تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
طباعة
2014

تثير حركة BDS التي تدعو إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها، بسبب استمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية منذ العام 1967، قلقا كبيرا وواسعا في إسرائيل. وتصف الجهات الحكومية وغير الحكومية الإسرائيلية هذه الحركة بأنها تؤجّج ظاهرة "نزع شرعية" إسرائيل، برغم أن BDS معروفة في العالم كحركة احتجاجية غير عنيفة.

 

بدأت هذه الحركة بالظهور خلال مؤتمر مناهضة العنصرية في ديربن في جنوب أفريقيا، في العام 2001، وبعد ذلك تلقت الدعم من قرار محكمة العدل الدولية، الذي أكد عدم شرعية جدار الفصل العنصري وقال إن هذا الجدار يضم عمليا مناطق محتلة إلى إسرائيل ولذلك هو غير قانوني. وفي تموز 2005، أطلقت قرابة 170 منظمة فلسطينية حملة تدعو إلى مقاطعة إسرائيل والامتناع عن الاستثمار فيها وفرض عقوبات فيها، وبذلك انطلق نشاط BDS والذي يعرف أيضا باسم "حملة مقاطعة إسرائيل".

وقال بحث صدر حديثا، بمشاركة عدد من الباحثين في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، إنه "بعد أكثر من عشر سنوات على إطلاقها، وعلى الرغم من عدم توفر معلومات تجريبية موثوقة حول نجاح أو فشل هذه الحملة، يبدو أن الحركة من أجل مقاطعة وعزل إسرائيل نجحت في توسيع دائرة التعامل معها والاعتراف بها، من خلال إنشاء جبهة مواجهة إدراكية معقدة مقابل إسرائيل في الحلبة الدولية، وكذلك في دول صديقة لإسرائيل تقليديا".

وتزايد انشغال إسرائيل بهذه الحركة في أعقاب أسطول الحرية التركي لكسر الحصار عن غزة، ومهاجمة سلاح البحرية الإسرائيلي للسفينة "مافي مرمرة" ومقتل عشرة نشطاء على متنها وإصابة خمسين آخرين، في نهاية أيار العام 2010. وأشار البحث إلى أن النقاش في إسرائيل حول "نزع الشرعية" عنها يتطرق إلى خطوات في الحلبة الدولية للتشكيك في شرعية وجود هذه الدولة أو "للتشكيك في حقها بتنفيذ خطوات دفاعية مقابل أعدائها". وميّز البحث بين حركات وهيئات في الساحة الدولية تدعو إلى المقاطعة وعدم الاستثمار في الشركات الإسرائيلية التي تعمل في الأراضي المحتلة عام 1967 وتنشط فيها، وبين جهات تدعو إلى معاقبة إسرائيل بسبب سياستها داخل "الخط الأخضر" وخاصة ضد الأقلية العربية. وبين النشطاء في حركة مقاطعة إسرائيل مواطنون إسرائيليون ويهود غير إسرائيليين وأصدقاء لإسرائيل في مجالات أخرى.

وغذت الثورة التكنولوجية وتزايد تأثير الرأي العام على صناع القرار في دول تعتبر حليفة لإسرائيل وانتشار الحركات المناهضة للاحتلال في حلبات دولية عديدة، نشاط حركة مقاطعة إسرائيل والدعوات إلى عدم التطبيع معها. كما أن هذه الحال وضعت مصاعب أمام إسرائيل في توفير رد موحد على نشاط BDS.

انتشار وتأثير حركة المقاطعة

تطرق الباحث كوبي ميخائيل، في أحد فصول البحث، إلى المستجدات الدولية التي ساعدت في انتشار وتأثير حركة مقاطعة إسرائيل. وبين هذه المستجدات تزايد قوة الجهات غير الدولتية، التغيرات البنيوية في المنظومة الدولية التي أدت إلى تعزيز الجهات غير الدولتية وبينها منظمات حقوق الإنسان، بينما كان الخصوم الأساسيون لإسرائيل في العقود الأولى التي تلت تأسيسها هم دول وكتل دولية نشطت في أطر دولية رسمية "من أجل إضعاف إسرائيل والتسبب بانهيارها".

وأضاف ميخائيل "لكن في السنوات الأخيرة يقود حملة نزع الشرعية نشطاء اجتماعيون وسياسيون، منظمات وائتلافات منظمات. وخلافا للحملات التي قادتها الجهات المنظمة، الممأسسة والتمثيلية والتي تمتلك صلاحية، مثل جامعة الدول العربية، تقود الحملة الحالية جهات غير رسمية، غير دولتية وغير تمثيلية، أي تلك التي لم تنتخب ولم يتم تعيينها لتمثل أحدا. وثمة ملامح أخرى بارزة في الحملة الحالية وتتعلق بالمكان المركزي الذي تحتله الشبكات الاجتماعية والعلاقات المتبادلة بين الجهات المختلفة التي تمثل أجندات مختلفة وارتبطت سوية من أجل خوض هذه الحملة".

ووفقا لميخائيل، فإنه تعززت مكانة وتأثير المنظمات غير الحكومية في مناطق السلطة الفلسطينية، وبغالبيتها منظمات حقوق إنسان، وهي تتلقى "طوفانا من التبرعات والمساعدات الدولية السخية. وتكمل هذه المنظمات غير الحكومية أحيانا مهمات حكومية تنفذها السلطة الفلسطينية". لكن ميخائيل ادعى أن هذه المنظمات "اصطدمت بصعوبات كثيرة في تنفيذ مهامها مقابل السلطة الفلسطينية في كل ما يتعلق بمحاربة الفساد وانتهاكات منهجية لحقوق الإنسان وحرية التعبير، ولذا اتجه معظمها إلى الحيز المريح أكثر للنشاط، وهو النضال ضد إسرائيل والاحتلال".

وأضاف ميخائيل أنه مع مرور السنين تعززت العلاقات بين المنظمات الحقوقية في مناطق السلطة الفلسطينية وبين منظمات غير حكومية "يسارية راديكالية معادية لإسرائيل" ومنظمات حقوقية إسرائيلية، بحيث أن القاسم المشترك بينها هو انتقاد سياسة إسرائيل فيما يتعلق بالاحتلال وانتهاك حقوق الفلسطينيين. ونتج عن ذلك "تعاظم تأثيرها على وسائل الإعلام العالمية وجماهير متنوعة في أوطانها". وفي الوقت الذي تتعرض فيه المنظمات الحقوقية في إسرائيل للملاحقة والتضييق، وحتى بواسطة سن قوانين في الكنيست، فقد وصف ميخائيل نشطاء هذه المنظمات بأنهم "بلهاء مفيدون"، وأكد أنهم يزودون حركة المقاطعة، التي تسمى في إسرائيل بحركة "نزع الشرعية عن إسرائيل" بـ"ذخيرة ذات قيمة عالية".

ورأى ميخائيل أن "نشطاء نزع الشرعية تغلغلوا إلى مجالات كثيرة في المجتمع المدني وبينها الحيّز الأكاديمي، الثقافي، الإعلامي والاقتصادي. والنتيجة هي المزيد من العقوبات والمقاطعات الاقتصادية، الثقافية والأكاديمية ضد إسرائيل والمجتمع المدني الإسرائيلي. وأصبح نزع الشرعية، الذي كان بصيغته التقليدية تصريحيا سياسيا، إلى إستراتيجية مركزية تُطبق بواسطة الشبكات الاجتماعية، وبذلك اكتسب نزع الشرعية قوة كبيرة، وبات يلحق ضررا حقيقيا، بل إن إمكانية الضرر هذه أكبر بكثير لدرجة أنه لم يعد بإمكان إسرائيل تجاهله وتجاهل تأثيره في الحلبة الدولية".

واعتبر ميخائيل أنه "لأن معظم الهيئات الدولية الموجودة تتميز بانحياز بنيوي ضد إسرائيل، فقد تحولت إلى حيز نشاط مريح وصارخ فيما يتعلق بنزع شرعية إسرائيل تحت غطاء تقارير نقدية ضد سياسة إسرائيل، الأمر الذي يدفع ويحفز منشدي نزع شرعية آخرين. ويضاف إلى ذلك تفكك نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا، الذي يعتبر بنظر الكثيرين أنه نجاح للمجتمع الدولي في فرض معاييره بواسطة نزع الشرعية والمقاطعة".

دور أجهزة الاستخبارات

في فصل آخر من البحث، رأى الباحثان دافيد سيمان طوف وكوبي ميخائيل أن حركة BDS تشكل "تحديا استخباراتيا" وتحديا جديدا للأمن القومي الإسرائيلي، وأن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مطالبة بتوفير الرد الملائم له. واعتبر الباحثان أن "على أجهزة الاستخبارات أن تتعامل معه مثلما تتعامل مع أي ظاهرة إستراتيجية أخرى تكمن في أساسها منظومة متغيرة ودارسة، والإشارة أمام صناع القرار والجهات الأخرى التي تنشط ضدها إلى التغيرات الحاصلة فيها".

وأضاف الباحثان أنه "في إطار مواجهة تحدي نزع الشرعية، على أجهزة الاستخبارات أن تدرس ما إذا كان الحديث عن تحد متجانس أم أن هذه هي تحديات متنوعة، وقسم منها لا ينشط ضد وجود إسرائيل وإنما ينتقد سياستها وحسب".

وتابعا أن "هذه القضية تطرح توترا أخلاقيا تواجهه أجهزة الاستخبارات. فمن جهة، على الاستخبارات أن تزوّد البضاعة المطلوبة منها، أي أن تخدم سياسة الحكومة، ولكن من الجهة الأخرى هي مطالبة بوضع تحد أمام أفكار قادة الدولة. وثمة من يدعي أن الربط بين كافة الجهات المعارضة لإسرائيل في إطار ’مظلة نزع الشرعية’ تخدم من ليسوا معنيين بالمبادرة إلى عملية سياسية، وعلى أجهزة الاستخبارات أن تكون مدركة لهذا الادعاء وتحليل تحدي نزع الشرعية بما يتلاءم مع ذلك".

لكن الباحثين أشارا إلى أن "المهمات المركزية للاستخبارات هي تشخيص وتمييز الظاهرة من خلال رؤية إستراتيجية شاملة؛ أن تتعامل مع المستوى العملاني في مقابل حملات ومظاهر استعراضية عينية والمساعدة في إحباط أو تشويش خطوات كهذه؛ العمل في المستوى الإدراكي، الذي بإمكان الاستخبارات التأثير فيه".
وتابعا أن "الاستخبارات مطالبة بوصف منظومة نزع الشرعية، الجهات المركزية فيها مثل هيئات وأشخاص مركزيين والعلاقة بينهم، وكذلك رصد الطرق التي يتم من خلالها تناقل الرسائل بين الشركاء في الشبكة (الانترنت). والتركيز على أشخاص مركزيين (في حركة المقاطعة) مطلوب أيضا من أجل السماح بعمليات نشطة توقف خطواتهم وتضع مصاعب أمام إخراج حملات يبادرون إليها ويقودونها إلى حيز التنفيذ. وبين التحديات المركزية في مواجهة هذه الظاهرة يمكن الإشارة إلى الحاجة إلى العمل بالاندماج مع جهات مدنية مشاركة في تطوير المعرفة، وبينها معاهد أبحاث وجهات أخرى تستخدم المعلومات. ولهذا الغرض، ينبغي تطوير منظومة لتحرير سريع لمواد الاستخبارات من دون المس بأمن مصادر المعلومات".

المعركة القانونية الدولية

أشارت الباحثتان بنينا شرفيط باروخ وكير أفيرام إلى أن "أحد الاتجاهات المقلقة المتعلقة بظاهرة نزع الشرعية ضد إسرائيل هو حقيقة أن الأفكار والرسائل، التي تحتج على شرعية دولة إسرائيل، تتغلغل إلى الجمهور الليبرالي وتصبح مقبولة عليه. ويشمل هذا الجمهور النخب في المجال الأكاديمي، السياسي، الاقتصادي والثقافي، ولذلك توجد للتأثير عليه تبعات هامة في جميع هذه المستويات".

وأردفت الباحثتان أنه "عندما ندقق بشكل عميق في الادعاءات المطروحة ضد دولة إسرائيل في الهيئات المختلفة، نكتشف أن إحدى الأدوات الهامة، التي تستخدم من أجل تصنيف إسرائيل بصورة سلبية، هي التأطير القانوني للنقاش. وبكلمات أخرى، فإن النقاش حول إسرائيل يُنقل إلى خطوط قانونية، وبهذه الطريقة يتم الادعاء ضدها أنها دولة تخرق القانون وتنتهك بصورة منهجية نصوص القانون الدولي، وبذلك هي تقوض النظام والسلم العالميين".

وتابعتا أن "المجهود الذي يبذل من أجل سلب الشرعية الإسرائيلية يستند في نواته وبقدر كبير إلى ادعاءات قانونية ومؤطّرة بصورة متعمدة بخطاب قانوني. ولذلك فإن ثمة أهمية لفهم هذه الادعاءات، التي تشكل أحد أركان الحملة ضد إسرائيل. وتوجد أهمية للتعرف على الدور الهام الذي تؤديه جهات في الحلبة القانونية الدولية لإنشاء صورة لإسرائيل كدولة تنتهك بشكل منهجي القانون الدولي وحقوق الإنسان، بصورة تستوجب القيام بخطوات حازمة ضدها".

واعتبرت الباحثتان أنه "من أجل أن تتمكن إسرائيل من القيام بمواجهة ناجحة في الحلبة القانونية الدولية، عليها أن تعمل بصورة حكيمة تجاه الداخل والخارج. وبذلك بالإمكان لجم انتشار الرسائل التي يبثها قادة نزع الشرعية بين جماهير هامة في الغرب، وحتى تخفيض مخاطر اتخاذ إجراءات قضائية ضد مسؤولين إسرائيليين".

صفقات الغاز بين إسرائيل ومصر والأردن

اعتبر الباحثان أوفير فينتر وإيال رازي – ينوف، في فصل بعنوان "قنوات التطبيع في عصر الـBDS: ما الذي يمكن تعلمه من صفقات الغاز مع مصر والأردن؟"، أن "تلخيص الخطاب الدائر في مصر والأردن حول صفقات استيراد الغاز من إسرائيل يوضح الخلافات الداخلية بين الأنظمة وبين قوى المعارضة وأجزاء من الجمهور فيما يتعلق بالتطبيع، بل يوضح التأثير المحدود لحركة BDS العالمية على العلاقات المتبادلة بين إسرائيل وجارتيها".

وأضافا أن "استعداد حكومتي مصر والأردن للتقدم في صفقات الغاز على الرغم من التحفظات والانتقادات يدل على الوزن الكبير للاعتبارات الاقتصادية في بلورة شكل العلاقات بين الأطراف في هذه الفترة. والتعلق المتبادل الحاصل بين إسرائيل وكلتا الدولتين، والفائدة المشتركة التي تقدمها صفقات الغاز لهما، سمحت للمصالح المشتركة بالتغلب على العوائق السياسية والثقافية التقليدية التي تضع مصاعب أمام تطوير علاقاتها، وإن كان ذلك يتعلق بموضوع معين ومحدود".

ورأى الباحثان أن "التعاون بين إسرائيل وجارتيها في موضوع الغاز من شأنه أن يتعمق ويتسع في السنوات القريبة وأن يشمل تصدير الغاز إلى تركيا أيضا، وإنشاء شراكات إسرائيلية – عربية مع قبرص واليونان".

لكن الباحثين حذرا من أنه "في الوقت نفسه يتعين على إسرائيل أن تأخذ بالحسبان أنه مثلما شكل الاعتبار الاقتصادي وحده محفزا لدفع صفقات الغاز بينها وبين جارتيها، فإن من شأنه أيضا أن يكون في المستقبل السبب في لجمها".

المصطلحات المستخدمة:

الخط الأخضر, الكنيست