المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

رأت "جمعية حقوق المواطن" في إسرائيل أن المخطّط الجديد الرامي إلى تطبيق القوانين المدنيّة الإسرائيليّة في مناطق الضفة الغربيّة المحتلّة، والذي تنوي وزيرة العدل الإسرائيليّة أييلت شاكيد، دفعه قدمًا، يزيل الغطاء عن حقيقة ما يجري في الضفّة منذ عقود. فاليوم تسري، ظاهريًّا على الأقّلّ، سيادة الحاكم العسكريّ الإسرائيليّ على كلّ مناطق الضفّة الغربيّة التي يسكنها الفلسطينيّون والمستوطنون على حد سواء، في حين تريد شاكيد أن يتمّ تطبيق سيادة الكنيست وقوانين دولة إسرائيل المدنيّة على المستوطنين فيما يستمرّ الفلسطينيّون في الخضوع للحاكم العسكري.

وأضافت الجمعية في بيان صادر عنها: لقد بنت الجهات السياسيّة والقضائية والعسكريّة في إسرائيل، مدماكًا إثر مدماكٍ، على مدى 49 سنة من الاحتلال، جدران الفصل العنصريّ بين الفلسطينيين والمستوطنين الذين يعيشون في المنطقة ذاتها. عمليًّا، المُستوطنُ الذي يعيشُ في منطقة خاضعة لسيطرة القائد العسكريّ، يتمتّعُ رغم ذلك بالحقوق والحمايات التي يتمتّع بها المواطن الذي يعيش في دولة إسرائيل "الديمقراطيّة". فهو ينتخب منتخبيه للكنيست – ويمكنه أن يُنتخَب بنفسه للكنيست – وهو يؤثّر على مستقبله وعلى مستقبلنا جميعًا، كما لو أنّه يعيش داخل الدولة تمامًا. أمّا جاره الفلسطينيّ، في المقابل، فهو يعيش تحت حكم عسكريّ وقمعيّ بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وليس له أيّ سيطرة على مصيره.


وقوانين دولة إسرائيل تسري، بشكل غير مباشر في أغلب الأحيان، على كلّ يهوديّ يسكن في المناطق المحتلة، سواء كان مواطنًا إسرائيليًّا أم لا، في حين يُطبّق على الفلسطينيين القانون العسكريّ. الفرق بين هذه القوانين هائل، كما جرى تفصيل ذلك في تقرير جمعية حقوق المواطن "نظام حكم واحد، جهازان قضائيّان". والغاية من منظومة القوانين التي يعيش في ظلّها المستوطنون هي الحفاظ على سلطة القانون في دولة ديمقراطيّة والحفاظ على حقوق سكّانها. من قام بسنّ هذه القوانين هو نظام حكم منتخب. القانون العسكري ليس كذلك، فهو في جوهره غير ديمقراطيّ، لأنه لا توجد ديمقراطية تحت الاحتلال. إنّه أمر مربك قليلًا، لذلك يجب التوضيح: المناطق كلّها هي مناطق محتلّة، بما في ذلك المستوطنات. وبموجب القانون الدوليّ لا توجد، ولا يجب أن تكون هناك ديمقراطية ما دام الاحتلال العسكري قائمًا. ممنوعٌ على المحتلّ أن يطبّق قانونه على المناطق المحتلّة، وإنّما عليه أن يُبقي القانون الذي كان معمولًا به في المكان قبل الاحتلال وحماية السكّان المحليّين وفقًا له أو بتغييرات اضطرارية لملاءمته للواقع الجديد. إنّ محاولة خلق وضع جديد في المناطق مفاده "نصف ضمّ ونصف احتلال" لا يمكن أن تتحقّق فعلًا، لا قانونيًّا ولا أخلاقيًّا. إنّ المساس بحقوق الإنسان الخاصة بالفلسطينيين الناجم عن هذه المحاولة هو جسيمٌ.

ومضت الجمعية: تريد الوزيرة شاكيد أن تجرّنا إلى نفس الطّريق التي سار فيها كثيرون قبلها. التغيير الجوهريّ هو أنه مع مرور الوقت تحسّنت الجاهزية والقدرة على تفسير إخضاع المجموعتين السكانيتين، اللتين تعيشان في نفس المنطقة، لمنظومتين قضائيّتين منفصلتين وتمييزيّتين. قبل نحو ثلاثة عقود، صُدِم القاضي إلياهو ماتسا من إنسانٍ كتب أنّ هناك منظومتين قضائيتين في الضفّة. في قرار الحكم الذي أصدره في "قضية شاعر" كتب ما يلي: "ادّعاء الملتمس يستند إلى ثلاث فرضيّات خاطئة من أساسها. افتراضه الأول بأنّ صلاحية القائد العسكري للمنطقة لا تطبّق بشكل متساوٍ، على مجمل بني البشر الذين يعيشون في المنطقة، الخاضع لسيادته حسب قواعد القانون الدّوليّ، إنما يسري، على نحو مميّز، على قسمٍ من سكّانها فقط. هذه الفرضيّة – هل هناك حاجة للقول بأنها غير صحيحة؟ – تنافي المبادئ الأساسيّة." وقبل عقدين من الزمن، شرح القاضي إليعازر غولدبيرغ في التماس الشركة الاقتصادية للقدس، بأنّه لا خيار لدينا: "هكذا هو الأمر، لقد أجبر الواقع على الأرض تشريع قانون في الكنيست يميّز بين القانون الشخصيّ الساري على مستوطنين إسرائيليين في المنطقة... وبين القانون المطبّق على السكّان المحليين". وقبل عقدٍ من الزمن، كان أسهل على نائب رئيسة المحكمة العليا (حينها) القاضي إلياكيم روبنشطاين أن يفسّر هذا الفصل في حديثه عن المستوطنات خلال التماس حركة "السلام الآن": "الـ"جيوب" هي بمثابة "جزر" طُبّق عليها قوانين إسرائيل عبر اعتماد طرق قضائية، ومن منطلق الافتراض بأنه لا فرق حقيقيا في مجالات كثيرة بين القانون المطبّق في إسرائيل وبين هذا الذي يجدر تطبيقه في هذه الجيوب. ونحن نتداول حول مواطنين إسرائيليين، فالافتراض هو أنّ ركائز حياتهم يجب أن تكون قريبة قدر الإمكان من تلك القائمة لدى بقيّة مواطني إسرائيل".

وختمت الجمعية: إن وزيرة العدل وسائر أعضاء الحكومة غير معنيين بمواجهة الأبعاد الصعبة لتطوّر نظام مؤسَّس وتمييزيّ، يرتكز على فوقيّة اليهود على العرب. كذلك فإنّ الجهاز القضائيّ أيضًا لا يجرؤ على مواجهتها. وهنا يسأل، ما الذي تغيّر؟ ليس كثيرًا. إنها لبنة أخرى في جدار الفصل القضائي الذي يبنيه الاحتلال منذ نحو نصف قرن.

من ناحية أخرى أنشأت صحيفة "هآرتس" افتتاحية تحت العنوان "وزيرة الضم" أشارت فيها إلى أن شاكيد تتولى في الحكومة حقيبة العدل، وهي حقيبة مهمة تمنحها عضوية اللجنة الوزارية لشؤون الأمن، لكن ما يهمها أكثر من سلطة القانون الموكل إليها تطبيقه هم المستوطنون المعنيون بتأسيس قانون يقوم على عدم المساواة بين مواطنين من درجة أ ورعايا من درجة د (يأتي قبلهم في التدرج العرب في إسرائيل وسكان القدس الشرقية الذين لا يحملون الهوية الإسرائيلية).

وأضافت الصحيفة: أعلنت شاكيد أنها تعمل مع المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت على بلورة خطة للبدء بتطبيق التشريعات الإسرائيلية في الضفة الغربية. ووفقًا لكلامها، فإن اللجنة التي ستشكل بناء على الخطة ستفحص كل قانون يقره الكنيست وتقرر ما إذا كان في الإمكان تطبيقه فورًا على المستوطنات بواسطة أمر عسكري.

ويأتي اقتراح شاكيد بعد محاولات متكررة في السنوات الأخيرة من أجل سن قوانين مختلفة تدفع بالضم قدمًا، مثل اقتراح قانون قدمه كل من أوريت ستروك وياريف ليفين وزئيف إلكين وشاكيد نفسها في أثناء ولاية الحكومة السابقة، يقضي بأن القوانين التي يجري سنها في المستقبل تسري أيضًا على المستوطنات في الضفة الغربية، وعارضه حينها المستشار القانوني للحكومة يهودا فاينشتاين - وجرى إحباطه في نهاية الأمر بعد إقراره في اللجنة الوزارية للتشريع.

وفي أثناء ولاية الحكومة السابقة، قدم حزب "البيت اليهودي" مبادرة ترمي إلى تطبيق قوانين العمل في المناطق [المحتلة] من أجل مساعدة النساء الحوامل في المستوطنات، لكنه في النهاية تراجع عنها بعد أن اتضح له أن هذا سيحسن من حقوق الفلسطينيين وسيشكل عبئًا اقتصاديًا على أصحاب الأعمال في المستوطنات.

وليس سهوًا امتنعت إسرائيل حتى الآن عن الخطوة التي تعمل شاكيد على دفعها قدمًا. حاليًا يُطبق على المستوطنين القانون الإسرائيلي بصورة فردية بموجب تمديد قانون الطوارئ، كما يطبق مناطقيًا استنادًا إلى أوامر القائد العسكري.

ويوجد حاليًا تمييز في تطبيق القوانين الإسرائيلية يستفيد منه المستوطنون، واقتراح وزيرة العدل من شأنه أن يفاقم أكثر الوضع، لأن تطبيق القوانين سيصير أكثر منهجية.

وبرأي الصحيفة، من المنتظر أن يعمق الاقتراح التفرقة العنصرية القائمة عمليًا بين البحر ونهر الأردن، وفي القانون الإسرائيلي أيضًا. كما أنه سيلحق الضرر بإسرائيل في الساحة الدولية، فمثل هذا الاقتراح يمكن أن يفسر بأنه ضم بحكم الأمر الواقع، وسيجعل التمييز العنصري رسميًا وسيثير العالم ضد إسرائيل.

وختمت: يتعين على مندلبليت أن يرفض عملية الالتفاف التي تحاول شاكيد أن تقوم بها. وعلى بنيامين نتنياهو الذي يصرح المرة تلو الأخرى بأنه مستعد "لإجراء مفاوضات من دون شروط مسبقة مع الفلسطينيين"، المحافظة على مصالح دولة إسرائيل التي يجري تدميرها من أجل مصالح دولة إسرائيل المسيانية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات