تستند السياسة الإسرائيلية في مجال الأمن القومي إلى أسس وضعها رئيس الحكومة الإسرائيلية الأول ووزير دفاعها، دافيد بن غوريون، في خمسينيات القرن الماضي. وتشكل هذه الأسس أساسا لأية محاولة لوضع مفهوم أمن قومي جديد. واستعرضت الدراسة الجديدة التي صدرت عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، في شباط الماضي، هذه الأسس التقليدية، التي ما زالت إسرائيل تسير بموجبها.

أولا: "دولة إسرائيل هي البيت القومي للشعب اليهودي. وهي تطبيق لحقه في تقرير المصير وبدولة خاصة به. ولذلك فإن إسرائيل رأت بنفسها، منذ قيامها، أنها ليست ملتزمة تجاه سكانها فقط وإنما تجاه يهود الشتات، الذين تشكل ملجأ بالنسبة لهم وقت الضيق".

ثانيا: "إسرائيل تدار بموجب قيم ديمقراطية. ولذلك فإن أغلبية يهودية هي شرط ضروري لوجودها، من خلال قانون العودة (لليهود فقط) إلى جانب الحرص على حقوق الأقليات".

ثالثا: "الحاجة إلى الاستناد إلى دول عظمى، أدت في العقد الأول إلى حلف مع فرنسا وبعد حرب الأيام الستة (حزيران العام 1967) إلى إقامة حلف إستراتيجي، فعلي وغير رسمي، مع الولايات المتحدة. وهذا مبدأ ضروري على ضوء حجم إسرائيل الصغير قياسا بأعدائها. وغاية العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة هي ضمان المساعدات العسكرية واللوجيستية قبل الحرب وخلالها وبعدها، وضمان دعم سياسي هام من أجل دفع مصالح إسرائيل وتوفير دعم وضمانات اقتصادية لإسرائيل".

رابعا: "السعي إلى سلام مع الدول العربية المجاورة لإسرائيل إلى جانب محاولات للمبادرة إلى شراكات إستراتيجية مع جهات ليست عربية دولتية وغير دولتية في الشرق الأوسط، مثل كردستان وتركيا، وإيران قبل الثورة الإسلامية".

خامسا: "بذل جهود من أجل إقناع دول عربية وإسلامية من أجل تقبل وجود إسرائيل والاعتراف بأنها البيت القومي للشعب اليهودي، وبحقه في تقرير المصير في مناطق موطنه، وبحق إسرائيل في الوجود بأمان".

سادسا: "حفاظ إسرائيل على التفوق النوعي والتكنولوجي على أعدائها. وهذا مصدر قوة إسرائيل الذي يردع أعداءها ويفترض أن يقنعهم بتفضيل طريق السلام على طريق الحرب. وهذا التفوق يستند إلى الثروة البشرية، وخاصة القدرات العلمية، وعلى العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة".

سابعا: "عقيدة أمنية غايتها إحباط أي محاولة للقضاء الفعلي على إسرائيل، والتي يطلق عليها الجيش الإسرائيلي تسمية ’عقيدة الأرجل’، لأنها تستند إلى ثلاثة أرجل: الردع، الإنذار والحسم".

الردع، الإنذار، الحسم والدفاع

يستند الردع في مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي إلى "وجود قوة فعلية وإصرار على استخدامها ودعم دولة عظمى وتفوق استخباراتي وتكنولوجي ونوعية القوى البشرية وخاصة نوعية ضباط الجيش. ويتم تحقيق الردع بواسطة إظهار القدرات، إحباط جهود الجانب الآخر في تحقيق أهدافه وتوجيه ضربة شديدة إلى قدراته وكنوزه الإستراتيجية. ويتم التعبير عن ضربة كهذه من خلال فقدان كنوز في الجانب العسكري والبنية التحتية وأراض وبالقدرة على تهديد بقاء نظام الخصم. وهدف الردع هو إبعاد حرب مقبلة بقدر الإمكان، أي تحقيق فترة هدوء مستمرة تسمح بوجود مجرى حياة اعتيادي. وهدف آخر للردع هو تحديد ’قواعد لعبة’، وإملاء على الخصم أية عملية تكون تحت عتبة الحرب وأية عملية تكون سببا لحرب".

ويستند الإنذار إلى "معلومات، استخباراتية بالأساس، تصل مبكرا حول خطة للعدو بالمبادرة إلى عملية عدائية. والإنجاز المطلوب في الإنذار هو تلقي المعلومات وفهمها في موعد يسمح بالاستعداد بشكل مناسب من أجل إحباط خطة العدو، بما في ذلك بواسطة توجيه ضربة استباقية أو من خلال الاستعداد لدفاع فعال ويشمل استدعاء قوات احتياط".

والحسم يعني "تحقيق انتصار عسكري واضح يمنع العدو من تحقيق غاياته، ويسلب منه القدرة و/أو الرغبة بمواصلة الحرب وجباية ثمن باهظ منه. وتحقيق الانتصار يستوجب تركيز جهد عسكري واستخدام قوة النيران والاجتياح البري. ويفضل تحقيق الحسم بأسرع ما يمكن، من خلال نقل القتال الأساسي إلى أراضي العدو. ومن أجل تحقيق الحسم، تبنى الجيش الإسرائيلي مفهوما عسكريا هجوميا لأنه لا يمكن غالبا إخضاع العدو بواسطة عمليات دفاعية فقط. ونتيجة واضحة في ميدان القتال مطلوبة أيضا من أجل أن يكون بالإمكان ترجمة الإنجازات العسكرية إلى إنجازات سياسية ومن أجل منع العدو من القيام بتضليل وتحويل هزيمة إلى انتصار بواسطة دعاية".

الرجل الرابعة، الدفاع، أضيفت في مرحلة متأخرة، بعد أن أصبحت الجبهة الداخلية الإسرائيلية تتعرض لصواريخ. و"غايتها المركزية هي ضمان وجود إسرائيل، وإحداث ردع فعال، وتحييد تهديدات وتأجيل مواجهات. ومع مرور السنين احتل الدفاع مكانا مركزيا في مفهوم الأمن الإسرائيلي، لأن الجبهة الداخلية تحولت إلى جبهة أساسية. وحدث ذلك نتيجة تركيز العدو على بناء واستخدام قدرات من أجل المساس بالسكان المدنيين بواسطة قذائف صاروخية متعددة الأنواع وبواسطة هجمات إرهابية. وكلما كانت الطبقات الدفاعية معبأة أكثر (بوسائل دفاعية) وناجعة أكثر، تزداد ليونة صناع القرار. وعلى سبيل المثال، فإن القدرة على اعتراض صواريخ تحرر صناع القرار من الحاجة إلى اتخاذ قرار بشأن شن اجتياح بري واسع النطاق بشكل فوري ضد مواقع منصات إطلاق الصواريخ للعدو. وبكلمات أخرى، فإن دفاعا ناجعا يمنح صناع القرار وقتا ثمينا من أجل اتخاذ قرارات مدروسة وليس بصورة عاطفية حول ضرورة استخدام الرد العسكري الملائم ضد التهديدات".

البند الثامن في المفهوم التقليدي للأمن القومي الإسرائيلي هو "جيش الشعب"، الذي يشكل "أساسا لمنظومة قوات الاحتياط والتي غايتها الجسر على الفجوة الكمية بين حجم القوات النظامية للجيش الإسرائيلي وحجم الجيوش النظامية العربية. والقوة النظامية للجيش الإسرائيلي تؤدي مهمات أمنية يومية في الفترات الاعتيادية وتشكل أساسا لجيش الاحتياط. وتتحمل وحدات الاحتياط العبء الأساسي أثناء الحروب. وتستند الخدمة الإلزامية وخدمة الاحتياط إلى استعداد المواطنين لخدمة الدولة. وتستوجب تحديات الأمن القومي تجنيد موارد الأمة، سواء الموارد البشرية أو الموارد المادية. وليس بالضرورة أن يكون تجنيد الموارد البشرية للجيش فقط. وأحيانا يكون المطلوب من الموارد البشرية أن تسد الفجوة الحاصلة في المرافق الاقتصادية جراء تجنيد جنود الاحتياط للخدمة العسكرية".

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, جيش الشعب