المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

(محللة اقتصادية في صحيفة "ذي ماركر")

تعريف: في هذا المقال تستعرض المحللة الاقتصادية معطيات بحث جديد تدل على عدم قدرة الغالبية الساحقة جدا من الأجيرين في إسرائيل على تحسين أوضاعها الاقتصادية الاجتماعية، حتى بعد سنوات طويلة من الانخراط في سوق العمل.

في نهاية القرن الـ 19 وبداية القرن العشرين تدفق عشرات الملايين على شواطئ الولايات المتحدة الأميركية، التي سوّقت نفسها على أنها "بلاد الإمكانيات غير المحدودة"، بمعنى أنه في دولة واحدة كل فرد بإمكانه أن ينجح، واحتمالات نجاحه متعلقة فقط به، وبمثابرته، وليس بنقطة انطلاقه للعمل.

ولم تكن إسرائيل أبدا دولة ناجحة مثل الولايات المتحدة في تسويق نفسها، ولكن يخيل أنه في فترة ما ساد فيها الاعتقاد بأن قوة الفرد هي التي تحدد مصيره، وليس موطنه الأصلي. وباستثناء عرب إسرائيل، الذين يعانون بشكل واضح من التمييز في سوق العمل، فإن وجهة النظر المسيطرة في إسرائيل، هي إن السماء هي الحدود، لكل من لديه الجاهزية لأن يبذل الجهد، وأن يمتلك تعليما وتأهيلا، وأن يعمل بشكل جاد.

حتى الآن، وفي غياب أبحاث فحصت هذا الموضوع، ترسخت وجهة النظر هذه، وأحد الانعكاسات المؤلمة لقلة المهنية الإسرائيلية في الأبحاث من هذا النوع، هو الأخطاء والنواقص في مؤسسة تركيز الإحصائيات في مكتب الإحصاء المركزي، الذي لم يسمح بتفحص ارتقاء العاملين في إسرائيل، بمعنى احتمالات أن يحسنوا أوضاعهم على مر السنين.

وهذا ما كان حتى الشهر الأخير، الذي نشرت فيه ميري إندفيلد، من مديرية الأبحاث والتخطيط في مؤسسة التأمين الوطني (مؤسسة الضمان الاجتماعي الرسمية)، بحثا حول تحسن أوضاع العاملين في إسرائيل، وقد استند البحث إلى معطيات الرواتب في سلطة الضرائب الإسرائيلية.

ورأى بحث مؤسسة التأمين الوطني أنه يجب التأكيد على أن الحديث يجري عن عاملين أجيرين، عملوا بين الأعوام 1990 و2005، وكان عملهم في غالبية تلك السنوات، بمعنى أن البحث تركز أساسا على جمهور عامل ومنتج في إسرائيل، من دون المؤثرات الاجتماعية السلبية لعدم انخراط النساء العربيات والرجال اليهود الأصوليين في سوق العمل، وهذا يؤكد حجم الضائقة في إسرائيل، التي لا تبدأ بالأصوليين اليهود وتنتهي بالعرب وحدهم.

وفحصت مؤسسة التأمين الوطني احتمالات تطور العامل اقتصاديا بين المراتب الاجتماعية الخمس، مثلا أن ينتقل عامل كان في مرتبة اقتصادية اجتماعية متدنية في العام 1990 الى مرتبة اقتصادية اجتماعية أعلى في العام 1995، وهذا الفحص جرى في ما يخص كل واحد من المراتب الاقتصادية الاجتماعية الخمس (من حيث مستوى المعيشة)، وكان الفحص: هل ارتقى العامل الى مرتبة أعلى أم تدهور الى مرتبة أقل؟ وجرى تقسيم المدة الى ثلاث فترات 1990- 1995، و1995- 2000، و2000- 2005.

وكان استنتاج بحث التأمين الوطني حازما غير قابل للتأويل: كلما مر الوقت، تضاءلت فرص ارتقاء العامل من مرتبته الى مرتبة أعلى، فقد تبين ان 5ر67% من العاملين في أدنى مرتبة اقتصادية اجتماعية في العام 1990 بقوا في مكانهم في العام 1995، وارتفعت هذه النسبة بين الأعوام 1995 و2000 الى 5ر69%، لترسو النسبة عند 70% بين الأعوام 2000 و2005.

ومن يعتقد أن قلة القدرة على اختراق حدود المرتبة الاقتصادية الاجتماعية الى الأعلى، هي فقط في ما يتعلق بمن هم في المرتبة المتدنية، فقد أخطأ ووقعوا بالوهم، لأنه اتضح ان هذه الظاهرة كانت حتى أكبر في باقي المراتب الاقتصادية الاجتماعية، فمثلا من كانوا في المرتبة الثالثة، بقي 44% منهم في مرتبتهم في الفترة الأولى التي تم فحصها، وارتفعت هذه النسبة الى 5ر48% في الفترة الثانية، وإلى 5ر51% في الفترة الثالثة، وفي المقابل، فإن الذين هم في المرتبة الخامسة العليا بقي 73% منهم في مرتبتهم في الفترة الأولى، و75% في الفترة الثانية و5ر78% في الفترة الثالثة، ولم يرتقوا أكثر.

وشملت مسألة عدم تحسن أوضاع العاملين مؤشرات أخرى، فمثلا فرص تحسن الأوضاع لدى النساء كانت اقل من الفرص لدى الرجال، كذلك فإن التدهور نحو الأسفل، كان أكثر من الارتقاء بالأوضاع الاقتصادية، فمثلا بين الأعوام 1990 و1995، تحسنت أوضاع 3ر21% من العاملين، مقابل تدهور أوضاع 4ر22% من العاملين. وفي الفترة ما بين الأعوام 1995 و2000، تحسنت أوضاع 4ر19% من العاملين مقابل تدهور أوضاع 1ر21% من العاملين. وبين الأعوام 2000 و2005 تحسنت أوضاع 6ر18% فقط من العاملين، مقابل تدهور أوضاع 1ر19% من العاملين.

من الضروري الإشارة الى أنه ليس لدى مؤسسة التأمين الوطني تفسير لتردي أوضاع العاملين الاقتصادية بين الأعوام 1990 و2000، وأحد التقديرات لكون تحسن وتردي الأوضاع كان بوتيرة أعلى من اي فترة أخرى، هو الهجرة الكبيرة من دول الاتحاد السوفياتي السابق، وفي اللحظة التي توقفت فيها الهجرة، تراجع تنقل العاملين بين المراتب الاقتصادية الاجتماعية، في حين أنه بين الأعوام 2000 و2005 كانت فترة ركود اقتصادي كبير، ما يعني عمليا جمودا في تحسن أوضاع العاملين.

والأمر الثاني في تفسيرات المؤسسة، هو بدء استقبال العمال الأجانب في سنوات التسعين، وهذا ما انعكس سلبا على قدرة العاملين في إسرائيل، خاصة من ذوي المؤهلات المنخفضة والتحصيل العلمي المنخفض بأن يحسنوا أوضاعهم، وأن يرفعوا من مستوى رواتبهم ومداخيلهم.

كذلك فإن ارتفاع معدل الأعمار في إسرائيل يقلل بشكل شبه مؤكد من احتمالات تحسن الأوضاع على مدى السنين، فيما أسس العولمة قللت من احتمالات من هم في أعلى مرتبة اقتصادية اجتماعية للأجيرين من ان يحسنوا أوضاعهم أكثر، كذلك فإن ارتفاع نسبة الحاصلين على شهادات التعليم العالي، وتطور التكنولوجيا، أديا الى اتساع الفجوات بين المراتب الاقتصادية المختلفة.

ونرى أيضا أنه ليس لدى مؤسسة التأمين الوطني مقارنة مع دول العالم، لنعرف ما إذا كان تنقل العاملين بين المراتب العليا هو عال أم منخفض مقارنة مع الوضع القائم في الدول المتطورة، بينما تطرق بحث مؤسسة التأمين الى مسألة اللامساواة في القدرة على تحسن الأوضاع الاقتصادية، وتوصل الى استنتاج بأن مسألة اللامساواة ليست مقلقة وحاسمة، وهذا بحد ذاته وهم.

والأبحاث الأخيرة في الولايات المتحدة حطمت هذا الوهم، لأن اللامساواة مقلقة، فحيثما ازدادت ظاهرة اللامساواة في القدرة على تحسن الأوضاع، تراجعت إمكانيات تحسن أوضاع العاملين، وفي بحث مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية تبين أن ظاهرة اللامساواة في الفرص قد اتسعت كثيرا، وهذا ما قلص فرص العاملين بأن يحسنوا أوضاعهم.

المصطلحات المستخدمة:

التأمين الوطني

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات