المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في أكثر من مناسبة عن رفضه المطلق للمبادرة الفرنسية التي ترمي إلى عقد مؤتمر سلام دولي، حتى نهاية العام الحالي، من أجل إخراج العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين من جمودها واستئناف المفاوضات بين الجانبين، من خلال منحهما محفزات سياسية وأمنية واقتصادية.

ويعتبر نتنياهو، كما قال لوزير الخارجية الفرنسي، جان مارك أيرولت، أن المبادرة الفرنسية، وأية مبادرة أخرى يطرحها المجتمع الدولي، تعزز آمال الجانب الفلسطيني وتجعله يصر على مواقفه. وبدلا من ذلك، أوعز نتنياهو لسفراء إسرائيل في العالم بأن يروجوا لما أسماها "مبادرة السيسي"، نسبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، زاعما أن الأخير يطرح "مبادرة إقليمية".

ودعم نتنياهو هذا التوجه، الذي يبدو أنه وهمي ولا أساس له في الواقع، بتصريحات أعقبت انضمام حزب "يسرائيل بيتينو" برئاسة افيغدور ليبرمان إلى الحكومة، وتعيين الأخير وزيرا للدفاع. ودعا نتنياهو إلى استئناف المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية من دون شروط مسبقة. كذلك أطلق تصريحات أوحى من خلالها بموافقته على مبادرة السلام العربية، التي أقرتها القمة العربية في بيروت، في العام 2002، ورفضتها إسرائيل مرارا وتكرارا. رغم ذلك، هدد قادة كتلة "البيت اليهودي"، اليمينية المتطرفة، الشريكة في الائتلاف بالانسحاب من الحكومة وإسقاطها في حال خطا نتنياهو ولو خطوة صغيرة للغاية باتجاه حل الدولتين.

وفي هذه الأثناء، يواجه نتنياهو، وزوجته أيضا، شبهات تتعلق بمخالفات فساد، بينها قضية "بيبي تورز" وتمويل أثرياء لسفراته في أنحاء العالم وإقامته في فنادق فخمة، وقضية منازل رئيس الحكومة التي يشتبه في إطارها بتسديد مصاريف بيته الخاص على حساب ميزانية بيت رئيس الحكومة الرسمي، وقضية تبرع سخي، بمبلغ 170 ألف يورو، قدمه له الملياردير اليهودي الفرنسي أرنو ميمران لكن نتنياهو لم يبلغ السلطات ذات العلاقة بهذا التبرع. وكُشف في الأيام الأخيرة عن أن الشرطة الإسرائيلية تحقق في قضية جديدة تتعلق بنتنياهو.

حول هذه القضايا، أجرى "المشهد الإسرائيلي" مقابلة خاصة مع الباحث في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب والعميد في الاحتياط، شلومو بروم.

(*) "المشهد الإسرائيلي": هل تسمح إسرائيل بإعطاء فرصة لاستئناف العملية السياسية؟

بروم: "بدا هذا في أعقاب انضمام ليبرمان إلى الحكومة، وتصريحاته هو ونتنياهو حول استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين في إطار مبادرة إقليمية تستند إلى تصريحات الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وحتى أنهما تحدثا عن إمكانية قبول معين لمبادرة السلام العربية كأساس لمبادرة إقليمية. فهل هذا يعكس حقا إمكانية الدخول في مفاوضات؟ هل ستؤدي هذه التصريحات إلى استئناف المفاوضات؟ أنا أشك في هذا الأمر".

(*) هناك ادعاءات في إسرائيل أن صعوبة استئناف المفاوضات سببها ائتلاف نتنياهو اليميني؟

بروم: "بسبب طبيعة ائتلافه، وأيضا بسبب نتنياهو نفسه. وأعتقد أن ما يريده نتنياهو هو الوصول إلى حوار مع الدول العربية السنية، وخاصة السعودية ومصر والأردن، والتوصل معها إلى تفاهمات تملي شكل العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين. لكني لا أؤمن بأن الدول العربية ستوافق على لعب هذه اللعبة. وأعتقد أن نتنياهو يفسر تصريحات السيسي وغيره وكذلك مبادرة السلام العربية بشكل غير صحيح. فمبادرة السلام العربية تقول إنه إذا رغبت إسرائيل بدخول مفاوضات مع الفلسطينيين وسورية ولبنان وأن تتوصل إلى اتفاقيات فإن العالم العربي سيكون مستعدا لمنح دعم لذلك. لكن المبادرة لا تقول إن العالم العربي سيجري مفاوضات مع إسرائيل بدلا من الفلسطينيين".

(*) ينبغي أن أذكر هنا، أن معظم الأبحاث الصادرة عن معهدكم شددت على أنه من دون تقدم في العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين سيكون من الصعب التقدم بعملية إقليمية.

بروم: "هذا صحيح. ما يريده نتنياهو هو الحصول على امتيازات، أي تحسين العلاقات مع العالم العربي من دون دفع ثمن. والثمن هو في المجال الإسرائيلي – الفلسطيني".

(*) عندما رفض نتنياهو المبادرة الفرنسية، تحدث عن "مبادرة إقليمية" بدلا منها. ويبدو أن نتنياهو يتحدث عن شيء غير موجود، ما هي تفاصيل ومركبات مبادرة كهذه؟

بروم: "هذا صحيح. وما يثبت ذلك حقيقة أن المصريين أنفسهم ردوا على أقوال نتنياهو وقالوا إنه يفسر تصريحات السيسي بشكل غير صحيح. السيسي لا يتحدث عن مبادرة إقليمية، وإنما عن استعداد لدعم مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، كما أن السيسي لا يرى تناقضا بين طرحه وبين المبادرة الفرنسية".

(*) لقد تحدثت عن ليبرمان، ورغم ذلك، هل تعتقد أن انضمام ليبرمان إلى حكومة نتنياهو سيعزز هذه الحكومة من حيث سياستها اليمينية وامتناعها عن استئناف العملية السياسية مع الفلسطينيين؟

بروم: "لست متأكدا من ذلك. أعتقد أن المشكلة في هذه الحكومة ليس ليبرمان، وإنما نتنياهو نفسه وحزبه. توجد في حزب الليكود، الذي يتزعمه نتنياهو، سيطرة لجهات يمينية متطرفة، مثل الوزيرين ياريف ليفين ويسرائيل كاتس. وأعتقد أنه قياسا بهما ليبرمان أقل يمينية بصورة نسبية. ليبرمان براغماتي أكثر منهما. وليبرمان قبِل بحل الدولتين منذ فترة طويلة. صحيح أنه يطرح صيغة خاصة به (فكرة تبادل أراض وسكان) لكن وافق على مبدأ حل الدولتين منذ فترة طويلة، وهذا خلافا لنتنياهو".

(*) لماذا يحارب نتنياهو على أصوات اليمين المتطرف، وحتى أنه حول حزبه إلى حزب يميني متطرف، واستبعد منه رموز ما يسمى "اليمين الليبرالي"؟

بروم: "هذا نتيجة لصدمة شخصية أصابته. فحكومته الأولى، التي شكلها في العام 1996، سقطت في العام 1999 لأن حزب ’هتحيا’ أسقطها في حينه. وهذا حزب غير موجود اليوم لكنه كان يمثل اليمين المتطرف".

(*) كيف تؤثر شبهات الفساد ضد نتنياهو وزوجته، قضية "بيبي تورز" ومنازل رئيس الحكومة وتبرعات ميمران، على أداء نتنياهو واتخاذ القرارات؟

بروم: "من جهة، تؤثر هذه القضية بأنه تجعله يولي اهتماما أكبر للاعتبارات السياسية الداخلية لأنه هلع جدا حيال هذه القضايا. وهو يرى فيها أنها تعكس جهدا يبذله كل خصومه من أجل إسقاطه عن الحكم. وهو يرى بهذه القضايا كأنها مؤامرة ضده. من الجهة الأخرى، هناك نظرية ولا أعرف ما مدى صحتها، هي أنه يسعى إلى نقل دعم وسائل الإعلام إلى جانبه، إذ أنه يوجد رأي سائد في البلاد يقول إن وسائل الإعلام تميل نحو اليسار. والادعاء هو أن هذا الرأي يدفعه إلى إطلاق تصريحات معتدلة نوعا ما من نوع التصريحات التي أطلقها بعد انضمام ليبرمان حول استئناف المفاوضات وتقبل مبادرة السلام العربية".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات