تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
طباعة
1611

كان صوت كتلتي المعارضة البرلمانية "المعسكر الصهيوني" و"يوجد مستقبل" عاليا جدا في معارضتهما لقانون إسكات الآذان، الذي أقره الكنيست بالقراءة التمهيدية قبل أقل من أسبوعين. وتجندت الكتلتان بنسبة عالية جدا للتصويت ضده في الهيئة العامة للكنيست. ولكن الكتلتين لا تستطيعان التبرؤ من ماكنة انتاج القوانين الأشد عنصرية ودعما للاحتلال والاستيطان، التي تسارع "انتاجها" بشكل غير مسبوق في الولاية البرلمانية الـ 20، وفق رصد دقيق لهذه الفئة من القوانين، نقوم به في مركز "مدار".

ووفق احصائية ليست نهائية ضمن مشروع رصد هذه القوانين، تم منذ انتخابات ربيع العام 2015، وحتى الآن، طرح ومعالجة ما يزيد عن 120 مشروع قانون، وما يزيد عن 30 قانونا دخلت مراحل التشريع، من بينها 18 قانونا على الأقل باتت مقررة نهائيا. وهذه احصائيات ستشهد تغيرات مع انتهاء الدورة الشتوية هذا الأسبوع.

وهذا كم هائل من القوانين لم تشهده أي من الولايات البرلمانية السابقة. وللعلم فكتاب القوانين الإسرائيلي يعج بعشرات القوانين العنصرية المباشرة، التي بدأ سنّها منذ العام 1948. والقوانين الأولى كانت ذات بعد استراتيجي عام، قسم كبير منها كان لمصادرة مئات آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين الذين بقوا في الوطن، ومناطق نفوذ البلدات العربية، في حين أن أملاك المهجّرين وبلداتهم تم وضع اليد عليها فورا. إلا أنه منذ مطلع سنوات الألفين، بدأنا نشهد كما هائلا من القوانين التي تدخل في تفاصيل حياة الفلسطيني في جميع أنحاء فلسطين التاريخية، بدءا من قانون منع لم شمل العائلات، التي أحد الوالدين منها من المناطق المحتلة منذ العام 1967 عدا القدس، ما أدى إلى تمزيق آلاف العائلات الفلسطينية. كذلك تم سن عدد كبير من القوانين التي تفرض قيودا على حق الترشح للكنيست، وعلى مجمل النشاط السياسي، والتعبير عن الرأي. وهذه القوانين منها ما يطال مراكز حقوقية، فقط لكونها تُعنى بشؤون الفلسطينيين في جميع أنحاء فلسطين التاريخية.

وفي الولاية البرلمانية الحالية، هناك كم غير مسبوق في عدد القوانين التي تهدف إلى فرض ما يسمى "السيادة الإسرائيلية" على جميع أنحاء الضفة المحتلة، أو على الكتل الاستيطانية، كمرحلة أولى. وكل هذا بموازاة سياسة إغداق الأموال على المستوطنات والمستوطنين.

ومن الضروري القول إن قسما كبيرا من هذه القوانين يطرح بهدف قوننة سياسات قائمة. والهدف من جعلها قوانين، كي لا يكون تطبيق هذه السياسات خاضعا لمزاج وزراء أو حكومات قادمة.

وعلى رأس قائمة المبادرين لهذه القوانين أعضاء الكنيست من حزب "الليكود" الحاكم، ومن كتلة تحالف أحزاب المستوطنين "البيت اليهودي". وعلى الرغم من وجود الكثير من القوانين التي يقدمها معا نواب من الكتلتين، إلا أن طابع المنافسة بين الكتلتين، وبين النواب بشكل عام واضح جدا. ومن قبلهم فإن الحكومة عدا عن مصادقتها على هذه القوانين كشرط لدخولها مراحل التشريع، تبادر بنفسها إلى مشاريع قوانين أشد خطورة.

تورط المعارضة

من الواضح أن على رأس المبادرين للقوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان تقف الحكومة، يليها أعضاء كنيست من التيار الأشد تطرفا، الذين وصلوا إلى الكنيست، حاملين مهمات عينية، وخاصة النواب المستوطنين، أو الداعمين للاستيطان. على سبيل المثال، النائب المستوطن بتسلئيل سموتريتش، من كتلة "البيت اليهودي"، الذي أسس منذ سنوات عصابة (جمعية) رغافيم، المختصة بملاحقة قضايا الارض والبناء في جميع أنحاء فلسطين التاريخية. وهي تعمل بمنهجية لتحفيز المؤسسة الحاكمة على اصدار أوامر المصادرة، وأوامر هدم البيوت العربية. وتنشط بشكل خاص لنهب أقصى ما يمكن من الأراضي العربية في صحراء النقب، واقتلاع عشرات القرى وتهجير أهلها. كما أنها تقف من وراء تهجير القرى الفلسطينية في منطقة غور الأردن وحتى مشارف القدس الشرقية. وهذا هو الطابع الأبرز في مشاريع القوانين التي يبادر لها سموتريتش، وأخطرها ما يسمى "قانون التسوية"، لنهب الأراضي الفلسطينية بملكية خاصة في الضفة المحتلة.

كذلك هناك النائبة المستوطنة شولي معلم، من كتلة "البيت اليهودي"، المبادرة لقوانين زاحفة نحو تطبيق ما يسمى "السيادة الإسرائيلية" على الضفة المحتلة. ومثلها النائبة عنات بيركو، من حزب "الليكود"، التي تتميز مشاريع قوانينها بزيادة العقوبات على المقاومين الفلسطينيين، وبضمنهم الأطفال ما دون سن 14 عاما، وشرعنة قرارات المحاكم العسكرية أمام المحاكم المدنية وغيرها.

ولكن ليس فقط نواب اليمين الأشد تطرفا في الائتلاف، بل أيضا نواب كتلة "كولانو" (كلنا)، بزعامة وزير المالية موشيه كحلون، التي حسب "المواصفات" الإسرائيلية تم ادراجها في خانة ما يسمى "الوسط"، أو "اليمين المعتدل"، فعدد بارز من نواب الكتلة ينافسون أيضا على سن هذه الفئة من القوانين. كذلك فإنه من حيث النسبة المئوية، هذه الكتلة الأكثر التزاما في التواجد في الهيئة العامة للتصويت على قوانين الحكومة والائتلاف، وبضمنها هذه القوانين.

ورغم أن نواب اليمين المتطرف يحتلون المراتب الأولى في القائمة السوداء، التي نعدها ضمن مشروع رصد القوانين، إلا أن جميع نواب كتلتي "المعسكر الصهيوني" و"يوجد مستقبل" متورطون بماكنة التشريعات العنصرية، والاسماء القليلة جدا، التي لم تشارك في المبادرة، أو المشاركة في المبادرة لسن القوانين، وجدناها متورطة بهذا المستوى أو ذاك في التصويت دعما لقانون واحد على الاقل وأكثر.

ويظهر الرصد أن الغالبية الساحقة من نواب كتلتي المعارضة "المعسكر الصهيوني"، و"يوجد مستقبل" متورطة بهذه القوانين، إن كان من خلال المبادرة، أو المشاركة في مبادرات قوانين، أو في عمليات التصويت، إن كان دعما مباشرا، أو تغيبا مخططا عن جلسات التصويت، الذي يُعد من ناحية المعارضة دعما غير مباشر للقوانين.

"المعسكر الصهيوني"

تضم كتلة "المعسكر الصهيوني" التي لها 24 نائبا، حزب "العمل"، الذي له حاليا 19 نائبا، وحزب "الحركة" بزعامة تسيبي ليفني، الذي له 5 نواب. والتواطؤ الأبرز لهذه الكتلة مع فئة القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، بدأ بغياب منهجي مخطط عن جلسات التصويت، خاصة حينما كان الفارق بين الائتلاف والمعارضة نائبين (59 مقابل 61 للائتلاف).

فمثلا مع بدء الولاية البرلمانية في صيف العام 2015، كانت حكومة نتنياهو "منشغلة" بالقوانين، التي نقلت استمرار تشريعها من الحكومة السابقة، برئاسة نتنياهو ذاته. ومنها القوانين الاشد خطورة في تلك الأيام: اطعام قسري للأسرى المضربين عن الطعام، ورفع حاد للعقوبات على ملقي الحجارة، وهذان قانونان تم اعدادهما في وزارة العدل، التي كانت تتولاها تسيبي ليفني، ومن باتت في صفوف المعارضة في الولاية البرلمانية الحالية. وهذا يقول إن المعارضة للقوانين لها ارتباط بمكانة الكتلة في الولاية البرلمانية، بمعنى داخل الائتلاف وأو معارضة له.

ووجدنا أن نسبة تصويت الكتلة ضد هذه الفئة من القوانين تتراوح ما بين 41% إلى 44% كأقصى حد، ثم بدأت هذه النسبة تتراجع لاحقا. وكانت معارضة الكتلة تبرز في القوانين التي تثير غضب مراكز وأطر حقوقية أوروبية على وجه الخصوص، مثل القوانين التي تستهدف مراكز حقوقية في إسرائيل.

لكن مع تقدم العمل البرلماني، بات نواب الكتلة يشاركون أكثر في طرح القوانين، إما كمبادرين، أو كشركاء في المبادرة. والقانون الأخطر هو ذلك الذي وقع عليه 22 نائبا من أصل النواب الـ 24 للكتلة، ويقضي باستكمال بناء جدار الاحتلال في الجهتين الشرقية والجنوبية من الضفة المحتلة، وبضمن هذا اقتطاع مناطق شاسعة من الضفة، وبشكل يمهد لضم الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل.

كذلك قدمت النائبة أييليت نحمياس فيربين من حزب "العمل"، وكتلة "المعسكر الصهيوني"، مشروع قانون يقضي بفرض ما يسمى "السيادة الإسرائيلية" على المناطق (ج)، التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية المحتلة. وعلى الرغم من أن نص تفسير القانون يجعله يظهر وكأنه نوع من مماحكة حكومة اليمين المتطرف، إلا أنه يبقى مشروع قانون داعما للاحتلال والاستيطان.

وليس هذا فحسب، بل إن نوابا في "المعسكر الصهيوني" بادروا إلى قوانين ستساهم في قمع الحريات، مثل القانون الذي يلاحق المنشورات في شبكات التواصل، والزام شبكات التواصل بإزالتها إذا كان فيها "تحريض على الارهاب"، ولكن بموجب التعريف الإسرائيلي للارهاب، الوارد في قانون ما يسمى "مكافحة الارهاب". بمعنى أن دعوات مقاومة الاحتلال ستعد بموجب هذا القانون تحريضا على الارهاب، وليس المنشورات العنصرية لليمين الإسرائيلي المتطرف، التي تعج بها شبكات التواصل.

كذلك رأينا ان النائب نحمان شاي، الذي يعد على الجناح "المعتدل" في حزب "العمل"، بادر مع نائب من الليكود، إلى مشروع قانون يجيز لحاملي الجنسية الإسرائيلية المقيمين في الخارج بشكل دائم، في عداد مهاجرين، أن يمارسوا الحق في الانتخابات للكنيست. وهذه فكرة صدرت في صفوف حزب الليكود منذ سنوات التسعين الاولى، والهدف الاساس منها، تقليص وزن المواطنين العرب في الانتخابات البرلمانية. ودلالة على هذا، أن هذه الفكرة صدرت عن الليكود بعد انتخابات 1992، حينما شكلت الكتلتان اللتان مثلتا المواطنين العرب في حينه، كتلة مانعة لعدم تولي الليكود الحكم، وضمان حكومة برئاسة إسحاق رابين زعيم حزب "العمل" في حينه.

"يوجد مستقبل"

الأجواء اليمينية في كتلة "يوجد مستقبل" أكثر وضوحا، وهي كتلة تضم ثلاثة تيارات، ولكنها في نهاية المطاف تنصاع إلى مؤسس الحزب وزعيمه الأوحد يائير لبيد، ففي هذه الكتلة نواب يتناغمون مع التيار الأشد تطرفا، مثل اليعازر شطيرن، وهو ضابط احتياط، من التيار الديني الصهيوني، وميكي ليفي قائد شرطة الاحتلال الاسبق في القدس، ويوئيل رزفوزوف. وهؤلاء يتميزون بعدد قوانين بادروا أو شاركوا في المبادرة لها، اضافة إلى مشاركتهم أكثر من غيرهم، في طرح مشاريع القوانين من هذه الفئة. بينما هناك نائبان إلى ثلاثة، من الممكن اعتبارهم أقرب للتيار اليساري الصهيوني، وهم ياعيل غيرمان وكارين الهرار وعوفر شيلح.

ومن أصل النواب الـ 11 في الكتلة، فإن تسعة منهم متورطون في طرح هذه القوانين. والاثنان اللذان لم يطرحا ايا من هذه القوانين، هما الوزيرة السابقة ياعيل غيرمان، التي كانت رئيسة بلدية هرتسليا لعدة سنوات، وفي الاصل هي من حركة "ميرتس" اليسارية الصهيونية. والثاني هو الصحافي عوفر شيلح. إلا أن جميع نواب الكتلة أيدوا قوانين في التصويت المباشر، من 3 قوانين كحد أدنى وأكثر.

ورأينا أن زعيم الحزب يائير لبيد، والشخص الثاني في الحزب، رئيس جهاز المخابرات العامة "الشاباك" الاسبق يعقوب بيري، شاركا في المبادرة إلى مشروعي قانون، الأول يقضي بطرد عائلات المقاومين والناشطين الفلسطينيين من القدس، والثاني ينص على محاصرة عائلة ناشط أو مقاوم فلسطيني من الضفة، في واحدة من مدن المناطق (أ)، ومنعها من مغادرتها. كذلك فإن يائير لبيد مشارك في قانون لمنع مراكز إسرائيلية، حقوقية ومناهضة للاحتلال، من تقديم محاضرات في المدارس.

وحسب الرصد، فإنه في كل واحدة من الدورات الصيفية والشتوية السابقة، تراوحت نسبة اعتراض كتلة "يوجد مستقبل" على القوانين، ما بين 23% إلى 27% كأقصى حد.

الخلاصة

في المجمل، فإن المعارضة الفعلية والثابتة لهذه الفئة من القوانين تقتصر على كتلتي "القائمة المشتركة" التي تمثل الشارع العربي، ولها 13 مقعدا، وكتلة "ميرتس" اليسارية الصهيونية، بينما أداء "المعسكر الصهيوني" و"يوجد مستقبل" يساعد ويساهم من ناحية فعلية في وتيرة سن هذه القوانين بشكل غير مسبوق.