المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 800
  • انطوان شلحت

تصدر قريبًا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" الترجمة العربية الكاملة لكتاب "حروب إسرائيل الجديدة-تفسير سوسيولوجي تاريخي"، من تأليف أستاذ علم الاجتماع في جامعة حيفا أوري بن إليعازر.

وتطرّق الكتاب، من ضمن أمور أخرى، إلى الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني فأشار إلى أنه في بداية سنوات العقد الثاني من الألفية الثالثة (صدر الكتاب بالعبرية سنة 2012) بدا أن إسرائيل، في ظل بنيامين نتنياهو كرئيس للحكومة، وإيهود باراك كوزير للدفاع، سلمت بـ"الوضع السياسي القائم"، وبأن الفرصة التي نشأت عقب توقيع اتفاقيات أوسلو في مطلع التسعينيات (1993) للتوصل إلى تسوية سلمية على أساس حل الدولتين، قد تلاشت كليًا، كما تلاشى في الوقت ذاته أيضًا حلم محافل واسعة في المجتمع الإسرائيلي بفرض السيادة الإسرائيلية على كامل الأراضي الفلسطينية التي احتلت في حرب حزيران 1967.

ورأى أنه كبديل لهاتين الإمكانيتين، مضت الزعامات الإسرائيلية في ما أسماه بـ"طريق ثالث"، أتى مصحوبًا بمحاولة من جانب واحد لوقف "العنف" عن طريق الإكراه والفصل، وبواسطة انتهاج سياسة تفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية، وبين الفلسطينيين أنفسهم داخل الضفة الغربية، وبين الفلسطينيين والمستوطنين، وبين إسرائيل وبين أجزاء من الضفة، وفي الوقت عينه فإن هذه السياسة تربط أيضًا بين إسرائيل وبين المناطق التي جرى ضمها (واقعيًا) في الضفة، وبين إسرائيل والمستوطنين الذين يعتبرون جزءًا لا يتجزأ من مواطني دولة إسرائيل ذاتها. وأكد أن هذا النظام، الذي يستند إلى إنكار الواقع وتجاهل الفلسطينيين الذين يمكن أن يصبحوا في المستقبل القريب أغلبية السكان القاطنين بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، يتناقض مع الفكرة الأساسية التي وقفت خلف اتفاقيات أوسلو، وهي فكرة "الربط بواسطة الفصل" على أساس من التبادلية والتسوية والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين الشعبين، وهو طريق بدا في حينه للكثيرين من الإسرائيليين والفلسطينيين حلًا ملائمًا.


ويعرب مؤلف الكتاب عن اعتقاده بأن هذا النهج الجديد الذي فرضته إسرائيل يحظى، إلى حدّ كبير، بالقبول لدى الولايات المتحدة، وإلى حدّ معين لدى أوروبا أيضًا، خاصة في أعقاب التعريف الموسع لمصطلح "الإرهاب" والذي جرى في نطاقه تجاهل حقيقة أن الفلسطينيين يكافحون من أجل تجسيد تطلعاتهم الوطنية. كما ساهم هذا النهج في إخماد النزاعات والخلافات الداخلية في إسرائيل، أو بالأصح وجهها نحو مواضيع وقضايا أخرى، اقتصادية واجتماعية، كما اتضح في الحراك الاحتجاجي الواسع في صيف العام 2011، والذي طالب المشاركون فيه بتحقيق "العدالة الاجتماعية". ويمكن القول إن هذا النهج كان مُرضيًا للكثير من الإسرائيليين، بل ولغالبية الإسرائيليين الذين يتخوفون، بالقدر ذاته تقريبًا، من طريق الحرب الشاملة، ومن طريق السلام الحقيقي، الشامل والدائم، المرتبط بتقديم تنازلات إقليمية (جغرافية)، على حدّ سواء.

وبرأي المؤلف قد يقول البعض إن هذا النهج يتسم بالبراغماتية والواقعية، وبالتوفيق بين قطبين متطرفين داخل المجتمع الإسرائيلي. ويضيف أنه لعل هذا الادعاء ينطوي على قدر من الصحة، غير أنه من المشكوك فيه أن يفضي "الطريق الثالث" إلى إحلال السلام، لا لكونه يستند إلى الفرضية الأساس القائلة إن إسرائيل يجب أن تكون قوية فحسب، وإنما أيضًا بسبب وجهة النظر القائلة بأنه لا يمكن لإسرائيل حلّ مشاكلها سوى بواسطة القوة العسكرية والخطوات الأحادية الجانب، وأن عليها بكونها الطرف القوي في المنطقة، أن تملي الواقع دون "مراعاة زائدة" لاحتياجات ومتطلبات الآخرين.

ويخلص الكاتب من هذا كله إلى أنه حتى وإن ساهم "الطريق الثالث" في تخفيف حدة التناقضات الداخلية الإسرائيلية، فهو أيضًا يؤدي دورًا في إضفاء الشرعية على استمرار الاحتلال والعنف والحرب. ويشير إلى أن الكاتب الإسرائيلي الأشهر عاموس عوز تحدث عن مفاعيل سكرة القوة فكتب قائلًا: "لقد امتلكنا القوة طوال عشرات السنين الأخيرة. وهذه جعلتنا أشبه بأناس ثملين أو مخدرين تمامًا، حتى أنه بات يخيل إلينا مرارًا وتكرارًا أن أي مشكلة تصادفنا يمكن أن تحل بالقوة فقط. وكما يقول المثل الشعبي، من يحمل في يده مطرقة كبيرة تبدو أي مشكلة في نظره أشبه بمسمار".

طبعًا ثمة في الكتاب استنتاجات فكرية مثيرة أخرى تشكل مدعاة للتأمل، لكن هذه الفكرة المتعلقة بما يسميه المؤلف مقاربة "الطريق الثالث" على الطراز الإسرائيلي جديرة بالتوقف عندها ولا سيّمـا في ضوء ما حدث منذ صدور الكتاب باللغة العبرية إلى حين صدور ترجمته العربية قريبًا.

المصطلحات المستخدمة:

بنيامين نتنياهو, باراك

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات