المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

لا تتوقف وزيرة الثقافة (والرياضة) في الحكومة الإسرائيلية، ميري ريغف من حزب الليكود، منذ تسلمها مهام منصبها الحكومي الرسمي هذا وحتى اليوم، عن إثارة العاصفة تلو الأخرى، بوتائر لا يمكن العثور عليها أو تخيلها في أي مكان آخر، وذلك من خلال ما تتخذه من قرارات وخطوات متتالية تضعها في صدام مباشر مع أوساط ومؤسسات ثقافية، اجتماعية وسياسية، مختلفة. لكنّ ريغف تصرّ على التأكيد، إثر كل صدام كهذا وما يثيره من ضجة إعلامية، ثقافية وسياسية، أن "شيئاً لا ولن يخيفني أو يردعني عن تنفيذ ما أومن به وما تؤمن به هذه الحكومة"!

 


تنفذ هذه الوزيرة "ما تؤمن به" (هي وحكومتها) في مجال مسؤوليتها من خلال مداعبة غرائز بدائية لدى جمهور مؤيديها ومصوّتيها في اليمين عامة، وفي حزبها خاصة، وبالتحريض على كل ما ومن لا ينتمي إلى "معسكرهم" ـ سواء كان عربيا، فلسطينيا، أو يهوديا "يساريا"، أو حتى "أشكنازيا" (غربيا)! كما تنفّذه، بالطبع، من خلال تحكّمها بالميزانيات (ميزانيات الثقافة والرياضة)، لأنّ "ميزانية الدولة" ، في عرفها، "لا يمكن أن تكون موزعة على نشاطات ومؤسسات تمسّ بقيم المجتمع وبهويته"! وهي تتحكم بالميزانيات الحكومية بهذا المنطق ومن هذا المنطلق، على الرغم من الرأي القانوني الذي أصدره المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، منذ أيام قليلة، بأن ليس من حق الوزيرة ريغف ولا من صلاحيتها حرمان مؤسسة أو شخصية ثقافية أو نشاط ثقافي من ميزانيات الدعم الحكومية "لدواع سياسية"!

عواصف متتالية منذ بداية الشهر الحالي!

منذ بداية الشهر الجاري، أثارت ريغف (التي أشغلت في السابق، قبل انضمامها إلى الليكود وانتخابها لعضوية الكنيست، ثم لمنصب الوزيرة الحالية، منصب الناطق الرسمي بلسان الجيش الإسرائيلي) أربع عواصف متتالية كانت آخرها تهديدها بمقاطعة حفل توزيع جوائز "جمعية الملحنين، المؤلفين والناشرين" (المعروفة بالعبرية، اختصارا، باسم "أكوم")، الأسبوع الماضي، احتجاجا على نية الفنانة العربية ميرا عوض (من قرية الرامة) تقديم أغنية من قصيدة "فكر بغيرك" للشاعر الراحل محمود درويش، في الحفل.


لكن ريغف عادت وحضرت الحفل وألقت كلمت فيه، غير أنها انسحبت منه وغادرت قبل صعود عوض إلى المنصة لتأدية أغنيتها. وقالت ريغف، في كلمتها في الحفل، إن "هنالك، للأسف، غير قليل من المبدعين الذين يطلبون الحصول على دعم جماهيري عام ـ حكومي ـ لتمويل فعاليات لا يستهلكها الجمهور ولا يستسيغها"! وأضافت: "من يريد التساذج يمكنه مواصلة ذلك، لكن من الواضح تماما، لي وللجمهور، أن هذا ليس قرارا فنيا، بل قرار سياسي... تريدون أغاني عربية وقصائد عربية، فليكن، تفضلوا، لكن محمود درويش هو قصة مختلفة تماما. وأنا أقول هنا بكل وضوح وحزم: قصائد عربية ـ أهلا وسهلا. محمود درويش ـ لا!.... من المؤسف أنه من بين كل القصائد والأغاني العربية، اخترتم هذا الاستفزاز بالذات وعدم احترام مشاعر الجمهور"!


ثم أوضحت ريغف، لاحقا، أنها تعارض إسماع وسماع محمود درويش "ولا مكان لإعطاء منصة في إسرائيل للشاعر الفلسطيني الذي يعارض رواية وجود دولة إسرائيل... لا يُعقل أن يحشروا محمود درويش في مثل هذا الحفل. درويش الذي كان جزءا من منظمة التحرير الفلسطينية، هو نفسه الذي يرفض وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. لا مكان له، على الإطلاق، في مناسبات ونشاطات من هذا النوع".


وقبل ذلك بأيام، أثارت ريغف عاصفة أخرى حين قررت حجب التمويل الحكومي الرسمي عن أي عرض فني يشارك في إطار "مهرجان إسرائيل" ويشمل "تعريا كاملا"!! وكتبت ريغف في رسالة رسمية وجهتها إلى إدارة المهرجان إن "أي عرض يشمل تعريا كاملا ـ حتى وإن كان بغطاء فني ـ يتعارض مع القيم الأساسية للجمهور الإسرائيلي ويمس بها، كما يتعارض مع قيم دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، علاوة على ما فيه من مس بمشاعر فئات سكانية أخرى واسعة"!!
وقالت ريغف في رسالتها: "من حقكم، كمهرجان، اختيار العروض الفنية التي تشاؤون، لا أتدخل في هذا، لكن ميزانية الدولة لا يمكن توزيعها على نشاطات تمس بقيم المجتمع وبهويته"!!


وبين هذا وذاك، أثارت ريغف عاصفة أخرى حين فرضت على إدارة "مهرجان المسرح الآخر" في مدينة عكا، من خلال رئيس بلديتها، منع مسرحية بعنوان "أسرى الاحتلال" للفنانة عنات فايتسمان من المشاركة في المهرجان، الذي يقام في شهر أيلول القادم.
وقد أدى هذا القرار إلى استقالة عدد كبير من أعضاء اللجنة الفنية المشرفة على المهرجان، ثم استقال مديره الفني، وأعلنت ثماني فرق فنية مشاركة في المهرجان عن قرارها عدم المشاركة، احتجاجا على قرار منع هذه المسرحية.


وحاولت ريغف التنصل من المسؤولية المباشرة عن قرار منع هذه المسرحية من المشاركة وقصرها على رئيس اللجنة، رئيس البلدية، فقط، إلا أنها أوضحت موقفها المؤيد تماما لهذا الإجراء، بل وأعلنت أنها مستعدة لتقديم كل ما يلزم من أجل تجنيد فنانين آخرين للمشاركة في أنشطة المسرح، سواء على مستوى الإدارة أو تقديم العروض.


وقالت ريغف: " من غير المعقول أن نبقى نسمع كل الوقت: الاحتلال، الاحتلال، الاحتلال.... كفى". ثم امتدحت رئيس البلدية على قراره، خلال مؤتمر صحافي مشترك عقداه في المدينة الأسبوع الماضي، وقالت: "لقد عبرتَ، بقرارك هذا، عن صوت العقل في الحكومة، والذي أمثله أنا"!!! وأضافت: "لا يعقل أن نعطي المنصة لمسرحية "أسرى الاحتلال" التي تنظم لها عنات فايتسمان عروضا ترويجية في المقاطعة في رام الله وتعالج قضايا سجناء أيديهم ملطخة بدماء اليهود... هؤلاء إرهابيون، مخربون، قتلوا أطفالا ونساء لا لشيء إلا لأنهم يهود... ويطلبون مني منحهم أموالا عامة؟"!!


وأضافت ريغف: "الرواية الفلسطينية لن تحظى بأي دعم مالي أو تمويلي من حكومة إسرائيل وإذا ما أرادت فايتسمان، يمكنها عرض مسرحيتها هذه لدى السلطة الفلسطينية"!!

وعواصف أخرى سابقة

وكانت قرارات ريغف وخطواتها التعسفية الانتقامية قد بدأت منذ لحظة توليها مهام منصبها، فطالت بداية وبشكل خاص "مسرح الميدان" العربي الفلسطيني (مقره في مدينة حيفا) على خلفية عرض مسرحية "الزمن الموازي" (عن قصة الأسير وليد دقة) فقررت، في أواسط 2015، تجميد كل ما تبقى من ميزانية مستحقة لهذا المسرح في ذلك العام. وبعد التوصل إلى "اتفاق تسوية" مع المسرح، بضغط من المستشار القانوني للحكومة، والتزمت الوزارة في إطارها بعدم المسّ بميزانيّات المسرح وبتحويل ما تبقّى من ميزانيته للعام 2016، والدفعة الأولى من ميزانية العام 2017، عادت في بداية العام الحالي ونقضت تعهدها وتعمدت التأخير في تحويل الميزانيات للمسرح، ما دفع إدارته إلى إعلان إضراب مفتوح لتجنيب المسرح "خطر الإغلاق".


ثم تلا ذلك مغادرتها، العام الماضي، وبشكل تظاهري فظ، مراسم حفل رسمي لتوزيع "جائزة الأوسكار الإسرائيلي" (جائزة الأكاديمية الإسرائيلية للسينما على اسم شايكه أوفير ـ أون باسمها المختصر: "جائزة أوفير")، احتجاجا منها على تقديم الفنانين تامر نفار (العربي) ويوسي تسباري (اليهودي) مقاطع من قصيدة "سجل أنا عربي" للشاعر الراحل محمود درويش. وعللت مغادرتها الحفل آنذاك بالقول: "لن أكون جمهورا لقصائد محمود درويش"!.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات