المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • منوعات
  • 4381
  • هشام نفـاع

تتحول الشوارع في إسرائيل من سنة إلى اخرى إلى أكثر عنفاً. خطر التعرض لشجار أو لسلوك عدواني أو عصبيّ تزايد أحياناً بشكل مضاعف من سنة إلى أخرى. هذه هي خلاصة معطيات بحث أجرته منظمة "أور ياروك" المهتمة بحوادث الطرق، بمشاركة مركز الأبحاث ("مأغار موحوت")، وأصدرته في تقرير منشور على موقعها في الانترنت. معطيات البحث خطيرة لكنها ليست مفاجئة لمن يتمتعون بمنظور نقدي حيال ما يجري من تفاعلات عنيفة في السياسة والمجتمع الإسرائيليين.

 

يأتي هذا البحث مكملاً لأبحاث مشابهة سابقة للمنظمة المذكورة، وهي تتقصى التغيرات في الظاهرة. الصورة لم تتغير كما تبين الأرقام، بل تزداد سوءاً. فكل سائق ثانٍ تقريباً يقول إنه كان شاهد عيان على شجار عنيف وقع في الشارع. بالمقابل، كان 21 بالمئة من السائقين قد أفادوا في السنة التي سبقتها أنهم شهدوا شجارات عنيفة مماثلة – أي أن هناك زيادة خلال سنة واحدة بنسبة تصل الضعفين. كذلك، صرّح 87 بالمئة من السائقين أنهم رأوا شجارات كلامية عنيفة، وهذا مقابل 63 بالمئة في العام الذي سبقه – أي زيادة بنحو 30 بالمئة.

"مَن لم يصطدم بسائق يشتم ويهدد؟"

تقول "أور ياروك" في بحث مشابه كانت أجرته عام 2014 ان 42 بالمئة من السائقين قد أفادوا بأنهم تعرضوا او اصطدموا بعنف كلامي. وهي تقرّ بأنه منذ بدء العدوان على غزة في صيف 2014 (المسمى في المعجم السياسي والعسكري والاعلامي الإسرائيلي "الجرف الصامد") "نشهد عنفاً متزايداً في صفوف مواطني دولة إسرائيل، جسدياً وكلامياً أيضاً. إن العنف في المجتمع الإسرائيلي الذي وصل ذروات جديدة، لا يتوقف عند شبكات التواصل الاجتماعي والمظاهرات المشحونة بل يتسرب أيضا إلى الشارع". وتتساءل المنظمة: "من منا لم يصطدم بسائق يشتم، يهدد، يقطع الشارع دون مسؤولية، أو يلتصق هكذا دونما أي مبرر بسيارة أخرى بخطورة؟".

البحث الذي أجري بالتعاون مع معهد الابحاث "غيوكارتوغرافيا" جاء لفحص نسبة الاشخاص الذين يفيدون بتعرضهم لظواهر مختلفة من الغضب والعدوانية من قبل سائقين في شوارع إسرائيل. وهو يكشف أن كل سائق ثان (54%) أفاد بأنه تعرض مرة واحدة في السنة الأخيرة على الأقل لسائق شتمه أو تصرف بشكل عنيف كلامي أو بحركات أيدٍ تهديدية ضده.

فيما يلي عدد من معطيات البحث:
أفاد 15% بأنهم واجهوا مرة واحدة على الأقل شجاراً في الشارع.
أفاد 84% انهم رأوا مرة واحدة على الأقل تلك السنة سيارة تتجاوز سيارات أخرى او تلتصق بها بشكل مخالف للقانون.
قال 60% من السائقين إنهم شاهدوا مرة واحدة على الأقل سائقا يضيء المصابيح العالية في سيارته ويضايق السائقين بل قد يهدد بوقوع حادث.

هناك 74% أفادوا بأنهم رأوا سائقاً شغل نفير السيارة بشكل عنيف.

تقول الجمعية: سُجلت زيادة متطرفة كبيرة للعنف في الفضاء العام. فهناك سائقون يسمحون لأنفسهم بالتصرف بعنف حين لا تكون الشرطة في الجوار. أي ان قلة حضور الشرطة وسيارات الشرطة تقود إلى غياب ردع في الشوارع. وهي توصي بزيادة ميزانية الشرطة بمبلغ 180 مليون شيكل مثلما كانت أقرت خطة قطرية سابقة بهذا الشأن. وتضيف ان وزارة المواصلات ملزمة بتطوير شبكة المواصلات العامة لتسهيل الاختناقات المرورية الكثيرة مما قد يجعل السائقين يتصرفون بشكل أكثر تسامحاً واقل عصبية.

تلك المعطيات وغيرها قادت المنظمة إلى الإستنتاج بأن خطر التورط في حادث طرق قد زاد بالضعفين، وهذا يشمل بالطبع سائقين يحافظون على القانون ويبتعدون عن العنف لكنهم تورطوا في الحوادث بسبب مسؤولية سائق آخر.

بحث آخر للمنظمة وجد ان السائقين الذين شعروا بغضب قد أفادوا عن أفعال متسرعة وخطيرة في الشارع، مثل عدم الحفاظ على مسافة آمنة مع سيارات أخرى أو السرعة المفرطة والسياقة الأقل اتزاناً عموماً. ويحدد البحث بأن هؤلاء السائقين سيتورطون في حوادث طرق بنسبة مضاعفة قياساً بسائقين غير متوترين وغاضبين خلال السياقة. وكان أشار بحث أميركي آخر إلى أن الغضب والعنف يلعبان أدواراً رئيسة من الدرجة الاولى في نصف حوادث الطرق الأكثر قسوة وقتلا في الولايات المتحدة.

بحث آخر أجراه معهد الأبحاث الهولندي للأمان على الطرق، فحص ووجد أن هناك علاقة قوية بين الغضب وبين السلوك العنيف والعدواني على الشارع. والمقصود هو السلوك الذي من شأنه أن يؤدي إلى ضرر جسدي أو نفسي لصاحبه، وسلوك يحتوي على عنف وخروج عن القواعد الأخلاقية. هناك العديد من الأسباب للتصرفات العنيفة في الشارع: العديد من السائقين يعتلون الشوارع بسياراتهم وهم معرضون لمشاعر الغضب والعصبية من أمور تجري قبل السياقة أو خلالها. وفي إسرائيل تتعدد الاسباب بدرجات غير معقولة. هذه المشاعر تهدد وجود السائق على الشارع وتجعله عنيفاً وسريع رد الفعل العصبي بشكل اكبر.

سبب آخر للخطر هو ظروف الشوارع. ففي الحالات الطاغية هناك ازدحامات مرورية كبيرة، تأخير فيما يتعلق بالشارات الضوئية ومخالفات ترتكب وتؤدي إلى جعل السير عالقاً لفترات طويلة. هذه الأمور وأمور أخرى تجعل السائق يشعر بالعصبية، الغضب والتوتر مما يزيد من احتمالات تورطه في حادث طرق بشكل جدي.

اضافة إلى التوصيات المتعلقة بميزانيات تطبيق القانون من قبل الشرطة وتحسين شبكة المواصلات من قبل الوزارة المختصة تتحدث المنظمة عن مسألة التربية، وبكلماتها: من المهم فهم أنه من الصعب منع تعرض الناس للمشاعر المختلفة، ولكن من شأن المعلومات والدورات والتدريبات في مسألة السيطرة على الغضب أن تساعد على تغيير الأسلوب الذي يتم فيه التعبير عن الغضب على الشوارع. وفيما يخص البنى التحتية فلا شك في أن الكثير من السائقين يشعرون بالغضب والاندفاع نحو السلوك المتسرع والانفعالي حين يعلقون مثلا في ازدحام مروري طويل. ومن الواضح أن خفض الازدحامات المرورية وتقصير فترات انتظار الضوء الاحمر على الشارات الضوئية والمعلومات الموجهة للسائقين بخصوص التأخيرات في الشوارع قادرة على المساعدة في خفض المشاعر المتطرفة وآثارها.

لغز الاستغراب الإسرائيلي من تفشي العنف!

الصحافية التقدمية عميرة هس كانت كتبت بعد عدوان إسرائيل على غزة عام 2008 عن تزايد حوادث القتل في المجتمع الإسرائيلي. واعتبرت أن "الأمر المذهل حقاً في موجة القتل التي شهدتها الاسابيع الاخيرة، هو ذلك الاستغراب الإسرائيلي الجماعي من ظاهرة العنف المتفشية في اوساطنا. مرة أخرى تظهر قدراتنا على إزالة العنف اليومي من الجدل السائد، هذا العنف الذي يرتبط بسيطرتنا الطويلة على الفلسطينيين وعلى أرضهم. فحتى عندما لا يكون هناك قتلى وجرحى فلسطينيون على يد الجيش الإسرائيلي، ليست هناك فترة استراحة في ممارسة القوة الروتينية التي يقوم عليها نظام الاحتلال".

وهي تقرأ هذا العنف بمنظور بنيوي إذ أن "للجهاز القضائي العسكري الذي يحاكم الفلسطينيين فقط من سكان الضفة دورا مهما في استنساخ العنف. في جهاز القضاء المدني الإسرائيلي مجموعات اجتماعية ليست جزءا من الحكم، وتسعى لمنع الجهاز القضائي من تفضيل مصالح مراكز القوة. في المقابل في جهاز القضاء العسكري يقوم الحاكم باستخدام قوته دون إزعاج تقريبا حتى يضمن سيطرته وحقوقه المتميزة. المحتل يقوم بابتداع قوانين تهدف إلى معاقبة وردع الطرف الخاضع تحت الاحتلال الذي يتجرأ على المقاومة والاعتراض".

هس تلخّص: "من كبير القضاة العسكريين وحتى آخر الجنود المبتدئين في الحاجز العسكري - مئات آلاف الإسرائيليين الطبيعيين تماما وغير العنيفين في منازلهم - يشاركون في مهمة الادارة وتدجين المجتمع الآخر من خلال المس التراكمي بحقوقه ورفاهه وسلامته. هذا المعيار الذي لا يدخل في حسابات احصائيات العنف والعنيفين عندنا".

فعلا، ففي العام 2009 أفاد ما يزيد عن 90% من السائقين بانهم يصطدمون بحالات غضب وعنف على الشوارع. الأرقام في حينه كانت كالتالي: 87% من السائقين قالوا انهم اصطدموا بسائق يطلق النفير بعنف. وقال 44% منهم إنهم اصطدموا بحالات مماثلة أكثر من 6 مرات. وقال 91% من السائقين إن سيارةً ما تجاوزتهم بعنف او التصقت بهم بما يشكل خطراً. 53% من هؤلاء تعرضوا لهذا السلوك العنيف أكثر من 6 مرات. 87% من السائقين تعرضوا لحالات إضاءة المصابيح القوية والعالية و 30% من السائقين اصطدموا بأكثر حالات الغضب عنفاً على الشارع وهي الشجارات الجسدية. هذا بينما قال 70% انهم واجهوا عنفاً كلامياً و 26% منهم عايشوا هذه الحالات أكثر من 6 مرات.

نتائج أشارت إليها أبحاث أخرى في العالم

مرة أخرى، توصل البحث إلى نتائج اشارت اليها أبحاث أخرى في العالم: هناك علاقة بين التوتر والغضب وبين ارتكاب مخالفات مواصلات. وتبين ايضا أن الغضب والعدوانية في السياقة تزداد اكثر لدى الاجيال الشابة. وقد رجحت دراسة جديدة ذات صلة (نقلتها "رويترز"، 2 حزيران 2017) أن يكون لدى المراهقين الذين يمارسون أنشطة عنيفة أصدقاء مباشرون أو غير مباشرين يتسمون بالعنف. وقال براد بوشمان كبير الباحثين في الدراسة: "الأفعال العنيفة تنتقل عبر الشبكات الاجتماعية وتنتشر كالعدوى من شخص لآخر". وعكف بوشمان وهو أستاذ في علم النفس والاتصالات بجامعة ولاية أوهايو في كولومبوس على تحليل مقابلات ترجع لتسعينيات القرن الماضي مع قرابة ستة آلاف طالب أميركي من المراهقين. وخلصت الدراسة التي نشرت في الدورية الأميركية للصحة العامة إلى أن من كان لديهم صديق ألحق الأذى الشديد بأحد كانوا أكثر عرضة بنسبة 183 بالمئة لأن يقولوا أنهم ألحقوا الأذى بأحد مقارنة مع الطلاب الذين لم يؤذ أصدقاؤهم أحدا. وأضافت أنه إذا أشهر الصديق سلاحا في وجه أحد فإن المراهقين كانوا أكثر عرضة بنسبة 140 بالمئة لإشهار السلاح، وإذا تورط الصديق في عراك عنيف فإن الطلاب كانوا أكثر عرضة بنسبة 48 بالمئة للتورط هم أيضا في عراك عنيف. في هذا الضوء: يجب التفكير بما يستقدمه الجنود الشباب من ساحات القمع إلى الشوارع.

وفقاً للبحث يبدي الرجال سلوكيات عنيفة أكثر من النساء. عالمياً أيضاً، تقول منظمة الصحة العالمية في تقرير لها في تشرين الثاني 2016: "من الملاحظ، اعتباراً من مراحل العمر المبكّرة، أنّ الذكور أكثر ضلوعاً في حوادث المرور من الإناث. أكثر من ثلاثة أرباع (73%) من مجموع وفيات حوادث الطرق تحدث بين الرجال. فقد تبيّن أنّ من بين مجموع السائقين الشباب يفوق احتمال وفاة الذكور دون سن 25 عاماً بسبب حادث مرور احتمال وفاة الإناث الشابات بنحو ثلاثة أضعاف".

الأشخاص الذين يميلون إلى الغضب يظهرون هذا أيضاً خلال السياقة، وتعابير ومظاهر العنف ملموسة أكثر في الساعات التي يكون فيها السائقون تحت شعور ضغط الوقت قبل ساعات العمل او بعدها. فمظاهر العنف المتزايدة لدى الجمهور الإسرائيلي، وفقا للمنظمة لا تتجاوز سلوك السائق على الشارع ويجب التذكر بأن السائق الغاضب يملك بين يديه سلاحاً فتاكا – وهو السيارة التي يمكن أن تهدد ليس حياته هو فقط بل حياة السائقين والمشاة المحيطين به أيضاً. (للتوكيد: في عام 2010، أعلن قرار أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عن عقد للعمل من أجل السلامة على الطرق أكدت فيه على وجوب "تحسين سلوكيات مستخدمي الطرق").

يجدر التنويه إلى ان هناك خلفية اقتصادية اجتماعية لحوادث الطرق الناجمة عن العنف. فمنظمة الصحة العالمية قالت في تقريرها المشار إليه اعلاه: "يحدث أكثر من 90% من الوفيات الناجمة عن إصابات حوادث المرور في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل. وتبلغ تلك الوفيات أعلى مستوياتها في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة التابعة للإقليم الأفريقي. وحتى داخل البلدان المرتفعة الدخل تواجه الفئات الاجتماعية الاقتصادية الدنيا احتمال التعرّض لحوادث المرور أكثر".

عن عنف الشوارع وعنف السياسات!

"إرهاب خلف مقود السيارات: ازدياد العنف على الشوارع".. كان من اللافت أن تورد هذا العنوان الصارخ صحيفة "يسرائيل هيوم" (8 حزيران 2017)، إحدى أكثر الصحف الإسرائيلية يمينية. بل إنها الصحيفة التي ترى فيها أوساط إعلامية واسعة ليس أكثر من نشرة عديمة المعايير المهنية، وظيفتها الرئيسة خدمة مصالح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. فمن يستخدم مفردة "الإرهاب"، السياسية المشحونة جداً في الرأي العام الإسرائيلي، ضمن سياق عنف الشوارع، يؤكد ربما من حيث لا يدري مدى ارتباط السياسة بالعنف الداخلي، والذي يشكل الشارع أوسع مسرح له.

الصحيفة، بوصفها بوقاً لأكثر العناصر والجهات الرجعية في المجتمع الإسرائيلي، تنفي وتنكر عادة ارتفاع منسوب العنف بسبب الأحوال والاجواء والممارسات السياسية والاقتصادية، لكنها تعود هنا لتعترف بكلماتها أن العنف يتسرب إلى الشوارع. ولكن هنا يُقطع النص فلا يُشار إلى المكان الذي يتسرب منه هذا العنف.

فالشارع ليس حيزا للتنقل والتواصل فقط، بل إنه يجمع عدداً من العناصر الهامة التي تعكس وضعاً مجتمعياً محدداً. فمثلا، الشارع هو واحد من أكثر الملتقيات جماهيرية في أية دولة وفيه تتجلى بالإضافة إلى ما يمكن تسميته الصفات الفردية للسائق، المميزات الاجتماعية العامة للمجتمع في ظرفه السياسي والاقتصادي والاجتماعي. يسود في إسرائيل الوهم القاتل القائل بأن الاحتلال يجري في مكان آخر، والاستيطان في مكان آخر، والجدار في مكان آخر، والسياسات التي تؤدي إلى ما لا يقل عن التجويع والحرمان من الحق في التحرك والاعتياش لملايين الفلسطينيين – كل هذا يجري في مكان آخر! ولكن من السخف القبول بهكذا مزاعم طالما أن الإحتلال هو منظومة غير مفصولة عن الدولة وعن المجتمع، بل بات يشكل عنصراً مركباً أساسياً في هويتها وفي حراكها وفي سلوكها واقتصادها وسياساتها، وخصوصا أنه احتلال تجاوز مطلع الشهر الجاري نصف قرن من الزمن.

مجلة "نيتشر" العلمية تؤكد في مقال حول بحث للعالم روبرت إم. سابولسكي (أيار 2017) "أهمية السياق الثقافي والاجتماعي الذي تنشأ التصرفات ضمنه".

وتشير إلى خطورة "القوى (الاجتماعية) التي تؤدي إلى العنف، والتجرُّد من الإنسانية، والحرب، إلى جانب التسامح، والتعاطف، والسلام. توجد للرموز والأفكار أهمية كبيرة في هذا الجزء من التحليل، إذ نتعلم كيف تستطيع الاستعارات المجازية التجريد من الإنسانية، بطرق يمكنها أن تؤدي إلى أعمال وحشية (مثل وصف مجموعة بشرية مُحتَقَرة بـ"الصراصير")"، تقول المجلة. إن وصف الصراصير هو مقولة مشهورة لرئيس أركان جيش الاحتلال ولاحقاً الوزير، السابق، رفائيل إيتان حين شبه العرب بـ"صراصير مسممة داخل قنينة"..
إن من تعود بأن القانون الذي يحكم شوارع منطقة محتلة هو قانون الغاب وأن قوى الأمن المختلفة توفر دائما الغطاء والحماية والتبرير والتسويغ لمن هو في رتبة السيد؛ ومن يسمح لنفسه بل تسمح له الدولة وقانونها وحكومتها وسياستها بممارسة أبشع أشكال العنف في منطقة محكومة عسكرياً - من الطبيعي والوارد وربما العلمي أيضاً القول: إن كل هذا الاستثناء العنيف الذي لا يضبطه قانون ولا نظام، ناهيك عن المعيار الاخلاقي، هو استثناء سيصبح بمثابة القاعدة التي تحكم. ليس قاعدة تحكم السيد تجاه الآخر الرازح تحت بشاعة هيمنته وعنفه فقط، وإنما ستطال أيضا حياته اليومية بأكثر ممارساتها يومية وعادية. كما أسلفنا، وهل يوجد أكثر من الشارع مسرحا لكل هذا؟!

ابحثوا عن العسكرة في أصول العنف

منظمة بروفايل جديد- الحركة لمناهضة العسكرة في المجتمع- تشرح على واحدة من صفحات موقعها كيف أصبحت العسكرة أيديولوجيا منتشرة ترى بالجيش قيمة عليا، أيديولوجيا تهوّل من القيم العسكريّة وتبني حولها الأساطير، مع أو بدون علاقة بالأوضاع الأمنيّة. مجتمع قائم على العسكرة هو مجتمع يحمل أيديولوجيا تقدّس الجنديّة، ويشكّل الجيش فيه جزءاً لا يتجزّأ من الحياة الإجتماعيّة. وحين يختلط المدني بالعسكريّ، تصبح القيم العسكريّة التي تقدّس الحرب هي تلك التي تعطي مجالات الحياة المدنيّة تعريفاتها: في التربية، الاقتصاد، الترفيه، الحيّز المدني، الخدمات الإجتماعيّة، الحياة العائليّة وغيرها. المجتمع اليهودي في إسرائيل هو مجتمع يرى بالردود العسكريّة أمراً إعتيادياً، ولا يرى بأن الحروب يمكن أن تُمنع. هو مجتمع يرتبط اندماج الأفراد فيه بخدمتهم العسكريّة التي تُعتبر عبئاً يجب تقاسمه، وفي الوقت ذاته رسالة إجتماعيّة في المستوى الرفيع. مجتمع يعرّف قوميّة أخرى كعدو. مجتمع يمكن أن ترى في مدنه وبلداته دبابات، بنادق، مواقع وشوارع تُسمى على أسماء المعارك وقيادات الحروب..

سياسات الإجماع الإسرائيلية التي تجمع الأفراد حول نار القبيلة، ليست جديدة. هذا مميز لكل نظام يسعى لتصدير خلافاته واختلافاته، ومواصلة تشييد طابعه الرأسمالي.

في مقدمة كتابها "اصلاح اجتماعي أم ثورة" كتبت المفكرة المانية روزا لوكسمبورغ: "لقد حدث التغير ذاته في الظاهرة العسكرية. فإذا نظرنا إلى التاريخ كما كان، لا كما هو ممكن أو واجب، فإن علينا أن نوافق على أن الحرب كانت ملمحا ملازما للتطور الرأسمالي. فالولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا ودول البلقان وبولندا مدينة جميعا بشرط تطورها الرأسمالي أو بصعوده للحروب، سواء انتهت بالنصر أم بالهزيمة. ففي الحالات التي كانت فيها بلدان تعاني من الانقسام السياسي الداخلي أو العزلة التي يجب أن تحطم، لعبت الظاهرة العسكرية دورا ثوريا من وجهة نظر الرأسمالية".

وتتابع: "لقد أصبحت العسكرة أمرا لا غنى عنه لهذه الطبقة (الرأسمالية). أولا كوسيلة للصراع من أجل حماية المصالح القومية في التنافس مع الجماعات القومية الأخرى. وثانيا كوسيلة لتوظيف رأس المال النقدي والصناعي. وثالثا كأداة للسيطرة الطبقية على السكان العاملين داخل البلد نفسه (...) لقد تحولت العسكرة من محرك للتطور الرأسمالي إلى داء رأسمالي".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات