يعرض تقرير جديد أصدرته جمعية "جيشاه" (مَسلـَك ـ مركز للدفاع عن حرية الحركة) الإسرائيلية أصوات نساء يعشن ويعملن في قطاع غزة في ظل حالة الحصار الخانق المتواصل منذ سنوات عديدة أوصل الأوضاع المعيشية في قطاع غزة إلى تخوم الكارثة الإنسانية، على ما يشكله ذلك من أرضية خصبة لوقوع انفجار جديد لا بد وأن يزيد الأوضاع استفحالا ويعجّل في حدوث الكارثة الإنسانية.

ويعرض التقرير، الذي صدر الأسبوع الماضي (16 آذار) لمناسبة "يوم المرأة العالمي"، تحت عنوان "سقف من الإسمنت: رياديات في غزة يشرحن كيف يؤثر الإغلاق على النساء ويحدّ من الفرص"، حالات لنساء غزّيّات اخترقن السقف الزجاجي في مجالات عدة: مديرات بنوك وشركات، صاحبات مبادرات تجارية، مُؤسِسات جمعيات اجتماعيّة وناشطات يُحدثن تغييراً سياسيّاً واجتماعياً داخل مجتمعاتهن.

لكنّ هؤلاء النساء، المختلفات عن بعضهن في مجالات اهتماماتهن وطموحاتهن، يصطدمن جميعهن بالتقييدات ذاتها – سقف الإسمنت، المتمثل بالإغلاق والحصار الإسرائيليين على قطاع غزة. فقد حددت إسرائيل معايير مشددة جدا لمن يُسمح لهم أو لهن بتقديم طلب للتنقل من غزة وإليها. وباستثناء المرضى ومرافقيهم والحالات الإنسانية الحرجة والاستثنائية، لا تسمح إسرائيل بالخروج إلا لمن هم من التجار الكبار بالأساس، وغالبيتهم من الرجال بالطبع. وحتى هذا، يتم بشكل محدود جدا، إذ يساعد قلة قليلة من التجار ورجال الأعمال الذين لا يزيد حجم أعمالهم التجاريّة عن الحجم المحدد بالمعايير الإسرائيلية، والقادرين على تحمل التكاليف الهائلة لنقل البضائع إلى خارج غزة.

المعايير الصارمة جدا التي تفرضها إسرائيل تسدّ طرق التقدم وإمكانياته أمام النساء بشكل كلي، تقريباً. فعلى سبيل المثال، هنالك نساء كن يعلن عائلاتهن بأنفسهن قبل الإغلاق والحصار، من خلال العمل في مجال نقل البضائع بكميات صغيرة. وهنالك أخريات كن يعملن موظفات في مؤسسات المجتمع المدني، لا يتاح خروجهنّ للمشاركة في المؤتمرات ودورات التدريب المهني بموجب المعايير الإسرائيليّة الضيقة. وهنالك، مثلا، صاحبات المبادرات التجاريّة في شركات ناشئة، ممن لا يستطعن تقديم وعرض منتجات قمن بتطويرها والوصول إلى المعارض واللقاءات التي تجرى مع زميلاتهنّ وزملائهنّ، من أجل تطوير أعمالهنّ التجاريّة. الكثيرات منهنّ شابّات ومثقفات وتُعقد عليهن آمال عريضة في تحسين أوضاع التشغيل، المبادرة وإحداث تغييرات عميقة، لكن التقييدات الإسرائيلية المفروضة عليهن تجعل هذا الأمل بعيدا.

بلغت نسبة البطالة بين النساء في قطاع غزّة ما يفوق الـ 65% من مجموع النساء هناك، ولا تمتلك المصالح التجاريّة الصغيرة أية فرصة حقيقيّة للتوسع، بينما لا يجد الكثير من الرجال أية فرصة عمل، وهو ما يعني أن فرص النساء هي أقل من بكثير.
يستعرض التقرير الجديد التحديات الماثلة أمام النساء العاملات في قطاع غزة، بكلماتهن هن، ويقدم وجهة نظر هامة حول الأضرار الواقعة على النساء جراء الاغلاق والحصار. ويؤكد التقرير أن التقييدات الإسرائيلية المشددة المفروضة على الحركة والتنقل تعيق التغيير نحو الأفضل وتقلص الأفق المتاح أمام النساء وطموحاتهن الكبيرة وتنتهك حقهن في تحقيق هذه الطموحات، وهو ما يعني أن الاغلاق يعيق إمكانيات واحتمالات توفير حياة لائقة لسكان القطاع، من الرجال والنساء على حد سواء.

حتى العام 2016، شكلت النساء 49%من مجمل السكان في قطاع غزة، وهو رقم يزيد قليلاً عن 910 آلاف نسمة. في العام 2005، قبل فرض الإغلاق والحصار، بلغ معدل البطالة بين النساء في قطاع غزة 2ر35% بينما يبلغ معدلها اليوم 3ر65% مقابل 4ر34% في أوساط الرجال.

وانخفض معدل النساء المشاركات في القوى العاملة والعاملات في قطاع الزراعة والصيد، وهما مجالان تعرضا لضرر كبير جدا جراء الإغلاق والحصار، من 36 %في العام 2007 إلى 8ر2% فقط في العام 2016. وبلغ معدل الراتب اليومي للنساء في قطاع غزة 7ر75 شيكل، مقابل راتب الرجال الذي بلغ 2ر95 شيكل.

ورغم هذه الأوضاع المزرية والخانقة، يعرض التقرير حالات لعدد من النساء اللاتي نجحن في تحدي المعوقات وفي التغلب عليها، كما نجحن في التغلب على الآراء المسبقة والتقييدات والمصاعب الاجتماعية، إلا أنهن يستصعبن تحقيق انطلاقة واختراق التقييدات التي تفرضها إسرائيل على حرية التنقل. وهو أمر يؤثر على تقدمهن المهني، إلى جانب تأثيره على إمكانية تطوير اقتصاد قطاع غزة والدفع به قدما.

ويشمل التقرير مقابلات مع كل من: د. ريهام الوحيدي (استشارة مهنية)، سهى خضر (مديرة منطقة قطاع غزة في "بنك القدس")، مها أبو سيدو (تسويق وتصميم منتجات التطريز)، هبة التميمي (مديرة مشاركة في شركة تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات – هاي تك)، مها المصري (القطاع الثالث)، د. صباح العويسي (رئيسة مجلس إدارة شبكة حضانات أطفال ومدرسة خاصة في غزة).