديم، الليكود الكلاسيكي التقليدي، تأكدوا أنه ليس هو. بينما نتنياهومحاصر فعلا في الدوامة التي خلقها، فلقد أطلق بالفعل كل العفاريتمنالزجاجة. والليكود تغير بالفعل بطريقة حقيقية".

وختمت كدمون: "يمكن القول إن نتنياهو نجح. حصل على قائمة موالية له وستدعمه في جميع القوانين التي يريد تمريرها بعد الانتخابات، والتي ستدعمه. لكن المشكلة هي أنه نجح في وقت مبكر جدا. ففي هذه المرحلة، لا يريد أن يقدم للجمهور حزبا وجهه دافيد أمسالم. وهذا هو بالضبط التحدي الذي سيواجهه الآن،كل من يناقش ما إذا كان سيصوت لليكود،سيتطرق لأمسالم الذي حل خامسا في القائمة، الرجل الذي كان أسلوب حديثه يُعد هامشيا ومتطفلا وأصبح الآن واحدا من قادة القائمة".

بحسب الاستطلاعات التي تظهر تباعا، فإن نتنياهو على حافة تشكيل حكومة ضيقة بعد الانتخابات المقبلة، وفي حال نجح بها، فإن عمر هذه الحكومة من المفترض أن يكون أطول من الحكومتين الأخيرتين، ولكنها ستكون لأول مرّة حكومة ترتكز بداية على 4 أحزاب، وأكثر من نصف الائتلاف لحزب الليكود، وكل هذا حسب الاستطلاعات التي قد تنقلب لاحقا.

ورغم هذا، من الصعب رؤية أنه بعد هذه الانتخابات، واستنادا لفرضيات محاكمة نتنياهو الجارية، أن يواصل نتنياهو قيادة حزبه. وهذه السيطرة الكلية على الليكود، تهدد مستقبل الحزب بعد نتنياهو، ونحن نتحدث عن سنوات قليلة، إذ لن تكون من بعده الشخصية القادرة على فرض سيطرتها الكلية على الحزب، ما سيؤدي الى حدث شروخ وحتى انقسامات، ولكن هذا محاولة لوضع تصور لمستقبل الحزب، أمام هذه السيطرة غير المسبوقة بحدتها لشخص واحد، على حزب كبير بهذا الحجم.

حزب العمل بقائمة باهتة

أفرزت انتخابات حزب العمل الداخلية لتشكيل قائمة المرشحين، وهو الحزب الأول الذي ينجز المهمة، قائمة باهتة، اختفت منها الأسماء التقليدية في الحزب، أو لنقل تلك الأسماء التي كان لها باع أو أقدمية سنوات جدية في الحزب، فكل الأسماء، باستثناء رئيسة الحزب ميراف ميخائيلي، هي أسماء مجهولة نسبيا في الشارع الإسرائيلي، وهذا انعكس في استطلاعات الرأي في الأيام الأخيرة، التي واصلت التنبؤ بخسارة الحزب مقعدا أو مقعدين من المقاعد السبعة التي حققها في الانتخابات الأخيرة في آذار 2021. 

وبموجب نتائج الانتخابات، ستحل في المقعد الأول رئيسة الحزب ميراف ميخائيلي، التي انتخبت قبل نحو ثلاثة أسابيع بأغلبية تجاوزت 82%، في انتخابات داخلية، مرّت بهدوء، كونه لم تكن منافسة حقيقية لها، بعد أن نجحت في الانتخابات البرلمانية السابقة، في انتشال الحزب من الزوال الكلي من الخارطة البرلمانية، وتحقيق 7 مقاعد، رأى بها الحزب "إنجازا عظيما"، له.

والأسماء الأولى في القائمة، ليست معروفة، كما سبق وذكر، فقد حلّت في المكان الثاني بعد ميخائيلي، النائبة نعومي لازيمي، وهي دخلت إلى الكنيست في الولاية المنتهية، بفعل القانون النرويجي، الذي أجاز للوزراء أن يستقيلوا من عضويتهم البرلمانية. وفي المكان الثالث بعدها، جلعاد كاريف، وهو أيضا دخل الى البرلمان بفعل القانون إياه، ومثله إفرات رايتن في المكان الرابع.

في المكان الخامس سيكون النائب رام شيفع الذي انتقل لحزب العمل من التحالف السابق لـ"أزرق أبيض"، وهو عضو جديد في حزب العمل، وبعده إميلي مواتي، التي كانت محسوبة في ما مضى على حزب ميرتس.

وحلّ وزير الأمن الداخلي عومر بار ليف في المكان العاشر، والوزير نحمان شاي، في مرتبة أبعد بكثير، ما يعني أن حزبهما أسدل الستار على حياتهما السياسية البرلمانية. 

وهذه النتائج تعني أن حزب العمل، الذي نجا بأعجوبة من الزوال في الانتخابات السابقة، يأتي للانتخابات القادمة بقائمة باهتة، أسماء شبه مجهولة، لا نجوم سياسية فيها، والأهم من ناحية الحزب، لم يبق في القائمة أي عضو من أعضاء الحزب القدامى ولو نسبيا، وهذا من شأنه أن يُبعد قسما ممن تبقى من مصوتين تقليديين لحزب العمل.

محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، عرض صورة قاتمة لحزب العمل، وبالإمكان القول، إنها الأقرب الى واقع هذا الحزب، الذي صارع قبل عام ونصف العام من أجل البقاء ونجح.

يقول فيرتر: "ستواجه القائمة المختارة في الانتخابات التمهيدية صعوبة في تحقيق حلم ميخائيلي بإعادة حزب العمل إلى السلطة. ليس لديها أسماء أو نجوم مؤثرة من الخارج، ما يمنحها البريق الذي تفتقر إليه أو الإرث الوطني الذي جلبه قدامى المحاربين أمثال عومر بار ليف ونحمان شاي".

ويرى فيرتر أن حزب العمل أجرى ما يمكن تسميته تصفية للمتقدمين بالسن، وهذا برز في الإطاحة بالوزيرين عومر بار ليف (68 عاما) ونحمان شاي (75 عاما)، واختار قائمة أكثر شبابية، ولكنها تفتقر للقاعدة الجماهيرية، أسماء تقريبا ليست معروفة في الشارع الإسرائيلي، في الوقت الذي تتوقع استطلاعات الرأي أن يخسر حزب العمل مقعدا أو مقعدين من المقاعد السبعة الأولى التي حققها في الانتخابات السابقة.

بالإمكان التقدير، أن شكل قائمة حزب العمل سيجعل الحزب ينافس بقدر أكبر حزب ميرتس على الأصوات ذاتها، إلا أن الحزبين يرفضان، حتى الآن، التحالف بينهما، مستندين للتجربة التي كانت في انتخابات العام 2020، حينما كان التحالف مُضرا للحزبين معا، إذ تلاقت وجوه صقرية نسبيا من حزب العمل مع نواب ميرتس.

ولكن مع توقعات ما ستفرزه انتخابات حزب ميرتس في نهايات الشهر الجاري، آب، واحتمال عودة رئيسة الحزب السابقة زهافا غالئون لرئاسته مجددا، فإن القائمتين ستكونان متقاربتين أكثر من حيث توجهات المرشحين، وبالتأكيد أن الأمر سينتقل الى فحص استطلاعات الرأي، في الأسبوعين المتبقيين بين انتخابات ميرتس وتقديم قوائم المرشحين للجنة الانتخابات المركزية في منتصف أيلول المقبل، وعلى أساسه سيحسم أمر التحالف، الذي حتى الآن لا يلوح في الأفق.

القوائم الأخرى

على مستوى الأحزاب الإسرائيلية، فإنه حتى نهاية الشهر الجاري ستجري انتخابات في حزب ميرتس وفي حزب الصهيونية الدينية، وعدا هذا فإن القوائم تتشكل إما لدى رئيس الحزب، مثل "يوجد مستقبل"، ورئيسه يائير لبيد، و"أزرق أبيض"، ورئيسه بيني غانتس، و"إسرائيل بيتنا" وزعيمه أفيغدور ليبرمان، أو يتم تشكيل القوائم من خلال هيئات مقلصة، مثل الأحزاب الدينية المتزمتة لليهود الحريديم، التي تحسم فيها مسألة القوائم لدى الحاخامين الذين يقودون الأحزاب والحركات، أو التيارات الدينية داخل الحزب الواحد، والحديث هنا يدور حول حزب شاس لليهود الحريديم الشرقيين، وتحالف يهدوت هتوراة لليهود الحريديم الأشكناز. 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات