المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ألحقت الهبة الشعبية الفلسطينية أضرارا اقتصادية بالمستوطنات والمستوطنين في ألراضي الفلسطينية المحتلة يصعب تقدير حجمها حاليا، بسبب الخوف الذي يدب بالمستوطنين بعد عمليات طعن أو دهس ينفذها شبان فلسطينيون، وفي أعقاب الإجراءات الأمنية التي تمارسها قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي. ورغم ذلك، فإن هذا الوضع، السائد منذ بداية الهبة في مطلع تشرين الأول 2015، لم يؤثر كثيرا على المستوطنين بحيث يدفعهم إلى الرحيل، لأن الحكومة الإسرائيلية، ليست الحالية فقط وإنما الحكومات المتعاقبة في الماضي، سعت إلى تسهيل حياة المستوطنين وجعلها أقل تكلفة، وبالتالي أكثر جذبا للانتقال للعيش في المستوطنات، خصوصا بالنسبة للشريحة الاجتماعية التي ينتمون إليها، فهم بغالبيتهم متدينون وعائلات كثيرة الأولاد قياسا بالعائلات داخل الخط الأخضر.

وبالنسبة للإسرائيلي داخل حدود الخط الأخضر، يتمحور النقاش العام حول المستوطنات والاحتلال حول التبعات السياسية والأمنية. لكن "بالنسبة لمن يقرر أنه لا يرى الصراع اليهودي – الفلسطيني، فإن للحياة وراء الخط الأخضر أبعادا اجتماعية واقتصادية"، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية في 22 كانون الثاني 2016.

تدل المعطيات الإحصائية على أنه تعيش في المستوطنات مجموعة سكانية ذات مميزات اجتماعية – اقتصادية مختلفة عن السكان في إسرائيل.

ويغلب على المستوطنين في الضفة الغربية الطابع الديني، إذ يصرح 35% منهم بأنهم غير متدينين، بينما هذه النسبة في إسرائيل تصل إلى 69%.

كذلك فإنهم ينجبون أكثر، ومتوسط عدد الأنفس في العائلة في المستوطنات 58ر4، بينما في إسرائيل 55ر3. ورغم وجود عائلات كثيرة الأولاد نسبيا إلى جانب نسبة مرتفعة من المهاجرين الجدد في المستوطنات، فإن الحكومة الإسرائيلية ترصد ميزانيات بحجم أكبر مما ترصده داخل الخط الأخضر.

ويبدو سكان المستوطنات أكثر شبابا من السكان في إسرائيل. فنسبة من تقل أعمارهم عن 18 عاما في المستوطنات 7ر47% بينما في إسرائيل 1ر32%. ونسبة من تزيد أعمارهم عن 65 عاما في المستوطنات 5ر3% بينما في إسرائيل 8ر10%. وعدد التلاميذ في الغرفة الدراسية 7ر23 في المستوطنات و4ر25 في إسرائيل، ونسبة المستحقين لشهادة البجروت (التوجيهي) في المستوطنات 9ر72% مقابل 64% في إسرائيل.

كذلك فإن نسبة العاملين في المستوطنات 3ر76% وفي إسرائيل 1ر68%. ونسبة الذين يملكون بيتا 3ر77% في المستوطنات و6ر71% في إسرائيل. ونسبة الذين يصرحون بأنهم راضون عن وضعهم الاقتصادي 66% في المستوطنات و56% في إسرائيل. ونسبة الذين يعانون من الشعور بالوحدة في المستوطنات 18% وفي إسرائيل 30%. ونسبة المستوطنين الذين يصرحون بأنهم راضون عن حياتهم 45% بينما في إسرائيل 31%.

الوضع الاقتصادي في المستوطنات

على المستوى الاقتصادي، فإن معدل الرواتب التي يتقاضاها الموظفون في المستوطنات أقل بحوالي 500 شيكل من معدل الرواتب في إسرائيل: 7500 شيكل مقابل 8000 شيكل، وفقا لمعطيات العام 2013. من الجهة الأخرى، فإن معدلات البطالة بين المستوطنين أقل بكثير عنها في إسرائيل.

كذلك فإن المستوطنين يميلون أكثر إلى العمل المستقل، وهو عمل يدر دخلا أعلى من دخل الأجيرين، علما أن نسبة الأجيرين في المستوطنات مساوية تقريبا لنسبة الأجيرين في إسرائيل. ومن بين أبرز أسباب معطيات الدخل هذه، نسبة المتدينين في المستوطنات، وخصوصا على ضوء حقيقة أن 26% من سكان المستوطنات هم من الحريديم، أي أن هذه النسبة تعادل ثلاثة أضعاف نسبة الحريديم في المجتمع الإسرائيلي عموما. وسبب آخر هو أن نسبة النساء العاملات في المستوطنات أعلى منها في المجتمع الإسرائيلي.

إضافة إلى ذلك، فإن غلاء المعيشة في المستوطنة أقل منه في إسرائيل. فالإنفاق على الحضانات ورياض الأطفال أقل بشكل كبير عنه في إسرائيل. كما أن أسعار البيوت والشقق متدنية بصورة عامة عن بلدات ذات مستوى مشابه في إسرائيل.

ومن الجهة الأخرى، فإن السكن في المستوطنات منوط بتكلفة أعلى في مجال السفريات، وهذا الأمر يلزم المستوطنين باقتناء سيارات وصرف أكبر على الوقود، إذ تشير المعطيات الرسمية إلى أن 40% من المستوطنين يعملون في المستوطنات، بينما النسبة الأكبر يعملون داخل الخط الأخضر.

إلا أن هذا الوضع بمجمله لا يسري على كافة المستوطنات وعلى جميع المستوطنين، لأن كل واحدة من المستوطنات تعيش في فقاعة منفصلة عن غيرها، ولها مميزات خاصة بها.

ويورد التقرير الصحافي مثالا في هذا السياق يدل على سياسة الحكومة الإسرائيلية، وإن كان ذلك لا يجري بتوجيهات مباشرة. ففي البؤرة الاستيطانية "معاليه رحبعام" لا وجود للضريبة البلدية، كما أن كافة الضرائب فيها لا تتجاوز 300 شيكل شهريا. وهذه تكاليف معدومة بالمطلق في إسرائيل حيث أن الضرائب مرتفعة جدا وتجتزئ قسما كبيرا من الدخل.

من الجهة الأخرى هناك المستوطنات "القديمة" في الكتلة الاستيطانية "غوش عتسيون" الواقعة بين بيت لحم والخليل، مثل مستوطنتي "إفرات" و"ألون شفوت"، اللتين تسري عليهما كافة الضرائب التي تسري على البلدات في إسرائيل. ويسكن في "إفرات" حوالي ثمانية آلاف مستوطن، وأسعار السلع فيها ليست رخيصة. لكن ما يلفت الانتباه في هذه المستوطنات هو وجود البضائع الأميركية غير المتوفرة في أي مكان آخر. والسبب هو أن 13% من المهاجرين من الولايات المتحدة إلى إسرائيل يسكنون في المستوطنات. وهؤلاء يشكلون 51% من المهاجرين الذين يسكنون في المستوطنات.

وقال موظف في إحدى شبكات التسويق في مستوطنة "إفرات" إن "غلاء المعيشة في إفرات ليس أقل منه في منطقة وسط إسرائيل، بل ربما أعلى قليلا. وفي معظم العائلات كلا الزوجين يعملان ويتمتعان بمستوى اجتماعي – اقتصادي عالٍ. ونسبة الأطباء في هذه المستوطنة من الأعلى في البلاد، كذلك يسكن هنا ضباط في الشرطة والجيش".

وقالت إحدى المستوطنات وهي مهاجرة من كندا، إن "الفروق الاقتصادية بين السكن في يهودا والسامرة (أي المستوطنات في الضفة الغربية) والسكن داخل الخط الأخضر تعمل في كلا الاتجاهين. فالتعليم والسكن مكلفان أقل طبعا. وأرسل أطفالي إلى روضة أطفال خاصة بسعر كنت سأدفع ضعفه في وسط إسرائيل. وبالنسبة لأسعار البيوت، فإنه كانت لدي فرصة في الماضي لأن أشتري بيتا في ألون شفوت بسعر لا يمكنني أبدا شراء بيت به في وسط إسرائيل. في المقابل، فإنه يتعين علينا أن نسافر مسافة طويلة عندما نريد شراء أمور معينة، رغم أنه كلما مرت السنين فإن كل شيء يصل إلى غوش عتسيون".

وأشارت مستوطنة أخرى إلى أنه "بإمكانك شراء أجمل بيت في (مستوطنة) كريات أربع (في الخليل) بمليون شيكل. ومقابل 1600 شيكل بإمكانك استئجار بيت خاص مؤلف من أربع غرف. والتعليم مدعوم من الحكومة ودفعات الأهالي رخيصة. وسعر السفر إلى القدس يكلفني عشرة شواكل فقط، لأنه مدعوم بنسبة 50%".

تأثير الهبة الفلسطينية

في أعقاب الهبة الفلسطينية والعمليات التي وقعت في الشهور الأربعة الماضية، تراجعت الأعمال في المستوطنات.

وقال صاحب حانوت للمواد الطبيعية عند مفترق "غوش عتسيون"، إنه "شعرنا بتراجع في الأعمال. عندما تقع عملية يغلقون المفترق ولا يكون هناك أي نشاط تجاري. هذا يمس بالحركة التجارية فعلا. ومن دون العمليات فإنه ليس كل مزود بضائع يرغب بالمجيء إلى هنا ويصعب إحضار الأفراد إلى هنا".

وقالت المهاجرة الكندية من مستوطنة "ألون شفوت" إنه "بعد العملية التي وقعت هنا وقُتل فيها مواطنان خارج المفترق، لم يعد الناس (المستوطنون) يرغبون بالخروج من المنزل".

وأكد صاحب ورشة تصليح سيارات أنه "يوجد تراجع في المبيعات. مصالح تجارية كثيرة في منطقة مفترق غوش عتسيون تلقت ضربات تكاد تكون بمستوى يدفع إلى إغلاق المصلحة. وفي الأيام الصعبة من الناحية الأمنية أقوم بإحضار السيارة من الزبون وأعيدها إليه بعد إصلاحها. ولدينا هنا محل تجارة سيارات، ونشعر بتراجع فيه أيضا".

وقال إن "غلاء المعيشة هنا يختزل بين تكلفة السكن المتدنية أكثر من وسط إسرائيل، ولكنها ليست رخيصة أبدا، وبين تكلفة التعليم عندنا. وأدفع على تلميذ في المدرسة الإعدادية 600 شيكل شهريا، وعلى تلميذ في المدرسة الثانوية أدفع 1000 – 1100 شيكل شهريا. ومع كمية الأولاد كالتي لدينا تختزل المصروفات مع تكلفة السكن في وسط إسرائيل. فإنا أدفع على التعليم ثلاثة أضعاف ما يدفعه مواطن في وسط إسرائيل. لكن من الجهة الأخرى، نحن مجموعة سكانية تنفق أقل على الملابس. نحن لا نرتدي الماركات المشهورة، وحتى سن الثالثة عشرة لا يحمل الأولاد عندنا هاتفا جوالا".

إلا أن المعطيات الرسمية التي تم نشرها في تشرين الأول الماضي، دلت على أن حكومة إسرائيل ترصد ميزانيات للمستوطنات في مجال التعليم، على سبيل المثال، أعلى من تلك التي ترصدها في أي منطقة أخرى. فالدولة تستثمر في كل تلميذ في جهاز التعليم الديني الثانوي 29 ألف شيكل سنويا، وهذا المبلغ أعلى بـ4400 شيكل عن الاستثمار في التلميذ اليهودي العلماني. كذلك يبرز الاستثمار المرتفع في المستوطنات في مجال التعليم للطفولة المبكرة، إذ يُرصد لكل طفل في روضات الأطفال في المستوطنات أكثر بـ1430 شيكل بالمعدل، من الميزانية المخصصة للروضات في بلدات داخل الخط الأخضر. والاستثمار في الروضات في المستوطنات أعلى بـ13% منه في إسرائيل، وأعلى بـ19% من الميزانيات للروضات في البلدات العربية داخل الخط الأخضر.

وينعكس حجم هذه الميزانيات بعدد التلاميذ المنخفض نسبيا في الغرفة الدراسية في المستوطنات قياسا مع الوضع في إسرائيل، ما يعني أيضا أن نسبة العاملين في جهاز التعليم في المستوطنات ضعفا النسبة في إسرائيل. كذلك فإن الميزانيات الحكومية للمستوطنات أعلى من تلك التي تُحول للسلطات المحلية في إسرائيل. وهذه الميزانيات المرتفعة نابعة من كثرة الأولاد وكثرة المهاجرين الجدد في المستوطنات.

واعتبرت الباحثة في جامعة مستوطنة "أريئيل"، الدكتورة عيديت سولبرغ، أن تفضيل المستوطنات في الميزانيات "نابع من مميزات ديمغرافية وبسبب وضع المنطقة، مثل كثرة الأولاد، الخلفية الاجتماعية – الاقتصادية المتدنية لقسم كبير من السكان والبُعد الكبير من المستوطنات الذي يسبب إنفاقا أكبر على الخدمات، مثل توفير سفريات بحافلات مصفحة إلى المدارس. ومن الجهة الأخرى هناك نقص في دخل السلطات المحلية للمستوطنات نتيجة قلة الدخل من الضرائب البلدية بسبب العدد القليل للمصالح التجارية".

المصطلحات المستخدمة:

الخط الأخضر, الكتلة, كريات أربع

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات