المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ادعى قادة المستوطنين في السنوات الأخيرة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، جمّد مخططات بناء في المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية بسبب ضغوط دولية، وخاصة أميركية. وبدوره يمتنع نتنياهو عن التعقيب على هذه الادعاءات، ليوحي بأنها صحيحة. لكن خلال السنوات التي أعقبت عودته إلى رئاسة الحكومة، في بداية العام 2009، تتزايد شعبيته في المستوطنات، كما ارتفع عدد المستوطنين المصوتين لحزب الليكود الذي يتزعمه، ونجح نتنياهو خلال السنوات السبع الأخيرة في تشكيل ثلاث حكومات، ولا يبدو أن هناك منافسا له، لا في معسكر اليمين ولا في معسكر الوسط.

وفيما يتعلق بادعاءات قادة المستوطنين وصمت نتنياهو حيالها، تُبين المعطيات والإحصائيات الرسمية لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، أنه تم اعتماد سياسة تضليل في كل ما يتعلق بالتوسع الاستيطاني، وفقا لمقال نشره المحلل الاقتصادي – السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيفر بلوتسكر، يوم الجمعة الماضي.

بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية في نهاية العام 2008، وفقا لمكتب الإحصاء المركزي، 260 ألفا. وهذا الرقم لا يشمل البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة الغربية ولا المستوطنات في القدس الشرقية. وتفيد معطيات مكتب الإحصاء المركزي الحالية بأن عدد المستوطنين في الضفة الغربية، من دون البؤر الاستيطانية العشوائية، بلغ 400 ألف، يضاف إليها 220 ألفا في مستوطنات القدس الشرقية. أي أن هناك 620 ألف مستوطن في المناطق المحتلة منذ العام 1967، من دون احتساب المستوطنين في البؤر العشوائية.

وتعني هذه المعطيات الإحصائية الرسمية أنه خلال السنوات السبع من حكم نتنياهو ارتفع عدد سكان المستوطنات بنسبة 55%، وبوتيرة سنوية بنسبة 5ر6%. وللمقارنة، فإنه خلال هذه السنوات السبع الأخيرة، ازداد عدد سكان إسرائيل اليهود بنسبة 13%، وبوتيرة سنوية بنسبة 8ر1%.

ويعني ذلك أن وتيرة الزيادة السكانية في المستوطنات كانت أكثر بأربع مرات من وتيرة الزيادة السكانية بين اليهود في إسرائيل. كذلك فإن وتيرة الزيادة السكانية بين المستوطنين هي ضعفا وتيرتها بين الفلسطينيين، وفقا لبلوتسكر.

وعزا بلوتسكر هذه الزيادة السكانية السريعة بين المستوطنين إلى الزيادة الطبيعية المرتفعة، وأزمة السكن، وأزمة الهوية لدى الحريديم في إسرائيل الذين أصبحوا "شركاء طبيعيين" لليمين، بحسب تصريحات نتنياهو، ومن أجل الحصول على ميزانيات خاصة بمجتمعهم. وسبب آخر للزيادة السكانية في المستوطنات هو الهجرة الداخلية الأيديولوجية، لأن المستوطنات باتت لدى الغالبية العظمى من اليهود في إسرائيل محل إجماع.

ورأى بلوتسكر أن هذه الزيادة في عدد المستوطنين خلال ولاية نتنياهو "هي السنوات السبع السمينة للمشروع الاستيطاني التي أنتجت واقعا قوميا جديدا، تحولت فيه معادلة الدولتين للشعبين إلى معادلة غير قابلة للتطبيق. كذلك فإن الفصل بين اليهود والفلسطينيين وفك الارتباط معهم لم يعد في مجال المعقول والقابل للتطبيق".

ولفت إلى أن "إضافة 150 ألف مستوطن، أي ما يساوي خمس مدن جديدة في النقب والجليل يسكن في كل واحدة منها 30 ألفا، استوجبت استثمارات حكومية كبيرة أخرى في البنى التحتية المادية والاجتماعية، وفي مؤسسات الدولة والخدمات العامة في يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية). ومعطيات هذه الميزانيات ليست مكشوفة".

وأضاف بلوتسكر أن "ثمة من سيرى بالتوسع الاستيطاني بركة، وثمة من سيرى بذلك كارثة. وفي الحالتين، فإن الزيادة المتسارعة في المستوطنات لم تلفت انتباه الرأي العام، ولم تحتل العناوين في وسائل الإعلام، ولم تتسبّب بعصف الأجواء. ففي هذه السنوات السبع عصفت الأجواء حول قضايا أخرى مثل مركزية الشركات في البورصة، عمولات البنوك، أسعار الجبنة ومنتجات الألبان عامة، فرض ضرائب على أرباح شركات محجوزة، خطة الغاز الحكومية، الهاي- تك وما إلى ذلك. وقد كان الانشغال العام والسياسي في هذه القضايا مكثفا ومستهلكا لموارد إلى حد كبير، لدرجة أن اليسار واليمين المعتدل لم يتبقَ لديهما وقت وقوة لكي يرفعا رأسهما، والنظر خلف الخط الأخضر ورؤية ما الذي تغير في المستوطنات اليهودية هناك. وسنواتهم السبع التي مضت مرّت من تحت الرادار".

وأردف أنه "لو كنت أؤمن بنظرية المؤامرة لكتبت أن هذا لم يحدث صدفة. ولكتبت أنه كانت هناك مؤامرة سلطوية لإغراق الخطاب العام الإسرائيلي بمواضيع استهلاكية – اقتصادية شعبية كثيرة شريطة عدم طرح موضوع المستوطنات الآخذة بالاتساع. ولكتبت أن الذين قادوا هذا الخطاب خدموا، بعضهم من دون علم وبعضهم بعلم، مؤامرة التضليل. لكنني لا أؤمن بالمؤامرات وإنما بالاختيار الحر، فالرأي العام في البلاد لم يرَ زيادة سكان المستوطنات لأنه لا يريد أن يرى".

واعتبر أنه في المستقبل لن يكون هناك خيار. وإذا استمرت وتيرة الزيادة السكانية في المستوطنات في الضفة الغربية سبع سنوات أخرى، فإنه سيسكن فيها 620 ألف يهودي في العام 2022. "وسيسكن في كل المنطقة التي كانت مرة الضفة الغربية والقدس الشرقية مليون يهودي، يشكلون 14% تقريبا من مجمل يهود إسرائيل. أي أن كل يهودي إسرائيلي سابع سيسكن في المناطق الواقعة خارج حدود حزيران 1967. وعندها قولوا وداعا للصهيونية، ومرحبا للدولة ثنائية القومية".

وكانت حركة "السلام الآن" الإسرائيلية المناهضة للاحتلال والاستيطان قد كشفت في أواسط تشرين الثاني 2015، عن حصولها على معلومات رسمية من وزارة البناء والإسكان الإسرائيلية في أعقاب التماس قدمته الحركة بموجب قانون حرية المعلومات.

وتبين من هذه المعلومات أن وزارة البناء والإسكان تعكف على إعداد مخططات لاستيعاب ربع مليون مستوطن جديد في الضفة الغربية.

وتشمل هذه المخططات بناء 55548 وحدة سكنية جديدة، نصفها في مستوطنات "معزولة"، أي خارج الكتل الاستيطانية الكبرى، وموجودة شرقي الجدار العازل. وتشمل المخططات أيضا إقامة مستوطنتين جديدتين إلى الشرق من الجدار.

وكشفت المعلومات في حينه أنه بعد أن ألغى نتنياهو، في تشرين الثاني 2013، مناقصة لتخطيط بناء عشرات آلاف الوحدات السكنية في المستوطنات وفي المنطقة E1، فإنه بعد ذلك بعام واحد استأجرت وزارة البناء والإسكان خدمات مهندسين من أجل التخطيط لبناء 8372 وحدة سكنية في المنطقة E1 وآلاف الوحدات السكنية الأخرى في مستوطنات أخرى. وتعتبر المنطقة E1، الواقعة شرقي القدس الشرقية، قنبلة سياسية غايتها قطع التواصل الجغرافي بين شمال الضفة الغربية وجنوبها.

وإلى جانب هذه المخططات المستقبلية، التي ينبغي أن تصادق عليها مؤسسات التخطيط والبناء وبعد ذلك الحكومة الإسرائيلية، فإن وزارة البناء والإسكان تشارك حاليا في تمويل بناء بنية تحتية لـ4054 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات، و70% منها هي مستوطنات تقع خارج الكتل الاستيطانية وفي عمق الضفة الغربية، كما أن الوزارة تُعد مخططات مفصلة من أجل تنفيذ فوري لبناء 3786 وحدة سكنية، تقع 64% منها شرقي الجدار العازل.

إضافة إلى ذلك، يواصل مستوطنون، على مرأى الحكومة الإسرائيلية وبتشجيعها، الاستيلاء على مساحة 5000 دونم في غور الأردن وبالقرب من الحدود بين الضفة الغربية والأردن. ويزرع المستوطنون هذه الأراضي ويصدرون معظم منتوجها إلى خارج البلاد. وقسم كبير من هذه الأراضي بملكية فلسطينية خاصة. كما أعلنت الحكومة الإسرائيلية مؤخرا عن مصادرة 1500 دونم من الأراضي الفلسطينية قرب مدينة أريحا والإعلان عنها أنها "أراضي دولة". ورفضت الحكومة الإسرائيلية كافة الانتقادات الدولية، وبضمنها الأميركية، المطالبة بالتراجع عن مصادرة هذه الأراضي.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات