المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

نجح آفي غباي في إحداث مفاجأة عامة بفوزه مؤخرا برئاسة حزب "العمل" الإسرائيلي، فهو ليس الوجه الجديد الأول الذي ينضم إلى الحزب ويفوز برئاسته خلال بضعة أشهر، فقد سبقه إلى ذلك في النصف الثاني من سنوات التسعين قائد الأركان الاسبق إيهود باراك، ولكن تلك كانت نتيجة معروفة مسبقا. أما غباي فقد تغلب على جهازي التنظيم الحزبي والنقابي، اللذين ساندت زعامتهما منافسه النائب عمير بيرتس.

 

وهناك من يرى أن غباي هو "النجم السياسي الجديد" في الانتخابات المقبلة، الذي قد يطيح بيائير لبيد وموشيه كحلون. إلا أن غباي الذي بعث بأجواء تفاؤلية في حزبه، وأعاد له استطلاعيا بعضا من قوته، سيبقى بعيدا عن الحكم، لأن القضية تظل محكومة بباقي الأحزاب التي تدور في فلك الحكم، وتحسم ما بين "العمل" و"الليكود".

وقد انتقل غباي للجولة الثانية من انتخابات رئاسة حزب "العمل" التي جرت يوم العاشر من تموز الجاري، وكانت نتيجة متوقعة له، من ضمن أقوى أربعة مرشحين في الجولة الأولى من الانتخابات التي جرت في الرابع من الشهر الجاري، وأطاحت برئيس الحزب إسحق هيرتسوغ، الذي حصل على 7ر16% من الاصوات، مقابل 27% لغباي، و3ر32% لعمير بيرتس، الذي كان يحظى بدعم جهاز اتحاد النقابات العام "الهستدروت" منذ الجولة الأولى، وانضم إلى داعميه هيرتسوغ والمرشح أريئيل مرغليت، الذي حصل هو أيضا في الجولة الأولى على 1ر16%.

وتكمن المفاجأة الكبرى بأن غباي هزم عمير بيرتس، الذي حصل على 3ر32%، وعلى دعم من مرشحين في الجولة الأولى حظيا معا بنسبة 35%، ويضاف إلى هذا أن بيرتس حظي بدعم الجهاز التنظيمي الحزبي، ولذا كان الاعتقاد أن فوز بيرتس سيكون سلسا، لأن أحد عوامل الحسم الهامة في كل انتخابات هو الجهاز التنظيمي للحزب أو الشخص المرشح، وهذا كان عاملا لصالح بيرتس. إلا أنه في المحصلة حصل غباي في الجولة الثانية على 52% مقابل 47% لعمير بيرتس.

ومن فوق كل هذا علينا التذكير أن غباي انتسب إلى حزب العمل في نهاية العام الماضي 2016، بمعنى قبل ثمانية اشهر تقريبا من يوم فوزه برئاسة الحزب.

وقد ظهر اليهودي الشرقي من أصل مغربي آفي غباي (50 عاما) في السياسة لأول مرة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة (2015)، حينما خاض الانتخابات ضمن حزب "كولانو (كلنا)" الجديد، الذي يرأسه وزير المالية موشيه كحلون. وقد حلّ في المرتبة الـ 11 في قائمة الحزب للانتخابات، إلا أن الحزب حصل على 10 مقاعد، فقرر كحلون تعيين غباي وزيرا للبيئة عن الحزب في حكومة بنيامين نتنياهو؛ إلا أن غباي قرر مغادرة الحكومة بعد عام على توليه منصبه، وهناك من قال إن من ضمن الأسباب التي دفعته للاستقالة سياسة الحكومة، وقد تعزز هذا بعد أن قرر قبل بضعة أشهر الانضمام إلى حزب "العمل".

وما يعزز أكثر أن استقالته سياسية هو ما نشرته الشخصية "العتيقة" في حزب "العمل" الوزير الأسبق عوزي برعام، الذي كشف في مقال له في صحيفة "هآرتس"، عن أنه كان أحد الذين تشاور معهم غباي قبل استقالته من الحكومة، إذ يقول "قبل استقالة غباي من حكومة نتنياهو قمنا بإجراء استشارة، تحدثنا فيها عن الخيارات التي تقف أمامه. ولم يشمل أي خيار الترشح لرئاسة حزب العمل، لكنه اختار طريقه وبجرأة كبيرة، ونجح في احتلال رئاسة الحزب".

قبل ذلك برز اسم غباي في السنوات الأخيرة، حينما تولى من العام 2007 إلى العام 2013 منصب المدير العام لشركة الاتصالات الأرضية شبه الرسمية "بيزك"، وقبل ذلك على مدى أربع سنوات كان مديرا عاما لشركة الاتصالات الدولية التابعة لشركة "بيزك". وتقول تقارير إن راتبه السنوي في هذه الشركة كان حوالي مليوني دولار، وهو بات من رجال الأعمال.

عاملان ساهما في فوز غباي

العامل الأقوى الذي ساهم في فوز غباي هو كونه وجها جديدا، هلّ على كوادر الحزب وسط أجواء احباط متزايدة منذ عام ونصف العام، حينما بدأت استطلاعات الرأي تشير إلى شبه انهيار كامل لتحالف "المعسكر الصهيوني" البرلماني المعارض، الذي في صلبه حزب "العمل"، وبشراكة مع حزب "الحركة". فقد حصل هذا التحالف في انتخابات 2015 على 24 مقعدا، منها 19 مقعدا لحزب "العمل" و5 مقاعد لحزب "الحركة"، وكانت هذه أعلى نتيجة يحصل عليها "العمل"، منذ 14 عاما. وبعثت النتيجة أجواء تفاؤل، رغم جلوس الحزب في صفوف المعارضة كحزب المعارضة الأكبر. إلا انه لم تمر سوى بضعة أشهر حتى بدأ الحزب يفقد من قوته في استطلاعات الرأي ووصل إلى درك تراوح ما بين 11 إلى 14 مقعدا للحزبين معا، وهذا يعني انهيار شبه تام للحزب.

لذا فإن الاعتقاد السائد هو أن كوادر الحزب بحثت عن الوجه الجديد، ليكون "خشبة الإنقاذ" من غرق شبه تام.

ويقول المحلل الاقتصادي البارز نحاميا شترسلر، في مقال له في "هآرتس": "لقد نجح غباي في أن يبني لنفسه صورة الانسان النزيه. ووسائل الاعلام أحبته. وبالنسبة لوسائل اعلام كثيرة يكفي أنه ضد صيغة احتكار حقول الغاز، كي يتم اعتباره من الأخيار، وبالتالي كي تقوم وسائل الاعلام بغض الطرف عن المظاهر المقلقة".

ويضيف شترسلر "إن انتصار آفي غباي على عمير بيرتس كان واضحا مسبقا. العالم كله ضاق ذرعا بالسياسة القديمة والمؤسسة القديمة. مواطنو العالم متعطشون لقيادة جديدة ومفاجئة، وهم يعتبرون أن الساسة الحاليين هم اشخاص فاسدون يهتمون بأمورهم الشخصية فقط. من هنا توجد افضلية للشخص الجديد. فهذا ما حدث مع دونالد ترامب ومع إيمانويل ماكرون الذي احتل فرنسا بعاصفة. لذلك فإن عدم وجود التجربة لدى غباي لعب في صالحه. وعدم تأييد اتحاد النقابات العام "الهستدروت" ساعده. لا توجد لديه تجربة في الأمن والسياسة، لكن لا مشكلة، هو سيتعلم. المهم أنه جديد".

العامل الثاني، الذي لعب دورا بارزا في التأثير على العامل الأول، بمعنى كوادر الحزب الباحثة عن "الوجه الجديد"، كان الماكنة الإعلامية التي اشتغلت لصالح غباي في الأشهر الأخيرة التي سبقت انتسابه لحزب "العمل"، بمعنى في النصف الثاني من العام الماضي؛ وبالذات في الصحافة الاقتصادية البارزة، وفي مقدمتها صحيفتا "ذي ماركر" التابعة لصحيفة "هآرتس"، و"كالكاليست" التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت".

واستنادا لتجارب السنوات الأخيرة، فإن حملة "التسويق" المكثفة كتلك التي شهدناها لآفي غباي لم تكن محض صدفة، فهذه حملة بدأت بعد بضعة أشهر من استقالته من حكومة نتنياهو، الذي أمضى فيها عاما في الظل؛ كما أن استقالته لم تُحدث تلك الضجة، ما يعني أن هناك من قرر اخراج غباي من "العتمة" إلى "النور" الإعلامي لغرض التسويق.

ومن الممكن جدا أن يكون غباي قد اشترى لنفسه خدمات اعلامية تسويقية، ولكن ما كان يمكن أن تكون تلك الحملة الواسعة، من دون رغبة جهات في تسويقه، وفي هذه الحالة حيتان مال يسيطرون على وسائل الإعلام، بهدف بلورة الرأي العام. وهذا ما جعل كثيرين تراودهم فكرة أن غباي هو "النجم السياسي الجديد" في الانتخابات المقبلة، لينافس سلفيه في هذا الاطار، موشيه كحلون الذي أنشأ حزب "كولانو" قبيل الانتخابات الأخيرة، وبات الآن وزيرا للمالية، وسبقه يائير لبيد الذي انشأ حزب "يوجد مستقبل"، تمهيدا لانتخابات مطلع العام 2013، وهو يجلس الآن في صفوف المعارضة.

"النجومية المناوبة"

شهدت الحلبة السياسية الإسرائيلية، بشكل خاص منذ سنوات التسعين ولاحقا، سلسلة من أحزاب الفقاعة، التي تظهر في كل واحدة من الجولات الانتخابية البرلمانية. فمثل هذه الأحزاب كانت تظهر في ما مضى، بوتيرة أضعف بكثير، بينما الحديث الآن عن أحزاب تظهر بتأثيرات من خارج الحلبة السياسية ولغرض التأثير عليها، والقصد هنا حيتان المال.

المثالان الأبرزان في السنوات الخمس الأخيرة كانا حزب يائير لبيد، "يوجد مستقبل"، الذي تم تشكيله في نهاية العام 2012، وخاض الانتخابات في مطلع 2013، وحصل من أول مرة على 19 مقعدا، نتيجة سلسلة من العوامل، نختصر بعدم ذكرها، وتفوق على حزب "العمل" بفارق 4 مقاعد. وفي انتخابات 2015 خسر 40% من قوته وحصل على 11 مقاعد. في حين تتوقع استطلاعات الرأي أن يعيد مقاعده التي خسرها، في ما لو جرت الانتخابات في هذه المرحلة، وذلك على حساب تحالف "المعسكر الصهيوني"، لكن هذا كان قبل فوز غباي، الذي أعاد للحزب غالبية المقاعد التي فقدها استطلاعيا. والثاني هو حزب "كولانو"، الذي اقامه موشيه كحلون قبيل انتخابات 2015، وحصل دفعة واحدة على 10 مقاعد، الحصة الأكبر جاءت على حساب لبيد و"يوجد مستقبل"، والباقي من حزب "شاس" الديني المتزمت لليهود الشرقيين، إذ أن كحلون الشرقي اقتنص أصواتا تقليدية لـ"شاس"، من الأحياء والبلدات ذات الأغلبية اليهودية الشرقية.

والظروف التي ظهر بها لبيد وكحلون، إعلاميا بالأساس، شبيهة أيضا بحملة "تسويق" غباي، وهذا ما ترك الانطباع بأنه قد يكون "النجم السياسي الجديد" في الانتخابات المقبلة.

ويقول عوزي برعام في مقاله السابق ذكره "أنا لم أكن من ضمن الكثيرين الذين صوتوا له، لكنني تحدثت في يوم الانتخابات مع مصوتين آخرين في أعمار مختلفة، معظمهم من قدامى الحزب. وقد لاحظت في اقوالهم وصوتهم الاشارات التي تبشر بتغيير وجهة الحزب. عندها فقط لاحظت وجود الموضة باتجاه غباي. فالموضة السياسية تبدأ في العادة بشكل صغير، ثم تكبر يوما بعد يوم إلى أن تتحول إلى تسونامي يهدد بابتلاع كل من يقف في وجهه".

ويضيف برعام "المرأة والرجل اللذان وقفا أمامي في طابور صندوق الاقتراع لم يلتقيا مع غباي في منتدى بيتي، ولم يعرفا مواقفه. لقد أرادا التغيير، وخرج اسم ماكرون من فمهما بشكل طبيعي غير مصطنع. هذه هي روح المرحلة، موضات سريعة ومؤثرات خارجية تتلاشى بسرعة، محمولة على الشبكات الاجتماعية ووسائل الاعلام. هذه الموضة لم تتجاهل السياسة. طموح الانضمام إلى الحزب والتأثير من خلاله استبدل بتأييد القادة الافراد".

ويقول برعام "صحيح أن غباي يحضر معه روحا جديدة، لكن هذه الروح ستتلاشى أو تتعزز بناء على افعاله. وحتى وقت قريب انتشرت هنا موضة يائير لبيد كبديل لحكم نتنياهو، نظرا لكونه في الوسط ولا يتعهد بأي شيء تقريبا ويحذر من اغضاب الاجماع ويفكر بكل كلمة يقولها".

وأمام هذا الوضع بالإمكان القبول بفكرة أن لبيد وكحلون في حالة قلق من فوز غباي، إذ أن الكثير من المواصفات التي لدى غباي تساهم في اقتناص حصة من أصوات حزبي لبيد وكحلون. فهو "الجديد"، وهو المقبول على وسائل الإعلام، وهو الشرقي في ما يخص كحلون.

فرص "العمل"

يصل غباي إلى رئاسة حزب "العمل" وهو يتهاوى في استطلاعات الرأي، كما ذكر هنا. كذلك فإن الحزب شهد تحولا سياسيا في مطلع العام الماضي 2016، حينما تبنى مشروعا سياسيا بشأن القضية الفلسطينية، يبدو مطابقا في جوهره لما كان يطرحه حزب الليكود في سنوات التسعين الماضية، ويقضي بتحويل المدن الفلسطينية في الضفة إلى كانتونات مغلقة، على أن يتم تأجيل المفاوضات حول اقامة الدولة الفلسطينية إلى دهور، إلى حين يثبت الفلسطينيون "حسن سلوكهم" عند الصهاينة.

إلا أن خطاب الفوز الذي ألقاه غباي يحمل مؤشرا إلى عودة الحزب لبرنامجه السابق، وهو قريب جدا لما عُرف بتسمية "مخطط بيل كلينتون"، الذي طُرح في خريف العام 2000، وفي صلبه استمرار الاحتلال على الكتل الاستيطانية الكبيرة، مع تبادل أراض مع الضفة وقطاع غزة، وتقاسم ما في القدس، يشمل نظاما خاصا للبلدة القديمة، وعودة رمزية للمهجّرين إلى وطنهم. وعلى الرغم من أن هذا المخطط مليء بالنواقص والسلبيات من ناحيتنا الفلسطينية، إلا أنه إسرائيليا يُعد موقفا "متقدما".

وقد بعث فوز غباي آمالا كبيرة لدى جمهور الحزب وأيضا لدى قوى إسرائيلية تتوق للتخلص من حكم الليكود، واليمين الاشد تطرفا.

وتقول الكاتبة أفيراما غولان في مقال لها في صحيفة "هآرتس": "الآن يوجد أمل بالتغيير. يمكن أن يكون حزب العمل حزبا كبيرا، واذا لم تحدث مفاجآت دراماتيكية واذا تصرف غباي بحذر وحكمة وأصبح قائدا، فإن يائير لبيد سيستمر في الهبوط (هذا نبأ جيد بحد ذاته)، وموشيه كحلون سيضطر إلى تحديد موقفه، وسيضطر الجميع إلى التنصل من اليمين المتطرف واليمين الاكثر تطرفا. ويحتمل أن الشخص الذي اعتقدت أنه لن يفوز على هيرتسوغ، هو الذي سيقوم بإحداث التغيير".

وتحذر غولان من استمرار "العمل" في نهج "الليبرالي الجديد"، في إشارة إلى حزب "يوجد مستقبل" وزعيمه يائير لبيد، إذ تقول إن "الليبرالي الجديد يعرف كيفية ابتلاع كل برنامج مناقض له، بما في ذلك الاشتراكي الديمقراطي، يلفظه كمنتوج مزور ويقوم بتحسين طريقته التدميرية التي تضعف وتحطم مكانة المواطن والمجتمع والديمقراطية. وفقط اليسار المتضامن يمكنه أن يوقف هذه العملية، اليسار الذي يسعى إلى السلام والمساواة، اليسار القوي والواضح. والمهمة الملقاة عليه هي منع تشويش المفاهيم الخطيرة. هذه مهمة غير سهلة. حركة يسارية شعبية متعددة، يهودية وعربية، تضع المحيط في مركز اهتمامها وتسير ضد التيار، لكن في الفراغ الذي نشأ الآن هناك حاجة إلى هذه الحركة والكثير من العمل".

والسؤال الذي يطرح نفسه، هل حقا حزب "العمل" قادر على العودة إلى رئاسة الحكم؟

في اليوم التالي لفوز غباي، أشارت استطلاعات الرأي إلى أن حزب "العمل" إما سيحافظ على قوته البرلمانية الحالية، 24 مقعدا مع حزب حليف له، أو أن هذا التحالف سيخسر 4 مقاعد "فقط"، في حين أن استطلاعات العام الأخير كانت تتحدث عن فقدان الحزب لنصف مقاعده؛ وقد أبهجت نتائج الاستطلاعات "المتفائلين"، حتى راحوا يرسمون شكل سقوط الليكود عن الحكم ومعه اليمين المتطرف.

وفي كل الأحوال من السابق لأوانه رسم مصير حزب "العمل"، فهذا مرتبط بأداء الحزب منذ الآن وحتى الانتخابات، وبالذات أن يطرح نفسه بديلا حقيقيا للحكم على صعيد القضايا اليومية، وقضايا الدين والدولة، التي باتت من أكثر الأمور الحاحا في هذه المرحلة، والقضايا الاقتصادية، وأيضا في القضية السياسية الأساس. كذلك فإن الأمر مرتبط بقدرة حزب "العمل" على تطوير الاطار الذي سيخوض من خلاله الانتخابات، بمعنى التحالف القائم مع حزب تسيبي ليفني "الحركة"، تحالف "المعسكر الصهيوني"، وامكانية استيعاب قوى أخرى فيه.

لكن واقع السياسة الإسرائيلية، بالذات في العقود الثلاثة الأخيرة، يؤكد أنه لا يكفي أن يحصل الحزب على صدارة الانتخابات، لأن المطلوب هو احتساب قوة باقي الكتل البرلمانية المرشحة للمشاركة في الحكم. والواقع القائم اليوم هو أن أقصى ما يمكن حزب "العمل" تحقيقه من تحالف لحكومة برئاسته سيبقيه بعيدا عن نيل الأغلبية بعدد ليس قليل من المقاعد، من أصل 120 مقعدا في الكنيست. فكتلتا المتدينين المتزمتين "الحريديم"، اللتان كانتا تتأرجحان بين حكومات الليكود و"العمل"، حسمتا موقفيهما منذ مطلع سنوات الألفين، بالتصاقهما بأحزاب اليمين الأشد تطرفا، ما يعني أنه على الرغم من كل الضجة الحاصلة، والعناوين الكبيرة التي تتصدر وسائل الإعلام، فإن اليمين الأشد تطرفا بزعامة الليكود باق في الحكم، على الأقل بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، التي قد تجري بعد عام، أو في منتصف العام الذي يليه، وفق التقديرات المرتكزة على الوضع القائم، وإذا لم تقع أحداث ليست متوقعة حتى الآن.

ورغم ذلك فإن الأبواب ليست مغلقة، وإذا وضع حزب "العمل" هدفا للعودة إلى رأس الهرم الحاكم، عليه أن يبدأ عملية التغيير في الشارع، وأن يقنع الجمهور بتوجهات بديلة لليمين الأشد تطرفا، فساحة اليمين المتطرف تعج بمنافسة مهووسة بين "الليكود" وتحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي"، و"يطلّ" عليهم يائير لبيد وحزبه، بتوغل واضح في حلبة اليمين المتطرف، وهذا يتضح أيضا من خلال مبادرات القوانين التي يطرحها لبيد وحزبه، وشكل أدائهما أمام القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان.

وإذا طرح حزب "العمل" فعلا أجندة مختلفة، ونزل بها إلى الشارع مبكرا، فإنه قد يحقق مكاسب تمهد له العودة إلى سدة الحكم، لربما في الانتخابات التي ستلي الانتخابات المقبلة، رغم ما يبدو من صعوبة لهذا السيناريو، على ضوء التقلبات الديمغرافية السريعة في المجتمع اليهودي بسبب ارتفاع نسبة المتدينين على مختلف توجهاتهم بين اليهود وباستمرار.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات