المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

صدر في الأيام الأخيرة بحث أكاديمي في كتاب للبروفسور المختص في البيئة والديمغرافية ألون طال، يحذر فيه من نسب التكاثر السكاني العالية، وبشكل خاص لدى جمهور المتدينين المتزمتين "الحريديم"، والمتدينين بشكل عام. ويقول إن عدد سكان إسرائيل سيصل في العام 2050 إلى 23 مليونا وهو ما لا يمكن تحمله، وإن إسرائيل باتت الأكثر اكتظاظا بين الدول المتطورة. ويطالب طال بتدخل الحكومة بشكل أو بآخر بما يضمن فرض قيود على الولادات. وهذا ما يؤيده المختص الشهير إسرائيليا أرنون سوفير، المعروف بمواقفه العنصرية ضد العرب.

 

والبروفسور طال هو من أسس أشهر منظمة إسرائيلية لحماية البيئة وأسماها: "إنسان، طبيعة وقانون". وهو رئيس قسم السياسات العامة في جامعة تل أبيب. ويقول في أبرز استنتاج له في البحث: "إن البلاد ملأى، ويجب مواجهة الانفجار السكاني في إسرائيل". ويضيف "خلال 68 سنة على قيام إسرائيل تغيرت الدولة، من منطقة ذات عدد سكان قليل، إلى الدولة الأكثر اكتظاظا بين الدول الغربية"، وهي أكثر اكتظاظا بعشر مرات (ألف بالمئة) من معدل الاكتظاظ القائم في دول منظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD.

وبحسب طال، كما جاء في تقرير موسع في صحيفة "هآرتس" للصحافية نيطع أحيطوف، فإنه على أقل تقدير سيبلغ عدد سكان إسرائيل في العام 2050 حوالي 23 مليون نسمة، مقابل 5ر8 مليون رسميا اليوم (يشمل فلسطينيي القدس). وتقول تقديرات أخرى إن عدد السكان قد يصل إلى 36 مليون نسمة في العام 2050. وقبل هذا، في العام 2032 سيكون عدد السكان 12 مليونا. ويقول طال: تأملوا بهذه التقديرات، وبحال الاختناقات المرورية اليوم، وكيف ستكون حالها في تلك السنين، وبحالة الاكتظاظ في الصفوف التعليمية المدرسية، وبطوابير الانتظار المختلفة، وكيف ستكون الحال في تلك السنين.

ويضيف طال أن الحكومة عمليا تشجع الولادات من طريق دفع المخصصات الاجتماعية، من مخصصات أولاد وغيرها، وهذا ما يشجع شرائح على الولادات أكثر. فمعدل الولادات لدى المتدينين المتزمتين "الحريديم"، يبلغ حاليا 5ر6 ولادة. وذات يوم قال دافيد بن غوريون إن من يلد أقل من 4 أولاد فهو خائن. وأنا لا أطلب من الحكومة أن تعمل مثل الصين، ولكن على الحكومة أن تعلن مثلا أن المعدل الأفضل للعائلة هو ولدان اثنان، وأن أكثر من هذا ليس مرغوبا، ولكن دون تدخل، ودون تشجيع.

ويتابع طال ردا على من يقولون إن تقييد الولادات ليس أخلاقيا فيقول إن ولادة مولود ثالث لعائلة ليس لديها مال كاف لمعيشته، هو أيضا أمر غير أخلاقي. ويضيف أن ما هو غير أخلاقي، حينما يدفع قسم من الجمهور ضرائب دخل بنسبة 60% من رواتبهم كي يمولوا من ليس لديهم مداخيل لتمويل معيشة أبنائهم الكثر. وما هو غير أخلاقي، حينما تتنازل عائلات عن إضافة مولود كي تحافظ على توازن صرفها، في حين أن عائلات أخرى تلد 14 ولدا وتعيش على مخصصات الخزينة العامة.

والهاجس الديمغرافي في الحركة الصهيونية وإسرائيل شهد في السنوات الأخيرة انقلابا حادا. ففي حين كان القلق في العقود الخمسة الأولى بعد قيام الدولة من نسبة تكاثر المواطنين العرب في إسرائيل، فقد تحول بالذات منذ سنوات الالفين إلى هاجس الارتفاع الحاد في نسبة تكاثر المتدينين المتزمتين "الحريديم"، الذين تبلغ نسبة تكاثرهم حوالي 8ر3% وبعدهم نسبة تكاثر التيار الديني الصهيوني- 8ر2%. بينما نسبة تكاثر العرب تراجعت في السنوات الأخيرة إلى 6ر2%، بعد أن كانت في سنوات سابقة أكثر من 4ر3%.

وعن هذا يقول البروفسور طال: "في ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإنني اذكر عنوانا صارخا في صحيفة في العام 1985 بأنه بعد عقد من الزمن ستكون هنا أغلبية عربية. ومنذ ذلك الحين حصل الكثير من الأمور مثل تشجيع الولادة وموجات الهجرة إلى إسرائيل. وهذا ما أدى إلى تغيير في المعادلات الديمغرافية بين العرب واليهود، لصالح اليهود. ولكن لدى الجمهور العربي يوجد سنويا 40 ألف ولادة، وهذا عدد ثابت منذ 20 عاما. وبين اليهود فإن عدد الولادات يتراوح ما بين 100 ألف إلى 120 ألفا. وعلى الرغم من هذا، يوجد سياسيون يفضلون تشويه الصورة ليدعوا أن التهديد الديمغرافي من العرب ما يزال قائما. ولهذا فإن مهمتنا في الأكاديميا أن نقول الحقيقة"، بقصد أن "التهديد" لم يعد من العرب.

وينبع الهاجس أساسا من أن "الحريديم" هم مجتمع منغلق على ذاته، لا ينخرط في الحياة العامة بالقدر الكافي، ولا ينخرط الرجال فيه في سوق العمل بنسبة كافية، إذ حسب التقديرات فإن نسبة انخراطهم في حدود 51% لمن هم في جيل العمل- 25 إلى 64 عاما، مقابل حوالي 80% بين الجمهور العام. بينما النسبة في الشريحة العمرية من 15 إلى 64 عاما، لا ترتفع عن 44%، مقابل 64% بين الجمهور العام. كما أنهم يعيشون حياة تقشفية، واستهلاكهم أساسي وغير عصري، وهم يمتنعون عن الانخراط في الخدمة العسكرية الالزامية.

أما أتباع التيار الديني الصهيوني، فهم منخرطون في الحياة العامة، ولا يوجد هاجس اقتصادي أو عسكري من ناحيتهم، ولكنهم يزدادون تشددا دينيا، وباتوا يتلاقون أكثر من ذي قبل مع جمهور "الحريديم" في الشؤون الدينية، ما يزيد من مخاطر الإكراه الديني أكثر مما هو قائم حاليا.

وبالامكان القول إن البحث الأبرز الذي حذر من تكاثر "الحريديم" هو ذلك الذي صدر في جامعة حيفا، في العام 2010، وأجراه باحثان وأشرف عليه البروفسور أرنون سوفير.

الهروب من الاكتظاظ بالهجرة العكسية

واستطلع تقرير "هآرتس" رأي البروفسور المختص في الديمغرافيا والشهير إسرائيليا أرنون سوفير، المعروف بعنصريته تجاه العرب، إلا أنه في السنوات الأخيرة بات يوجه تحذيراته من تنامي أعداد المتدينين المتزمتين "الحريديم"، مقابل تقليل شأن تكاثر المواطنين العرب، نظرا للتراجع الحاد في معدل الولادات وبالتالي نسبة تكاثرهم الطبيعي.

وكان سوفير من معدي البحث الشامل السابق ذكره هنا في جامعة حيفا في العام 2010، والذي توقع أن يصبح المتدينون اليهود في العام 2030 غالبية من اجمالي السكان، بنسبة 51% ومن ثم تبدأ النسبة تعلو أكثر. وهو يقصد "الحريديم" والمتدينين من التيار الديني الصهيوني. وهذا يعني أن نسبة المتدينين من اجمالي اليهود قد تصل إلى 65%. ومن هنا حذر من أن ارتفاع نسبة المتدينين، وبالذات "الحريديم"، ستحاصر العلمانيين في منطقة تل أبيب الكبرى، التي أطلق عليها كغيره مصطلح "دولة تل أبيب"، وأنه في مرحلة ما ستختار الأجيال الشابة من العلمانيين الهجرة إلى عالم متطور أوسع.

وهذا الاستنتاج الذي يتمسك به سوفير، جعله يفتتح مكالمته مع الصحافية نيطع أحيطوف، معدة التقرير، قائلا لها إنها وعائلتها وأصدقاءها لن يبقوا في إسرائيل لزمن طويل، لأن العبء سيكون كبيرا عليهم. وحينما أجابته بأنها حاليا ليست لديها خطة للهجرة لدولة أخرى أجابها "في هذا الأسبوع ليس لديك خطة كهذه". بقصد أن خيار الهجرة سيكون أمامها لاحقا، وبعد وقت قصير.

ويقول سوفير إن الأفكار التي يطرحها البروفسور طال صحيحة. وقال "إنه صادق، فأنا منذ سنوات أصرخ بشأن العامل الديمغرافي. لقد وصلنا إلى اللحظة المصيرية، التي باتت فيها إسرائيل الأكثر اكتظاظا من بين الدول المتطورة. فنحن نلد كما دول العالم الثالث، ونستهلك كما هو حجم استهلاك دول العالم الأول (المتطور). ويضاف إلى هذا أن بلادنا صغيرة وصحراوية. والصحراء فيها آخذة بالتوسع. وأضيفي إلى هذا أن 50% من مساحة الدولة تابعة للجيش، وهي نسبة غير مسبوقة في العالم. وضعي هذه المعطيات في دولة فاقدة للسيطرة، وحينها ستحصلين على صورة الواقع، والتي هي مظلمة".

ويؤيد سوفير الحلول التي يطرحها البروفسور طال، ويقول "يحدث أمر ما بين عرب إسرائيل (المواطنون الفلسطينيون)، فهم أصبحوا كالأشكناز، ويلدون أولادا بأعداد أقل. وإذا لم نضم المناطق (المحتلة منذ 1967)، فإن وضعنا من ناحية ديمغرافية يهودية ليس سيئا. ولكن إذا ما تم الضم، فإن محادثتنا هذه ستكون قد بلغت نهايتها، لأن هذا يعني خراب إسرائيل".

وحول رأيه بالشكل الذي على إسرائيل مواجهة ارتفاع معدلات الولادة فيه، يقول سوفير "إن محادثتنا الهاتفية هذه هي محادثة نظرية الآن، لأنه ولا أي شخص من الحريديم سينصت لنا، والمعركة فاشلة. ويؤسفني أن أصحاب القلنسوات المحاكة (بقصد أتباع التيار الديني الصهيوني)، يشكلون هم أيضا خطرا على وجود إسرائيل من ناحية ديمغرافية، بدرجة لا تقل عما يشكله الحريديم، لأنه أيضا لديهم نسبة التكاثر كتلك التي لدى العالم الثالث".

ويتابع سوفير متحدثا بلهجته الحادة، التي كانت ذات يوم تقتصر على العرب وحدهم، ويقول "أنا وأنت نحول الأموال لهم أيضا بكميات ضخمة (بقصد ومخصصات ولادة واجتماعية). وإضافة إلى الحلول التي يعددها طال، لدي حل إضافي: البحر الأبيض المتوسط. يجب أن ننطلق نحو البحر ونحتله، وأن نجفف أقساما منه، بما يشمل هذا من أضرار بيئية، وأن نبني على الجزر التي ستجفف بيوتا سكنية وشوارع وبنى تحتية".

يعترضون على طال

من ناحية أخرى، توجه التقرير إلى من يعارض استنتاجات طال وسوفير، ومن بينهم النائب السابق العلماني نيتسان هوروفيتس، وهو إعلامي وكاتب صحافي في مهنته، وكان عضو كنيست لدورتين ضمن كتلة "ميرتس" اليسارية الصهيونية. وهو يدعي عدم وجود علاقة بين الأزمة البيئية والتكاثر الطبيعي بنسب عالية. ويقول إن الاضرار البيئية ناجمة عن ادارة فاشلة للأمور. ويسند حديثه بما جرى للبحر الميت، وقال إنه جف في اقسام كبيرة منه بسبب المشاريع الاستثمارية.

ويقول هوروفيتس إن "تكاثر الجمهور يتحول إلى مشكلة في اللحظة التي تظهر فيها فجوات اجتماعية بين الشرائح المختلفة. فإذا شريحة ما من الجمهور بقيت خارج دوائر التعليم والعمل، وخارج دوائر الموارد، فإنها ستكون في أوضاع اقتصادية اجتماعية صعبة، وهذا يؤثر على الجمهور كافة. فالتكاثر السكاني برأيي ليس أمرا سلبيا. ولكنه يتحول إلى إشكالي حينما ينتج فقرا، وحينها تكون مواجهته بالأدوات التي يطرحها سوفير وطال: ضمان تعليم اساسي، وانخراط في سوق العمل، ومساواة لكل الشرائح وخاصة للنساء. أما الانشغال في تقييد عدد الولادات، فإنه سيقودنا نحو أماكن لا نريد أن نكون فيها، أي التدخل في حياة الفرد".

ويرد البروفسور طال على ما يقوله هوروفيتس قائلا "من الواضح أن على السلطة ضمان توزيع عادل للموارد. ولكن إسرائيل لها وضع خاص، فيه الجمهور الفقير، "الحريديم"، يتكاثر بأعلى نسبة ووتيرة، ويحصل أفراده على أكبر ميزانيات من بين باقي الشرائح. وفي السنوات الأخيرة، فإن المدفوعات الاجتماعية في إسرائيل في ارتفاع دائم، في حين أن أعداد الفقراء ممن هم دون سن 18 عاما، في تزايد مستمر. وإذا ما قمنا بتوزيع الموارد بشكل آخر، كما يطرح هوروفيتس، فإننا سنعطي أموالا أكثر لشريحة الحريديم، وهم سيلدون أكثر، وسنتسبب بزيادة أعداد الفقراء. إن هوروفيتس يوهم نفسه حينما يقول إن الحل بتوزيع الموارد".

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات