المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أظهر التقرير السنوي لمركز "أدفا" للأبحاث الاجتماعية حجم الفجوات الاجتماعية في إسرائيل على مختلف المستويات، ولكن بشكل خاص على مستوى المداخيل، ومن بين ذلك الفجوات الكبيرة المستمرة بين العرب واليهود، ففي حين أن أوضاع اليهود الشرقيين في تحسن مستمر، إلا أن الفجوة القائمة لدى العرب مستمرة منذ سنوات طويلة. كما يعرض التقرير انعكاسات هذه الأوضاع على مختلف جوانب الحياة.

ويقول مركز "أدفا" في تقريره، إن المساواة والعدالة الاجتماعية، ليستا من أولويات الحكومات الإسرائيلية، فهي تركز جهدها في قضية النمو الاقتصادي، إلا أن ثمار هذا النمو تبقى في غالبيتها لدى الشرائح العليا، أكثر بكثير مما هو لدى الشرائح الفقيرة والضعيفة، وهذا يتطلب تدخل السياسة الاقتصادية من أجل تصحيح هذا الوضع القائم.

وفي السنوات الثلاث الأخيرة، حسب التقرير، كانت هناك زيادات في الأجور، نتيجة سلسلة من الاتفاقيات مع الموظفين من القطاع العام، وأبرزها اتفاقيات مع نقابات المعلمين، واتفاقيات مع موظفي المؤسسات الحكومية، وأيضا في العامين الأخيرين نتيجة رفع الحد الأدنى من الأجر، بنسبة 12% خلال الأشهر الـ 18 الأخيرة. وبات ابتداء من الشهر الأول من العام الجاري 5 آلاف شيكل، وهو ما يعادل قرابة 1310 دولارات.

ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من هذه الزيادة الكبيرة، إلا أن الفجوات في الرواتب ما تزال كبيرة جدا، ففي العام 2015، كان معدل راتب رب عائلة من الشرائح الأفقر (المكان الأول في التدريج الاقتصادي الاجتماعي) حوالي 4644 شيكلا (1222 دولارا)، في حين أن معدل الراتب لرب العائلة، في الشريحة الأكثر ثراء بلغ 58293 شيكلا، (15340 دولارا). كما أن من هم في الشريحتين الأكثر ثراء، التاسعة والعاشرة، حصلا على قرابة 44% من اجمالي مداخيل العائلات، رغم أنهم لا يشكلون أكثر من 6% من اجمالي السكان، ما يعني أن 94% من السكان تقاسموا 56% من اجمالي المداخيل، وأيضا هنا التفاوت ضخم بين من هم في الشرائح العليا والوسطى والدنيا.

وما يساهم في اتساع هذه الفجوات التقليصات التي اقدمت عليها الحكومات الأخيرة (برئاسة بنيامين نتنياهو) في المخصصات الاجتماعية، التي تشكل مساهمة كبيرة في مداخيل العائلات الفقيرة، وهذا انعكس في تقليص خدمات الرفاه والضمان الاجتماعي، والتعليم، والتعليم العالي، وأيضا الصحة. ومعروف أن السياسة الاقتصادية التي يتمسك بها نتنياهو تتبع مبدأ ما يسمى "حكومة صغيرة"، والقصد هنا، تقليص مداخيلها، عن طريق تقليص الضرائب الذي يستفيد منه أصحاب رأس المال والمداخيل العالية، مقابل تقليص حجم الخدمات التي تقدمها الحكومة لسائر المواطنين، وبالذات الشرائح الفقيرة والضعيفة.

وبموجب التقرير، فإن الحكومة أنفقت في العام 2014 على الخدمات ما يوازي 41% من اجمالي الناتج المحلي، ما يضعها ضمن الدول الأقل انفاقا على القضايا الاجتماعية، مثل نيوزيلندا وكندا ودول أوروبا الشرقية.

ويقول التقرير إن حكومات إسرائيل تصب اهتمامها في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وما يتخلله من مواجهات، ولهذا لا تطور سياسات اقتصادية طويلة المدى، من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، بدءا من تحسين مستويات التحصيل العلمي منذ المرحلة المدرسية وما يتبعها.

العمل والأجور

يقول التقرير إن ثمار النمو الاقتصادي تتركز في غالبيتها الساحقة جدا لدى الشرائح الثرية والميسورة، وهذا ما حذر منه بنك إسرائيل المركزي منذ سنوات عديدة، حينما كانت نسب النمو الاقتصادي تتراوح ما بين 4% إلى أكثر من 5%. ويقول "أدفا" إن هذا ينعكس بشكل كبير في معدلات رواتب كبار المدراء في العام 2015، الذين استمر الارتفاع في أجورهم والمكافآت المتنوعة التي يحصلون عليها، إما تلك المرتبطة بحجم الارباح، أو بأسهم الشركات التي يتولونها.

على سبيل المثال، يقول التقرير إن معدل رواتب ومكافآت المدراء العامين لأكبر 100 شركة يتم تسويق اسهمها في الأسواق المالية في تل أبيب، بلغ 1ر5 مليون شيكل سنويا (34ر1 مليون دولار)، أو 425 الف شيكل شهريا (112 ألف دولار). وليس هم وحدهم، بل رأى التقرير أن معدل ما حصل عليه أكبر خمسة مسؤولين في كل واحدة من هذه الشركات، كمكافآت، بلغ 4 ملايين شيكل سنويا، 05ر1 مليون دولار.

ونشير هنا إلى أن احتساب معدل الأجور العام في إسرائيل، يتعامل مع هؤلاء المسؤولين على أنهم "أجيرون"، وتدخل مداخيلهم ضمن حسابات المعدل العام للرواتب، الذي بلغ في الشهر الأخير من العام الماضي، ما يزيد عن 9600 شيكل (2526 دولارا)، بينما كما سنرى أن 70% من الأجيرين يتقاضون رواتب من هذا المعدل وما دون، و50% من الأجيرين يتقاضون 66% من هذا المعدل وما دون، و32% من الأجيرين يتقاضون الحد الأدنى من الرواتب وما دون.

عدم المساواة على خلفية قومية وطائفية ما تزال مترسخة

يؤكد التقرير على أن ظاهرة عدم المساواة على خلفية قومية وطائفية ما تزال مترسخة في السوق الإسرائيلية، إذ أن معدل أجور اليهود الأشكناز (الغربيين) أعلى بنسبة 31% من معدل الأجور العام. وهذه النسبة من شأنها أن ترتفع أكثر، إذا ما أخرجنا من الأشكناز المهاجرين الجدد في السنوات الـ 27 الأخيرة، من دول الاتحاد السوفييتي السابق، إذ أن التقرير يقول إن معدل رواتب الذين ولدوا في البلاد من عائلات أولئك المهاجرين أعلى بنسبة 1% فقط من معدل الأجور العام.

كما أن معدل أجور اليهود الشرقيين أعلى بنسبة 14% عن معدل الأجور العام، وفي هذا ارتفاع عما كان قائما حتى قبل سنوات، حينما كان معدل أجورهم 101% من معدل الرواتب، ثم ارتفع لاحقا إلى 107%، واليوم أصبح 114%، وهذا يدل على تقليص الفجوة القائمة بين اليهود الشرقيين والأشكناز. والشريحة اليهودية الأفقر هي اليهود الأثيوبيون، الذين معدل أجورهم لا يتعدى 50% من معدل الأجور العام، ونسبة عالية جدا من هؤلاء يعملون في وظائف لا مهنية، خدماتية، مثل النظافة والخدمة والنقل وما شابه.

أما معدل أجور العرب، فإنه بقي على حاله منذ سنوات طوال، وهو 66% من معدل الأجور العام. وهذا استنتاج يعززه تقرير مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي الصادر في الشهر الماضي تشرين الثاني، إذ أنه وفق معطيات العام الماضي 2015، فإن معدل رواتب اليهود ككل، بلغ 10128 شيكلا شهريا، ما يعادل 2665 دولارا، بينما معدل رواتب العرب بلغ 5939 شيكلا، ما يعادل 1562 دولارا. وهذا يعني أن معدل رواتب اليهود كان 110% من معدل الرواتب العام في العام الماضي، بينما معدل رواتب العرب بلغت نسبته 64% من معدل الرواتب العام.

وفحص تقرير مكتب الإحصاء الرسمي الفجوات في الرواتب بموجب سنوات التحصيل العلمي، وتبين أنه ابتداء من صفر سنوات تعليم وحتى 12 سنة تعليمية، بمعنى مدرسية، فإن معدل أجر ساعة العمل للعربي 84ر7 دولار، بينما لليهودي يلامس 10 دولارات. أما من أنهوا لقب التعليم الجامعي الاول، فإن العرب حصلوا على أجر ساعة بمعدل 5ر9 دولار، وهو أقل من أجر ساعة اليهود الذين لم يصلوا إلى مستوى التعليم الأكاديمي، بينما معدل أجر ساعة العمل لليهود الحاصلين على اللقب الاول بلغ 7ر15 دولار، أي أعلى بنسبة 65% مما يتقاضاه العربي.

وهذه الفجوة وجدناها أيضا لدى من حصلوا على اللقب الثاني وما فوق، فمعدل أجر ساعة العربي بلغ 25ر14 دولار، بمعنى أقل من اليهودي الحاصل على اللقب الاول، في حين أن اليهودي الحاصل على اللقب الثاني وما فوق بلغ معدل أجر ساعة العمل لديه 55ر22 دولار، بفارق 59%.

لكن ليس فقط المداخيل وحدها، بل إن نتائج التقرير تعكس الميزانيات الاستثنائية التي عادت حكومة بنيامين نتنياهو لدفقها على جمهور الحريديم، ومؤسساتهم التعليمية والدينية ابتداء من العام الماضي 2015، انعكاسا لعودة كتلتي "الحريديم" إلى ائتلافه الحكومي، خلافا لحكومته السابقة، في حين أن كل التقارير تؤكد أن الجمهور العربي ما زال خارج كل اعتبارات الحكومة، بما في ذلك ما يسمى "الخطة الاقتصادية لدعم الأقليات"، التي أقرتها الحكومة في اليوم الأخير من العام 2015، إلا أنها لم تدخل إلى ميزانيتي 2017 و2018، رغم هشاشتها أصلا.

ويعرض تقرير "أدفا" معطيات مكتب الإحصاء المركزي عن نسب العاطلين عن العمل، بموجب احصائيات مكتب الإحصاء المركزي، التي هي أقل من معطيات سلطات التشغيل، في ما يخص البلدات العربية في النقب، ففي حين أن سلطة التشغيل تقول إن البطالة في البلدات المعترف بها هناك تتراوح ما بين 30% إلى 37%، فإن مكتب الإحصاء يعرض نسبة أقل من النصف، في ما يخص مدينة راهط، كبرى مدن الجنوب، وقال إن البطالة فيها في حدود 4ر14%، ولكن هذا أبعد ما يكون عن الواقع، خاصة إذا أخذنا بالحسبان أن نسبة انخراط النساء في العمل في هذه المدينة بالكاد تتعدى 25%.

وفي ما يخص التعليم يقول التقرير إن قرابة 30% من الشبان اليهود من الشريحة العمرية 20 إلى 29 عاما، منخرطون في الجامعات ومعاهد التعليم العالي بما فيها الكليات، مقابل نسبة 14% بين العرب، إلا أن النسبة الحقيقية بين العرب تتجاوز نسبة 20%، بعد احتساب الآلاف الذين يضطرون للدراسة في الضفة الفلسطينية المحتلة وخارج الوطن، بدءا من الأردن ثم الدول الأوروبية المتعددة.

الفجوة في معدلات الأعمار

الأمور اللافتة التي يعرضها مركز "أدفا" في تقريره، كانعكاس للأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، معدل الأعمار، إذ أن اليهود يعيشون ثلاث سنوات أكثر من العرب. وهذا نابع من جودة البيئة، ومن القدرة على جودة غذائية، وجودة السكن، والقدرة على التأمين الصحي والحصول على العلاجات، والبعد عن المراكز العلاجية، اضافة إلى جودة المواصلات وأنواع العمل وغيرها من العوامل.

وبلغ معدل أعمار النساء اليهوديات 5ر84 عام، مقابل 1ر81 عام للنساء العربيات. أما معدل أعمار الرجال اليهود فقد بات 9ر80 عام، مقابل 9ر76عام لدى العرب. وفي ما يخص العرب، هناك تفاوت كبير بين معدل الأعمار في صحراء النقب وبين المناطق الأخرى. كما يقول التقرير إن معدل الوفيات بين الأطفال المواليد والرضع تصل بين إلى العرب إلى 4ر6 طفل من كل ألف طفل، مقابل 46ر2 طفل بين كل ألف طفل لدى اليهود.

المصطلحات المستخدمة:

بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات