واصلت "اللجنة الوزارية لشؤون التشريع" في إسرائيل، في جلستها يوم الأحد، مداولاتها حول مشروع القانون الذي وضعه حزب "إسرائيل بيتنا" (برئاسة وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان) على طاولتها ويرمي إلى تخويل "مجلس التعليم العالي" الإسرائيلي صلاحية تقليص الميزانيات الحكومية المرصودة لأية مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي (جامعات، كليات أو معاهد أكاديمية) إذا ما كان بين طاقم المحاضرين فيها مَن يؤيد المقاطعة على المستوطنات أو يدعو إليها.

ويقضي مشروع القانون، الذي بادر إليه عضو الكنيست عوديد فورِر (من "إسرائيل بيتنا")، بتمكين "مجلس التعليم العالي" من خصم مبلغ من ميزانية المؤسسة الأكاديمية يعادل تكلفة راتب أي محاضر يؤيد المقاطعة على منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية أو يؤيدها.

وقال فورر إن هذا القانون "يأتي لمنع الوضع الذي تدفع فيه الدولة، باليد اليمنى، راتب محاضر يدعو إلى فرض المقاطعة عليها، باليد اليسرى"! وأوضح أن مشروع القانون "لا يمنع الجامعات من تشغيل مثل أولئك المحاضرين، وإنما يلزمها بالبحث عن مصادر تمويل بديلة، ربما من تبرعات خاصة، لكن ليس من ميزانية الدولة، لتغطية تكلفة رواتب هؤلاء المحاضرين".

وطبقا للقانون المقترح، يتم تخويل رئيس "مجلس التعليم العالي" (أي، وزير التربية والتعليم)، وبالتنسيق مع اللجنة المختصة (لجنة الميزانيات في مجلس التعليم العالي)، صلاحية خصم المبالغ السنوية من الميزانية الحكومية للجامعة المعنية بما يعادل تكلفة رواتب المحاضرين فيها الداعين إلى المقاطعة أو المؤيدين لها، شريطة أن يكون المحاضر "قد نشر، متعمدا، دعوة لفرض المقاطعة على إسرائيل" وأن تكون هذه الدعوة "سببا لفرض مثل هذه المقاطعة".

وحول المعايير الدقيقة لسلب هذا التمويل، قال فورر إنه "سيتعين على وزير التربية والتعليم وضع مثل هذه المعايير بصورة دقيقة"، مشيراً إلى أن مبادرته التشريعية هذه جاءت "على خلفية الانطباع بأن رؤساء الجامعات لا يعالجون هذه الظاهرة بصورة لائقة، رغم توجيهنا ملاحظات واضحة لهم بهذا الصدد". وأضاف إنه قرر التعجيل في دفع هذه المبادرة في أعقاب البحث الذي أجرته لجنة التربية والتعليم في الكنيست حول الموضوع "وتبين خلاله أن ثمة محاضرين جامعيين يتلقون رواتبهم من مؤسسات أكاديمية في البلاد بينما هم يؤيدون ويدعمون تنظيمات في خارج البلاد تدعو إلى مقاطعة إسرائيل". وقال: "لقد أوضحت لرؤساء الجامعات أنهم إذا لم يحسنوا مواجهة هذه الظاهرة ومحاربتها كما ينبغي، فسنقوم نحن بمعالجتها بواسطة تشريع قانون خاص"!

يشار إلى أن مشروع القانون المذكور هو تعديل لقانون قائم في إسرائيل يسمى "قانون منع المس بدولة إسرائيل بواسطة المقاطعة" (أو، "قانون المقاطعة" باختصار)، والذي يشمل تعريف المقاطعة الوارد فيه "مقاطعة المستوطنات ومنتجاتها"، أيضا. وهو قانون سنّه الكنيست في تموز من العام 2011 يفرض سلسلة من الإجراءات والعقوبات على أشخاص أو تنظيمات تدعو إلى مقاطعة إسرائيل، بما في ذلك المستوطنات في الضفة الغربية.

وفور إقراره في الكنيست، قدمت منظمات حقوقية مختلفة (بينها "عدالة" و"جمعية حقوق المواطن") التماساً إلى "محكمة العدل العليا" الإسرائيلية ضد هذا القانون وللمطالبة بإلغائه لكونه "غير دستوري". لكن المحكمة، التي نظرت في الالتماس بهيئة موسعة (9 قضاة)، رفضت الالتماس وأقرّت دستورية القانون، بإجماع قضاتها التسعة! ورأت المحكمة، في قرارها الذي أصدرته في 15 نيسان 2015، إن "(هذا) القانون يلبي حاجة الدولة إلى الدفاع عن نفسها في مواجهة الذين يريدون تدميرها أو تغيير طابعها بوسائل عنفية مختلفة"!

وألغت المحكمة، في قرارها، بندا واحدا من بنود القانون هو البند 2 (ج) الذي أتاح للدولة مطالبة "المعتدين" بتعويضات، دون الحاجة إلى إثبات وقوع الضرر. لكنها رفضت، في المقابل، الادعاء بأن القانون يمثل وسيلة ترهيب ويمس بحق التعبير عن الرأي، الذي يشكل أحد حقوق الإنسان والمواطن الأساسية في دولة ديمقراطية.

وسبق أن أشرنا إلى أن الكثير من القرارات و"الإجراءات" المتلاحقة التي اتخذها وزير التربية والتعليم الإسرائيلي الحالي، نفتالي بينيت (رئيس حزب "البيت اليهودي")، منذ توليه منصبه هذا وحتى اليوم، تندرج في إطار حرب أيديولوجية منهجية يشنها الوزير على جهاز التعليم الرسمي في إسرائيل، بكل درجاته ومستوياته، وتستهدف في محصلتها النهائية إخضاع هذا الجهاز لرؤى الوزير وحزبه، من خلال سعي محموم إلى تعزيز المكوّنات "الوطنية"، اليهودية ـ الدينية ـ الصهيونية، بقوة الإجراءات الإدارية، على حساب أية مكوّنات أخرى يُفترض أن تكون في صلب العملية التعليمية ـ التربوية ـ الثقافية والتي تشمل، من بين ما تشمله، قيماً ديمقراطية أساسية في مقدمتها التعددية السياسية والثقافية وحرية الرأي والتعبير.

وجاء بينيت قبل نحو شهرين بمشروع جديد يرمي إلى محاصرة الأساتذة والمحاضرين الجامعيين في الجامعات الإسرائيلية وسلبهم حقاً أساسياً هو حقهم في التعبير عن الرأي، وخاصة الرأي الذي لا ينسجم مع مواقف الوزير وحزبه السياسية، وهو ما أثار موجة من الغضب والاستياء والرفض في المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية وبين الأساتذة فيها.

وكشفت صحيفة "هآرتس" (في كانون الأول الفائت) عن أن الوزير بينيت عيّن المحاضر الجامعي البروفسور آسا كَشير لإعداد توصيات تحدد "آداب المهنة" في مؤسسات التعليم العالي وتشكل "دستورا أخلاقيا" لها، وخاصة في "النشاط السياسي والأكاديمي"، الذي يعني كل ما يتعلق بتفوهات سياسية تصدر عن أساتذة جامعيين، وذلك في محاولة "لتقليص التأثير السياسي لليسار في الجامعات"!

وقرر بينيت تعيين كشير وتوكيله بإعداد "مقترح يحدد معايير وشروط آداب المهنة في موضوع النشاط السياسي والأكاديمي" في مؤسسات التعليم العالي في إسرائيل.

وجاء في كتاب التعيين الذي وجهه بينيت إلى كشير وعدد من أعضاء لجنة التعليم البرلمانية في الكنيست أنه وصلت إلى الوزير في الآونة الأخيرة، بصفته رئيساً لمجلس التعليم العالي، "شكاوى كثيرة حول ظواهر متزايدة يحصل فيها تداخل بين النشاط الأكاديمي والسياسي في الجامعات"! مُذكّراً بأن "مجلس التعليم العالي قد عبر، في قرارات سابقة، عن ضرورة منع حالات يعاني فيها الطالب والمحاضر من الرفض، الإسكات، الإقصاء والتمييز بسبب هويتهما أو وجهات نظرهما الشخصية ومواقفهما السياسية بشكل عام"!

وأضاف بينيت أن "الحرية الأكاديمية تلزم أية مؤسسة أكاديمية بالسعي إلى إطلاع الطلاب على نظرة شاملة للمعطيات والنظريات ووجهات النظر والحجج والادعاءات ذات العلاقة"! وقال: "كلنا مُلزَمون، أيضا، بالمحافظة على حق الطالب في الدراسة في مؤسسة أكاديمية دون أن يُفرَض عليه الإصغاء إلى مواعظ سياسية لا علاقة لها بمجال التعليم ومواضيعه"!

وكانت منظمات يمينية في إسرائيل قد طرحت خلال السنوات الأخيرة ادعاءات كثيرة بشأن "تسييس الأكاديميا"، حتى أن الموضوع طُرح للبحث في لجنة التربية والتعليم البرلمانية عدة مرات. وخلال النقاش الأخير الذي أجرته هذه اللجنة حول هذا الموضوع، في تموز الأخير، هاجم النائب عوديد فورر (من حزب "إسرائيل بيتنا") رؤساء الجامعات لأنهم "لا يعالجون المحاضرين الاسرائيليين الذين يدعون إلى المقاطعة الأكاديمية"!