المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • منوعات
  • 3777
  • بلال ضاهر

عقب إيهود باراك، الذي تولى أرفع المناصب في إسرائيل، وبينها رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس هيئة أركان الجيش، على كتاب "فخ 67" لمؤلفه ميخا غودمان، بمقال نشره في ملحق الكتب في صحيفة "هآرتس"، في 12 أيار الماضي، ناقدا الكتاب واستنتاجات عديدة توصل إليها المؤلف، وأكد أنه أعطى وزنا أكبر لادعاءات اليمين الإسرائيلي.

 

ورفض باراك مساواة غودمان بين مخاوف "اليسار" الإسرائيلي من عدم حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ومخاوف اليمين من حل الصراع والانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967. ووفقا لباراك، فإن "إسرائيل هي الدولة الأقوى في المنطقة، وهذه المساواة التي يصفها غودمان ليست موجودة. فهو يساوي بين تهديد وجودي أكيد على مستقبل المشروع الصهيوني (التوازن الديمغرافي) ومخاطر تقنية عسكرية، تتمثل باستقرار قوة معادية غربي نهر الأردن في المستقبل أو صواريخ وإرهاب من الخارج أو الداخل، والتي يحظر الاستخفاف بها، إلا أنها لا تهدد وجود إسرائيل، ويوجد أكثر من رد واحد عليها".

وأضاف باراك أنه يوافق على مخاطر الدولة الواحدة ووجود أغلبية عربية فيها، "لكن الكارثة التي يتحدث عنها اليمين ليست بنفس الحجم. والانفصال عن الفلسطينيين ليس تهديدا وجوديا، والادعاء أنه في أعقاب هذا الانفصال لن يكون بالإمكان الدفاع عن إسرائيل ليس صحيحا". ولفت باراك إلى أن "معظم رجال الأمن الإسرائيليين، الذين يؤمنون بالأمن قبل وبعد أي شيء آخر، يرون بالانفصال عن الفلسطينيين في يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية) من خلال ضمان سيطرة أمنية على كل المنطقة طوال المستقبل المنظور هو جزء من أي تسوية مرحلية. وهم يرون بـ’التسوية الإقليمية’ و’الدولتين للشعبين’ جزءا من أي تسوية دائمة. وإذا لم نتمكن من دراسة التسوية الإقليمية سنقف أمام خطر، ليس فقط على صبغة الدولة ومكانتها في العالم، وإنما قبل كل شيء سنقف أمام خطر أمني، بما في ذلك محاربة الإرهاب".

وتابع أنه "بما أننا أقوياء وندرك جيدا المصلحة الأمنية، فإن تسوية مرحلية أو دائمة، نوافق عليها، لا يمكنها أن تشكل خطرا وجوديا على إسرائيل. وأنا أقرأ بين صفحات الكتاب عن ’فخ’، لكن عندما أنظر إلى الواقع فإني أرى فرصا... لكن تبني الادعاءات الواردة في الكتاب من شأنها أن تشوش على قراءة الواقع، وتعزيز المخاطر والتسبب بعمى لنا ومنعنا من رؤية الفرص".

وأشار باراك إلى أن "غودمان يبدو كمن يضع نفسه في وسط الخريطة السياسية، ويحلل وينتقد اليمين واليسار. لكن، عمليا، عن وعي أو بدون وعي، هو يتبنى فرضيات اليمين، رغم أن بعضها مفند". ووفقا لباراك، فإنه خلافا لكتبه السابقة، بحث غودمان في كتابه الحالي في مواضيع "ليست في مجال اختصاصه. وهذا الأمر جعل المؤلف يسقط في فخاخ يحذرنا من السقوط فيها".

ورأى باراك أن الكتاب يعاني من عيبين كبيرين: "الأول، هو أنه يظهر في أماكن كثيرة في الكتاب الادعاء المفند أنه من دون سيطرة إسرائيلية كاملة على قمم جبال يهودا والسامرة لا يمكن الدفاع عن إسرائيل. وكل الوصف لوضع إسرائيل الأمني مشوب بهلع عميق، بالإمكان فهمه عاطفيا، لكن حقائقه الأساسية ضعيفة".

وأردف أن "هذا وصف مبالغ فيه ومبسط. صحيح أن مساحة إسرائيل صغيرة، ولو كان بالإمكان توسيعها بجرة قلم، أو صلاة أو أمنية، من دون مخاطر وأثمان أخرى، لاخترنا ذلك جميعا. لكن من الواضح أن الحال ليست بهذا الشكل. أفليس من هذه الحدود المقلصة، حققنا أعظم انتصاراتنا مقابل ثلاثة أعداء؟ ويوجد الآن اتفاقيات سلام مع اثنين منهم، والثالث، سورية، غارق في حرب أهلية منذ ست سنوات. وثمة الكثير الذي ينبغي فعله، لكن لا مكان للمخاوف من أجل العمل".

والعيب الثاني في الكتاب، بحسب باراك، هو أن جبال الضفة المطلة على السهل الساحلي الإسرائيلي "ليست كل الصورة. والأمن ليس مناطر مطلة ومواقع للسلاح فقط. الأمن هو مجموعة أمور. إنه مجمل القدرات العسكرية، المدنية، السياسية وكذلك المعنويات القومية. ولا يوجد ذكر لهذه الحقائق في الكتاب أيضا".

ورأى باراك أن "التهديد الديمغرافي"، أي زيادة عدد العرب بين النهر والبحر على عدد اليهود، هو "تهديد أكيد" وأن "المجال الزمني لتحققه يقاس بسنوات ليست كثيرة، وليس بأجيال. هذه حقائق وليست معتقدات". وانتقد باراك إعطاء وزن في الكتاب لجهات في اليمين الإسرائيلي من الذين "ينفون التهديد الديمغرافي".

وأضاف باراك أن "النقطة العمياء" في إدراك اليمين لمهمة الأمن في الضفة الغربية تتعلق بمحاربة المقاومة الفلسطينية، التي يصفها بـ"الإرهاب". وشدد على أن "الحقيقة معاكسة. وتقديرات الجهات الأمنية بالنسبة للإرهاب من داخل سكان مدنيين، هي أنه من الأسهل محاربته من وراء’ خط فاصل’ معرّف، ومن خلال الحفاظ على حرية العمل خلفه، من العمل داخل مزيج كامل من السكان، الذي يصعّب الحصول على معلومات استخبارية وقدرة الرد على سقوط ضحايا".

وتابع باراك أن "اليسار المسؤول لا يدعي أنه ينبغي الاعتماد على أحد ما، فلسطيني أو آخر. ويدعي اليسار المسؤول أيضا أن خطرا أمنيا كبيرا يكمن في مجرد استمرار السيطرة على المناطق. واليسار المسؤول هو التيار السياسي في إسرائيل الذي يحمل معه العبرة الصهيونية الحقيقية أنه ’بالإمكان الاعتماد على أنفسنا فقط’، مع إضافة نظرة شاملة وواسعة وعميقة لجوهر الأمن، نظرة تتعامل مع الأفق وليس مع الحاضر وحسب. وهي نظرة تدرك أن الأمن في القرن الواحد والعشرين هو ليس فقط تلال مطلة وإنما مجموعة واسعة من الأمور".

واستطرد باراك أن "اليسار المسؤول هو الذي يواصل العمل بموجب مفهوم بن غوريون ودايان وبيريس ورابين ومفهومي أنا، سوية مع كثيرين آخرين. وهذا المفهوم يحقق في رؤيته وأفعاله بناء ’الجدار الحديدي’، الذين جلبنا إلى انتصارات في حروبنا، وجلب مصر والأردن إلى سلام ويساعدنا اليوم في الحرب ضد الإرهاب. هذا هو المفهوم الواسع، الذي دفع العالم العربي للانتقال من ’لاءاته الثلاث’ التي اعتمدها في (قمة) الخرطوم، في العام 1967، إلى ’المبادرة السعودية’ من العام 2002 و’مقترح جامعة الدول العربية’".

وخلص باراك إلى أن "اليمين، في المقابل، الذي دافعه العميق، والحقيقي، هو ’الأرض الكاملة’ قبل وحتى على حساب ’سلامة الشعب’، يسعى إلى التهرب من حسم سياسي إلى حين يخلق المبنى الواقع خارج ’الكتل الاستيطانية’ وضعا يكون غير قابل للتغير".

 

المصطلحات المستخدمة:

باراك, رئيس الحكومة, هآرتس, المطلة, الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات